الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ملتقى بطحان ورانوناء، وبنو سعد بن مرة سكنوا راتج على طرف الحرة الشمالي، وقد سمي بذلك لقيام حصن لليهود بهذا الموضع يسمى راتج. والجعاذرة وواقف وخطمة كانوا يسمون أوس الله، وقد تأخر إسلام هذه البطون بعد الهجرة فلم تسلم إلا بعد الخندق.
الخزرج:
وبطون الخزرج الكبرى أيضًا خمسة أبطن هي: عمرو بن الخزرج، وعوف بن الخزرج، وجشم بن الخزرج، وكعب بن الخزرج، والحارث بن الخزرج. وقد انقسمت هذه البطون الكبرى بدورها إلى بطون متعددة أصغر منها وإلى عشائر.
فانقسمت عمرو بن الخزرج إلى أربعة أبطن هي: مالك، وعدي، ومازن، ودينار. وكلها من بني النجار المعروف بتيم اللات بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج. وقد سكنت بطون بني النجار في المنطقة الوسطى التي حول مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فمساكن بني مالك كانت في منطقة المسجد، ومساكن بني عدي غربي المسجد، ومساكن بني مازن في قبلة المدينة، وإلى جنوبهم سكن بنو دينار خلف وادي بطحان.
وانقسم بنو عوف بن الخزرج إلى بطون أهمها: سالم، وغنم، وعنز. وقد عرفوا بالقوافل؛ لأنهم كانوا إذا أجاروا شخصًا دفعوا إليه سهمًا وقالوا له: قوقل به حيث شئت أي تنقل به حيث شئت لا تخش أحدًا، وقد سكن القواقل على طرف الحرة الغربية غربي الوادي الذي به مسجد الجمعة. ومن بطون عوف بن الخزرج بنو الحبلى، الذين كان منهم عبد الله بن أبي بن سلول. وكانت منازلهم بين قباء والمنطقة الشرقية من وادي بطحان.
وانقسم بنو جشم بن الخزرج إلى عدة أبطن أهمها: بنو بياضة، وبنو زريق، وبنو سلمة، وإلى جانبهم عشائر منهم دخلت فيهم. وقد سكن بنو سلمة في الشمال الغربي للمدينة بجوار مسجد القبلتين، وبنو سلمة تعددت فروعهم، فمنهم بنو حرام وبنو عدي وبنو عبيد، وكانت منطقتهم ممتدة من سلع إلى وادي العقيق، وسكن بنو زريق وبنو بياضة وبنو حبيب في جنوب المدينة شمال مساكن بني سالم بن عوف بن الخزرج على وادي بطحان.
وانقسم بنو الحارث بن الخزرج إلى عدة أبطن أهمها: بنو مالك الأغر بن كعب بن الخزرج الأصغر بن الحارث، وبنو جشم بن الحارث، وبنو زيد مناة بن الحارث،
وبنو خُدرة، وجِدارة ابنا عوف بن الحارث، وبنو صخر بن الحارث. وقد سكن بنو الحارث الذين عرفوا بلحارث بالعوالي شرقي وادي بطحان: ماعدا بني جشم وبني زيد مناة الذين سكنوا السنح على ميل من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية الشرق. وبني خدرة وجدارة الذين سكنوا مما يلي سوق المدينة.
وأهم بطون كعب بن الخزرج بنو ساعدة الذين انقسموا بدورهم إلى بطنين هما طريف وعمرو، ومن طريف سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبي خزيمة ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأكبر. وقد سكن بنو ساعدة عند المكان المعروف بسقيفة بني ساعدة في شرقي سوق المدينة المعروف بسوق الغنم. مما يلي باب الشام وفي بئر بضاعة، كما كان لهم منازل عند وادي بطحان توازي مساكن بني دينار.
ومما سبق نرى أن الأوس قد سكنوا المناطق الزراعية الغنية في المدينة، وأنهم جاوروا أهم قبائل اليهود وجموعهم، وأن الخزرج استوطنوا مناطق أقل خصبًا، وقد جاورهم قبيلة يهودية كبيرة واحدة هي قينقاع، وعشائر أخرى يهودية أقل عددًا هم اليهود الذين نزلوا في الشمال الغربي من المدينة عند المكان المعروف بيثرب شمال جبل سلع. وقد كان لهذا أثره الكبير في العلاقات بين العرب واليهود من ناحية وبين الأوس والخزرج من ناحية أخرى1.
أما متى وكيف قدم الأوس والخزرج إلى يثرب فإن المصادر العربية ترجع سبب قدومهم إلى هجرة الأزد من اليمن نتيجة لتهدم سد مأرب؛ فيقول ابن هشام عن هجرة الأوس والخزرج إلى جهات يثرب: وكان سبب خروج عمرو بن عامر من اليمن، أنه رأى جرذًا يحفر في سد مأرب الذي كان يحبس عليهم الماء فيصرفونه حيث شاءوا من أراضيهم، فعلم أنه لا بقاء للسد بعد ذلك، فاعتزم على النقلة من اليمن، فكاد قومه، فأمر أصغر ولده إذا أغلظ عليه ولطمه أن يقوم إليه فيلطمه ففعل ابنه ما أمره به،
1 عن أنساب الأوس والخزرج وبطونهم. انظر جمهرة أنساب العرب من ص312- 347 وعن توزيع مساكنهم انظر السمهودي 1365- 152، وابن هشام 2/ 112، وابن سيد الناس 1/ 194 وانظر أيضًا الخريطة التوضيحية الملحقة بهذا الفصل.
