الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من التوحيد والوعد والوعيد وإثبات المعاد، ولم يخالفهم في تلك الأصول، ولا جاء بشيء يغاير ما أتوا به من قبله، فكيف يصح وصفه بالشاعر أو المجنون؟ قال تعالى:{ما يُقالُ لَكَ إِلاّ ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} [فصلت 43/ 41] وقال سبحانه: {مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ} [فاطر 31/ 35].
فقه الحياة أو الأحكام:
يستفاد من الآيات ما يلي:
1 -
يحشر الملائكة ويسوقون بأمر الله تعالى الكفار إلى موقف السؤال، وهم ثلاثة أنواع: الظالمون، وأزواجهم (أمثالهم) والأشياء التي كانوا يعبدونها.
والمراد بالظالمين: الكافرون، لكونهم عابدين لغير الله تعالى.
وهذا يدل على أن الظالم المطلق هو الكافر، ويفهم منه أن كل وعيد ورد في حق الظالم، فالمراد منه الكفار، ويؤكده قوله تعالى:{وَالْكافِرُونَ هُمُ الظّالِمُونَ} [البقرة 254/ 2].
وقوله تعالى: {وَأَزْواجَهُمْ} فسر بأقوال ثلاثة الظاهر منها أولها، ويجوز إرادتها كلها:
الأول-أشباههم من الكفرة، فاليهودي مع اليهودي، والنصراني مع النصراني، وهكذا، لقوله تعالى:{وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً} [الواقعة 7/ 56].
الثاني-قرناؤهم من الشياطين، لقوله تعالى:{وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ} [الأعراف 202/ 7].
الثالث-المراد: نساؤهم اللواتي على دينهم.
2 -
يوقف الكفار للحساب ثم يساقون إلى النار، فيكون الإيقاف أو الحبس قبل السوق إلى الجحيم، ويكون بين الآيتين {فَاهْدُوهُمْ} و {وَقِفُوهُمْ} تقديم
وتأخير. وقيل: يساقون إلى النار أولا، ثم يحشرون للسؤال إذا قربوا من النار، ويكون سؤالهم عن عقائدهم وأقوالهم وأفعالهم.
وهذا كله دليل على أن الكافر يحاسب.
3 -
يقال لهم على جهة التقريع والتوبيخ: {ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ} أي لا ينصر بعضكم بعضا، فيمنعه من عذاب الله.
4 -
في ذلك الموقف الرهيب لا حيلة لهم، وهم منقادون خاضعون لأمر الله، مستسلمون لعذاب الله عز وجل.
5 -
تظهر هناك صورة من النقاش والجدل والتخاصم والتلاوم بين الرؤساء والأتباع، لقوله سبحانه:{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ} أي يسأل بعضهم بعضا، والمراد بالتساؤل: التخاصم، فليس المقصود منه تساؤل المستفهمين، بل هو تساؤل التوبيخ واللوم.
يقول الأتباع لمن دعاهم إلى الضلالة: {إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ} أي تأتوننا عن طريق الخير وتصدوننا عنها، أو تأتوننا عن اليمين التي نحبها ونتفاءل بها لتغرونا بذلك من جهة النصح، والعرب تتفاءل بما جاء عن اليمين وتسميه السانح، أو تأتوننا من قبل الدّين، فتهونون علينا أمر الشريعة وتنفروننا عنها. قال القرطبي عن الأخير: وهذا القول حسن جدا، لأن من جهة الدين يكون الخير والشر، واليمين بمعنى الدّين، أي كنتم تزينون لنا الضلالة.
وقيل: اليمين بمعنى القوة، أي تمنعوننا بقوة وغلبة وقهر، قال الله تعالى:
{فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ} [الصافات 93/ 37] أي بالقوة، وقوة الرجل في يمينه.
فيجيبهم الرؤساء: {بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} أي لم تؤمنوا قط حتى ننقلكم من الإيمان إلى الكفر، بل كنتم على الكفر وألفتموه. ولم يكن لنا عليهم سلطان وقهر وحجة في ترك الحق، بل كنتم قوما ضالين متجاوزين الحد، فوجب علينا وعليكم قول ربّنا، فكلنا ذائقو العذاب، كما أخبر الله على ألسنة الرسل:
{لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة 13/ 32].
وقالوا أيضا: لقد أغويناكم وأضللناكم، أي زينا لكم ما كنتم عليه من الكفر، إنا كنا غاوين بالوسوسة والاستدعاء.
6 -
ثم أخبر الله تعالى عنهم: {فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ} أي يكون القادة والأتباع جميعا في نار جهنم، سواء الضال والمضل، كل بحسبه.
7 -
إن مقتضى العدل الإلهي والسنن الرباني أن يعاقب المجرمون المشركون على جرمهم العظيم، وهو إنكار الوحدانية والاستكبار عن كلمة التوحيد، وتكذيب الرسل، أو التكذيب بالتوحيد، والتكذيب بالنبوة.
وقد صدر منهم الأمران جميعا، أما إنكار التوحيد ففي قوله تعالى:{إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ: لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ، يَسْتَكْبِرُونَ} وأما تكذيب الرسل فهو في قوله سبحانه: {وَيَقُولُونَ: أَإِنّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ} أي لقول شاعر مجنون، فجمعوا بين إنكار الوحدانية وإنكار الرسالة.
فردّ الله عز وجل عليهم بقوله: {بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} أي إن الرسول ص جاء بالقرآن والتوحيد، وصدّق الأنبياء المرسلين قبله فيما جاؤوا به من التوحيد ونفي الشريك.