الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبب النزول:
نزول الآية (23):
{اللهُ نَزَّلَ} :
روى الحاكم وغيره عن سعد بن أبي وقاص قال: نزل على النبي ص القرآن، فتلاه عليهم زمانا، فقالوا: يا رسول الله، لو حدثتنا؟ فنزل:{اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} . وعن ابن عباس: أن قوما من الصحابة قالوا: يا رسول الله، حدّثنا بأحاديث حسان وبأخبار الدهر، فنزل:{اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} .
المناسبة:
بعد أن بيّن الله تعالى ما يوجب الإقبال على الآخرة بطاعة الله تعالى، وما يوجب الإعراض عن الدنيا، أوضح أن الانتفاع بهذه البيانات لا يكمل إلا إذا شرح الله الصدور ونوّر القلوب، ثم أوضح أن من أضله الله فلا هادي له، وأن من يلقى في النار ليس كمن آمن وأمن، فدخل الجنة، وأن مكذبي الرسل لهم عذاب شديد في الدنيا والآخرة.
التفسير والبيان:
{أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ؟} أي أفمن وسّع الله صدره للإسلام، فقبله واهتدى بهديه، فهو بسبب هذه الهداية على بصيرة ونور من ربه يفيض عليه، أي نور المعرفة والاهتداء إلى الحق، كمن قسا قلبه لسوء اختياره وغفلته وجهالته، فصار في ظلمات الضلالة وبليّات الجهالة؟!.
والمعنى: أنه لا يستوي المهتدي المهدي الموفق للإسلام والحق ومن هو قاسي القلب، البعيد عن الحق، كما قال تعالى: {أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً، فَأَحْيَيْناهُ، وَجَعَلْنا لَهُ
نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ، كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها} [الأنعام 122/ 6] وقال تعالى:{فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ} [الأنعام 125/ 6].
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: قلنا: يا رسول الله، قوله تعالى:{أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ، فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} كيف انشرح صدره؟ قال: «إذا دخل النور القلب انشرح وانفتح، قلنا: يا رسول الله، وما علامة ذلك؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله» .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن ابن عمر: أن رجلا قال:
يا رسول الله، أي المؤمنين أكيس؟ قال:«أكثرهم للموت ذكرا، وأحسنهم له استعدادا، وإذا دخل النور في القلب انفسح واستوسع، قالوا: فما آية ذلك يا نبي الله؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزول الموت» .
ثم ذكر عقاب قساة القلوب للدلالة على الكلام المحذوف الذي قدر، فقال:
{فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ، أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي فالعذاب الشديد لمن لا تلين قلوبهم عند ذكر الله، ولا تخشع ولا تعي ولا تفهم، أولئك قساة القلوب في ضلال واضح عن الحق، وغواية ظاهرة لكل الناس.
أخرج الترمذي عن ابن عمر قال: قال رسول الله ص: «لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي» .
وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ص قال: «قال الله تعالى: اطلبوا
الحوائج من السّمحاء، فإني جعلت فيهم رحمتي، ولا تطلبوها من القاسية قلوبهم، فإني جعلت فيهم سخطي».
وقال مالك بن دينار: ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة قلب، وما غضب الله على قوم إلا نزع الرحمة من قلوبهم.
ثم وصف الله القرآن الذي يشرح الصدر، فقال:
(1)
نزل أحسن الأحاديث وهو القرآن، لما فيه من الخيرات والبركات والمنافع العامة والخاصة، وهو كتاب يشبه بعضه بعضا في جمال النظم وحسن الإحكام والإعجاز، وصحة المعاني، وقوة المباني، وبلوغه أعلى درجات البلاغة، وتثنى فيه القصص وتردد، وتتكرر فيه المواعظ والأحكام من أوامر ونواه ووعد ووعيد، ويثنى في التلاوة فلا يملّ سامعه، ولا يسأم قارئه.
إذا ذكرت آيات العذاب اقشعرت جلود الخائفين لله، كما قال الزجاج، وتضطرب النفس وترتعد بالخوف مما فيه من الوعيد. ثم تسكن وتطمئن الجلود والقلوب عند سماع آيات الرحمة، قال قتادة: هذا نعت أولياء الله، نعتهم بأنها تقشعر جلودهم، ثم تطمئن قلوبهم إلى ذكر الله، ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم، إنما ذلك في أهل البدع، وهو من الشيطان.
عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت: كان أصحاب النبي ص إذا قرئ عليهم القرآن، كما نعتهم الله، تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم.
(1)
الابتداء باسم الله وإسناد ضمير نَزَّلَ إليه: فيه تفخيم للمنزّل ورفع منه، كما تقول: الملك أكرم فلانا.
قيل لها: فإن أناسا اليوم إذا قرئ عليهم القرآن، خر أحدهم مغشيا عليه، فقالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
{ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ} أي ذلك الكتاب أو القرآن هو هداية الله يهدي به من يشاء هدايته ويوفقه للإيمان، وهذه صفة من هداه الله، ومن كان على خلاف ذلك، فهو ممن أضله الله.
{وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ} أي من يخذله الله عن الإيمان بالقرآن من الفساق والفجرة، فلا مرشد له.
ثم أبان الله تعالى سبب التفرقة بين المهتدي والضال، فقال:
{أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ؟} هذا مثل قوله تعالى:
{أَفَمَنْ يُلْقى فِي النّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ} [فصلت 40/ 41]. والمعنى:
أمن يتقحم نار جهنم، فلا يجد ما يتقي به سوى وجهه، ليتقي العذاب الشديد يوم القيامة، كمن هو آمن لا يعتريه شيء من المخاوف أو المكروه، ولا يحتاج إلى اتقاء المخاوف، بل هو سالم من كل سوء، مطمئن في جنة الله؟! أي لا يستوي هذا وذاك، كما قال عز وجل:{أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك 22/ 67].
{وَقِيلَ لِلظّالِمِينَ: ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} أي: وحين يقال للكافرين:
ذوقوا جزاء كسبكم من المعاصي في الدنيا، كقوله تعالى:{هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ، فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة 35/ 9].
ثم ذكر تعالى عذاب مكذبي الرسل من الأمم الماضية في الدنيا، فقال: