المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الكعبة البيت الحرام: - مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم

[أحمد إبراهيم الشريف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

-

- ‌جغرافية الجزيرة العربية والتشكيل القبلي

- ‌شبه جزيرة العرب

-

- ‌أقسام شبه الجزيرة العربية

- ‌الحجاز

- ‌أودية الحجاز:

- ‌مدن الحجاز:

- ‌مكة:

- ‌الطائف:

- ‌يثرب:

- ‌المناخ:

- ‌القبيلة العربية

- ‌مدخل

- ‌النظام السياسي للقبيلة العربية

- ‌مدخل

- ‌التشكيل الاجتماعي للقبيلة العربية:

- ‌دستور القبيلة

- ‌مستويات العصبية الاجتماعية

- ‌مهمة الدفاع لدى القبائل

- ‌الوضع الاقتصادي

- ‌مدينة مكة

- ‌مدخل:‌‌ مكة قبل الإسلام

- ‌ مكة قبل الإسلام

-

- ‌ نشأة مكة

- ‌قصي بن كلاب وعودة قريش إلى مكة:

- ‌حكومة مكة وسياستها الداخلية

- ‌مدخل

- ‌النزاعات العشائرية ووحدة القبيلة في مكة

- ‌قوة الزعامة في مكة وأثرها

- ‌ قوة قريش الحربية وعلاقتها بالقبائل الخارجية

- ‌علاقات مكة الخارجية

- ‌مدخل

- ‌علاقة مكة بالجنوب:

- ‌علاقة مكة بالشمال:

- ‌علاقة مكة بالفرس والحيرة:

- ‌الحج وأثره

- ‌مدخل

- ‌الكعبة البيت الحرام:

- ‌الحج

-

- ‌طقوس الحج وتقاليده

- ‌ثياب الإحرام:

- ‌الوقوف بعرفة:

- ‌الهدي والقلائد:

- ‌الحلق والتقصير:

- ‌آثار الحج الاقتصادية والاجتماعية:

- ‌الأشهر الحرم وأهميتها

-

- ‌ الحالة الاقتصادية

-

- ‌تجارة قريش الداخلية والخارجية

- ‌الربا:

- ‌النقد:

- ‌الأعداد والحساب:

- ‌المكاييل والموازين والمقاييس:

- ‌النشاط الزراعي والرعوي:

- ‌النشاط الصناعي:

- ‌الحالة الاجتماعية

- ‌مدخل

- ‌ طبقة الصرحاء:

- ‌ طبقة الموالي:

- ‌ طبقة الأرقاء:

-

- ‌الجاليات الأجنبية:

- ‌ النصارى:

- ‌ اليهود:

- ‌استعداد العرب للنقلة

- ‌مدخل

- ‌ظهور المصلح النبي

- ‌المفاهيم الجديدة في الدعوة:

- ‌الدعوة إلى الإسلام ومسايرة التنظيم العربي

- ‌أساليب قريش لمقاومة الدعوة

- ‌الهجرة في سبيل الدعوة:

- ‌مدينة يثرب

- ‌نشأة يثرب

- ‌مدخل

- ‌سكان المدينة

- ‌مدخل

- ‌اليهود

- ‌العرب

- ‌الأوس:

- ‌الخزرج:

- ‌التنظيم الداخلي والعلاقة بين السكان

- ‌مدخل

- ‌ العلاقات بين اليهود

- ‌ العلاقات بين العرب واليهود

- ‌ العلاقات بين الأوس والخزرج

- ‌ قوة يثرب وعلاقاتها الخارجية

-

- ‌ الحالة الاقتصادية

- ‌النشاط الزراعي

-

- ‌النشاط الرعوي

- ‌الصيد:

-

- ‌النشاط التجاري

- ‌التجارة الداخلية:

- ‌التجارة الخارجية:

- ‌المكاييل والموازين:

- ‌العملة:

- ‌النشاط الصناعي

-

- ‌ الهجرة وتأسيس الدولة الإسلامية في يثرب

- ‌تكوين الدولة في يثرب

- ‌الصحيفة

- ‌الصراع بين يثرب وخصومها

- ‌مدخل

-

- ‌ الصراع بين مكة والمدينة

- ‌الحالة الداخلية في يثرب "المدينة

- ‌الحالة الداخلية في مكة

-

- ‌بداية الصراع بين المدينتين

- ‌موقعة بدر سنة 2 ه

- ‌آثار موقعة أحد:

- ‌غزوة الأحزاب أو الخندق:

- ‌نتيجة الصراع

- ‌صلح الحديبية

-

- ‌ الصراع بين المسلمين واليهود

- ‌إجلاء بني قينقاع:

- ‌إجلاء بني النضير

- ‌القضاء على بني قريظة:

- ‌فتح خيبر والقضاء على قوة اليهود في جزيرة العرب:

-

- ‌ الصراع بين المدينة والقبائل العربية

- ‌غزوة مؤتة:

-

- ‌الخاتمة:

- ‌فتح مكة وتوحيد الجزيرة العربية

- ‌بيان براءة:

- ‌الخلافة الإسلامية وتثبيت دعائم الوحدة

- ‌مدخل

- ‌مشكلة الخلافة:

- ‌الردة:

- ‌الكشاف

- ‌أولًا: فهرس الأعلام

- ‌ثانيًا: الدول والقبائل والبطون والعشائر

- ‌ثالثًا: المواضع

- ‌رابعًا: الحروب والغزوات والوقائع

- ‌المصادر والمراجع

- ‌أولا: المراجع العربية

- ‌ثانيًا: المصادر والمراجع الأجنبية:

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌الكعبة البيت الحرام:

‌الحج وأثره

‌مدخل

الفصل الخامس: الحج وأثره

اتصلت نهضة مكة بقيام الكعبة فيها، فإن اهتمام العرب بالبيت الحرام وتعظيمهم له والحج إليه هو السبب الأساسي في قيام هذه المدينة وتقدمها، كما أن موقع مكة كان عاملًا قويًّا في ارتفاع شأن البيت الحرام نفسه.

الكعبة البيت الحرام:

وجد في بلاد العرب بيوت عرفت ببيوت الله أو البيوت الحرام يقصدها الحجيج في مواسم معلومة تشترك فيها القبائل من سكان البقاع العربية ويتعاهدون على المسالمة في جوارها، وكان أشهرها في الجزيرة العربية: بيت الأقيصر، وبيت ذي الخلصة، وبيت صنعاء، وبيت رضاء، وبيت نجران، وأذكرها جميعًا وأبقاها بيت مكة، عدا بعض البيوت الصغار التي تحج إليها القبائل القريبة ولا تقصد من مكان بعيد.

وكان بيت الأقيصر في مشارف الشام مقصد القبائل من قضاعة ولخم وجذام وعاملة، يحجون إليه ويحلقون رءوسهم عنده1.

وبيت ذي الخصلة كان يسمى الكعبة اليمانية وهو بيت أصنام كان لدوس وخثعم وبجيلة ومن كان ببلادهم من العرب بتبالة - بين مكة واليمن - والذين كانوا يسمونه الكعبة اليمانية كانوا يسمون كعبة مكة الكعبة الشامية، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم -جرير بن عبد الله البجلي بهدمه بعد فتح مكة، فهدمه بعد أن دافعت عنه خثعم دفاعًا شديدًا2.

1 ياقوت: معجم البلدان 2/ 238.

2 ياقوت: 7/ 383-384. الأغاني 3/ هـ ص 172.

ص: 143

وكان بصنعاء "بيت رثام" يحجون إليه وينحرون عنده ويكلمون منه، حتى هدم بعد انتشار اليهودية في اليمن1.

ورضاء بيت كان لبني ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، وقد هدمه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم المستوغر بن ربيعة بن سعد 2.

أما كعبة نجران فهي بيعة بنوها على بناء الكعبة، وعظموها مضاهاة لها، وسموها كعبة نجران، ويقول ابن الكلبي: إنها لم تكن بناء؛ وإنما كانت قبة من أدم من ثلاثمائة جلد، كان إذا جاءها الخائف أمن أو طالب الحاجة قضيت حاجته أو المسترفد رفد. وكان فيها أساقفة معتمدون وهم الذين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودعاهم للمباهلة3.

وقد اجتمع لبيت مكة من بين هذه البيوت الحرام ما لم يجتمع لبيت آخر في أنحاء الجزيرة العربية؛ لأن مكة كانت ملتقى طرق القوافل بين الجنوب والشمال والشرق والغرب، وكان محطة لازمة لمن يحمل التجارة من الشمال إلى الجنوب. وكانت القبائل تلوذ منها بمثابة مطروقة تتردد عليها. وقد رغب القبائل فيها أن مكة لم تكن فيها سيادة قاهرة على تلك القبائل في باديتها أو رحلاتها؛ فليست في مكة دولة كدولة التبابعة في اليمن أو مملكة المناذرة في الحيرة أو الغساسنة في الشام، وليس من وراء أصحاب الرياسة فيها سلطان كسلطان دولة الروم أو الفرس أو الحبشة وراء الإمارات المتفرقة على الشواطئ أو بين بوادي الصحراء، فهي مثابة عبادة وتجارة، وليست حوزة ملك يستبد بها صاحب العرش ولا يبالي من عداه، فلم تكن قيصرية، ولا كسروية، ولا نجاشية، وإنما كانت مكة عربية لجميع العرب ولهذا تمت لها الخصائص التي كانت لازمة لمن يقصدونها ويجدون فيها من يبادلهم ويبادلونه على حكم المنفعة المشتركة لا على حكم القهر والإكراه.

والكعبة قديمة سابقة لأسفار العهد القديم في التوراة، وقد توارث العرب أن أول من رفع قواعدها هو إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وتلهم الآية القرآنية:

1 ياقوت 9/ 383- 384. الأغاني 3/ هـ ص172.

2 نفسه 9/ 50.

3 نفسه 9/ 50. ياقوت 19/ 268.

ص: 144

{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} [آل عمران] هذا المعنى؛ كما تلهم أنها نالت قدسية عامة منذ إنشائها. والآيات القرآنية: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} [الحج]{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ} [البقرة] تلهم أن هذه المنطقة كانت معروفة، وأن الكعبة ربما قامت على أنقاض معبد قديم1، وأنه ربما جرت عليه أحداث تاريخية وجغرافية غيرت من طبيعة المكان وأهمل هذا المعبد، حتى هيئ لإبراهيم أن يرفع قواعده من جديد. وقد ذكرت المصادر القديمة مكة كما تحدثت عن البيت الذي تعظمه العرب في العربية الغربية. لقد كانت الكعبة منذ القدم -كما هي معروفة في عهد قريش- مثابة للناس جميعًا وأمنًا، لا يمنع أحد من التعبد فيها، فقد كانت قريش تسمح لكل الناس على اختلاف نحلهم بالطواف حولها والتعبد فيها على اعتبار أنها بيت الله2.

فالوثنيون على اختلاف أربابهم، واليهود والنصارى والصابئون كان يمكنهم زيارتها والتعبد فيها، تحكمهم في ذلك حكم القبائل البادية التي وجدت فيها محلًا لعبادة أوثانها في مواسم الحج والإحرام3. ولقد حاولت الدول الكبرى أن تهدم هذا البيت وتحول أنظار العرب عنه فلم تفلح4، وبقيت للكعبة مكانتها وقداستها كما كانت من أقدم عهودها.

والأساس المهم الذي قامت عليه قداسة بيت مكة أن البيت بجملته هو المقصود بالقداسة، غير منظور إلى الأصنام والأوثان التي اشتمل عليها، وربما اشتمل البيت على الصنم أو الوثن تعظمه قبيلة وتزدريه أخرى. فلا ينتقص ذلك من قدر البيت عند المعظمين والمزدرين على السواء. وقد تختلف الدعاوى التي يدعيها كل فريق لصنمه أو

1 الطبري 1/ 128 "إن الله لما بوأ لإبراهيم مكان البيت ومعالم الحرم فخرج وخرج معه جبريل يقال: كان لا يمر بقرية إلا قال: بهذه أمرت يا جبريل، فيقول جبريل: أَمضه حتى قدم به مكة وهي إذ ذاك عضاه وسلم وسمر وبها أناس يقال لهم العماليق خارج مكة وما حولها، والبيت يومئذ ربوة حمراء مدرة ثم تركهما -ابنه وزوجته- عند البيت".

2 البتنوني: الرحلة الحجازية ص150.

3 نفسه 114- 116 "كان للنصارى بها صور وتماثيل: منها تمثال إبراهيم وإسماعيل في أيديهما الأزلام وصورة للعذراء والمسيح".

4 ابن هشام: 1/ 43 وما بعدها. الطبري 1/ 21.

ص: 145

وثنه وتختلف الطقوس والشعائر. ولكن لم تختلف شعائر البيت كما يتولاها سادنته المقيمون إلى جواره المتكلفون بخدمته، فكانت قداسة البيت هي القداسة التي لا خلاف عليها من أهل مكة وأهل البادية، وجاز عندهم أن يحكموا بالضلال على أتباع صنم معلوم، ولكنهم يعطون البيت حقه من الرعاية والتقدير1. وعلى هذا كان يتفق في موسم الحج أن يجتمع حول البيت أناس من العرب يأخذون بأشتات متفرقة من المجوسية واليهودية والمسيحية وعبادات الأمم المختلفة، وما من كلمة من كلمات الفرائض لم تعرف عند عرب الجاهلية بلفظها وجملة معناها، كالصلاة والصيام والزكاة والطهارة، ومناطها كلها أنها حسنة عند رب البيت أو عند الله. وجاء في صحيح مسلم عن عبد الله بن الصامت أن أبا ذر الغفاري قال له: يا ابن أخي، صليت مرتين قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فسأله: فأين كنت توجه؟ قال: حيث وجهني الله، وجاء في البخاري أنهم كانوا يصومون يوم عاشوراء2، وكان صيامهم من الفجر إلى المغرب الشمس. وكانت لهم بقايا من العبادات التي عرفت بين أهل الكتاب، أو لم تكن معروفة على وتيرة واحدة بين أتباع دين من الأديان، وإنما يرغبهم فيها أنها أعمال ترضي الإله وأنهم يعرفون إلهًا أعظم من سائر الآلهة يتوجهون إليه بالدعاء، وهم حقيقة لا يعتورها الشك؛ لأنهم كانوا يسمون عبد الله ويلبون فيقولون: لبيك اللهم لبيك، ولا يدعون أحدًا من الأصنام رب البيت، فإذا قالوا: رب البيت أرادوا به ربًّا فوق كل الأرباب، وهذه الحقيقة هي التي كتبت لبيت مكة التفوق على البيوت كلها في الجزيرة العربية فإنها بيوت أصنام، وكان بيت مكة بيتًا لله الذي يرى فيه العرب الإله الخالق المبدع، وإنما عبادة الأصنام تقربهم إلى الله زلفى3.

وقد عملت قريش على الاستفادة من مكانة البيت الحرام في نفوس العرب، فاستغلت قيامها على أمر البيت لتقوي مركزها الأدبي لدى القبائل العربية، ولتنشيط

1 البتنوني 152- 156 "ورغمًا عن شيوع عبادة الأوثان في سواد قبائل العرب فإنه لم يرد عنهم أنهم عبدوا هيكل الكعبة، كما لم يسمع عنهم أنهم عبدوا الحجر الأسود مع احترامهم له ذلك الاحترام الذي لا يمكن تصويره".

2 البخاري 2/ 148.

3 انظر سورة الزمر 3. يونس 18.

ص: 146

تجارتها الداخلية، فأجرت من الترتيبات ما يكفل لها ذلك، وابتدعت من النظم والتقاليد ما يحقق لها السيادة الأدبية والنفع المادي.

وأول هذه الترتيبات ما نظمته من السقاية والرفادة؛ فمنطقة مكة حارة شحيحة المياه، وهي لكي تستقبل عددًا كبيرًا من الحجاج لا بد أن توفر فيها المياه بحالة منظمة؛ حتى لا يلقى الحاج من قلة الماء ما يضره إلى الخروج منها أو العزوف عن القدوم إليها؛ لذلك جعلت قريش من عملية توفير الماء للحجاج في موسم الحج وظيفة هامة، بل جعلتها أهم الوظائف في مكة ووكلتها إلى أعظم البيوت القرشية، وقلنا: إن هذه المهمة لا بد كانت موجودة قبل قريش، ولكنها نالت عناية كبيرة وصارت عملًا رسميًّا بعد استيلاء قريش على أمر مكة. فقد جعلها قصي بن كلاب وظيفة مقررة وتولاها بنفسه، وقام بحفر الآبار في منطقة مكة، كما عملت بطون قريش على الإكثار من حفر الآبار لتواجه الزيادة المطردة في عدد الحجيج الوافد على الكعبة1، وأصبحت السقاية من الوظائف التي تفاخر بها وتراها من أجل الأعمال، إلى جانب عمارة البيت الحرام والقيام على سدانته وتنظيفه وإعداده للزائرين، حتى لقد نوه القرآن الكريم بذلك فقال:{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة] . كما جعل قصي استضافة الحاج وظيفة هامة أيضًا، وقرر على قريش خرجًا يخرجونه من أموالهم يدفعونه إليه -ثم يدفعونه إلى متولي هذه المهمة بعده- يصنع به طعامًا لفقراء الحجاج؛ استضافة لهم على أنهم ضيفان بيت الله الحرام، وهذا أمر هام في بيئة فقيرة كبيئة الصحراء، وكثير من الحجاج يقدم من بلاد بعيدة ويكابد سفرًا طويلًا يصعب معه حمل الزاد، وقد حافظت قريش على هذه الوظيفة ووكلتها إلى البطون القوية القادرة عليها؛ إذ إن صاحب الرفادة يتحمل جزءًا من ماله الخاص؛ لذلك كان يعهد بالقيام بها إلى الرجال الأغنياء2، ومهمة الرفادة جلبت لقريش كثيرًا من الفوائد الأدبية والمادية، فالمؤاكلة تعتبر عقد جوار وحلف عند العرب، فوق أن الضيافة وإطعام الطعام كان يعتبر أكبر المحامد في المجتمع العربي، وبإطعام الحاج من كافة قبائل أنحاء الجزيرة العربية تكون قريش كأنما عقدت جوارًا مع هذه القبائل، فوق أنها

1 ابن هشام 1/ 159- 162.

2 ابن هشام 1/ 140. ابن سعد 1/ 58.

ص: 147

نالت احترامًا وفضلًا بينها، هذا مما سهل لما المرور بتجاراتها آمنة بين هذه القبائل التي تعتبر قد ارتبطت معها بهذا الرباط ما دامت قد أكلت من طعامها، وقد استغلت قريش هذه الوظيفة فيما بعد استغلالًا يكفل لها رواج تجارة داخلية هامة في موسم الحج، وهي بيع الطعام للحجاج من غير أهل الحرم، ضمن ما ابتدعت من سنن للاستفادة المادية.

والأمر الهام الثاني الذي عملت قريش على إقراره هو توفير الأمن في منطقة مكة، وتوفير الأمن أمر ضروري في بيئة تغلي بالغارات وطلب الثأر، وتعتبر الغارة للحصول على المال وسيلة مشروعة من وسائل العيش مثل البيئة العربية؛ فقد حرصت على إقرار حرمة المنطقة المحيطة بالبيت كأمر لازم لحرمة البيت نفسه وجعله ملاذًا للناس جميعًا وأمنًا1، وقد توسعت قريش فمدت حدود الحرم حتى جعلتها تشمل منطقة مكة كلها، فأصبحت حرمًا آمنًا لا يجوز فيه سفك الدماء ولا طلب الثأر في أي يوم من أيام العام، وجعلت الأمن يشمل كل شيء حتى الوحش والطير والنبات2. وقد دانت لها العرب كلها بذلك وأقرتها عليه؛ لأن الناس كانوا محتاجين إلى مثل هذه المنطقة الحرام يغشونها لتأدية شعائرهم الدينية، وبخاصة بعد أن ضمت أصنام القبائل كلها إلى البيت الحرام، ولتبادل المنافع العامة من بيع وشراء؛ وخصوصًا بعد أن أصبحت مكة تقوم على أمر التجارة، وبعد أن أصبحت مستودعًا تجاريًّا كبيرًا لحاصلات شبه الجزيرة وللمجلوبات الخارجية، وليجد من تضيق به الحياة ويتعرض للطلب ملاذًا يجد فيه الأمن. كما سنت الأشهر الحرم في موسم الحج لتمكين العرب من القدوم على منطقة مكة للحج وللمتاجرة، وقد قامت في منطقة مكة أو حولها أكبر أسواق العرب في عكاظ ومجنة وذي المجاز.

وكل هذه الأشياء كانت مرتبطة بالحج إلى بيت الله الحرام.

1 البخاري 3/ 14- 15.

2 البخاري 3/ 14. القلقشندي: صبح الأعشى 1/ 255 "يقال: إن أول من وضع علامات الحرم عدنان، ومقادير الحرم تتفاوت في القرب والبعد عن مكة، فهي من التنعيم على طريق سرف إلى مر الظهران خمسة أميال أو ستة، ومن طريق جدة عشرة أميال، ومن طريق اليمن ستة أميال، ودوره سبعمائة وثلاثة وثلاثون ميلًا".

ص: 148

نالت احترامًا وفضلًا بينها، هذا مما سهل لما المرور بتجاراتها آمنة بين هذه القبائل التي تعتبر قد ارتبطت معها بهذا الرباط ما دامت قد أكلت من طعامها، وقد استغلت قريش هذه الوظيفة فيما بعد استغلالًا يكفل لها رواج تجارة داخلية هامة في موسم الحج، وهي بيع الطعام للحجاج من غير أهل الحرم، ضمن ما ابتدعت من سنن للاستفادة المادية.

والأمر الهام الثاني الذي عملت قريش على إقراره هو توفير الأمن في منطقة مكة، وتوفير الأمن أمر ضروري في بيئة تغلي بالغارات وطلب الثأر، وتعتبر الغارة للحصول على المال وسيلة مشروعة من وسائل العيش مثل البيئة العربية؛ فقد حرصت على إقرار حرمة المنطقة المحيطة بالبيت كأمر لازم لحرمة البيت نفسه وجعله ملاذًا للناس جميعًا وأمنًا1، وقد توسعت قريش فمدت حدود الحرم حتى جعلتها تشمل منطقة مكة كلها، فأصبحت حرمًا آمنًا لا يجوز فيه سفك الدماء ولا طلب الثأر في أي يوم من أيام العام، وجعلت الأمن يشمل كل شيء حتى الوحش والطير والنبات2. وقد دانت لها العرب كلها بذلك وأقرتها عليه؛ لأن الناس كانوا محتاجين إلى مثل هذه المنطقة الحرام يغشونها لتأدية شعائرهم الدينية، وبخاصة بعد أن ضمت أصنام القبائل كلها إلى البيت الحرام، ولتبادل المنافع العامة من بيع وشراء؛ وخصوصًا بعد أن أصبحت مكة تقوم على أمر التجارة، وبعد أن أصبحت مستودعًا تجاريًّا كبيرًا لحاصلات شبه الجزيرة وللمجلوبات الخارجية، وليجد من تضيق به الحياة ويتعرض للطلب ملاذًا يجد فيه الأمن. كما سنت الأشهر الحرم في موسم الحج لتمكين العرب من القدوم على منطقة مكة للحج وللمتاجرة، وقد قامت في منطقة مكة أو حولها أكبر أسواق العرب في عكاظ ومجنة وذي المجاز.

