الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير والبيان:
{فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا؟} أي سل أيها الرسول هؤلاء المنكرين للبعث: أيهم أشد خلقا، أي أصعب إيجادا، هم أم السموات والأرض وما بينهما من الملائكة والشياطين والمخلوقات العظيمة؟ والآية نزلت في الأشد بن كلدة وأمثاله، سمي بالأشد لشدة بطشه وقوته.
والسؤال للتوبيخ والتقريع، فإنهم يقرون أن هذه المخلوقات أشد خلقا منهم، وإذا كان الأمر كذلك، فلم ينكرون البعث؟ وهم يشاهدون ما هو أعظم مما أنكروا، كما قال الله عز وجل:{لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النّاسِ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [غافر 57/ 40] وقال سبحانه: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} [يس 81/ 36].
ثم أوضح الله تعالى مدى هذا التفاوت، فقال:
{إِنّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ} أي إنا خلقنا أصلهم وهو آدم من طين لزج يلتصق باليد. فإذا كانوا مخلوقين من هذا الشيء الضعيف، فكيف يستبعدون المعاد؟ وهو إعادة الخلق من التراب أيضا، أو من الماء الذي خالط التراب إذا مات الإنسان في الماء، ولم ينكر ذلك من هو أقوى منهم خلقا وأعظم وأكمل.
والمعنى: أن هذه الأجسام قابلة للحياة، إذ لو لم تكن قابلة للحياة، لما صارت حية في المرة الأولى، والإله قادر على خلق هذه الحياة في هذه الأجسام.
ثم انتقل البيان القرآني من أسلوب لأسلوب، فقال تعالى:
{بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} أي لا حاجة لاستفتائهم، فهم قوم معاندون، وأنت يا محمد تتعجب من تكذيب هؤلاء المنكرين للبعث، لأنك موقن إيقانا تاما بصنع الله وقدرته، وبما أخبر الله تعالى به من إعادة الأجسام بعد فنائها،
وهم على النقيض من ذلك يسخرون ويستهزئون مما تقول لهم من إثبات البعث، ومما تريهم من الأدلة والآيات. أو عجبت من قدرة الله على هذه الخلائق العظيمة، وهم يسخرون منك ومن تعجبك ومما تريهم من آثار قدرة الله، أو عجبت من إنكارهم البعث وهم يسخرون من أمر البعث.
{وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ} أي وإذا وعظوا بموعظة من مواعظ الله ورسوله، لا يتعظون ولا ينتفعون بها، لاستكبارهم وعنادهم وقسوة قلوبهم.
{وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ} أي وإذا شاهدوا دليلا واضحا، أو معجزة من معجزات الرسول ص التي ترشدهم إلى التصديق والإيمان، يبالغون في السخرية والاستهزاء، ويتنادون للتهكم والتضاحك، ومشاركة الآخرين في السخرية.
{وَقالُوا: إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ مُبِينٌ} أي وقالوا: ما هذا الذي تأتينا به من الدلائل إلا سحر واضح ظاهر، فلا يؤبه له، ولا ننخدع به، وهو من تراث الأقدمين المشعوذين.
ثم خصصوا إنكارهم بالبعث، فقالوا:
{أَإِذا مِتْنا وَكُنّا تُراباً وَعِظاماً، أَإِنّا لَمَبْعُوثُونَ} ؟ أي إن من أعجب ما تقول: أنبعث أحياء بعد أن متنا، وصرنا ترابا وعظاما نخرة؟ {أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ} ؟ وهل يبعث أيضا آباؤنا وأجدادنا الأقدمون الغابرون الذين مضى على موتهم أحقاب طويلة الأمد؟ فإن بعثهم أشد غرابة.
فأجابهم الله تعالى بقوله:
{قُلْ: نَعَمْ، وَأَنْتُمْ داخِرُونَ} أي قل أيها الرسول لهم: نعم، تبعثون أحياء مرة أخرى، بعد صيرورتكم ترابا، وأنتم في هذا الحشر والنشر صاغرون