الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير والبيان:
{أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ} أهذا المذكور من نعيم الجنة وما فيها مآكل ومشارب وملاذ وغيرها خير ضيافة وعطاء، أم شجرة الزقوم ذات الطعم المرّ الشنيع، التي في جهنم؟ وهذا نوع من التهكم والسخرية بهم، فهو طعام أهل النار يتزقمونه، وهو نزلهم وضيافتهم.
{إِنّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظّالِمِينَ} أي إنا جعلنا تلك الشجرة اختبارا للكافرين، حين افتتنوا بها وكذبوا بوجودها، فقالوا: كيف تكون الشجرة في النار، والنار تحرق ما فيها؟ وهذا الاستبعاد لجهلهم بأن بعض الأشياء غير قابل للاحتراق، ولأنهم لم يعلموا ولم يلاحظوا أن من قدر على خلق إنسان يعيش في النار، فهو أقدر على خلق شجر فيها لا يحترق.
وصفات تلك الشجرة ما قاله تعالى:
1 -
{إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} أي إنها شجرة تنبت في قعر النار وقرار جهنم، وترتفع أغصانها إلى دركاتها.
2 -
{طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ} أي إن ثمرها وما تحملها كأنه في تناهي قبحه وشناعة منظره كأنه رؤوس الشياطين، تبشيعا لها وتكريها لذكرها، فشبّه المحسوس بالمتخيل غير المرئي، والعرب تشبّه قبيح الوجه بالشيطان، وتشبه جميل الصورة بالملك، كما جاء في القرآن حكاية على لسان صواحبات يوسف عليه السلام:{ما هذا بَشَراً، إِنْ هذا إِلاّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف 31/ 12].
وقيل: إن الشياطين هي حيّات لها رؤوس وأعراف، وهي من أقبح الحيات.
ثم ذكر الله تعالى أن هذه الشجرة مأكل الكفار أهل النار، فقال:
{فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها، فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ} أي إنهم يأكلون من ثمر هذه الشجرة السيء الريح والطعم والطبع، فيملئون بطونهم منه، بالإكراه والاضطرار، لأنهم لا يجدون غير هذه الشجرة ونحوها، كما قال تعالى:{لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاّ مِنْ ضَرِيعٍ، لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} [الغاشية 6/ 88 - 7] فهذا طعامهم وفاكهتهم بدل رزق أهل الجنة.
روى ابن أبي حاتم والترمذي والنسائي وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ص تلا هذه الآية، وقال:«اتقوا الله حق تقاته، فلو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معايشهم، فكيف بمن يكون طعامه؟»
(1)
.
وبعد وصف طعامهم، وصف تعالى شرابهم بما هو أبشع منه، قائلا:
{ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ} أي ثم إن لهم بعد الأكل منها لشرابا من ماء شديد الحرارة يخالط طعامهم. والمقصود من كلمة {ثُمَّ} بيان أن حال المشروب في البشاعة أعظم من حال المأكول. ومكان هذا الماء خارج جهنم، لقوله تعالى:
{ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ} أي مرجعهم بعد شرب الحميم وأكل الزقوم إلى دار الجحيم. وهذا يدل على أنهم عند شرب الحميم لم يكونوا في الجحيم، مما يدل على أن الحميم في موضع خارج عن الجحيم، فهم يوردون الحميم لشربه، كما تورد الإبل إلى الماء، ثم يردّون إلى الجحيم، كما قال تعالى:{هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن 43/ 55 - 44].
(1)
قال الترمذي: حسن صحيح.
وبعد وصف عذابهم في أكلهم وشربهم ذكر الله تعالى علة العذاب قائلا:
{إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ، فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ} أي إنهم وجدوا وصادفوا آباءهم على الضلال، فاقتدوا بهم وقلدوهم، من غير تعقل ولا تدبر، ولا حجة وبرهان، فهم يتبعون آباءهم في سرعة، كأنهم حرّضوا على ذلك، وأزعجوا إلى اتباع آبائهم.
ثم بيّن الله تعالى أن الكفر ظاهرة قديمة، وأتباعه كثر، تسلية للرسول ص في كفر قومه وتكذيبهم، فقال:
{وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ} أي إن أكثر الأمم الماضية كانوا ضالين، يجعلون مع الله آلهة أخرى.
ولكن رحمته تعالى لم تتركهم دون إنذار، فقال:
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ} أي أرسل الله في الأمم الماضية أنبياء ورسلا ينذرونهم بأس الله، ويحذرونهم سطوته ونقمته ممن كفر به، وعبد غيره، لكنهم تمادوا في مخالفة رسلهم وتكذيبهم فأهلكهم الله، كما قال:
{فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ} فانظر أيها الرسول والمخاطب كيف كان مصير الكافرين المكذبين، أهلكهم الله ودمّرهم وصاروا إلى النار، مثل قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم، ثم استثنى تعالى منهم المؤمنين قائلا:
{إِلاّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ} أي لكن نجى الله عباده الذين اصطفاهم وأخلصهم لطاعته، بتوفيقهم إلى الإيمان والتوحيد، والعمل بأوامر الله، ففازوا بجنان الخلد، ونصرهم في الدنيا.
ويفهم من هذه التسلية للرسول ص أنه يجب عليه أن يكون له أسوة بمن