وكل هذه الأشياء كانت مرتبطة بالحج إلى بيت الله الحرام.

1 البخاري 3/ 14- 15.

2 البخاري 3/ 14. القلقشندي: صبح الأعشى 1/ 255 "يقال: إن أول من وضع علامات الحرم عدنان، ومقادير الحرم تتفاوت في القرب والبعد عن مكة، فهي من التنعيم على طريق سرف إلى مر الظهران خمسة أميال أو ستة، ومن طريق جدة عشرة أميال، ومن طريق اليمن ستة أميال، ودوره سبعمائة وثلاثة وثلاثون ميلًا".

ص: 148

‌الكعبة البيت الحرام:

وجد في بلاد العرب بيوت عرفت ببيوت الله أو البيوت الحرام يقصدها الحجيج في مواسم معلومة تشترك فيها القبائل من سكان البقاع العربية ويتعاهدون على المسالمة في جوارها، وكان أشهرها في الجزيرة العربية: بيت الأقيصر، وبيت ذي الخلصة، وبيت صنعاء، وبيت رضاء، وبيت نجران، وأذكرها جميعًا وأبقاها بيت مكة، عدا بعض البيوت الصغار التي تحج إليها القبائل القريبة ولا تقصد من مكان بعيد.

وكان بيت الأقيصر في مشارف الشام مقصد القبائل من قضاعة ولخم وجذام وعاملة، يحجون إليه ويحلقون رءوسهم عنده1.

وبيت ذي الخصلة كان يسمى الكعبة اليمانية وهو بيت أصنام كان لدوس وخثعم وبجيلة ومن كان ببلادهم من العرب بتبالة - بين مكة واليمن - والذين كانوا يسمونه الكعبة اليمانية كانوا يسمون كعبة مكة الكعبة الشامية، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم -جرير بن عبد الله البجلي بهدمه بعد فتح مكة، فهدمه بعد أن دافعت عنه خثعم دفاعًا شديدًا2.

1 ياقوت: معجم البلدان 2/ 238.

2 ياقوت: 7/ 383-384. الأغاني 3/ هـ ص 172.

ص: 143

وكان بصنعاء "بيت رثام" يحجون إليه وينحرون عنده ويكلمون منه، حتى هدم بعد انتشار اليهودية في اليمن1.

ورضاء بيت كان لبني ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، وقد هدمه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم المستوغر بن ربيعة بن سعد 2.

أما كعبة نجران فهي بيعة بنوها على بناء الكعبة، وعظموها مضاهاة لها، وسموها كعبة نجران، ويقول ابن الكلبي: إنها لم تكن بناء؛ وإنما كانت قبة من أدم من ثلاثمائة جلد، كان إذا جاءها الخائف أمن أو طالب الحاجة قضيت حاجته أو المسترفد رفد. وكان فيها أساقفة معتمدون وهم الذين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودعاهم للمباهلة3.

وقد اجتمع لبيت مكة من بين هذه البيوت الحرام ما لم يجتمع لبيت آخر في أنحاء الجزيرة العربية؛ لأن مكة كانت ملتقى طرق القوافل بين الجنوب والشمال والشرق والغرب، وكان محطة لازمة لمن يحمل التجارة من الشمال إلى الجنوب. وكانت القبائل تلوذ منها بمثابة مطروقة تتردد عليها. وقد رغب القبائل فيها أن مكة لم تكن فيها سيادة قاهرة على تلك القبائل في باديتها أو رحلاتها؛ فليست في مكة دولة كدولة التبابعة في اليمن أو مملكة المناذرة في الحيرة أو الغساسنة في الشام، وليس من وراء أصحاب الرياسة فيها سلطان كسلطان دولة الروم أو الفرس أو الحبشة وراء الإمارات المتفرقة على الشواطئ أو بين بوادي الصحراء، فهي مثابة عبادة وتجارة، وليست حوزة ملك يستبد بها صاحب العرش ولا يبالي من عداه، فلم تكن قيصرية، ولا كسروية، ولا نجاشية، وإنما كانت مكة عربية لجميع العرب ولهذا تمت لها الخصائص التي كانت لازمة لمن يقصدونها ويجدون فيها من يبادلهم ويبادلونه على حكم المنفعة المشتركة لا على حكم القهر والإكراه.

