الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3-
الحارث بن عامر من بطن نوفل، وكانت إليه الرفادة.
4-
عثمان بن طلحة من بطن عبد الدار، وكانت إليه اللواء والسدانة مع الحجابة ويقال: إن الندوة أيضًا كانت في بني عبد الدار.
5-
يزيد بن زمعة بن الأسود من بطن أسد، وكانت إليه المشورة.
6-
أبو بكر الصديق من بطن تيم، وإليه كانت الأشناق في الجاهلية.
7-
خالد بن الوليد من بطن مخزوم، وإليه كانت القبة والأعنة.
8-
عمر بن الخطاب من بطن عدي، وإليه كانت السفارة في الجاهلية.
9-
صفوان بن أمية من بطن جمح، وإليه كانت الأيسار.
10-
الحارث بن قيس من بطن سهم، وإليه كانت الحكومة والأموال المحجرة.
وقد استمرت هذه المناصب حتى فتح مكة حين ألغاها النبي صلى الله عليه وسلم جميعًا إلا سدانة البيت والسقاية1: وبعض هذه المناصب تفريع لبعض الوظائف السابقة، وبعضها ليست لها قيمة كبيرة، على أنها جميعًا من صميم التنظيم القبلي إلا ما كان منها متصلًا بالكعبة والبيت الحرام، ولم تكن المناصب توكل إلى الأفراد؛ وإنما كانت توكل إلى البطون، وكل بطن يرشح للوظيفة من تكتمل له صفات الرياسة، على ما كان يجري في النظام القبلي من أن الفضائل الشخصية هي الأساس في تولي مناصب الرياسة.
1 العقد الفريد 3/ 313- 315، الآلوسي 1/ 248- 249.
النزاعات العشائرية ووحدة القبيلة في مكة
…
النزعات العشائرية ووحدة القبيلة في مكة
أنزل قصي بطون قريش بمكة، وقريش على أرجح الروايات هو فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، فكل من تجمع إلى قصي هو بطون فهر1، وقد تميزت قريش إلى قسمين رئيسين. قسم نزل وادي مكة وهو
1 ابن حزم: جمهرة أنساب العرب 11. القلقشندي: نهاية الأرب 394.
الأبطح واستقر به، وعرف بقريش البطاح، وقسم نزل بظهر مكة وعرف بقريش الظواهر. وقد كانت قريش البطاح هي عامة بطون قريش، أما قريش الظواهر فهم أربعة أبطن وهم: بنو بغيض بن عامر بن لؤي، وبنو الأدرم بن غالب، وبنو محارب بن فهر، وجماعة من بني الحارث بن فهر، وقد عاشت قريش الظواهر متبدية أوشبه مستقرة، ويبدو أن حالتها المالية لم تكن حسنة، فكانت لذلك تغير وتغزو. أما قريش البطاح؛ فلزمت الحرم واستقرت به وعرفت لذلك بقريش الضب1، واتخذت من التجارة ورعاية البيت الحرام موردًا تتعيش منه، وحصلت بذلك على مال عظيم. وقد كثرت بطون قريش البطاح وتعددت حتى كان عدد البيوت الظاهرة في نهاية القرن السادس الميلادي أحد عشر بطنًا. خمسة من ولد قصي، هم: هاشم بن عبد مناف ومعهم بنوالمطلب بن عبد مناف، وأمية بن عبد شمس بن عبد مناف، ونوفل بن عبد مناف، وعبد الدار بن قصي، وأسد بن عبد العزى بن قصي. والباقون من ولد كعب بن لؤي وهم: عدي بن كعب بن لؤي، وزهرة بن كلاب بن مرة بن كعب، وتيم بن مرة بن كعب، وسهم بن عمرو بن هصيص بن كعب، وجمح بن عمرو بن هصيص بن كعب، ومخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب. وتحت لواء هذه البطون الظاهرة انضوت بقية العشائر الأخرى من قريش2. وبين هذه البطون انقسمت المناصب في مكة، وقد جاء الإسلام والأمر مستقر عليها.
حكم قصي مكة بعد أن أجلى خزاعة عنها، وجمع في يده المناصب الستة التي أشرنا إليها، وأقرت له العرب بذلك، ودانت له قريش وعظمته وأصبح أمره كالدين المتبع فيهم3. فلما أسن قصي، عهد بالأمر من بعده لابنه الأكبر عبد الدار، وأسند إليه هذه المناصب كلها، ويعلل الأخباريون ذلك بأن عبد الدار كان بكر قصي، وكان أضعف إخوته الذين نبه ذكرهم وشرفوا في عهد أبيهم، فأراد قصي أن يرفع من قدر ابنه الأكبر ويلحقه بشرف إخوته، فعهد إليه هذا العهد، وخضع بنو قصي لهذا الأمر احترامًا لرأي أبيهم4. لكن هذا الذي يقول به الأخباريون يخالف القواعد التي جرى عليها العرف عند القبائل العربية، فإن الكفاية الشخصية كانت هي الأساس في تولي
1 ابن الأثير 2/ 13.
2 الطبري 2/ 40.
3 ابن هشام 1/ 137. الطبري 2/ 18.
4 ابن هشام 1/ 143- 144.
الرياسية في القبيلة العربية، ولا بد من وجود علة أخرى غير التي قال بها هؤلاء الأخباريون، وعندي أن قصيًا -الذي اتصف بالحكمة وبعد النظر- قد أراد أن يحتفظ بوحدة القبيلة القرشية ويبعد عنها أسباب التنافس والشقاق الذي أشفق من وقوعه، والقبيلة لا تزال حديثة عهد بحكم مكة، وأعداؤها من خزاعة وبني بكر لا يزالون يعيشون منفيين حول مكة، ومن المحتمل أن يعودوا لمناوأتها إذا دب خلاف بين صفوفها، ولقد قدرت بطون قريش هذه الحكمة من قصي وأدرك بنوه ما يرمي إليه -هذا إذا كان عبد الدار على ما وصفه به أصحاب الأخبار من الضعف، وهو أمر من المحتمل أن يكون هواهم قد مال بهم إليه؛ لتعظيمهم لبني عبد مناف الذين جاء النبي صلى الله عليه وسلم منهم؛ فلم ينازعوا عبد الدار طول حياته، ولكن الخلاف ما لبث أن ثار، ورأى بنو عبد مناف أنهم أحق بالأمر من بني عمهم عبد الدار، أو أنهم لا يقلون عنهم نباهة وشرفًا؛ لذلك نازعوهم الأمر، وانقسمت قريش تبعًا لذلك إلى معسكرين متعاديين، انقسمت بينهما بطون قريش؛ فانضم إلى معسكر بني عبد مناف: بنو أسد بن عد العزى، وبنو زهرة بن كلاب، وبنو تيم بن مرة، وبنو الحارث بن فهر.. وانضم إلى معسكر بني عبد الدار: بنو مخزوم بن يقظة، وبنو سهم بن عمرو بن هصيص، وبنو جمح بن عمرو، وبنو عدي بن كعب، وخرجت عامر بن لؤي، ومحارب بن فهر من قريش الظواهر فلم يكونوا مع واحد من الفريقين.
وعقد كل واحد من المعسكرين حلفًا توكيدًا لترابطهم وتضامنهم. فعقد بنو عبد مناف حلفًا سموه حلف المطيبين؛ لأنهم قدموا طيبًا في جفنة وضعوها في فناء الكعبة وغمسوا أيديهم فيها ومسحوها في جدار الكعبة توكيدًا لحلفهم. كما عقد بنو عبد الدار حلفًا سموه الأحلاف. وتعبت قبائل الحلفين لبعضها، وأوشكت الحرب الأهلية أن تقع في مكة. لكن الملأ من قريش أدركوا ما يتعرض له مركز القبيلة من خطر وما يعود عليها من أضرار لو نشب القتال وسالت الدماء؛ فإن وحدة القبيلة ستتمزق وحرمة مكة التي يحرصون عليها ويسعون لإقرارها في نفوس العرب ستضعف، ومن ثم تتعرض مكة للاعتداء عليها، وتهون قريش في نظر القبائل؛ لذلك سارعوا إلى القضاء على هذا الخطر بفض هذا النزاع، فأعطوا بني عبد مناف الرفادة والسقاية، وأبقوا المناصب الأخرى في يد بني عبد الدار. وبذلك رضي الطرفان وحسم النزاع، لكن الطرفين ثبت كل منهما على حلفه1، ولم تذهب آثار هذا النزاع من النفوس، كما أن هذا الأمر
1 ابن هشام1/ 143- 144.
