الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دور للضرب، ولم نعرف أنهم ضربوا العملة لحسابهم في أي من بلاد الدولة الفارسية أو الرومية؛ ولذلك اعتمدوا على العملة الخارجية يؤتى بها من الخارج أو يجلبها الوافدون من التجار من أهل هذه البلاد حين يفدون إلى بلاد العرب يستبضعون منها؛ ولذلك كان العرب في كثير من الأحيان يستعملون الوزن في الذهب والفضة في معاملاتهم1.
1 التراتيب الإدارية 1/ 413- 416.
النشاط الصناعي
كانت المدينة أظهر من مكة في النشاط الصناعي، فقد كانت تقوم بها صناعة معتمدة على الإنتاج الزراعي، كما كانت أيضًا ضرورية للأعمال الزراعية، ثم إنه كان بها صناع متخصصون احترفوا أنواعًا من الصناعات وبرعوا فيها وبخاصة صناعة الحلي والأسلحة؛ هذا إلى صناعات أخرى هي من مستلزمات حياة المدن ومن مستعملات الناس في حياتهم اليومية، وإذا كان بعض هذه المستلزمات قد جلب من الخارج مصنوعًا؛ إلا أنه ليس من المعقول أن يجلب الناس كل ما يحتاجون إليه جلبًا، وأن يعيشوا عالة على العامل الخارجي في كل شيء، بل لا بد من قيام طبقة من العمال تقوم بصناعة محلية، وبخاصة إذا توافرت المادة الخام لها، كما أن هناك أعمالًا لا يمكن جلبها من الخارج مثل النجارة والحياكة ونحت الحجارة وما يستلزم البناء من صناعة.
ولقد قامت في المدينة صناعات معتمدة على الإنتاج الزراعي، وأهمها صناعة الخمر من التمر والبسر وكانوا يسمونها الفضيخ1، وكانوا يشربونها ويتاجرون فيها، وكان لديهم منها كميات كبيرة يختزنونها في الجرار سواء في ذلك العرب واليهود. كما
1 "الفضيخ شراب يتخذ من البسر وحده من غير أن تمسه النار" القاموس مادة "ف ض خ".
"روي عن أنس بن مالك قال: "كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، وكان خمرهم يومئذ الفضيخ، فأمر رسول الله مناديًّا ينادي:"ألا إن الخمر قد حرمت" قال: فقال أبو طلحة: اخرج فأَهرقها، فخرجت فأهرقتها، فجرت في سكك المدينة" البخاري 3/ 132 "ووجد المسلمون في مغانم قريظة خمرًا وجرار سُكْر كثيرة فأمر النبي بإهراقها" إمتاع 1/ 345.
كانت تقوم صناعة الخوص من سعف النحل، فيصنعون المكاتل -المقاطف- والقفف مما يستخدم في أعمال المنزل وفي أعمال الزراعة، وكذلك كانت تقوم أعمال النجارة اللازمة للبيوت من أبواب ونوافذ الأثاث، وكان أغنياء اليهود يملكون كثيرًا من الأثاث لبيوتهم 1 كما كان استعمال الكراسي أمرًا شائعًا يصنعونها من الخشب وأرجلها من الحديد2 وقد أعان على قيام الصناعة من الخشب وجود شجر الطرفاء والأثل في منطقة الغابة في شمال غربي المدينة3.
كما كانت الحدادة إحدى الصناعات القائمة في المدينة والمرتبطة بالأعمال الزراعية؛ فالزراعة تحتاج إلى فئوس ومحاريث ومساح ومناجل للحصد، وغير ذلك مما يستعمله الزراع من آلات، وكانت هذه الآلات تصنع في المدينة يقوم بصناعتها بعض الناس من العرب ومن اليهود ومن الموالي على السواء، وإن كان الموالي والعبيد أكثر احترافًا لها4. وإلى جانب هذه الصناعات كانت تقوم صناعة الحلي، وقد تخصص فيها واشتهر بها بنو قينقاع من اليهود5، احترفوها ولم يحترفها أحد من العرب6، وكانوا يصنعون أنواعًا كثيرة من الحلي الذهب، منها الأساور والدمالج والخلاخيل والأقرطة والخواتم والفتخ -جمع فتخة وهي الدبلة- والعقود من الذهب أو الجوهر أو الزمرد أو من الجزع الظفاوي وهو خرز ثمين به ألوان بيضاء وسوداء، وكانوا يبيعون هذه الحلي في سوق عرفت بهم، كان يأتيها النساء من أهل المدينة يشترين ما يلزمهن منها7، ويقدم إليها الناس يأخذون ما يلزم لنسائهم وفتيانهم سواء في ذلك أهل المدينة وأهل البادية أو المدن الحجازية، وقد كانوا اليهود يمتكلون حليًّا كثيرة من هذه الحلى8.
