الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} استخلفناك على الملك فيها لتدبير أمور الناس {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى} هوى النفس {فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ} عن الدلائل الدالة على الحق {بِما نَسُوا} بنسيانهم {يَوْمَ الْحِسابِ} المرتب لهم، لضلالهم عن السبيل الحق، فإن تذكر يوم الحساب يقتضي ملازمة الحق ومخالفة الهوى.
المناسبة:
بعد إنذار قريش بحال الكفار الغابرين، وبعد أمر النبي ص بالصبر على أذى قريش وسفاهتهم، أمره الله تعالى بتذكر حال تسعة من الأنبياء، حال ثلاثة منهم تفصيلا، وحال ستة آخرين منهم إجمالا، ليتأسى بما لاقوا من أذى قومهم، محتسبين أجرهم عند الله تعالى.
وبدأ بذكر قصة داود عليه السلام، ليتذكر حال ذلك النبي الشاكر الصابر، ذي القوة في الدين والبدن معا.
ويجب أن تفهم هذه القصة-قصة المحاكمة-على النحو الظاهري المبين في القرآن الكريم، وأن تستبعد الإسرائيليات منها، لمناقضتها مبدأ عصمة الأنبياء، فقد روي في الإسرائيليات أن داود عليه السلام وقع بصره على امرأة تستحم، فأعجبته وعشقها، وكانت زوجة أحد قواده واسمه «أوريا الحثي» فأراد أن يتخلص منه ليتزوج بها، فأرسله في إحدى المعارك وحمّله الراية، وأمره بالتقدم فانتصر، فأرسله مرارا ليتخلص منه حتى قتل، فتزوجها.
قال البيضاوي: هذا هزء وافتراء، ولذلك
قال علي رضي الله عنه: «من حدّث بحديث داود على ما يرويه القصاص، جلدته مائة وستين» . وهو حد الفرية على الأنبياء، أي مضاعفا
(1)
.
وأبطل الإمام الرازي هذه الحكاية المفتراة بوجوه ثلاثة ملخصها:
(1)
تفسير البيضاوي: 602
الأول: أن هذه الحكاية لو نسبت إلى أفسق الناس وأشدهم فجورا لاستنكف منها.
الثاني-أن حاصل القصة يرجع إلى أمرين: السعي في قتل رجل مسلم بغير حق، وإلى الطمع في زوجته، وكلاهما منكر.
الثالث-أن الله تعالى وصف داود عليه السلام قبل ذكر هذه القصة بصفات عشر، ثم وصفه أيضا بصفات كثيرة بعد هذه القصة، وكل هذه الصفات تنافي كونه عليه السلام موصوفا بهذا الفعل المنكر والعمل القبيح
(1)
.
والرواية الصحيحة لهذه القصة: أن داود عليه السلام كان يقسم وقته الأسبوعي أثلاثا: ثلث لشؤون الملك، وثلث للقضاء بين الناس، وثلث آخر للخلوة والعبادة وترتيل الزبور في المحراب
(2)
، فتجاوز خصمان هذا النظام، وتسورا عليه المحراب من فوق الجدار طلبا للمحاكمة في غير موعدها، ففزع منهما، وظن أنهما جاءا لاغتياله، وهو منفرد في محرابه لعبادة ربه، والخصمان بشران لا ملكان، والنعاج: المواشي، لا النساء. إلا أنه بادر إلى الحكم والقضاء قبل سماع بينة الخصم الآخر، فعاتبه الله على ذلك، ونبهه إلى وجوب تثبت القاضي وسماع الخصم الآخر، قبل إصدار الحكم. وسأبين أن هذا أيضا محل نظر، فإنه لا يعقل أن يحكم داود عليه السلام قبل سماع قول الخصم الآخر، فهذا من مبادئ الحكم الأولية التي لا تترك.
(1)
تفسير الرازي: 189/ 26
(2)
وقال ابن عباس: جزّأ أزمانه أربعة أجزاء: يوما للعبادة، ويوما للقضاء، ويوما للاشتغال بخواص أموره، ويوما لجميع بني إسرائيل، فيعظهم ويبكيّهم، فجاءوه في غير القضاء، ففزع منهم، لأنهم نزلوا عليه من فوق، وفي يوم الاحتجاب والحرس حوله، لا يتركون من يدخل عليه، فخاف أن يؤذوه. (البحر المحيط: 391/ 7).