الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للخلق المستقل وللدلالة على أنه معتنى بخلقه، فهذا تشريف لآدم، فإن كل مخلوق تولى الله خلقه.
{أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ؟} أي تكبرت الآن عن السجود من غير استحقاق، أم كنت من المتكبرين المتفوقين المستحقين للترفع عن طاعة الله، فتكبرت عن السجود، لكونك منهم، وهو استفهام توبيخ.
{قالَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} إبداء للمانع. {فَاخْرُجْ مِنْها} من الجنة أو من السموات.
{رَجِيمٌ} مرجوم مطرود من الرحمة. {لَعْنَتِي} طردي. {فَأَنْظِرْنِي} فأمهلني. {إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} يبعث الناس. {إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} وقت النفخة الأولى. {فَبِعِزَّتِكَ} بسلطانك وقهرك. {لَأُغْوِيَنَّهُمْ} لأضلنهم. {الْمُخْلَصِينَ} المؤمنين الذين أخلصتهم للعبادة وعصمتهم من الضلالة.
{فَالْحَقُّ} المراد بالحق: إما اسمه عز وجل أو الحق الذي هو نقيض الباطل، عظمه الله باقسامه به، أي فالحق مني أو فالحق قسمي، وجواب القسم:{لَأَمْلَأَنَّ} . {وَالْحَقَّ أَقُولُ} أحق الحق وأقوله. {مِنْكَ} أي من ذريتك وجنسك. {وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} أي من ذرية آدم.
المناسبة:
هذه هي القصة الأخيرة في هذه السورة، وقد ذكرت في سور: البقرة، والأعراف، والحجر، والإسراء، والكهف. والمقصود منها منع الحسد والكبر، لأن امتناع إبليس عن السجود كان بسبب الحسد والكبر، والكفار إنما نازعوا محمدا ص بسبب الحسد والكبر، وذكرت هنا لتكون زاجرا للكفار عن هاتين الخصلتين المذمومتين.
التفسير والبيان:
{إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ: إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ} أي اذكر يا محمد قصة خلق آدم أبي البشر، حين قال الله للملائكة: إني سأخلق بشرا هم آدم وذريته، {مِنْ طِينٍ} تراب مخلوط بالماء، كما في آية أخرى:{مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} [الحجر 26/ 15].
{فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي، فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ} أي فإذا أتممت خلقه وعدلته وأكملته، وجعلته حيا بعد أن كان جمادا لا حياة فيه، فاسجدوا له، أي سجود التحية والتكريم، لا سجود العبادة. وهو أمر واجب بالسجود. والنفخ تمثيل لإفاضة مادة الحياة فيه، فليس هناك نافخ ولا منفوخ.
{فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} أي فامتثل الملائكة كلهم لأمر الله، وسجدوا عن آخرهم، ما بقي منهم ملك إلا سجد، وسجدوا مجتمعين في آن واحد، لا متفرقين.
{إِلاّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ} أي سجد الملائكة كلهم إلا إبليس امتنع مستكبرا متعاظما ولم يكن من الساجدين، جهلا منه بأنه طاعة، وكان استكباره استكبار كفر، فصار من الكافرين بمخالفة أمر الله وأنفته من السجود واستكباره عن طاعة الله، أو إنه كان من الكافرين في علم الله.
{قالَ: يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ، أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ} قال الله له: يا إبليس ما الذي صرفك وصدك عن السجود لآدم، الذي توليت بنفسي خلقه من غير واسطة أب وأم، هل استكبرت عن السجود الآن، أم أنك كنت من القوم المتعالين عن ذلك؟ والمراد إنكار الأمرين معا.
فأجاب قائلا:
{قالَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ، خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ، وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} أي إنني خير من آدم، فإني مخلوق من نار، وآدم مخلوق من طين، والنار خير وأشرف من الطين في زعمه، لما فيها من صفة الارتفاع والعلو، وأما التراب فهو خامد هابط لا ارتفاع فيه.
{قالَ: فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} قال الله تعالى: فاخرج من الجنة أو
من السموات أو من زمرة الملائكة، فإنك مرجوم بالكواكب، مطرود من رحمة الله ومحل أنسه ومن كل خير.
{وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ} أي وإن طردي مستمر دائم ما دامت الدنيا إلى يوم الجزاء والقيامة، ثم في الآخرة يلقى من عذاب الله وعقوبته وسخطه ما هو به حقيق.
{قالَ: رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} أي قال إبليس: رب أمهلني حيا، ولا تعاجلني بالإماتة إلى اليوم الذي يبعث فيه الناس، أي آدم وذريته بعد موتهم. طلب هذا ليوسوس لآدم وذريته، فيثأر من آدم الذي كان سببا لطرده من رحمة الله.
{قالَ: فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ، إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} قال الله تعالى:
فإنك من الممهلين، إلى اليوم الذي قدره الله لفناء الخلائق، وهو عند النفخة الأولى. وقد طلب إبليس الإنظار (الإمهال) إلى يوم البعث، ليتخلص من الموت، لأنه إذا أنظر إلى يوم البعث، لم يمت، فأنظره الله إلى وقت الصعق لا إلى البعث. فلما أمن الهلاك تمرد وطغى وتحدى قائلا:
{قالَ: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} أي فإني أقسم بعزتك (سلطانك وقهرك) أن أضل بني آدم بتزيين الشهوات لهم، وإدخال الشبه عليهم، إلا الذين أخلصتهم لطاعتك، وعصمتهم من الضلالة والهوى والشيطان، فهؤلاء لا أقدر على إضلالهم وإغوائهم، كما قال تعالى:{إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ، إِلاّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ} [الحجر 42/ 15].
فأجابه الله تعالى: