الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلي، فلما عادت جعل يمسح بيده سيقانها وأعناقها ونواصيها، تشريفا لها وتكريما وتدليلا وسرورا بها، وتفحصا لأحوالها وإصلاح ما قد يطلع عليه من عيوبها، لأنها عدة الجهاد، ووسيلة الحرب، لرد العدوان، ودفع غارات المعتدين. وقال أكثر المفسرين: معناه أنه مسح السيف بسوقها وأعناقها، أي قطعها، لأنها شغلته عن صلاة العصر. وهذا بعيد على نبي شاكر نعم ربه، يعاقب ما ليس أهلا للعقاب.
الواقعة الثانية:
إلقاؤه جسدا على كرسيه: {وَلَقَدْ فَتَنّا سُلَيْمانَ، وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ} أي تالله لقد اختبرنا سليمان عليه السلام باختبار آخر، وهو الفتنة في جسده، كما اختار الرازي، حيث ابتلاه الله بمرض شديد في جسمه، حتى نحل جسمه، وأصبح هزيلا، ثم أناب، أي رجع إلى حال الصحة
(1)
.
وبعض المفسرين كما ذكرت عن البيضاوي وكذا أبو حيان
(2)
يفسر هذه الفتنة بما عزم عليه من الطواف على سبعين من نسائه، تأتي كل واحدة بفارس مجاهد في سبيل الله، دون أن يقول: إن شاء الله، فلم تحمل إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل، هو الذي ألقي على جسده، فالجسد الملقى هو المولود شق رجل.
وقيل: إن الملقى شيطان، وهذا قول باطل من الزنادقة. قال ابن كثير:
وهذا وغيره من الإسرائيليات، وهي من المنكرات، من أشدها ذكر النساء
(3)
.
(1)
تفسير الرازي: 209/ 26
(2)
البحر المحيط: 397/ 7
(3)
تفسير ابن كثير: 35/ 4 وما بعدها.
{قالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي} قال سليمان: ربّ اغفر لي ما صدر عني من الذنب الذي ابتليتني لأجله، وهذا من سمو الإحساس بالخطيئة، فقد تكون شيئا لا يخلو عن ترك الأفضل والأولى، وحينئذ يحتاج إلى طلب المغفرة، لأن حسنات الأبرار سيئات المقربين، ولأن الأنبياء أبدا في مقام هضم النفس، وإظهار الذلة والخضوع، كما
قال ص فيما رواه البخاري عن أبي هريرة: «والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة» .
{وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ} وامنحني ملكا عظيما لا يتأتى لأحد غيره مثله، إنك يا ربّ أنت الكثير الهبات والعطايا، فأجب دعائي.
قال الزمخشري: كان سليمان عليه السلام ناشئا في بيت الملك والنبوة، ووارثا لهما، فأراد أن يطلب من ربّه معجزة، فطلب بحسب إلفه ملكا زائدا على الممالك، زيادة خارقة للعادة، بالغة حدّ الإعجاز، ليكون ذلك دليلا على نبوته، قاهرا للمبعوث إليهم، وأن يكون معجزة حتى يخرق العادات، فذلك معنى قوله:{لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} .
وقيل: كان ملكا عظيما، فخاف أن يعطى مثله أحد، فلا يحافظ على حدود الله فيه
(1)
.
فأجاب الله تعالى دعاءه وأعطاه نعما خمسة، فقال:
1 -
{فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ} أي فذلّلنا له الرّيح، وجعلناها منقادة لأمره، تجري ليّنة طائعة في قوّة وسرعة، دون عواصف مضطربة ولا أعاصير، تحمله إلى أي جهة قصد وأراد. ووصف الرّيح هنا بكونها رخاء لا يتعارض مع آية أخرى:{وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ} [الأنبياء 81/ 21] لأن المراد بالعاصفة هنا القوية الشديدة، لا الهائجة
(1)
الكشاف: 15/ 3