فتح عيون البطون القرشية كلها على الرغبة في المشاركة في شئون الحكم في القبيلة القرشية داخل مكة، ولما كانت قرييش قد تميزت بوجود رجال أكفاء رأسوا عشائرها ووضعوا نصب أعينهم دائمًا المحافظة على وحدتها وحل مشاكلها؛ فقد اصطنعوا من الوظائف ما أرضوا به شعور البطون القرشية كلها، وبعد أن كانت وظائف مكة ستًّا توزعت بين بني عبد الدار وبني عبد مناف، بلغت في نهاية القرن السادس ست عشرة وظيفة توزعت على بطون قريش البطاح. ومن ثم احتفظت قريش بوحدتها، ونجت من التفكك الذي كان يصيب القبائل العربية، ويخلق منها في كثير من الأحيان بطونًا متعادية متحاربة، وقد دعم هذا الترابط مركز مكة، وضمن لها التفوق على المدن العربية الأخرى التي كانت تقع على طريق القوافل، وكان من شأنها أن تنافس مكة في التجارة.
وكما حرص رجال قريش على وحدة القبيلة وتضامنها، كذلك حرصوا على إقرار الأمن في مكة، سواء لأهلها أو للقادمين عليها، ووقفوا في وجه كل من تحدثه نفسه من أهلها أو من غيرهم بالاعتداء على حرية الناس وأمنهم. أو ظلم القادمين إليها للمتجارة والمبادلة؛ وذلك أن مكة كانت تعتمد في حياتها على ما تجلبه إليها التجارة من الرزق سواء منها الخارجية أو الداخلية. وإذا كانت تجارة قريش الخارجية قد اتسعت بحيث ضمنت العشائر الغنية التي تشارك فيها ثروة كبيرة، فإن رجال قريش قد حرصوا على سلامة التجارة الداخلية؛ حتى تضمن العشائر التي لم تشارك بصورة قوية في التجارة الخارجية ما يضمن لها أسباب الرزق في التجارة الداخلية؛ لذلك وقفوا في وجه كل ما من شأنه أن يعطل هذه التجارة أو يحد من نشاطها، ومن أجل هذا قام حلف الفضول. وكان سببه المباشر أن العاص بن وائل السهمي اشترى بضاعة من رجل يمني قدم مكة، وأبى أن يدفع الثمن، ولجأ اليمني إلى بطون الأحلاف فلم تنصفه، فأدى هذا إلى رد فعل قوي بين البطون القرشية الأخرى التي كانت تعتمد على التجارة الداخلية، ورأت فيه محاولة من العشائر الغنية التي تهيمن على التجارة الخارجية نتيجة لثروتها الواسعة للهيمنة على التجارة الداخلية أيضًا بمضايقتها للتجار.
الخارجيين من غير قريش1. لذلك تنادى بنو هاشم وأسد وزهرة وتيم لعقد حلف للوقوف في وجه هذا الاتجاه، ومنع كل ظلم يقع في مكة سواء على أهلها أو على الغرباء، فاجتمعوا في دار الندوة وتشاوروا في الأمر، ثم انتقلوا إلى دار عبد الله بن جدعان أحد أثرياء مكة من بني تيم الذي صنع لهم طعامًا، حيث عقدوا حلفًا سموه حلف الفضول، تعاهدوا فيه على أن يكونوا يدًا واحدة مع المظلوم على الظالم؛ حتى يؤدي إليه حقه وعلى التأسي في المعاش2. وإن هذه الفقرة الأخيرة لتبين بوضوح أغراض الحلف وهو الوقوف في وجه الظلم الذي قد يجر إلى أن تحرم هذه البطون من أسباب معاشها. وقد حقق هذا الحلف نتيجته المباشرة؛ فقد دفع العاص بن وائل ثمن البضاعة التي أخذها، كما استقرت الحرية العامة في مكة، وقد بقيت آثار هذا الحلف إلى ما بعد الإسلام، وإن كان قد تعطل فترة من الزمن عند بدء ظهور الإسلام في أنثاء الدور المكي من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما سنشير إليه فيما بعد- ويذهب بعض المؤرخين إلى أن حلف الفضول إن هو إلا امتداد لحلف المطيبين، على اعتبار أن الذين انضموا للحلف هم نفس البطون التي كانت في حلف المطيبين، باستثناء بعض عشائر عبد مناف وهم بنو نوفل وبنو عبد شمس الذين أصبحوا في ذلك الوقت من العشائر الغنية التي اتخذت جانب الفريق الآخر تحقيقًا لمصالحها3. ولكن لا يمكن التسليم بهذا الرأي، فإن حلف المطيبين عقد لظروف أخرى وهي التنازع على المناصب في مكة، وكان بنو عبد مناف يملكون ناصية الثروة وناصية التجارة الخارجية؛ فإن على يد هاشم بن عبد مناف وإخوته خرجت قريش إلى نطاق التجارة الخارجية، وإلى تنظيم القوافل لنقل التجارة بين الجنوب والشمال والشرق والغرب. وهم الذين أجروا
1 لدينا أمثلة أخرى على مضايقة أغنياء قريش للتجار الغرباء، منها ما ذكره ابن إسحاق من أن أبا جهل بن هشام اشترى إبلًا من رجل جاء إلى مكة يبيع إبلًا ومطله بأثمانها، حتى اضطر الرجل إلى أن طلب الإنصاف من رجال قريش "ابن هشام 1/ 416". وما رواه ابن كثير من محاولة نبيه بن الحجاج ظلم رجل خثعمي جاء مكة مما اضطر الرجل إلى طلب الإنصاف. "ابن كثير 2/ 292".
2 ابن هشام 1/ 144- 145. ابن كثير 2/ 292. ابن الأثير 2/ 26- 27. اليعقوبي 2/ 12- 13.
3.
Watt، op. oit. p.6. 13- 14
الاتصالات الخارجية بالبيزنطيين والأحباش والفرس واليمن1. أما حلف الفضول فتختلف ظروفه ودواعيه كما تختلف ظروف القائمين عليه، وإن كانوا هم بعض نفس البطون التي اشتركت في الحلف الأول، وإذا كان الحلف الأول لتقسيم المناصب؛ فإن الحلف الثاني قام لإقرار العدل والأمن وتدعيم مصالح التجارة الداخلية في مكة ذاتها، وقد قدر الإسلام الأهداف السامية التي عقد من أجلها هذا الحلف وأقره، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: "لقد شهدت في دار ابن جدعان حلفًا ما أحب أن لي به حمر النعم؛ ولو أُدعى به في الإسلام لأجبت" 2. وقد بقيت آثاره بعد الإسلام، حتى لقد نادى به الحسين بن علي حين وقعت بينه وبين الوليد بن عتبة بن أبي سفيان والى المدينة منازعة في مال كان بينهما، وقد تداعت أطراف الحلف لنصرة الحسين مما اضطر الوليد إلى إنصافه3.
وأوشك خلاف آخر أن يدب بين صفوف القبيلة قبيل ظهور الإسلام حين هدمت قريش الكعبة، وتنافست البطون على من ينال شرف وضع الحجر الأسود في مكانه من البناء، وقد تحزبت لذلك بنو عبد الدار وبنو عدي وعقدوا بينهم حلفًا على ألا يدعوا أحدًا يقوم بهذا غيرهم وقدموا جفنة فيها دم غمسوا أيديهم فيه توكيدًا لحلفهم فسموا لعقة الدم، لكن الخلاف ما لبث أن حسم بالتحكيم على يد محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الذي لم يكن بعث نبيًّا بعد 4.
