الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث:
قوة قريش الحربية وعلاقتها بالقبائل الخارجية
لم يكن في مكة جيش نظامي ثابت، فهي مجتمع قبلي تستغني بالتشكيل الحربي القبلي عما تعرفه المجتمعات الكبيرة من الجيوش النظامية. وكان جيشها يتألف من رجال القبيلة أنفسهم ومن ينضم إليهم من رجال القبائل الأخرى التي ترتبط معهم برباط الحلف.
ومكة كمدينة تجاريةلم يكن أهلها يميلون إلى استخدام وسائل العنف، وقد حرصوا دائمًا على حل مشاكلهم سلميًّا؛ إذ إن سلامة تجارتها تتوقف إلى حد كبير على حسن صلاتها مع القبائل المجاروة لها أو الضاربة على جانبي طرق التجارة التي كانت تسير فيها قوافلها بين الشمال والجنوب والشرق والغرب، كما كان من مصلحتها أن يسفر السلم في منطقتها حيث تعقد الأسواق التجارية، لتستطيع في جو السلم أن تصرف بضائعها، التي تجلبها من الجهات المختلفة، بين الوافدين إليها من سكان البادية، وللتبادل التجاري مع من يفد من رجال الشمال والجنوب لهذه الغاية. ولكنها في الوقت نفسه كانت محتاجة إلى قوة حربية، تشعر بقدرتها على الضرب إذا هدد أمنها أو حدث اعتداء على قوافلها. وبالرغم من أن رجال قريش -وبخاصة أصحاب الأموال منهم- كانوا دائمًا ضد استعمال القوة المسلحة وتسيير الحملات العسكرية؛ فإن ذلك لا يعني أنهم كانوا جبناء فقد أثبت كثير من رجال قريش شجاعة فائقة، وقاتلوا ببسالة كبيرة حينما اضطرتهم الظروف إلى القتال سواء في الجاهلية أو الإسلام، وقد نالت قريش نفوذًا كبيرًا بين القبائل العربية الغربية والوسطى، ولكن هذا المركز الممتاز الذي بلغ أوج قوته في أواخر القرن السادس وأوائل القرن السابع، لم يكن يرجع إلى شجاعة محاربيها في المقام الأول؛ وإنما يرجع سر هذا النفوذ إلى القوة العسكرية التي كانت
تستطيع أن تضرب بها، ونعني بذلك قوة الحلف الذي بنته على أساس ارتباطاتها التجارية، وقيامها في الوقت نفسه بأمر تنظيم الحج وسدانة الوقت، فقد كانت القوافل التي تسير إلى الشمال وإلى الجنوب في حاجة إلى خدمات البدو باعتبارهم أدلاء وحراسًا وحمالين، وكانت القوافل تدفع إتاوة لرؤساء القبائل على أن يدلوها أو يمدوها بالماء وبالتموينات الأخرى، ومن هنا فإن قبائل البدو كانت تشارك في تجارة مكة على نحو ما، وبذلك كانت القبائل الضاربة على جنبات الطرق التجارية ترى مصالحها مرتبطة بمصالح مكة، فرخاء مكة يعني رخاءها وخسارة مكة تعني خسارتها. وكذلك قوي الشعور بالتضامن مع مكة بالمحالفات القائمة على المصاهرة بين أبرز رجال مكة ومختلف القبائل العربية 1، كما أن زعماء القبائل كانوا يشاركون مشاركة مادية في قوافل مكة التجارية، ومن هنا كان في استطاعة أهل مكة أن يستأجروا المحاربين للدفاع عنهم 2، ولكن ليس معنى ذلك أن هؤلاء كانوا جنودًا مرتزقة بل إنهم كانوا حلفاء، دخلوا في محالفات قريش على أساس التكافؤ، وكان أبرز هؤلاء الحلفاء أولئك الذين عرفوا بالأحابيش. وقد ذهب لامنس3 Lemmens إلى أنهم كانوا زنوجًا من بلاد الحبشة، وأن رواة السيرة تعمدوا القول بأنهم عرب؛ أنفة من أن يقولوا: إن قريشًا كانت
1 انظر نسب قريش للمصعب الزبيري "تحقيق برنفسال" صهر عبد مناف إلى بني سليم وهوازن وزوج بناته في كنانة مما أدى إلى حلف الأحابيش "ص 14-15" وأصهر ابنه هاشم إلى الخزرج في يثرب وإلى بني المصطلق من خزاعة وإلى ثقيف "ص15-16" وأصهر عبد المطلب بن هاشم إلى النمر بن قاسط وإلى عامر بن صعصعة وإلى خزاعة "ص 18" كما أصهر عبد شمس إلى بني حنظلة من زيد مناة وإلى بني أسد "ص 98" وأصهر أمية الأكبر إلى بني عامر وإلى هوازن "ص99" وأصهر حرب بن أمية إلى بني تميم "123" وأصهر أبو سفيان إلى الأزد "ص 126" وأصهر خويلد بن أسد إلى بني مازن إخوة سليم "ص 229" وأصهر هشام بن المغيرة في بني نهشل بن دارم "ص 302" وأصهر أبو جهل بن هشام إلى بني هلال بن عامر وإلى بني تميم وإلى بني عبس "ص 311-312" والأمثلة إلى مصاهرات قريش مع القبائل كثيرة جدًّا بجدها كل من تتبع أنساب قريش.
