الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: {لَهُمْ غُرَفٌ} في معنى الوعد. {لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ} الوعد، لأن الخلف نقص، وهو على الله تعالى محال.
سبب النزول:
نزول الآية (17
- 18):
{فَبَشِّرْ عِبادِ} :
أخرج جويبر عن جابر بن عبد الله قال: لما نزلت {لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ} الآية، أتى رجل من الأنصار النبي ص، فقال: يا رسول الله، إني لي سبعة مماليك، وإني قد أعتقت لكل باب منها مملوكا، فنزلت فيه الآية:
{فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ، فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} .
نزول الآية (17):
{وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطّاغُوتَ} : أخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم أن هذه الآية نزلت في ثلاثة نفر، كانوا في الجاهلية يقولون:{لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ} :
زيد بن عمرو بن نفيل، وأبي ذر الغفاري، وسلمان الفارسي.
المناسبة:
بعد نفي المساواة بين من يعلم وبين من لا يعلم، أمر الله تعالى رسوله ص بأن ينصح المؤمنين بجملة نصائح تتضمن الأمر بالتقوى والاستمرار بالطاعة، والأمر بإخلاص الدين لله في العبادة، حتى تكون خالية من الشرك والرياء، والتحذير من خسارة النفس والأهل لئلا يصلوا نار جهنم، ثم ذكر الله تعالى تهديده ووعيده لعبدة الأصنام، وأردفه بوعد المبتعدين عن عبادتها وعن كل ألوان الشرك، ليقترن الوعد بالوعيد، والترهيب بالترغيب، كما هي عادة القرآن.
التفسير والبيان:
{قُلْ: يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا، اِتَّقُوا رَبَّكُمْ} قل أيها الرسول: يا عباد الله
الذين آمنوا بالله ربا وبالإسلام دينا، اتقوا عذاب ربكم باتباع أوامره واجتناب نواهيه، والاستمرار على طاعته وتقواه.
وعلة الأمر:
{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ} لمن أحسن العمل في هذه الدنيا حسنة في الدنيا وهي الصحة والعافية والظفر والغنيمة والعزة والسلطان، وفي الآخرة وهي الجنة والمثوبة الطيبة الجزيلة. وتنكير {حَسَنَةٌ} للتعظيم للدلالة على كمالها.
ثم رغبهم في الهجرة للتمكن من التقوى والطاعة، فقال:
{وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ} أي إذا لم تتمكنوا من التقوى في بلد، فهاجروا إلى حيث تمكن طاعة الله، والعمل بما أمر به، والترك لما نهى عنه، وجاهدوا، واعتزلوا الأوثان ومستنقعات الكفر، أسوة بالأنبياء والصالحين، كما قال تعالى:
{أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها} [النساء 97/ 4].
ثم ذكر أجرهم على الهجرة والصبر على مفارقة الأوطان، فقال:
{إِنَّما يُوَفَّى الصّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ} أي إنما يوفيهم الله أجرهم في الجنة في مقابلة صبرهم على الهجرة وترك الأوطان بغير حساب، أي بغير كيل ولا وزن، وبما لا يقدر على حصره وحسبانه حاصر وحاسب.
وهذا دليل على أن مجرد الإيمان بالقلب أو إعلان الإسلام دون تقوى ولا عمل بأوامر الله واجتناب نواهيه لا يكفي إطلاقا.
ثم ضم تعالى إلى الأمر بالتقوى الأمر بالإخلاص في العبادة والطاعة، فقال:
{قُلْ: إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ} أي إنما أمرت بإخلاص العبادة لله وحده، إخلاصا خاليا من الشرك والرياء وغير ذلك. وهذا وإن كان
أمرا للرسول ص، فهو لوم على عبادة الأوثان، من قبيل «إياك أعني واسمعي يا جارة» .
{وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} أي وأمرت بأن أكون أول المسلمين من هذه الأمة في مخالفة دين الآباء الوثنيين، وتوحيد الله، وأول من انقاد لله تعالى من أهل العصر أو القوم، لأنه أول من خالف عبّاد الأصنام.
{قُلْ: إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} أي قل لهؤلاء المشركين عبدة الأوثان: إني أخشى إن عصيت ربي بترك إخلاص العبادة له وتوحيده، وترك الدعوة المعادية للشرك وتضليل أهله عذاب يوم شديد الهول، وهو يوم القيامة. وهذا تعريض بهم بطريق الأولى والأحرى.
ثم أكد الأمر بالإخلاص في الطاعة للدلالة على أنه يعبد الله وحده، ولترسيخ المعنى في الأذهان، فقال:{قُلِ: اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي} قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين مرة أخرى: أمرني ربي أن أعبده وحده لا شريك له
(1)
، وأن يكون تعبّدي خالصا لله غير مشوب بشرك ولا رياء ولا غيرهما، فلا أعبد غيره، لا استقلالا، ولا على جهة الشركة.
ثم هددهم وأوعدهم قائلا:
{فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} أي اعبدوا ما أردتم أن تعبدوه من غير الله، من الأوثان والأصنام، فسوف تجازون بعملكم، وهذا الأمر للتهديد والتقريع والتوبيخ والتبرؤ منهم.
(1)
إن تقديم المفعول في الآية: اللهَ أَعْبُدُ على الفعل يفيد القصر، أي لا أعبد أحدا غير الله.
ثم حذرهم من عاقبة الخسران يوم القيامة قائلا:
{قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ، أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ} أي قل لهم أيها الرسول: إنما الخاسرون كل الخسران هم الذين خسروا أنفسهم بالضلال والشرك والمعاصي، وخسروا أتباعهم من الأهل حيث أضلوهم وأوقعوهم في العذاب الدائم يوم القيامة، وهذا هو الخسران البيّن الظاهر الواضح، فلا خسران أعظم منه، إذ لا مجال لتعويض الخسارة.
ثم وصف حالهم في النار لبيان نوع الخسران فقال:
{لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النّارِ، وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} أي لهم أطباق متراكمة من النار الملتهبة عليهم، من فوقهم ومن تحتهم، أي أن النار محيطة بهم من كل جانب، كما قال تعالى:{لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ، وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ، وَكَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ} [الأعراف 41/ 7] وقوله: {يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ، وَيَقُولُ: ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت 55/ 29].
وسمى ما تحتهم ظللا، لأنها تظلل من تحتها من أهل النار، ففي كل طبقة من طبقات النار طائفة من طوائف الكفار.
{ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ، يا عِبادِ فَاتَّقُونِ} أي ذلك العذاب الشديد الذي يخبر به الله خبرا كائنا لا محالة ليرهب به عباده، لينزجروا عن المعاصي والمآثم والمحارم، فيا عبادي اخشوا بأسي وسطوتي، وعذابي ونقمتي. وهذا التحذير والتنبيه نعمة عظمي صادرة من فيض رحمة الله وفضله، حتى لا يفاجأ الناس بالعذاب، ومن أنذر فقد أعذر.
وبعد إيراد هذا الوعيد لعبدة الأصنام، ذكر الله تعالى وعده لمن اجتنب عبادتها، فقال:
{وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللهِ، لَهُمُ الْبُشْرى} أي والذين أعرضوا عن عبادة الأصنام والشيطان، وأقبلوا على عبادة الله معرضين عما سواه، لهم البشارة العظمى بالثواب الجزيل، وهو الجنة، إما على ألسنة الرسل، أو حين الموت أو عند البعث. وهي بشارة شاملة لمن نزلت الآية في حقهم ولغيرهم ممن اجتنب عبادة الأوثان، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والآية كقوله تعالى:{لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ} [يونس 64/ 10].
والطاغوت
(1)
: يطلق على الواحد والجمع، ويشمل عبادة الأوثان والشيطان، لأن الشيطان هو الآمر بتلك العبادة والمزيّن لها، فهو سبب الكفر والعصيان.
{فَبَشِّرْ عِبادِ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} أي بشر بالجنة أيها الرسول عبادي المؤمنين الذين اجتنبوا عبادة الطاغوت، والذين يستمعون القول الحق، من كتاب الله وسنة رسوله، فيفهمونه، فيتبعون أحسن ما يؤمرون به، فيعملون بما فيه، كما قال تعالى لموسى عليه السلام:{فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها} [الأعراف 145/ 7].
وهذا مدح لهم بأنهم نقّاد في الدين يميزون بين الحسن والأحسن، والفاضل والأفضل.
{أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ} أي هؤلاء المتصفون بهذه الصفة هم الذين وفقهم للصواب في الدنيا والآخرة، وهم ذوو العقول الصحيحة والفطر المستقيمة.
(1)
وقرئ: الطواغيت.