الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{فَواقٍ} بضم الفاء وفتحها: أي توقف مقدار من الزمن وهو ما بين حلبتي الناقة أو الرضعتين، حتى يجتمع الحليب في الضرع، أو الفواق: الرجوع والترداد، فإن في الفواق يرجع اللبن بعد سويعة إلى الضرع، أي إذا جاءت الصيحة لا تتوقف مقدار فواق ناقة، وفي
الحديث الذي رواه البيهقي عن أنس، وهو ضعيف:«العيادة فواق ناقة» {وَقالُوا} كفار مكة استهزاء {قِطَّنا} قسطنا من العذاب الذي توعدنا به، أو كتاب أعمالنا، استعجلوا ذلك استهزاء.
المناسبة:
بعد بيان أن المشركين توانوا وتكاسلوا عن النظر والاستدلال، لأنه لم ينزل بهم العذاب، بيّن الله تعالى في هذه الآيات أن أقوام سائر الأنبياء كانوا هكذا، حتى نزل بهم العقاب. والمقصود منه تخويف أولئك الكفار الذين كانوا يكذبون الرسول ص في إخباره عن نزول العقاب بهم.
التفسير والبيان:
ذكر الله ستة أصناف من الكفار الذين كذبوا الرسل في الأمم الغابرة وهم:
1 -
3: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ} أي كذبت الرسل قبل قريش قوم نوح، وقبيلة عاد، وفرعون ذو الحكم الراسخ وقومه.
أما قوم نوح عليه السلام فكذبوه وآذوه وهزئوا به، وقالوا عنه: إنه مجنون، فأهلكهم الله بالغرق والطوفان، ونجّى الله نوحا ومن آمن به، كما قال تعالى:{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ، فَكَذَّبُوا عَبْدَنا، وَقالُوا: مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ، فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ، فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ، وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً، فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ، وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ، تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ} [القمر 9/ 54 - 14].
وأما عاد قوم هود عليه السلام فكذبوه أيضا، فأهلكهم الله بالريح، كما قال تعالى: {وَأَمّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ، سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ
أَيّامٍ حُسُوماً، فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى، كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ} [الحاقة 6/ 69 - 7].
وأما فرعون الطاغية الجبار ذو الحكم الثابت الراسخ القوي، فأرسل الله تعالى إليه موسى عليه السلام بآيات أو معجزات تسع ومعه أخوه هارون، فكذب وعصى، فأهلكه الله بالغرق، ونجى موسى وقومه المؤمنين، كما قال تعالى:
{هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى، إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً، اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى، فَقُلْ: هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكّى، وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى، فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى، فَكَذَّبَ وَعَصى، ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى، فَحَشَرَ فَنادى، فَقالَ: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى، فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى، إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى} [النازعات 15/ 79 - 26]. وقال سبحانه: {وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ، فَأَنْجَيْناكُمْ، وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [البقرة 50/ 2].
4 -
6: {وَثَمُودُ، وَقَوْمُ لُوطٍ، وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ، أُولئِكَ الْأَحْزابُ} أي كذبت قبيلة ثمود قوم صالح، وقوم لوط، وأصحاب الأيكة، أي الغيضة، أولئك الأحزاب، أي هم الموصوفون بالقوة والكثرة، كمن تحزّب عليك أيها النبي.
أما ثمود قوم صالح عليه السلام فكذبوه، وعقروا الناقة المعجزة، فأهلكهم الله بالصيحة، أو بالطاغية، فصاروا كهشيم المحتظر، كما قال تعالى:{فَأَمّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطّاغِيَةِ} [الحاقة 5/ 69] وقال سبحانه: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ، فَقالُوا: أَبَشَراً مِنّا واحِداً نَتَّبِعُهُ، إِنّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ} إلى أن قال: {إِنّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} [القمر 23/ 54 - 31].
وأما قوم لوط عليه السلام فكذبوه أيضا فأهلكوا بالخسف أو الزلزلة، كما قال تعالى:{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ، إِنّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلاّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ} [القمر 33/ 54 - 34].
وأما أصحاب الأيكة (أي الشجر الكثير الملتف بعضه على بعض) فهم قوم شعيب عليه السلام، كذبوه، فأهلكوا بعذاب يوم الظلّة، كما قال تعالى:
{وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ، فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ، وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ} [الحجر 78/ 15 - 79]. وقال سبحانه: {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ، إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء 189/ 26].
وسبب إهلاكهم تكذيبهم الرسل، كما قال تعالى:
{إِنْ كُلٌّ إِلاّ كَذَّبَ الرُّسُلَ، فَحَقَّ عِقابِ} أي ما كل أحد من هؤلاء الأقوام الغابرة إلا كذب الرسل، فوجب عقاب الله لهم، جزاء وفاقا. وهذا يعني أن علة إهلاكهم هو تكذيبهم بالرسل، فليحذر المخاطبون من ذلك أشد الحذر، وهذا مفاد الآية التالية:
{وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ} أي ما ينتظر كفار قريش إلا عقابا بنفخة الساعة التي هي النفخة الثانية وهي نفخة الفزع التي يأمر الله إسرافيل أن يطولها، فلا يبقى أحد من أهل السموات والأرض إلا فزع إلا من استثنى الله عز وجل. وما لها من فواق: أي ما لها من انتظار وراحة وإفاقة.
وتحدث تلك النفخة بلا توقف مقدار فواق الناقة: وهو الزمن الذي بين الحلبتين.
والمعنى: ليس بينهم وبين حلول ما أعد الله لهم من عذاب النار إلا أن ينفخ في الصور النفخة الثانية، وإذا حل هذا الموعد فلا تأخر عنه أبدا، كما قال تعالى:
{ما يَنْظُرُونَ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ، فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} [يس 49/ 36 - 50] وهذا إخبار عن قرب القيامة والموت.
ثم ذكر تعالى الشبهة الثالثة للكفار في تكذيب النبي ص وهي المتعلقة بالمعاد
(1)
، فقال:
(1)
والشبهتان الأولى والثانية في الآيات المتقدمة: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ.. (5 - 8).