الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه السلام، فتأمل في أحوال هؤلاء لتعرف أن أحوال الدنيا لا تنتظم لأحد، وأن العاقل لا بدّ له من الصبر على المكاره.
التفسير والبيان:
{وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ، إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ} أي واذكر أيها الرسول لقومك صبر أيوب على مرضه مدة طويلة هي نحو من ثماني عشرة سنة، حين نادى ربّه بأني قد مسني الضّر ومسّني الشيطان بمشقة وألم مضر، وإنما نسب ذلك الضر إلى الشيطان أدبا مع الله تعالى كما تقدم. والذي يجب اعتقاده أن هذا المرض لم يكن منفّرا الناس منه، وإنما هو مجرد مرض جلدي يشفى بالمياه المعدنية أو الكبريتية، لأن شرط الأنبياء: السلامة عن الأمراض المنفّرة طبعا.
روى ابن جرير وابن أبي حاتم جميعا عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
إن رسول الله ص قال: «إن نبي الله أيوب عليه السلام لبث به بلاؤه ثماني عشرة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين
(1)
، كانا من أخصّ إخوانه، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه: تعلم، والله لقد أذنب أيوب ذنبا، ما أذنبه أحد من العالمين، قال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: منذ ثماني عشرة سنة، لم يرحمه الله تعالى، فيكشف ما به، فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له.
فقال أيوب عليه السلام: لا أدري ما تقول، غير أن الله عز وجل يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان، فيذكران الله تعالى، فأرجع إلى بيتي، فأكفّر عنهما كراهية أن يذكر الله تعالى إلا في حق.
(1)
يمكن تأويل هذا الرفض بالبعد المعتاد عن كل مريض، شفقة ورحمة، لا نفورا من المرض.
قال: وكان يخرج إلى حاجته، فإذا قضاها، أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ، فلما كان ذات يوم، أبطأ عليها، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى أيوب عليه السلام أن {اُرْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ} فاستبطأته، فالتفتت تنظر، فأقبل عليها، قد أذهب الله ما به من البلاء، وهو على أحسن ما كان، فلما رأته، قالت: أي، بارك الله فيك، هل رأيت نبي الله هذا المبتلى، فو الله القدير على ذلك، ما رأيت رجلا أشبه به منك، إذ كان صحيحا، قال: فإني أنا هو، وكان له أندران: أندر للقمح، وأندر للشعير، فبعث الله تعالى سحابتين، فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض، وأفرغت الأخرى في أندر الشعير حتى فاض».
{اُرْكُضْ بِرِجْلِكَ، هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ} أي قلنا له: اضرب برجلك الأرض، فركض (ضرب) فنبعت عين جارية، فاغتسل فيها، وشرب منها، فخرج صحيحا معافى، بريئا من المرض.
وهذا دليل على أن مرضه كان من الأمراض الجلدية غير المعدية ولا المنفّرة، وإنما كانت مؤذية متعبة تحت الجلد، كالإكزيما والحكة ونحوهما، مما يمكن شفاؤه بالمياه المعدنية أو الكبريتية المفيدة في تلك الأمراض.
وكما تمّ الشفاء من المرض أعاد الله له أهله وولده وماله، فقد كان ذا مال جزيل وأولاد كثيرين وسعة من الدنيا، فقال تعالى:{وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ، رَحْمَةً مِنّا، وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ} أي منحناه أهله وضاعفناهم، إما أن الله تعالى أحياهم بعد أن أماتهم، والله قادر على كل شيء، وإما أنه تعالى جمعهم له بعد تفرقهم، وأكثر نسلهم، وزادهم، فكانوا مثلي ما كانوا قبل ابتلائه، رحمة من الله به، وتذكرة لأصحاب العقول السليمة، والإيمان أن عاقبة الصبر الفرج، وأن رحمة الله قريب من المحسنين، وأن مع العسر يسرا.