وقد ذكر المؤرخون تنازعًا وقع بين عشيرة هاشم وعشيرة أمية بن عبد شمس وهما بيتان من بيوت بطن عبد مناف، وأفاضوا في ذكر هذا التنافس بين البيتين ورتبوا عليه نتائج كبيرة، اعتبروه أساسًا للنزاع بين بني هاشم وبني أمية بعد ظهور الإسلام، وقد احتل ذكر هذا التنازع جانبًا كبيرًا من اهتمام الكتاب والمؤرخين سواء منهم القدماء أو المحدثون وأفرد له بعضهم كتبا خاصة به. وأول ذكر لهذا التنازع ما ذكره ابن سعد في كتاب الطبقات الكبرى عند حديثه عن هاشم بن عبد مناف وابنه عبد المطلب بن هاشم، وعن ابن سعد أخذ من تلاه من المؤرخين القدماء ثم تبعهم المحدثون.
1 ابن هشام 1/ 147. اليعقوبي 1/ 201.
2 ابن هشام 1/ 145. ابن كثير 2/ 293.
3 ابن هشام 1/ 146. ابن كثير 2/ 293. ابن الأثير 2/ 37.
4 ابن كثير 2/ 303.
تحدث ابن سعد عن مركز هاشم بن عبد مناف بين قومه وما نالته قريش على يده من خير، ثم قال: أخبرني هشام بن محمد قال: حدثني معروف بن الخربوذ المكي، قال: حدثني رجل من آل عدي بن الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف عن أبيه، قال: فحسده -يعني هاشمًا- أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، وكان ذا مال، فتكلف أن يصنع صنيع هاشم فعجز عنه، فشمت به ناس من قريش، فغضب ونال من هاشم ودعاه إلى المنافرة، فكره هاشم ذلك لسنه وقدره، فلم تدعه قريش وأحفظوه، قال: فإني أنافرك على خمسين ناقة سود الحدق تنحرها ببطن مكة، والجلاء عن مكة عشر سنين، فرضي أمية ذلك، وجعلا بينهما الكاهن الخزاعي، فنفر هاشمًا عليه فأخذ هاشم الإبل فنحرها وأطعمها من حضر، وخرج أمية إلى الشام فأقام بها عشر سنين، فكانت هذه أول عداوة وقعت بين هاشم وأمية 1.
ثم تحدث عن منافرة أخرى وقعت بين عبد المطلب بن هشام وحرب بن أمية قال: وأخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه قال: أخبرني رجل من بني كنانة يقال له ابن أبي صالح ورجل من أهل الرقة مولى لبني أسد وكان عالمًا، قالا: تنافر عبد المطلب بن هاشم وحرب بن أمية إلى النجاشي الحبشي، فأبى أن ينفر بينهما، فجعلا بينهما نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب فقال لحرب: يا أبا عمرو، أتنافر رجلًا هو أطول منك قامة، وأعظم منك هامة، وأوسم منك وسامة، وأقل منك لامة، وأكثر منك ولدًا، وأجزل منك صفدًا، وأطول منك مذودًا. فنفره عليه فقال حرب: إن من انتكاث الزمان أن جعلناك حكمًا2 هذه رواية ابن سعد وتابعه عليها البلاذري3 والطبري4 وابن الأثير5، وكتب المقريزي كتابًا خاصًّا بهذا النزاع سماه النزاع والتخاصم بين بني أمية وبني هاشم رد فيه أصل الخصومة التي قامت بين بني هاشم وبني أمية في عهد علي بن أبي
1 ابن سعد 1/ 55- 56.
2 نفسه 1/ 67- 68.
3 البلاذري: أنساب الأشراف 1/ 60- 61، 72، 73.
4 الطبري 2/ 23.
5 ابن الأثير 2/ 9-10.
