الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منسجمة. وقد انضاف إليهم المهاجرون، وهؤلاء ولو أنهم استقبلوا من إخوانهم مسلمي يثرب استقبالًا حسنًا في أول الأمر؛ إلا أنه يجب أن يحتاط لإقامتهم في المدينة. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قد خلَّف وراء ظهره عدوًّا لدودًا هو قريش، وهذا العدو قادر على العدوان، ولمقاومة عدوانه يلزم الاستعداد والحيطة، وبناء الجبهة الداخلية بناءً سليمًا لتواجه الخطر الخارجي، وقد واجه النبي صلى الله عليه وسلم هذا الوضع من أول الأمر مواجهة تدل على فَهم سليم وإدراك قوي، وأَظْهَر من بُعْدِ النظر ودقة التنظيم ما كفل لهذه الجماعة الاستقرار والترابط، والقدرة على النمو ومواجهة الاحتمالات الخارجية كلها بنجاح كبير أدى إلى تكوين الدولة الإسلامية العظيمة.
تكوين الدولة في يثرب
أول شيء قام به النبي صلى الله عليه وسلم بعد استقراره في يثرب هو ضمان معيشة المهاجرين، وهم جماعة تجار، تركوا أموالهم في مكة، ولا أمل لهم في استردادها. وقد اعتمد النبي على حسن نية المسلمين من أهل يثرب -الذين عُرِفُوا بالأنصار- وقد أظهر هؤلاء روحًا عالية من المروءة والكرم، فأعطوا المهاجرين شيئًا من المال وسمحوا لهم بالتجارة1، كما عمل بعض المهاجرين في مزارع الأنصار مزارعة2، واستطاعوا بذلك أن ينظِّموا أمر معاشهم ولو على نحو ضئيل.
ثم رأى من أول الأمر أن يتخذ مكانًا يكون بمنزلة نادٍ عام للجماعة الإسلامية، تقيم فيه شعائرها الدينية، وفي الوقت نفسه تبحث فيه شئونها العامة، فقام ببناء المسجد بعد أن استقر في المدينة بقليل3، فكان هذا المسجد هو المقر الذي اتخذته الرياسة الجديدة، وفيه كانت تُبْرَم كل الأمور، وفيه كان الاتصال بين المسلمين للتشاور في شئونهم العامة من سِلْمِ وحرب واستقبال وفود، وما إلى ذلك.
1 البخاري 3/ 52، 65، 109.
2 نفسه 3/ 104، 155، 116. ابن كثير 2/ 228، 229.
3 البخاري 3/2619.
وبجوار المسجد اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم مساكنه، وقد جعلت متصلة بالمسجد بحيث يخرج من بيته إلى المسجد رأسًا1، وأصبح من السنة أن تبنى المساجد وتكون بيوت الولاة ودواوينهم مجاورة للمسجد. فالغرض من تأسيس المسجد كان دينيًّا لأداء الصلاة وسياسيًّا لإيجاد رابطة للجماعة الإسلامية.
بعد ذلك عمل النبي صلى الله عليه وسلم على إقامة الاستقرار بين الجماعة اليثربية، وإذا كانت لُحْمَة الدم قد فشلت -في المدينة- في أن تكون رباطًا يؤلف بين الناس، فقد أحل النبي صلى الله عليه وسلم محلها رابطة العقيدة؛ فأصبح أولًا بين الأوس والخزرج وحرص على إزالة كل ما من شأنه أن يذَكِّر بالعداء القديم بينهما، فجمعهما في اسم واحد هو: الأنصار. وإنا لنلمس هذا الغرض واضحًا في تسمية المسلمين من أهل يثرب بالأنصار فقد عرفوا جميعًا بهذا الاسم، وصار علمًا عليهم جميعًا، وفي هذا إبعاد لروح العصبية وإدماجها تحت هذا الاسم الواحد، يذكرهما دائمًا بالتآلُف لغرض أسمى وهو نصرة المبدأ الإسلامي، والاندماج في غرض أكبر من الأغراض القبلية. ثم عمد إلى التأليف بين هؤلاء الأنصار من الأوس والخزرج وبين المهاجرين من أهل مكة، وفي هذا التجأ إلى المؤاخاة. والمؤاخاة تسمية إسلامية للنظام العربي القديم، وهو نظام الحِلْفِ فقد جعل كل رجل من المهاجرين يؤاخي رجلًا من الأنصار، فيصير الرجلان أخوين بينهما من الروابط ما بين الأخوين من قرابة الدم. وقد أنزل النبي صلى الله عليه وسلم هذه القرابة الحكمية منزلة الأخوة الطبيعية. بأن جعل المتآخيين يرث أحدهما الآخر، فإذا مات المهاجر ورثه أخوه الأنصاري، وإذا مات الأنصاري ورثه أخوه المهاجر. وقد ظل المهاجرون والأنصار يتوارثون بهذا النظام إلى أن استقرت الدولة الإسلامية في يثرب ووضع نظام التوارث الإسلامي على أساس القرابة الطبيعية2. فهذا كان نظامًا مؤقتًا في حقيقته والغرض منه سياسي، وهو الربط والتأليف بين المهاجرين إلى المدينة وبين أهلها الأصليين، وقد نزلت آية الوراثة بإلغاء هذا النظام بعد ذلك: {وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ} [الأحزاب] . فصارت هذه الأخوة أخوة أدبية لا ينطبق عليها التوارث، ولكن آثارها الأدبية بقيت زمنًا طويلًا في الإسلام3.