1 إمتاع. نفسه.
2 الدلالات السمعية 115- 116.
3 أسد الغابة 1/ 43. البخاري 3/ 63. الدلالات السمعية 657- 658.
4 أسد الغابة 1/ 38- 39. البخاري 3/ 60 الاستيعاب 1/ 55.
5 البخراي 3/ 60، 14. الواقدي 140.
6 الواقدي 138- 139.
7-
الدلالات السمعية 611 جوامع السيرة 154.
8 "طلب النبي صلى الله عليه وسلم من كنانة بن الربيع أن يظهر كنز بني النضير بعد فتح خيبر، فجحد أن يكون عنده؛ لكن النبي صلى الله عليه وسلم عرف مكانه، فلما أخرجه وجد جلد جمل وبه كثير من حلي الذهب: أساور وخلاخيل ودمالج وأقراط وخواتم وعقود" 3/ 388-389 إمتاع 1/ 207.
كما كانت صناعة الأسلحة والدروع قائمة بالمدينة، يحترفها اليهود وقد روجوا لها ترويجًا كبيرًا حتى قالوا إنهم ورثوها عن داود النبي1 وكانت السيوف والنبال تصنع بالمدينة، ونبال يثرب مشهورة، وكان من الصناع من يتخصص في جلاء الأسلحة وصقل السيوف2. ثم كانت هناك أدوات الصيد يصنعونها من فخاخ وشباك وأشراك من الحديد وغير ذلك 3.
وإلى جانب هذه الصناعات الهامة كانت تقوم صناعات النسيج يقوم عليها النساء4، كما كانت الخياطة والدباغة من الصناعات والحرف التي يحترفها بعض الناس5، كما كان يوجد بناءون وعمال يقومون على النحت وضرب الطوب6، وصناع يصنعون آنية المنازل وأدواتها من نحاس وفخار للأكل والشرب وما إلى ذلك من مصنوعات هي مستعملات الناس وحاجاتهم اليوم.
وهكذا كانت الصناعة كثيرة في المدينة، وكان يقوم عليها أناس من أهلها من العرب ومن اليهود، ومن الموالي والعبيد ممن قدموا إلى المدينة وأقاموا فيها أو استقدمهم أهلها أو اشتروهم للعمل لهم، وقد كان في المدينة بعض من هؤلاء منهم فرس وروم وقبط وأحباش أقاموا بالمدينة وعملوا لأنفسهم أو لسادتهم بها. ولولا ظروف المدينة الداخلية التي عوقتها من نشاطها؛ لكانت مدينة ذات شأن خطير، ولربما تفوقت على مكة وسيطرت على منطقة الحجاز كلها. وقد أحسن أهلها فعلًا بمدى أثر هذه الخلافات المعوقة وسعوا إلى إصلاح شأنهم، ولما لم يكن من أهل المدينة من الزعماء من يستطيع أن يكسب رضاء كافة الأطراف؛ فقد رغبوا في إدخال عنصر أجنبي محايد لم يتورط في منازعات المدينة وخلافات عصبياتها، فكانت الهجرة النبوية التي تغير بها الوضع في المدينة تغيرًا كاملًا.
1 السمهودي 1/ 198.
2 الدلالات السمعية 401.
3 نفسه 676- 677.
4 / 212. الدلالات السمعية 654. البخاري 3/ 61.
5 الدلالات السمعية 656- 668. البخاري 3/ 61.
6 الدلالات السمعية 667-668.