والكعبة قديمة سابقة لأسفار العهد القديم في التوراة، وقد توارث العرب أن أول من رفع قواعدها هو إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وتلهم الآية القرآنية:

1 ياقوت 9/ 383- 384. الأغاني 3/ هـ ص172.

2 نفسه 9/ 50.

3 نفسه 9/ 50. ياقوت 19/ 268.

ص: 144

{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} [آل عمران] هذا المعنى؛ كما تلهم أنها نالت قدسية عامة منذ إنشائها. والآيات القرآنية: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} [الحج]{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ} [البقرة] تلهم أن هذه المنطقة كانت معروفة، وأن الكعبة ربما قامت على أنقاض معبد قديم1، وأنه ربما جرت عليه أحداث تاريخية وجغرافية غيرت من طبيعة المكان وأهمل هذا المعبد، حتى هيئ لإبراهيم أن يرفع قواعده من جديد. وقد ذكرت المصادر القديمة مكة كما تحدثت عن البيت الذي تعظمه العرب في العربية الغربية. لقد كانت الكعبة منذ القدم -كما هي معروفة في عهد قريش- مثابة للناس جميعًا وأمنًا، لا يمنع أحد من التعبد فيها، فقد كانت قريش تسمح لكل الناس على اختلاف نحلهم بالطواف حولها والتعبد فيها على اعتبار أنها بيت الله2.

فالوثنيون على اختلاف أربابهم، واليهود والنصارى والصابئون كان يمكنهم زيارتها والتعبد فيها، تحكمهم في ذلك حكم القبائل البادية التي وجدت فيها محلًا لعبادة أوثانها في مواسم الحج والإحرام3. ولقد حاولت الدول الكبرى أن تهدم هذا البيت وتحول أنظار العرب عنه فلم تفلح4، وبقيت للكعبة مكانتها وقداستها كما كانت من أقدم عهودها.

والأساس المهم الذي قامت عليه قداسة بيت مكة أن البيت بجملته هو المقصود بالقداسة، غير منظور إلى الأصنام والأوثان التي اشتمل عليها، وربما اشتمل البيت على الصنم أو الوثن تعظمه قبيلة وتزدريه أخرى. فلا ينتقص ذلك من قدر البيت عند المعظمين والمزدرين على السواء. وقد تختلف الدعاوى التي يدعيها كل فريق لصنمه أو

1 الطبري 1/ 128 "إن الله لما بوأ لإبراهيم مكان البيت ومعالم الحرم فخرج وخرج معه جبريل يقال: كان لا يمر بقرية إلا قال: بهذه أمرت يا جبريل، فيقول جبريل: أَمضه حتى قدم به مكة وهي إذ ذاك عضاه وسلم وسمر وبها أناس يقال لهم العماليق خارج مكة وما حولها، والبيت يومئذ ربوة حمراء مدرة ثم تركهما -ابنه وزوجته- عند البيت".

2 البتنوني: الرحلة الحجازية ص150.

3 نفسه 114- 116 "كان للنصارى بها صور وتماثيل: منها تمثال إبراهيم وإسماعيل في أيديهما الأزلام وصورة للعذراء والمسيح".

4 ابن هشام: 1/ 43 وما بعدها. الطبري 1/ 21.

ص: 145

وثنه وتختلف الطقوس والشعائر. ولكن لم تختلف شعائر البيت كما يتولاها سادنته المقيمون إلى جواره المتكلفون بخدمته، فكانت قداسة البيت هي القداسة التي لا خلاف عليها من أهل مكة وأهل البادية، وجاز عندهم أن يحكموا بالضلال على أتباع صنم معلوم، ولكنهم يعطون البيت حقه من الرعاية والتقدير1. وعلى هذا كان يتفق في موسم الحج أن يجتمع حول البيت أناس من العرب يأخذون بأشتات متفرقة من المجوسية واليهودية والمسيحية وعبادات الأمم المختلفة، وما من كلمة من كلمات الفرائض لم تعرف عند عرب الجاهلية بلفظها وجملة معناها، كالصلاة والصيام والزكاة والطهارة، ومناطها كلها أنها حسنة عند رب البيت أو عند الله. وجاء في صحيح مسلم عن عبد الله بن الصامت أن أبا ذر الغفاري قال له: يا ابن أخي، صليت مرتين قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فسأله: فأين كنت توجه؟ قال: حيث وجهني الله، وجاء في البخاري أنهم كانوا يصومون يوم عاشوراء2، وكان صيامهم من الفجر إلى المغرب الشمس. وكانت لهم بقايا من العبادات التي عرفت بين أهل الكتاب، أو لم تكن معروفة على وتيرة واحدة بين أتباع دين من الأديان، وإنما يرغبهم فيها أنها أعمال ترضي الإله وأنهم يعرفون إلهًا أعظم من سائر الآلهة يتوجهون إليه بالدعاء، وهم حقيقة لا يعتورها الشك؛ لأنهم كانوا يسمون عبد الله ويلبون فيقولون: لبيك اللهم لبيك، ولا يدعون أحدًا من الأصنام رب البيت، فإذا قالوا: رب البيت أرادوا به ربًّا فوق كل الأرباب، وهذه الحقيقة هي التي كتبت لبيت مكة التفوق على البيوت كلها في الجزيرة العربية فإنها بيوت أصنام، وكان بيت مكة بيتًا لله الذي يرى فيه العرب الإله الخالق المبدع، وإنما عبادة الأصنام تقربهم إلى الله زلفى3.

