الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذين اشتدت شوكتهم بعد انتصارهم في بدر؛ فاضطروا إلى الدخول في حلف مع النبي صلى الله عليه وسلم.
ولعل المعاهدات التي وقعها النبي صلى الله عليه وسلم مع هذه القبائل لم تكن تشترط عليها أن تشارك معه في القتال، وهذا أمر طبيعي بعد أن فسدت الأمور بين المسلمين واليهود كما أشرنا إليه من قبل. فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يثق باليهود حتى يشترط عليهم أن يشاركوا معه في الحرب، والدليل على ذلك أن اليهود لم يشاركوا فعلًا في حروب النبي صلى الله عليه وسلم وأن النبي صلى الله عليه وسلم رفض الاستعانة بهم حين عرض رجال الأنصار أن يستعينوا بحلفائهم من اليهود في يوم أحد1، ونحن لا نوافق على ما ذهب إليه ولفنسون وغيره من أن النبي صلى الله عليه وسلم قد غضب على بني النضير لعدم اشتراكهم معه في موقعة أحد2؛ لأن بني النضير كانت قد بدت الخيانة منهم وممالأة العدو من قَبْلِ أحد. فإن أبا سفيان بن حرب قد نزل على سلام بن مشكم سيد بني النضير في غزوة السويق بعد بدر فقراه وسقاه وبطن له خبر الناس -أعلمه سرهم-3. فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقبل -والحالة هذه- أن يشتركوا في جيشه حتى لا يتعرض لخيانتها في ميدان القتال.
1 ابن هشام 3/ 8. الواقدي 168.
2 ولفنسون 121- 135.
3 ابن هشام 2/ 422- 424.
إجلاء بني قينقاع:
كانت النيات قد فسدت بين المسلمين واليهود كما بينا، وكان اليهود قد بدءوا يناوشون المسلمين، ويحرضون عليهم ويدسون بينهم حتى فاضت النفوس بالعداوة، وجعل كل من الطرفين يتربص بالآخر. حتى إذا كانت غزوة بدر وانتصر المسلمون فيها انتصارًا كبيرًا على قريش، ساء اليهود هذا النصر فبدأت طوائفهم تتغامز بالمسلمين، وتغري بهم، وتحرض عليهم، حتى فاضت النفوس أي فيض، ولم ينقص الموقف إلا الشرارة التي تشعل الحريق، وكان بنو قينقاع يقيمون بداخل المدينة، وفي حيهم يقوم سوق عرف باسمهم، وكانوا صاغة يعملون في صناعة الحلي، ولإقامتهم بين المسلمين كانوا أكثر قبائل اليهود احتكاكًا، وكان وجودهم هذا مما يثير حفائظهم كما كان يشكل في الوقت نفسه خطرًا على كيان المدينة اليثربية أو فوجئت بهجوم خارجي وحدثتهم أنفسهم بالخيانة، ثم إنهم كانوا أشداء لعدم اعتمادهم على الحصون كبقية اليهود، فأغرتهم قوتهم بتحدي المسلمين فلما قدمت امرأة من الأنصار إلى سوقهم لتبيع بعض