فقال عمرو: لا أقيم ببلد لطم وجهي فيه أصغر ولدي، وعرض أمواله، فقال أشراف من أشراف اليمن: اغتنموا غضبة عمرو. فاشتروا منه أمواله، وانتقل في ولده، وولد ولده، وقالت الأزد: لا نتخلف عن عمرو بن عامر، فباعوا أموالهم وخرجوا معه، فساروا حتى نزلوا بلاد علك مجتازين يرتادون البلدان؛ فحاربتهم عك؛ فكانت حربهم سجالًا، ثم ارتحلوا عنهم، فتفرقوا في البلدان؛ فنزل آل جفنة بن عمرو بن عامر الشام، ونزلت الأوس والخزرج يثرب، ونزلت خزاعة مرًّا
…
ثم أرسل الله تعالى على السد سيل العرم فهدمه1.
ويتضح من قول ابن هشام أن نزوح الأوس والخزرج إلى جهات يثرب كان قبل سيل العرم؛ بينما يرى صاحب الأغاني أن خروج الأزد كان بعد سيل العرم. غير أن هذه الروايات لا تحدد متى كان تهدم السد، ولا تحدد الزمن الذي هاجرت فيه قبائل الأزد، على أن رواية ابن هشام لا يمكن الأخذ بها،؛ إذ إن ارتحال قبائل من مواطنها توقعًا لحادث لم يقع يعد أمرًا يصعب تصديقه. ثم إن السد تصدع وأصلح عدة مرات كما أثبتت النقوش التي عثر العلماء عليها2.
ونحن إذا أخذنا نسب أحد الخزرج المعروفين عند الهجرة وهو سعد بن عبادة الخزرجي، وجعلناه مقياسًا للزمن الذي ربما تكون هاجرت فيه الأوس والخزرج إلى جهات يثرب، وجدنا أنها من المحتمل أن تكون هاجرت منذ حوالي أواخر القرن الرابع الميلادي؛ فنسب سعد كما يذكره النسابون هو سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبي خزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج الأصغر بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأكبر بن حارثة؛ فمن سعد إلى الخزرج الأكبر أحد عشر جيلًا، إذا افترضنا أن الفرق بين كل جيلين خمسة وعشرون عامًا كانت المدة ما بين الهجرة وسنة 622م وبين الخزرج الأكبر حوالي مائتين وخمسين وسبعين سنة. أي أن هجرة الأوس والخرزج من المحتمل أن تكون حدثت في أواخر القرن الرابع الميلادي3. وكان سببها لا يرجع
1 ابن هشام 1/ 9.
2 يقول سديو ص36: إن أول تصدع للسد كان سنة 120م ويقول نقش عثر عليه: إن شرحبيل بن أبي كرب أسعد الحميري أصلح السد سنة 450-451م. ويقول نقش آخر: إن أبرهة أصلحه سنة "450- 451" ويقول نقش آخر: إن أبرهة أصلحه سنة 542م. "جواد علي 3/ 156، 3/ 197-200" وقرر العالم جلاسر أن السيل حدث من سنة 447-450. عن ولفنسون ص 53.
3 يحدد سديو هجرة الأوس والخزرج إلى المدينة سنة 300م واستيلاءهم سنة 492م.
إلى تهدم السد وحده؛ وإنما يرجع إلى عوامل أخرى، كما أن قبول القول بهجرة قبائل الأزد جميعًا دفعة واحدة غير ممكن، إذ إن خزاعة وهي بطن من الأزد كانت تحكم مكة إلى سنة 450م، وقد استمرت مدة طويلة تلي أمر مكة حددها بعضهم بخمسمائة سنة وحددها بعضهم بثلاثمائة سنة1.
ومعنى ذلك أنها هاجرت حوالي منتصف القرن الثاني أو بداية القرن الثالث 2.
وإذن فإن هجرة القبائل الأزدية كانت متفرقة وأنها كانت لعوامل متعددة؛ منها اضطراب أحوال اليمن نتيجة للتنازع السياسي بين الأقيال، وإلحاح الأحباش عليها بالغزو منذ القرن الثالث، وإهمال أمر الإرواء مما نتج عنه تصدع السد مرات متكررة مما سبب العسر الاقتصادي لإهمال الزراعة، فأخذت القبائل تهاجر كلما ضاق بها الحال، وكانت الأوس والخزرج ضمن هذه القبائل المهاجرة وكانت هجرتها متأخرة عن غيرها من بطون الأزد، وعلى هذا فالأوس والخزرج أحدث عهدًا بالمدينة من اليهود. ويقول صاحب الأغاني: إن الأوس والخزرج توجهوا بعد هجرتهم إلى المدينة، وحين وردوها نزلوا في حرار، ثم تفرقوا وكان منهم من لجأ إلى عفاء من الأرض لا ساكن فيه، ومنهم من لجأ إلى قرية من قراها، فكانوا من أهلها، فأقامت الأوس والخزرج في منازلهم التي نزلوها بالمدينة في جهد وضيق في المعاش ليسوا بأصحاب نخل وزرع، وليس للرجل منهم إلا الأعذاق اليسيرة والمزرعة يستخرجها من أرض موات. والأموال لليهود، فلبثوا بذلك حينًا 3.
ثم تطورت العلاقات بينهم وبين اليهود من الجوار إلى الحلف إلى الصراع.
1 ابن كثير 2/ 183.
2 يحدد سديو استيلاء خزاعة على مكة سنة 207م.
3 الأغاني 19/ 96 "طبعة مصر".