الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الملائكة، فأخذها بسرعة. {فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ} شعلة ساطعة من النار، وهي ما يرى كأن كوكبا انقض. {ثاقِبٌ} مضيء فيحرقه، أو يثقب ما ينزل عليه.
المناسبة:
هذه الآيات تتضمن دليلا آخر على وجود الله تعالى وقدرته، ذكر بعد الدليل الأول وهو خلق السموات والأرض، وتبين أنه تعالى زيّن السماء الدنيا القريبة من البشر لمنفعتين، هما: تحصيل الزينة، والحفظ من الشيطان المارد.
وبالرغم من أن هذه الثوابت مركوزة-كما قال الرازي-في الكرة الثامنة، ما عدا القمر في السادسة، فإن التعبير جاء على وفق الرؤية والنظر حسب الظاهر، فأهل الأرض إذا نظروا إلى السّماء، يرونها ويشاهدونها مزينة بهذه الكواكب، كجواهر مشرقة متلألئة على سطحها الأزرق بأشكال مختلفة.
التفسير والبيان:
{إِنّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ} جمّل الله سبحانه السماء الدنيا التي هي أقرب السموات إلى الأرض بزينة جميلة فائقة الجمال هي الكواكب، فإنها في أعين الناظرين لها كالجواهر المتلألئة.
{وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ} أي وحفظناها حفظا من كلّ شيطان عات متمرد عن الطاعة، إذا أراد أن يسترق السمع أتاه شهاب ثاقب فأحرقه، لذا قال تعالى:
{لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى} أي لا تقدر الشياطين أن يتسمّعوا لحديث الملأ الأعلى وهم الملائكة أهل السماء الدنيا فما فوقها، لأنهم يرمون بالشهب، وذلك إذا تكلموا بما يوحيه الله تعالى من شرعه وقدره.
وهاتان الخاصتان أو المنفعتان للسّموات، جاءت آيات كثيرة تقررهما مثل قوله تعالى:{وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ، وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ، وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ} [الملك 5/ 67]، وقوله عز وجل:{وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنّاها لِلنّاظِرِينَ، وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ، إِلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ، فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ} [الحجر 16/ 15 - 18].
{وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ} أي يرمون بالشّهب من كلّ جهة يقصدون السماء منها، إذا أرادوا الصعود لاستراق السمع.
{دُحُوراً، وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ} أي يدحرون دحورا، ويطردون ويمنعون من الوصول إلى ذلك، ولهم في الآخرة عذاب دائم مستمر موجع، كما قال تعالى في الآية المتقدمة:{وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ} .
{إِلاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ، فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ} أي إلا من اختطف من الشياطين الخطفة، وهي الكلمة، يسمعها من السماء، فيلقيها إلى الذي تحته، ويلقيها الآخر إلى من تحته، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها بقدر الله تعالى قبل أن يأتيه الشهاب، فيحرقه، فيذهب بها الآخر إلى الكاهن، كما جاء في الحديث.
فخاطف الكلمة العارضة يتبعه الله بنجم مضيء، أو بشعلة مستنيرة، فتحرقه، وربما لا تحرقه، فيلقي إلى إخوانه الكهان ما خطفه. والخطف: أخذ الشيء بسرعة. والثاقب: المضيء.
والملحوظ الثابت أن الشياطين قبل بعثة نبينا محمد ص كانت ترمى أحيانا، وأحيانا لا ترمى، وبعد البعثة تعرضوا للرمي من كل جانب، وزيد في حفظ السماء، فلم يتمكنوا من استراق السمع، إلا بأن يختطف أحدهم كلمة، فيتبعه شهاب ثاقب قبل أن ينزل إلى الأرض، فيلقيها إلى إخوانه، وبهذا بطلت