المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لك: لست مرسلا. {إِنّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ} نعلم - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ٢٣

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌تتمة قصة أصحاب القرية-تعذيب مكذبي الرسل

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أدلة القدرة الإلهية على البعث وغيره

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌موقف الكفار من تقوى الله وآيات الله والشفقة على خلق الله

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إنكار الكفار يوم البعث وبيان أنه حق لا شك فيه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء المحسنين

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء المجرمين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إثبات وجود الله ووحدانيته وبيان خواص الرسالة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إثبات البعث

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة الصافات

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مشتملاتها:

- ‌فضل هذه السّورة:

- ‌إعلان وحدانية الله

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تزيين السماء بالكواكب

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إثبات المعاد-الحشر والنشر والقيامة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مسئولية المشركين في الآخرة وأسبابها

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء الكافرين وجزاء المؤمنين المخلصين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء الظالمين وأنواع العذاب في جهنم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة نوح عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة إبراهيم عليه السلام

- ‌1 -تحطيم الأصنام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌2 -قصة الذبيح

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌من الذبيح

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة موسى وهارون عليهما السلام

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة إلياس عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة لوط عليه السلام

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة يونس عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تفنيد عقائد المشركين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (158):

- ‌نزول الآية (165):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌نصر جند الله تعالى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة ص

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مشتملاتها:

- ‌مناقشة المشركين في عقائدهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إنذار الكفار بحال الأمم المكذبة قبلهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة داود عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌الموضوع الأول-صفات داود عليه السلام

- ‌الموضوع الثاني-القضاء في خصومة

- ‌الموضوع الثالث-الاستخلاف في الأرض

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إثبات البعث والثواب والعقاب وبيان فضل القرآن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة سليمان عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌الواقعة الأولى:

- ‌الواقعة الثانية:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة أيوب عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الرأي الأول:

- ‌الرأي الثاني:

- ‌قصة إبراهيم وذريته عليهم السلام-إبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل واليسع وذي الكفل

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عقاب الطاغين الأشقياء

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض أدلة صدق النبي ص

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة آدم عليه السلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حال الداعي وحال الدعوة ومعجزة القرآن

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة الزّمر

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مشتملاتها:

- ‌فضلها:

- ‌مصدر القرآن والأمر بالعبادة الخالصة لله تعالى

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌من أدلة التوحيد وكمال القدرة وكمال الاستغناء

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌الدليل الأول وأقسامه من العالم العلوي:

- ‌الدليل الثاني وأقسامه من العالم السفلي:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تناقض الكفار واستقامة المؤمنين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌نصائح للمؤمنين في العبادة ووعدهم ووعيد عبدة الأصنام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌‌‌نزول الآية (17- 18):

- ‌نزول الآية (17

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حال الدنيا

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الهداية للإسلام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عربية القرآن وضرب الأمثال فيه

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: لك: لست مرسلا. {إِنّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ} نعلم

لك: لست مرسلا. {إِنّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ} نعلم السر والجهر، فنجازيهم عليه، وهو تعليل النهي على الاستئناف.

‌المناسبة:

بعد أن ذكر الله تعالى أصلين من أصول الدين الثلاثة، وهما الوحدانية في قوله:{وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ} والبعث أو الحشر في قوله: {هذِهِ جَهَنَّمُ} .. {اِصْلَوْهَا الْيَوْمَ} ذكر الأصل الثالث وهو الرسالة في الآيتين الأوليين:

{وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ..} . الآية.

ثم إنه تعالى أعاد الكلام على الوحدانية وأقام الأدلة الدالة عليها في بقية هذه الآيات.

‌التفسير والبيان:

ينفي الحق تبارك وتعالى صفة الشعر عن القرآن، وخاصية الشاعرية عن الرسول ص، فيقول:

{وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ} أي ليس النبي شاعرا، وما يصح له الشعر، ولا يتأتى منه ولا يسهل عليه لو طلبه، فليس هو في طبعه، ولا يحبه، وقد جعله الله أميا لا يقرأ ولا يكتب، وإنما علمه الله قرآنا هو أسمى من الشعر، ونوع آخر غير الشعر.