1 ابن هشام 2/ 118.
2 ابن هشام 2/ 123، 124.
3 ابن هشام 2/ 127.
تكوين الدولة في يثرب
أول شيء قام به النبي صلى الله عليه وسلم بعد استقراره في يثرب هو ضمان معيشة المهاجرين، وهم جماعة تجار، تركوا أموالهم في مكة، ولا أمل لهم في استردادها. وقد اعتمد النبي على حسن نية المسلمين من أهل يثرب -الذين عُرِفُوا بالأنصار- وقد أظهر هؤلاء روحًا عالية من المروءة والكرم، فأعطوا المهاجرين شيئًا من المال وسمحوا لهم بالتجارة1، كما عمل بعض المهاجرين في مزارع الأنصار مزارعة2، واستطاعوا بذلك أن ينظِّموا أمر معاشهم ولو على نحو ضئيل.
ثم رأى من أول الأمر أن يتخذ مكانًا يكون بمنزلة نادٍ عام للجماعة الإسلامية، تقيم فيه شعائرها الدينية، وفي الوقت نفسه تبحث فيه شئونها العامة، فقام ببناء المسجد بعد أن استقر في المدينة بقليل3، فكان هذا المسجد هو المقر الذي اتخذته الرياسة الجديدة، وفيه كانت تُبْرَم كل الأمور، وفيه كان الاتصال بين المسلمين للتشاور في شئونهم العامة من سِلْمِ وحرب واستقبال وفود، وما إلى ذلك.
1 البخاري 3/ 52، 65، 109.
2 نفسه 3/ 104، 155، 116. ابن كثير 2/ 228، 229.
3 البخاري 3/2619.
وبجوار المسجد اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم مساكنه، وقد جعلت متصلة بالمسجد بحيث يخرج من بيته إلى المسجد رأسًا1، وأصبح من السنة أن تبنى المساجد وتكون بيوت الولاة ودواوينهم مجاورة للمسجد. فالغرض من تأسيس المسجد كان دينيًّا لأداء الصلاة وسياسيًّا لإيجاد رابطة للجماعة الإسلامية.
بعد ذلك عمل النبي صلى الله عليه وسلم على إقامة الاستقرار بين الجماعة اليثربية، وإذا كانت لُحْمَة الدم قد فشلت -في المدينة- في أن تكون رباطًا يؤلف بين الناس، فقد أحل النبي صلى الله عليه وسلم محلها رابطة العقيدة؛ فأصبح أولًا بين الأوس والخزرج وحرص على إزالة كل ما من شأنه أن يذَكِّر بالعداء القديم بينهما، فجمعهما في اسم واحد هو: الأنصار. وإنا لنلمس هذا الغرض واضحًا في تسمية المسلمين من أهل يثرب بالأنصار فقد عرفوا جميعًا بهذا الاسم، وصار علمًا عليهم جميعًا، وفي هذا إبعاد لروح العصبية وإدماجها تحت هذا الاسم الواحد، يذكرهما دائمًا بالتآلُف لغرض أسمى وهو نصرة المبدأ الإسلامي، والاندماج في غرض أكبر من الأغراض القبلية. ثم عمد إلى التأليف بين هؤلاء الأنصار من الأوس والخزرج وبين المهاجرين من أهل مكة، وفي هذا التجأ إلى المؤاخاة. والمؤاخاة تسمية إسلامية للنظام العربي القديم، وهو نظام الحِلْفِ فقد جعل كل رجل من المهاجرين يؤاخي رجلًا من الأنصار، فيصير الرجلان أخوين بينهما من الروابط ما بين الأخوين من قرابة الدم. وقد أنزل النبي صلى الله عليه وسلم هذه القرابة الحكمية منزلة الأخوة الطبيعية. بأن جعل المتآخيين يرث أحدهما الآخر، فإذا مات المهاجر ورثه أخوه الأنصاري، وإذا مات الأنصاري ورثه أخوه المهاجر. وقد ظل المهاجرون والأنصار يتوارثون بهذا النظام إلى أن استقرت الدولة الإسلامية في يثرب ووضع نظام التوارث الإسلامي على أساس القرابة الطبيعية2. فهذا كان نظامًا مؤقتًا في حقيقته والغرض منه سياسي، وهو الربط والتأليف بين المهاجرين إلى المدينة وبين أهلها الأصليين، وقد نزلت آية الوراثة بإلغاء هذا النظام بعد ذلك: {وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ} [الأحزاب] . فصارت هذه الأخوة أخوة أدبية لا ينطبق عليها التوارث، ولكن آثارها الأدبية بقيت زمنًا طويلًا في الإسلام3.
1 ابن هشام 2/ 118.
2 ابن هشام 2/ 123، 124.
3 ابن هشام 2/ 127.