2 ابن هشام 2/ 4-5،230، الواقدي 790 "يقول الواقدي عند الكلام عن الخندق: إن قريشًا جمعوا الجموع واستأجروا حيًّا من قبائل العرب، فسارت غطفان وأسد وسليم وقريش ومن دخل فيها فاجتمع منهم نفر جم" Oleary.Arabia Before Muhammad. P. 181
3 Lamoms. les Ahabis et lorganisotion Militaire de La Meoque (Journal asiatiqune. VII 1916 p.425- 482) Olcary. p. 185
في الجاهلية تستعين بالسودان في الدفاع عن حريتها. وهو قول مردود؛ فإن الأحابيش كانوا بطونًا من القبائل العربية الضاربة حول مكة من كنانة وخزيمة بن مدركة وخزاعة، تجمعوا وتحالفوا معًا، وأخذوا في الاندماج والتكتل في طريقهم إلى تكوين قبيلة عربية بواسطة الحلف الذي كان سببًا في تكوين كثير من القبائل العربية القديمة، ثم تحالفوا مع قريش في النصف الثاني من القرن السادس1 وقد ظلوا طوال عصر النبوة قوة عربية لها كل خصائص القبيلة؛ من سيد يتزعمها 2، وأرض تنزلها، وراية تحف بها عند الحرب، وأنها كانت من حيث علاقاتها السياسية مع قريش تنزل منها منزلة الحليف من الحليف والند من الند، وأنها كانت مسموعة الكلمة في الشئون العامة لقريش3. وقد استخدمت قريش قوة الأحابيش في الحرب التي خاضتها، وكانت قوة الأحابيش ذات أثر كبير في الحروب التي وقعت بين مكة ويثرب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حتى إن قريشًا حين خرجت بمفردها في موقعة بدر منيت بهزيمة شديدة. وقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم كيف يفل قوة الأحابيش التي كانت تعتز بها قريش؛ بأن اجتذب إلى جانبه القبائل التي كانت تنتمي إليها أحياء الأحابيش. كما غزا بعض هذه البطون4، وبذلك انكسرت شوكة الأحابيش وانتهى حلفهم نهائيًّا بعد فتح مكة5.
كما كان لقريش عدد كبير من العبدان والموالي الذين يقاتلون في صفوفها6، ولم تكن قوة قرش الذاتية التي تستطيع أن توجهها إلى ميدان القتال لتزيد على ألف ونصف من المحاربين، ولكنها كانت تستطيع أن توجه إلى القتال أربعة آلاف مقاتل وقوة من الفرسان لا تزيد عن أربعمائة، إذا انضم إليها أحابيشها ومواليها وحلفاؤها من قبائل
1 انظر ابن الأثير 1/ 358، 365. العقد الفريد 3/ 340. نسب قريش ص 9.
2 ابن هشام 3/ 44، 360.
3 نفسه 3/ 360. ابن الأثير 1/ 362.
4 ابن هشام: "اجتذب النبي صلى الله عليه وسلم إلى جانبه قبائل خزاعة، فيروي ابن إسحاق أن خزاعة كان مسلمهم ومشركهم عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي موضع سره- بتهامة. صفَّهم معه-هواهم له- لا يخفون عنه شيئًا "3/ 53" كما أن غفارًا -وهي من كنانة، وأسلم وهي من خزاعة- أخذتا جانبه " 3/ 394، 4/ 26". وكذلك غزا بني المصطلق ثم صالحهم وضمهم إلى جانبه "3/ 373، 340".
5 انظر عن الأحابيش. العبادي: صور من التاريخ الإسلامي 1/ 13- 21.
6 البخاري 3/ 147.
كنانة وبعض بطون هذيل وخزاعة من قبائل تهامة. وأكبر قوة استطاعت قريش أن تجمعها في معركة من المعارك منها ومن كل أحلافها هي عشرة آلاف مقاتل، وهي التي حاصرت بها المدينة في غزو الخندق، وجمعت فيها كل حلفائها من القبائل العربية التي ارتبطت مصالحها بمصالح قريش، وهي قوة كبيرة لم تعتد مثلها الجزيرة العربية في العصر الجاهلي.