والشعر: كلام عربي له وزن خاص، ينتهي كل بيت منه بحرف خاص يسمى قافية، ولا بد في القصيدة من وحدة القافية، أي الحرف الأخير من كل بيت. ويعتمد الشعر على الخيال الخصب، والتصوير الرائع، والعاطفة المشبوبة، ولا يتبع الشاعر فيه ما يمليه العقل والمنطق، ولا يتحرى الصدق والدقة في إرسال أوصاف المديح والهجاء والرثاء والغزل وغير ذلك، ويبالغ الشاعر في التصوير والوصف، وما همّه إلا انتزاع الإعجاب من السامعين بقوله، لذا وصف

ص: 44

تعالى الشعراء بقوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ} [الشعراء 225/ 26 - 226] وقال العرب: أعذب الشعر أكذبه قال أبو حيان: والشعر: إنما هو كلام موزون مقفّى، يدل على معنى تنتخبه الشعراء من كثرة التخييل وتزويق الكلام وغير ذلك، مما يتورع المتدين عن إنشاده، فضلا عن إنشائه

(1)

.

أما القرآن الكريم فخبره صدق، وكلامه عظة واقعية، ومنهجه التشريع الذي يسعد البشر، وقصده الترغيب في فضائل الأعمال وغرر الخصال والأخلاق، والترهيب من الانحراف والرذيلة، وتقرير أحكام العبادة الصحيحة والمعاملة الرشيدة.

فالآية دلت على نفي كون القرآن شعرا في قوله تعالى: {وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ} ، ونفي كون النبي شاعرا في قوله تعالى:{وَما يَنْبَغِي لَهُ} وإنما علّمه الله القرآن الذي يمتاز بخاصيّة معينة تختلف عن الشعر المعروف وعن النثر المألوف.

وهي رد قاطع على قول العرب أهل مكة: إن القرآن شعر أو سحر أو من عمل الكهان، وإن محمدا شاعر، قاصدين بذلك إبطال صفة الوحي به من عند الله، وتكذيب خاصيّة الرسالة.

وأما ما ورد على لسان الرسول ص من أقوال موزونة، فهو مجرد سليقة اتفاقية من غير تكلف ولا صنعة ولا قصد، مثل قوله يوم حنين وهو راكب البغلة البيضاء يقدم بها في نحور العدو:

أنا النبي لا كذب

أنا ابن عبد المطلب

(1)

البحر المحيط: 345/ 7

ص: 45

وقوله ص حينما نكبت أصبعه في غار:

إن أنت إلا أصبع دميت

وفي سبيل الله ما لقيت

بل إن الخليل بن أحمد الفراهيدي ما عدّ المشطور من الرجز شعرا.

ولكنه ص كان يتمثل أحيانا ببعض الأشعار لشعراء العرب، مثل تمثله ببيت طرفة بن العبد في معلّقته المشهورة:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا

ويأتيك بالأخبار من لم تزود

وقد صح فيما رواه ابن أبي حاتم وابن جرير عن عائشة رضي الله عنها أنه كان يقول:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا

ويأتيك من لم تزود بالأخبار

فقال أبو بكر رضي الله عنه: ليس هذا هكذا، فقال ص:«إني لست بشاعر ولا ينبغي لي» .

وروى ابن سعد وابن أبي حاتم عن الحسن: «أنه ص كان يتمثل بهذا البيت هكذا:

كفى بالإسلام والشيب ناهيا للمرء، والرواية: كفى الشيب والإسلام للمرء.

ناهيا، فقال أبو بكر: أشهد إنك رسول الله، ما علمك الشعر، وما ينبغي لك».

وثبت في الصحيح أنه ص تمثّل يوم حفر الخندق بأبيات عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، ولكن تبعًا لقول أصحابه الذين كانوا يرتجزون، وهم يحفرون ويقولون:

اللهمّ لولا أنت ما اهتدينا.... ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزل سكينة علينا

ص: 46

وثبت الأقدام إن لاقينا

إن رأينا الأولى قد بغوا علينا

إذا أرادوا فتنةً أبينا

ويرفع صلى الله عليه وسلم صوته بقوله: أبينا، ويمدّها.

وعدم تعليمه الشعر، لأن الله إنما علّمه القرآن العظيم الذى:{لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت 42/ 41].

والقرآن ليس بشعر ولا تخيلات، ولا كهانة، ولا مفتعل، ولا سحر يؤثر، وإنما هو دستور للحياة الإسلامية، ومواعظ وإرشادات، كما قال تعالى:

{إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} أي ما القرآن إلا ذكر من الأذكار، وموعظة من المواعظ، وكتاب سماوي واضح ظاهر جلي لمن تأمله وتدبره، يتلى في المعابد، ويسترشد في كل شؤون الحياة.

لذا قال تعالى محدّدا مهمة القرآن ومهمة رسول الله ص:

{لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا، وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ} أي لينذر هذا القرآن المبين كل حي على وجه الأرض، كقوله تعالى:{لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام 19/ 6] ولكن إنما ينتفع بنذارته من هو حيّ القلب، مستنير البصيرة، ولكي تثبت به وتجب كلمة العذاب على الكافرين، الممتنعين من الإيمان به، وهذا في مقابلة صفة المؤمنين وهم أحياء القلوب، أما الكافرون فهم لكفرهم وسقوط حجتهم وعدم تأملهم أشبه بالأموات في الحقيقة، لعدم تأثرهم بعظات القرآن، وانعدام يقظتهم لاتباع الحق والهدى.

والخلاصة: أن الآية دالة على أن القرآن رحمة للمؤمنين، وحجة على الكافرين.

ثم أعاد تعالى الكلام في الوحدانية وأتى ببعض أدلتها، فقال:

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ} أي أو لم

ص: 47

يشاهد هؤلاء المشركون بالله عبدة الأصنام وغيرهم أن الله خلق لهم هذه الأنعام (وهي الإبل والبقر والغنم) التي سخرها لهم، وأوجدها من أجلهم من غير وساطة ولا شريك، وجعلهم مالكين لها، يقهرونها ويضبطونها ويتصرفون بها كيف شاؤوا، وهي ذليلة لهم، لا تمتنع منهم، ولو شاء لجعلها مستعصية عليهم، مستوحشة نافرة منهم، فلا يستفيدون منها، فترى الولد الصغير يقود البعير الكبير، بل ولو كان القطار مائة بعير أو أكثر.

ثم أبان الله تعالى منافعها الملموسة، فقال:

{وَذَلَّلْناها لَهُمْ، فَمِنْها رَكُوبُهُمْ، وَمِنْها يَأْكُلُونَ} أي وجعلناها لهم مسخّرة مذللة منقادة لهم، لا تمتنع مما يريدون منها، حتى الذبح، فمنها مركوبهم الذي يركبونه في الأسفار، ويحملون عليه الأثقال، ومنها ما يأكلون من لحمها.

{وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ، أَفَلا يَشْكُرُونَ؟} أي ولهم فيها منافع أخرى غير الركوب والأكل منها، كالاستفادة من أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين، وهي لهم مشارب أي يشربون من ألبانها، أفلا يشكرون خالق ذلك ومسخره وموجد هذه النعم لهم، بعبادته وطاعته، وترك الإشراك به غيره.

وهذا حثّ صريح على شكر الخالق المنعم بعبادته وطاعته، وهو أبسط ما يوجبه الوفاء، وتقدير المعروف والإحسان.

ولكن الكفار تنكروا لهذا الواجب، وكفروا بأنعم الله، واستمروا في ضلالهم وتركوا عبادة الله، وأقبلوا على عبادة من لا يضر ولا ينفع، وتوقعوا منه النصرة، فقال تعالى:

{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً، لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ} أي واتخذ هؤلاء المشركون

ص: 48

الأصنام ونحوها آلهة يعبدونها من دون الله، يبتغون بذلك أن تنصرهم وترزقهم وتقربهم إلى الله زلفى.

ولكنها في الواقع لا تقدر على شيء، ولا تحقق فائدة لعبادها، لذا قال تعالى مبينا خيبة أملهم:

{لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ، وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ} أي لا تقدر هذه الآلهة على نصر عابديها، بل هي أضعف من ذلك وأذل وأحقر، بل لا تقدر على نصرة أنفسها، ولا على الانتقام ممن أساء إليها، لأنها جماد لا تسمع ولا تعقل، لذا كان الثابت بطلان ما رجوه منها، وأمّلوه من نفعها.

والكفار المشركون جند طائعون للأصنام، يغضبون لها في الدنيا، وهي لا تستطيع نصرهم، ولا تقدم لهم خيرا، ولا تدفع عنهم شرا، إنما هي أصنام.

وقوله: {مُحْضَرُونَ} أي يخدمونهم، ويدفعون عنهم، ويغضبون لهم، وليس للآلهة استطاعة على شيء، ولا قدرة على النصر. أو إنهم يوم القيامة محضرون لعذابهم، لأنهم يجعلونهم وقودا للنار.

ثم سلّى الله رسوله عما يلقاه من أذى المشركين، فقال:

{فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ، إِنّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ} أي فلا يهمنك تكذيبهم لك وكفرهم بالله، وأذاهم، وجفاؤهم، وقولهم: هؤلاء آلهتنا، وأنها شركاء لله في المعبودية، أو قولهم لرسول الله ص: أنت شاعر، أو ساحر، أو كاهن ونحو ذلك.

فإنا نحن نعلم جميع ما هم فيه، نعلم سرهم وجهرهم، ونعلم ما يسرون لك من العداوة، وإنا مجازوهم بذلك، ومعاقبوهم عليه.

ص: 49