الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا غلط منهم، ومكابرة ومجادلة بالباطل، فإن الله سبحانه أغنى بعض خلقه، وأفقر بعضا لحكمة يعلمها، وأمر الغني أن يطعم الفقير، وابتلاه به فيما فرض عليه من الصدقة، ليعلم الطائع من العاصي علم بيان وانكشاف، وإقامة حجة وبرهان.
المناسبة:
بعد بيان الآيات الدالة يقينا وقطعا على وجود الله وتوحيده وقدرته التامة، أخبر الله تعالى أن الكفار مع هذا الدليل القاطع يعرضون عن آيات ربهم، ولا يعترفون بها، وشأن العاقل الاقتناع بها، ولكن هؤلاء لا يتقون الله، ولا يحذرون بأن يصيبهم مثل هلاك الأمم الغابرة، ولا يفكرون في آيات الله، وليس في قلوبهم رحمة أو شفقة على عباد الله، فهم في غاية الجهل ونهاية الغفلة، وليسوا مثل العلماء الذين يتبعون البرهان، ولا مثل العامة الذين يبنون الأمر على الأحوط.
التفسير والبيان:
يخبر الله تعالى عن تمادي المشركين في غيهم وضلالهم، وعدم اكتراثهم بذنوبهم الماضية، ولا بما يستقبلون بين أيديهم يوم القيامة، فيقول:
{وَإِذا قِيلَ لَهُمُ: اِتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} أي وإذا قيل لهؤلاء المعرضين عن آيات الله، المكذبين بها: احذروا أن يصيبكم مثلما أصاب من قبلكم من الأمم، مما هو قدّامكم، من الآفات والنوازل وعذاب الدنيا، وخافوا ما أنتم مقدمون عليه بعد الهلاك من عذاب الآخرة، إذا أصررتم على الكفر حتى الموت، لعل الله يرحمكم باتقائكم ذلك، ويحميكم من عذابه، ويغفر لكم.
وإذا قيل لهم ذلك أعرضوا عنه، وإذا قيل لهم: اتقوا لا يتقون.
وليس إعراضهم مقتصرا على ذلك، بل هم عن كل آية معرضون، كما قال تعالى:
{وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ} أي وما تجيء هؤلاء المشركين آية من آيات الله على التوحيد وصدق الرسل إلا شأنهم الإعراض عنها، وعدم الالتفات إليها، وترك التأمل بها، وعدم الانتفاع بها، لتعطيل طاقة الفكر والنظر المرشد إلى الإيمان وتصديق الرسول ص.
وفضلا عن سوء الاعتقاد بالله ورسوله ص، تركوا الشفقة على خلق الله، كما قال تعالى:
{أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ} ؟ أي وإذا طلب منهم الصدقة، وأمروا بالإنفاق مما رزقهم الله على الفقراء والمحاويج، أجابوا المؤمنين استهزاء بهم، وتهكما بقولهم: هؤلاء الذين أمرتمونا بالإنفاق عليهم: لو شاء الله لأغناهم، ولأطعمهم من رزقه، فنحن نوافق مشيئة الله تعالى فيهم.
وكان هذا الاحتجاج باطلا، لأن الله تعالى إذا ملّك عبدا مالا، ثم أوجب عليه فيه حقا، فكأنه انتزع ذلك القدر منه، فلا معنى للاعتراض. وقد صدقوا في قولهم: لو شاء الله أطعمهم، ولكن كذبوا في الاحتجاج بذلك.
وقوله: {مِمّا رَزَقَكُمُ اللهُ} ترغيب في الإنفاق، فإن الله رزقكم، فإذا أنفقتم فهو يخلف لكم الرزق ثانيا كما رزقكم أولا، وهو أيضا ذم على البخل الذي هو في غاية القبح، فإن أبخل البخلاء من يبخل بمال الغير، وفي هذا ذم لهم على ترك الشفقة على خلق الله.
ومع هذا كله، عابوا الآمرين لهم بالإنفاق واتهموهم بالضلال، فقالوا تتمة لكلامهم:
{إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي ما أنتم في أمركم لنا بالإنفاق إلا في خطأ واضح، وانحراف عن جادة الهدى والرشاد.