كذلك كانت قريش حليفة قديمة لبني كنانة وبني بكر، ويرجع حلفها مع كنانة إلى أيام قصي بن كلاب، حينما جمع قريشًا وحالف كنانة لحرب خزاعة، وقد اضطرت قريش إلى القتال إلى جانب كنانة ضد قيس وهوازن في حرب الفجار استجابة لهذا الحلف، وقد أثبتت حرب الفجار مقدار تماسك قريش واتحاد بطونها ورجالها، وأنهم لم يكونوا متهورين تهور غيرهم في الحروب، بل كانوا يميلون إلى التعقل والتدبر قبل الإقدام على الحرب، وبالرغم من رجحان كفتها فإنها دعت إلى الصلح وأفلحت في إعادة حسن العلاقات بين الطرفين؛ لأن مصالحها التجارية كانت تستلزم هذه العلاقات الطيبة. وكذلك ظلت كنانة إلى جانب قريش عند ظهور الإسلام؛ فقد اشتركت مع قريش في الحلف ضد بني هاشم وحصرهم في أحد شعاب مكة1، وكذلك قاتلت إلى جانب قريش في حروبها ضد يثرب. كما كانت قريش على علاقات طيبة ودية مع القبائل الضاربة على جنبات الطريق التجاري مثل جهينة ومزينة وغطفان وأشجع وسليم وبني سعد وبني أسد، وكان لهم من هذه القبائل حلفاء يعيشون في مكة ويعتبرون أنفسهم من القبيلة جريًا على النظام القبلي2. وكذلك كانت قريش على صلات طيبة ببني عذرة من قضاعة على أطراف بادية الشام من أيام قصي بن كلاب، وقد أعان بنو عذرة القضاعيون: قصي في الوصول إلى حكم مكة، وكانت صلات مكة طيبة كذلك وقوية بالقبائل التي تعيش إلى جنوبها، مثل قبيلة خثعم التي كانت تعيش في الهضبة الممتدة من الطائف إلى نجران عند طريق القوافل الممتدة من اليمن3، وتتحدث الروايات عن صداقة عبد المطلب بن هاشم مع ذي نفر الحميري الذي تصدى لقتال
1 البخاري 2/ 148، 4/ 71.
2 الذهبي: سير أعلام النبلاء 1/ 221- 223.
3 جواد علي 4/ 262.
أبرهة دفاعًا عن مكة، كما تصدى له نفيل بن حبيب الخثعمي بقبيلتي خثعم: شهران وناهس1.
على أن الاحتفاظ بود القبائل البدوية والحلف معها أمر يحتاج إلى حنكة ومهارة، ودراية بنوازع نفوس البدو الحساسة، وأنفتها الشديدة التي قد تثيرها أمور بسيطة يعدها الحضري تافهة. ولكنها في نظر البدوي عظيمة قد تثير الحروب وتسفك من أجلها الدماء، فكلمة شديدة أو تصرف يبدو فيه بعض الإهانة قد يثير عواطف البدو فتسل السيوف وتسيل الدماء، وعند ذلك تقع الغارات، وتثور الأحقاد، وتتفانى القبائل. فلم يكن المال وحده كافيًا للحفاظ على حسن الصلات بهذه القبائل البدوية؛ وإنما هي السياسة الحكيمة الصبور التي اشتهرت بها قريش وضمنت بها ولاء القبائل لها، بل ضمنت بها تفوقها عليها واعترافها بسيادتها.
وكما حالفت قريش قبائل البادية؛ فإنها كانت على علاقات طيبة مع المدن الأخرى الموجودة في الحجاز، فكانت صلاتها وثيقة بقبيلة ثقيف في الطائف. وقد كانت الطائف مصيف أهل مكة، ولا يوجد غني في مكة إلا وله في الطائف بستان، وكان تجار مكة يجلبون من الطائف الخمور والزبيب والأدم -الجلود المدبوغة- وكان أهل مكة يستهلكون كثيرًا من أعناب الطائف ورمانها، كما أن الثفيين كانوا يشاركون في قوافل مكة التجارية، كما كانت سوق عكاظ -وهي أكبر أسواق العرب- تقوم على مقربة من الطائف بينها وبين مكة. وتشير الآية القرآنية:{وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيم} [الزخرف] . إلى خطورة شأن رجال الطائف، وأنهم يماثلون أهل مكة قوة وجاهًا، وفي هذا إشارة لما كان بين مكة والطائف من ترابط، بحيث لو كان -كما زعموا- قد نزل القرآن على عظيم من أيهما لاتبعوه جميعًا. ولقد كان كثير من رجال الطائف حلفاء للقرشيين، وقد بلغ بعضهم مبلغ السيادة في البطون القرشية، كالأخنس بن شريق حليف بني زهرة الذي كان مسموع الكلمة فيهم مطاعًا2، كما كانت قريش تشرك رجال الطائف فيما يهمها من الأمور الكبيرة، وقد
1 ابن هشام 1/ 47- 48. الأغاني 2/ 242- 243، 316.