وقد عملت قريش على الاستفادة من مكانة البيت الحرام في نفوس العرب، فاستغلت قيامها على أمر البيت لتقوي مركزها الأدبي لدى القبائل العربية، ولتنشيط

1 البتنوني 152- 156 "ورغمًا عن شيوع عبادة الأوثان في سواد قبائل العرب فإنه لم يرد عنهم أنهم عبدوا هيكل الكعبة، كما لم يسمع عنهم أنهم عبدوا الحجر الأسود مع احترامهم له ذلك الاحترام الذي لا يمكن تصويره".

2 البخاري 2/ 148.

3 انظر سورة الزمر 3. يونس 18.

ص: 146

تجارتها الداخلية، فأجرت من الترتيبات ما يكفل لها ذلك، وابتدعت من النظم والتقاليد ما يحقق لها السيادة الأدبية والنفع المادي.

وأول هذه الترتيبات ما نظمته من السقاية والرفادة؛ فمنطقة مكة حارة شحيحة المياه، وهي لكي تستقبل عددًا كبيرًا من الحجاج لا بد أن توفر فيها المياه بحالة منظمة؛ حتى لا يلقى الحاج من قلة الماء ما يضره إلى الخروج منها أو العزوف عن القدوم إليها؛ لذلك جعلت قريش من عملية توفير الماء للحجاج في موسم الحج وظيفة هامة، بل جعلتها أهم الوظائف في مكة ووكلتها إلى أعظم البيوت القرشية، وقلنا: إن هذه المهمة لا بد كانت موجودة قبل قريش، ولكنها نالت عناية كبيرة وصارت عملًا رسميًّا بعد استيلاء قريش على أمر مكة. فقد جعلها قصي بن كلاب وظيفة مقررة وتولاها بنفسه، وقام بحفر الآبار في منطقة مكة، كما عملت بطون قريش على الإكثار من حفر الآبار لتواجه الزيادة المطردة في عدد الحجيج الوافد على الكعبة1، وأصبحت السقاية من الوظائف التي تفاخر بها وتراها من أجل الأعمال، إلى جانب عمارة البيت الحرام والقيام على سدانته وتنظيفه وإعداده للزائرين، حتى لقد نوه القرآن الكريم بذلك فقال:{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة] . كما جعل قصي استضافة الحاج وظيفة هامة أيضًا، وقرر على قريش خرجًا يخرجونه من أموالهم يدفعونه إليه -ثم يدفعونه إلى متولي هذه المهمة بعده- يصنع به طعامًا لفقراء الحجاج؛ استضافة لهم على أنهم ضيفان بيت الله الحرام، وهذا أمر هام في بيئة فقيرة كبيئة الصحراء، وكثير من الحجاج يقدم من بلاد بعيدة ويكابد سفرًا طويلًا يصعب معه حمل الزاد، وقد حافظت قريش على هذه الوظيفة ووكلتها إلى البطون القوية القادرة عليها؛ إذ إن صاحب الرفادة يتحمل جزءًا من ماله الخاص؛ لذلك كان يعهد بالقيام بها إلى الرجال الأغنياء2، ومهمة الرفادة جلبت لقريش كثيرًا من الفوائد الأدبية والمادية، فالمؤاكلة تعتبر عقد جوار وحلف عند العرب، فوق أن الضيافة وإطعام الطعام كان يعتبر أكبر المحامد في المجتمع العربي، وبإطعام الحاج من كافة قبائل أنحاء الجزيرة العربية تكون قريش كأنما عقدت جوارًا مع هذه القبائل، فوق أنها

1 ابن هشام 1/ 159- 162.

2 ابن هشام 1/ 140. ابن سعد 1/ 58.

ص: 147