الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يثرب تتفوق من الناحية الزراعية لوجود زراعات حولها تعتمد على العيون الكثيرة1، على أن المدينتين غير قادرتين بمواردهما الخاصة على إعاشة سكانهما؛ فهما يجلبان الميرة من المدينتين الواقعتين على ساحل البحر الأحمر والصالحتين لتكونا مرأفين لهما، وهما ينبع ميناء المدينة وجدة ميناء مكة.
1 البلاذري: فتوح البلدان: 1/ 12- 16.
المناخ:
وتختلف مناطق الحجاز من الناحية المناخية، كما تختلف من الناحية الطبيعية؛ فهناك مناطق جدباء شديدة الحرارة شحيحة المياه، محاطة بالجبال يعيش أهلها على ما يجلب إليها من الرزق جلبًا من الخارج، ومن هذه المناطق منطقة مكة التي تقوم في واد غير ذي زرع1 والتي كانت تعتمد في حياتها على ما يجلب إليها من الخارج، وكان أهلها يرون في حرمة البيت الحرام الذي يقوم فيها، وهوى أفئدة الناس إليهم، سبب معاشهم وأمنهم وحرمتهم؛ ولذلك لم يسرعوا إلى متابعة محمد صلى الله عليه وسلم لما بعث فيهم نبيًّا يدعو إلى الإسلام، مخافة حرمانهم من هذه الميزات التي يستمتعون بها {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا} [القصص] .
كما أنها كانت شديدة الحرارة يهرع أهلها إلى الظلال وإلى أكنان الجبال التي تحيط بها يحتمون بها من الحر2، وهذا ما أعطى أهمية كبرى لجبال مكة. كذلك كانت مكة شحيحة المياه، وهذا ما جعل مهمة السقاية، وهي توفير الماء للحجاج، فضيلة عظيمة في نظر أهلها3، وهذا يجعلنا ندرك الحفاوة البالغة التي أسبغت على رواية حفر بئر زمزم بها4.
1 انظر الآية 37 من سورة إبراهيم.
2 انظر الآية 81 من سورة النحل.
3 انظر الآية 19 من سورة التوبة.
4 ابن هشام: 1/ 121- 123، 145- 164.
على أنه كانت هناك أجزاء أخرى تجود فيها التربة وتنزل الأمطار التي قد يبلغ من غزارتها أن تتوالى الصواعق وتتهدم البيوت1 وتخرب الطرق. وتنبت من كل زوج وصنف من الزروع والأشجار، وقد تحدث القرآن الكريم في آيات عديدة منوهًا بما ينزل الله من الأمطار ويفجر من العيون، وما ينبت من الزروع والأشجار من أعناب ونخيل ورومان وزيتون وحبوب وكلأ {وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ} 2 [الأنعام] وهذه الآيات يوجهها القرآن ويخاطب بها أهل الحجاز بل وأهل مكة في الدرجة الأولى، وهي تشير إلى ما كان في الحجاز نفسه، وفي الأنحاء المجاورة لمكة بنوع خاص، من مناطق تجود فيها التربة وتغزر الأمطار وينبت الزرع والأشجار، والآيات وإن لم تعين هذه المناطق كما عينت منطقة مكة بالبيت الحرام، فإنها معينة واقعيًا وهي الطائف وأرباضها، والوديان التي بين مكة وجدة، ويثرب3 وأرباضها، فهذه المناطق لا تزال تحتفظ إلى الآن بكثير من الينابيع4 والوديان وتتمتع بخضرة السهول وجنات النخيل والأعناب ومختلف الفواكه والزروع.
إلا أن الجفاف الذي لحق بلاد العرب جميعًا -والحجاز منها- قد جعل أغلب أراضيها صحراء جرداء، وباعد بين مراكز الاستقرار بها. وقد أثر ذلك تأثيرًا كبيرًا على الحياة الاجتماعية، والسياسية في شبه الجزيرة العربية، وعاق نشر المجتمعات الكبرى بها، ومن ثم اعتمدت في حياتها السياسية والاجتماعية على النظام القبلي، سواء في البادية، أو في البلاد التي قامت بها ممالك وحكومات منظمة، أو في المدن السياسية City states التي نشأت على طرق التجارة مثل مكة والمدينة، وأصبحت القبيلة هي وحدة المجتمع العربي بوجه عام.
1 البخاري 4/ 195 الأغاني 2/ 323، 327. هيكل: في منزل الوحي: 413.
2 وانظر أيضًا: الأنعام: 141، والنحل 10، 11 والمؤمنون 18، 19، والروم 48- 51، ويس 33- 34، وق 7- 11، والواقعة 63- 70، وعبس 24- 32. وكل هذه الآيات مكية.
3 عن الطائف انظر البلدان 13/ 09 عن يثرب 17/ 72 وما بعدها.
4 البلاذري 1/ 16، 17 انظر عن خصب مكة: أسد الغابة1/ 101.