2 ابن هشام 2/ 258.
كان عروة بن مسعود الثقفي أحد الرسل الذين بعثت بهم لمفاوضة النبي صلى الله عليه وسلم عند نزوله بالحديبية1.
كذلك كانت صلات قريش طيبة بمدينة يثرب، وقد أصهر هاشم بن عبد مناف إلى بني النجار الخزرجيين من أهل يثرب، وظل ابنه عبد المطلب على صلة وثيقة بأخواله هؤلاء. كما كان لغيره من زعماء مكة صداقات مع زعماء يثرب، فقد كان أمية بن خلف الجمحي صديقًا لسعد بن معاذ الأشهلي زعيم الأوس2، كما كان العاص بن وائل السهمي وعتبة بن ربيعة بن عبد شمس وغيرهم على صلات طيبة ووثيقة بأهل يثرب3. ولكن على الرغم من هذه الصلة الوثيقة فإن قريشًالم تشأ أن تتورط في حلف مع اليثربيين قد يجر إلى أن تتدخل في الحرب الداخلية التي نشبت بين الأوس والخزرج قبيلتي يثرب. وقد ظلت علاقاتها طيبة برغم ما كان يمكن أن يحدث من تنافس بين المدينتين الواقعتين على طريق التجارة. ولم تحدث الجفوة والعداء بينهما إلا بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يثرب وتكوين الدولة الإسلامية بها، وشعور قريش بالخطر الداهم على تجارتها. والذي أصبح يكمن في يثرب بهذا الوضع الجديد الذي أحدثته الهجرة، فقد عدَّ المكيون إيواء النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين تحديًّا لهم وتهديدًا لمصاحلهم، ومن أجل ذلك وقع الصدام بين المدينتين4.
وكانت صلات مكة باليهود جميعًا طيبة في يثرب وخيبر وتيماء، ووادي القرى. وكان القرشيون يحترمون اليهود ويرون أنهم أهل العلم والكتاب الأول5، كما كان اليهود يجلون القرشيين ويعتبرونهم سادة العرب وملوك الناس6، ولم يكن اليهود في
1 نفسه 3/ 361- 362.
2 البخاري 5/ 73.
3 الذهبي 1/ 303- 319.
4 البخاري 5/ 72.
5 ابن هشام 1/ 330 "بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة، وقالوا لهما: سلاهم عن محمد، وصفًا لهم صفته، وأخبراهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم علم ليس عندنا من علم الأنبياء".
6 نفسه 2/ 431.
جزيرة العرب يحفلون كثيرًا بتعاليم التوراة التي تأمرهم بالبعد عن الوثنيين وتلزمهم عداءهم ومحاربتهم، وإنما كان يجرون وراء مصالحهم المادية. وجريًا وراء هذه المصالح تورطوا في الإثم حينما سألهم المكيون أدينهم خير، أم ما يدعو إليه محمد؟ فناصروا الوثنية على التوحيد الذي جاء به الإسلام، والذي حملوا هم لواءه آلاف السنين ولقوا في سبيله كثيرًا من الاضطهاد والعذاب1. ولقد نعى عليهم القرآن هذا التورط في الضلال ولعنهم فقال:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} [النساء] .
كذلك مالأ اليهود في يثرب القرشيين منذ بدأ الصراع بينهم وبين المسلمين. بالرغم من العهد الذي عقده النبي صلى الله عليه وسلم معهم، وانبرى شعراؤهم يمدحون المكيين ويرثون قتلاهم ويؤلبون قريشًا والعرب لحرب المسلمين، وانتهى الأمر بأن عقدوا حلفًا مع القرشيين وجمعوا إليه قبائل العرب لحرب المسلمين في غزوة الخندق.
بهذه الصلات الحسنة أمنت مكة عادية القبائل العربية، كما أمنت خصومات المدن الحجازية، ولما كانت قد استطاعت المحافظة على وحدة القبيلة الداخلية، وتوطيد السلام في مكة فقد نالت تفوقًا كبيرًا وحظيت باحترام عام من كافة أنحاء الجزيرة العربية، وأصبحت تنافس صنعاء في زعامة الجزيرة العربية، بل إنها تفوقت عليها في النصف الثاني من القرن السادس الميلادي، وأصبحت العاصمة العربية التي تتجه إليها نفوس العرب وعواطفهم القومية، وبخاصة بعد أن فقدت اليمن استقلالها، وكذلك تضعضعت مملكة الحيرة ومملكة غسان.
1 إسرائيل ولفنسون: تاريخ اليهود في جزيرة العرب 142- 143. التوراة: تثنية، إصحاح 7 آية 3- 6.