طالب ومعاوية بن أبي سفيان وما تلاها من صراع بين البيتين إلى هاتين الحادثتين1، ثم سار على ذلك من تناولوا هذا الموضوع من المؤرخين والكتاب المحدثين2 ونحن لا نستطيع مجاراة هؤلاء المؤرخين ونرفض القصتين من أساسهما. وأول ما يطالعنا في هذا الشأن أن ابن إسحاق -وهو أقدم من تناول السيرة- لم يذكر شيئًا عن هاتين القصتين، بل لم يشر إلى أي نزاع وقع بين بني هاشم وبني أمية قبل الإسلام، وكذلك لم يشر إليهما أحد من كتاب السيرة المحققين، من أمثال ابن كثير وابن سيد الناس؛ بل إن ابن إسحاق يثبت الترابط بين بني عبد مناف في مواضع كثيرة، فهو حين يتحدث عن إعادة حفر زمزم على يد عبد المطلب بن هاشم يقول: إن بني عبد مناف افتخرت بها على قريش كلها وعلى سائر العرب، ويروي قصيدة لمسافر بن عمرو بن أمية بن عبد شمس وهو يفخر على قريش بما ولوا عليهم من السقاية والرفادة وما أقاموا للناس من ذلك، وبزمزم حين ظهرت لهم، وقد كانت هذه المناصب كلها في يد عبد المطلب بن هاشم، ويعلق ابن إسحاق على ذلك بقوله: وإنما كان بنو عبد مناف أهل بيت واحد، شرف بعضهم لبعض شرف، وفضل بعضهم لبعض فضل.3
وحين خاصمت قريش عبد المطلب على بئر زمزم وخرجوا ليحاكموه لدى كاهن بني سعد هزيم بأشراف الشام ركب عبد المطلب ومعه نفر من بني أبيه من بني عبد مناف4 ثم إن عبد شمس بن عبد مناف كان صاحب أمر بني عبد مناف في خصومتهم ضد بني عبد الدار، وقد قبل عبد شمس أن توكل السقاية والرفادة إلى أخيه هاشم؛ لأن عبد شمس كان رجلًا سفارًا قلما يقيم بمكة، وكان مقلًّا ذا ولد5. ويستمر الترابط بين البيتين وتقوم الصداقات بين أفرادهما؛ فقد كان العباس صديقًا حميمًا لأبي سفيان بن حرب، وقد ظل صديقًا له حتى بعد ظهور الإسلام، بالرغم مما قامت به قريش
1 المقريزي: النزاع والتخاصم ص 2- 17.
2بودلي. محمد الرسول 143. العقاد. معاوية في الميزان. ص 31. وما بعدها، أبو الشهداء ص24 وما بعدها. مطلع النور ص 162 وما بعدها. الخربوطلي: المختار الثقفي ص 164- 165. إبراهيم الإبياري: معاوية ص9 وما بعدها.
3 ابن هشام 1/ 162.
4 نفسه 1/ 55.
5 نفسه 1/ 147.
جميعًا ضد النبي صلى الله عليه وسلم وبني هاشم، والعباس هو الذي أخذ الأمان لأبي سفيان من النبي صلى الله عليه وسلم عند فتح مكة، وقد اشتد على عمر حين طلب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يضرب عنق أبي سفيان؛ فقال العباس: مهلًا يا عمر، فوالله أن لو كان من رجال بني عدي ما قلت هذا، ولكن عرفت أنه من رجال عبد مناف1. ولم يبد رجال بني عبد مناف حماسة شديدة للقتال حين خرجت قريش لقتال المسلمين في بدر، بل كانوا يسايرون إجماع القبيلة على الخروج، بل إن بعضهم حاول تخذيل قريش عن لقاء المسلمين، وكان أبرز من قام بهذا الدور عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، حتى اتهمه أبو جهل بالممالأة فقال: إن عتبة يشير عليكم بهذا -يعني الرجوع- لأن ابنه مع محمد، ومحمد ابن عمه، وهو يكره أن يقتل ابنه وابن عمه2.
