الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن الأكثر كان يأتي لزيارة الكعبة وأداء مناسك الحج التي كانت من الحرمات العربية العامة.
وقد ظل المشركون من العرب يؤمون المسجد الحرام ويقومون بتقاليد الحج إلى ما بعد فتح مكة استمرارًا لممارستهم السابقة1، وحتى حرم الإسلام الحج على المشركين سنة 9هـ وحوله إلى حج إسلامي خالص:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة]2.
1 ابن هشام 4/ 201.
2 انظر: ابن هشام 4/ 205.
طقوس الحج وتقاليده
للحج أشهر معلومات1 تبين بالأهلة: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَج} [البقرة] ولا يذكر القرآن صراحة أسماء هذه الشهور، غير أن الروايات المتواترة ذكرت أنها ثلاثة أشهر: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم2. وقد ذكر بعض المفسرين والمحدثين استنادًا إلى بعض الروايات أنها شوال وذو القعدة وذو الحجة3. ولكننا نرجح الرأي الأول؛ لأن ذا القعدة وذا الحجة والمحرم هي من الأشهر الحرم. والعرب لم يكن يمكنهم أن يشدوا رحالهم من بلادهم حاجين إلى مكة آمنين مطمئنين إلا في هذه الأشهر الحرم.
وقد جعلت أشهر الحج ثلاثة مع أن موسمه وأسواقه لا تستغرق أكثر من شهر وأيام؛ لأن المسافات الشاسعة التي يضطر الحاج إلى قطعها تحتاج إلى مدة كافية يذهب فيها ويعود في ظل الأشهر الحرم.
والطواف بالكعبة كان أول تقاليد الحج، وهو ركن من أركان الإسلام. والآية القرآنية:{وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج] تخبر بشيء كان موجودًا ومتعارفًا عليه، مما يدل على أن هذا التقليد كان موجودًا قبل البعثة. والطواف هو أهم مراسم زيارة
1 البقرة: 197.
2 ابن سعد 3/ 237. السهيلي: الروض الأنف 2/ 60 اليعقوبي 2/ 91. ابن كثير 5/ 195 المقريزي: إمتاع الأسماع 1/ 531. المصباح 1/ 181 مادة حرم.
3 الطبري 4/ 117- 118. البخاري 2/ 144.
الكعبة أو تحتها، وزيارة الكعبة نوعان: زيارة عمرة، وزيارة حج. وقد كانت هاتان الزيارتان رسميتين قبل البعثة. وللحج موسمه المعروف أما العمرة فهي زيارة الكعبة في غير موسم الحج، وكانوا في الجاهلية لا يجمعون بينهما، ويرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور1، حتى جاء الإسلام فجوز الجمع بين الحج والعمرة2. ولعل قريشًا هي التي سنت منع الجمع بين الحج والعمرة؛ حتى تكثر الزيارة للكعبة فتجني من وراء ذلك فوائد مادية. على أن زيارة الكعبة كانت عملًا واجبًا على كل من يقدم مكة سواء في وقت الحج أو في غير وقته.
والطواف في الإسلام هو سبعة أشواط على مدار بناء الكعبة، ويبدأ كل شوط من الركن الذي فيه الحجر الأسود، والطائف يستقبل هذا الركن ويستلم الحجر أو يقبله أو يشير إليه3.. وليس للحجر الأسود واستلامه أو تقبيله، أو للأشواط السبعة ذكر في القرآن، ولكن ذلك ثابت بالسنة المتواترة التي لم تنقطع. ومن المؤكد أن هذه المراسم قد انتقلت إلى الإسلام على حالها التي كانت عليها من قبل.
والحجر الأسود كان مقدسًا قبل البعثة، فأبقيت له في الإسلام حرمته وأبقيت عادة استلامه وتقبيله والبدء بأشواط الطواف من الركن الذي هو فيه. وهو حجر صواني لامع أسود، ويتحدث العرب أنه أنزل من السماء هدية للكعبة. وقد أبقى الإسلام لهذا الحجر حرمته كما أبقى على تقاليد الحج -كما هي في الجاهلية- وذلك لشدة رسوخها واستحالة التخلص منها، وحتى لا تصدم مقدسات العرب فيكون ذلك عقبة في سبيل الدعوة الإسلامية، ثم حولت هذه المراسم إلى غرض أسمى وهو عبادة الله وتعظيمه بزيارة بيته الحرام، كما حول الحج إلى اجتماع إسلامي عام يعقد في كل عام؛ لتبادل الأفكار والمنافع والإحساس بالترابط العام بين المسلمين. والحقيقة أن الكعبة والحج إليها هي البقية الباقية من عبادة الله في الحجاز على الحنيفية دين إبراهيم، فالعرب كانوا يرون الكعبة بيتًا لله ويرون الحج عبادة لله لا تقربًا للأصنام؛ وإنما وضعت الأصنام في الكعبة تكريمًا للأصنام بوضعها في بيت الله الحرام لا تكريمًا للبيت بوضع الأصنام فيه.
1 البخاري 2/ 143.
2 انظر البقرة 196.
3 البخاري 2/ 149- 152.