وهكذا يثبت ابن إسحاق والواقدي ومن أخذ عنهما أن الترابط كان موجودًا بين بني عبد مناف جميعًا، وأن قريشًا كانت تعتبر بني عبد مناف عصبية واحدة وحتى ليقول أبو جهل وقد سئل عن رأيه فيما يقول محمد صلى الله عليه وسلم: تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف: أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تحاذينا على الركب وكنا هذه؟ والله لا نؤمن به أبدًا3، وهكذا نجد أنه ليس هناك ذكر لما ذهب إليه ابن سعد. والأمر الثاني الذي يطالعنا أن الرواية في كلتا الحادثتين رواية مفردة مقطوعة السند، وهي عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي، وهو غير منزَّه عن الشبهات؛ لأنه لا يحقق ما يصل إلى يده4. ثم إن من أخذوا بهذه الرواية من أمثال ابن الأثير الذي أخذها عن الطبري الذي أخذها بدوره عن ابن سعد، قد مهدوا لهذه الرواية بقصة أسطورية، فقد ذكر ابن الأثير أن هاشمًا وعبد شمس توأمان وأن أحدهما ولد قبل الآخر، وأصبع له ملتصقة بجبهة صاحبه فنحيت، فسال الدم5، فقيل يكون بينهما دم، وذكر اليعقوبي حادث الولادة فقال: كانا توأمين فخرج هاشم وتلاه عبد
1 نفسه 4/ 21.
2 الواقدي: مغازي رسول الله ص 46.
3 ابن هشام 1/ 338.
4 ياقوت: معجم الأدباء 19/ 287- 288.
5 ابن الأثير 2/ 10.
شمس وعقبة ملتصق بعقبه فقطع بينهما بموسى. فقيل ليخرجن بين ولد هذين من التقاطع ما لم يكن بين أحد1، ويزيد ابن الأثير والبلاذري الوضع غرابة؛ فإنهما يذكران أن هاشمًا مات بغزة وله من العمر عشرون سنة أو خمس وعشرون سنة2 فإذا كان عبد شمس والد أمية توأم هاشم، فكم يكون سن أمية حين نافر عمه؟ وفي تحكيم النجاشي بين عبد المطلب وحرب غرابة شديدة، إذ كيف ينتقل الخصمان إلى الحبشة وما مدى علم النجاشي بمواهب الرجلين ومنزلتهما وهو هنا موضوع المنافرة. على أن هؤلاء المؤرخين يثبتون مع ذلك استمرار الصداقة بين أولاد أمية وأولاد هاشم، فيذكرون صداقة عبد المطلب وحرب بن أمية، وكان حرب بن أمية على قريش وحلفائها في الفجار لمكانه من عبد مناف سنًّا ومنزلةً3. ويذكرون صداقة العباس بن عبد المطلب وأبي سفيان بن حرب. وإذا كان أبو سفيان قد عادى النبي وقاد قريشًا لحربه بعد معركة بدر سنة 2هـ إلى فتح مكة سنة 8هـ؛ فإن القبيلة كلها أجمعت على هذه الحرب إذ إن مكة كانت تقاتل دفاعًا عما تراه مصلحتها، وبنو هاشم أنفسهم خرجوا للقتال يوم بدر وأسر من رجالهم العباس، وعقيل بن أبي طالب، ونوفل بن عبد المطلب4 وكان أبو لهب بن عبد المطلب5 وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب من أشد الناس عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللإسلام6، وهما من بني هاشم ومن أمس الناس قرابة بالرسول صلى الله عليه وسلم.
من كل ما تقدم يمكن القول بأن هذا التنازع الذي ذكره المؤرخون بين بني هاشم وبني أمية في الجاهلية لم يكن له وجود، وأنه لم يثر بين البيتين خلاف إلا بعد مقتل عثمان، وهذا العداء الذي قام بين علي ومعاوية واستمر بعد ذلك بين البيتين هو الذي سحبه المؤرخون على الماضي فحاولوا الرجوع بأصوله إلى أيام الجاهلية، وإلى أيام ظهور هاشم بن عبد مناف على مسرح الحياة في مكة.
1 اليعقوبي 1/ 200.
2 البلاذري: أنساب الأشراف 1/ 33. ابن الأثير 2/ 10.
3 ابن الأثير 1/ 362.
4 ابن هشام 2/ 362.
5 نفسه 1/ 372.
6 نفسه 4/ 18.