الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جغرافية الجزيرة العربية والتشكيل القبلي
شبه جزيرة العرب
*
…
الفصل الأول: شبه جزيرة العرب
هي أكبر شبه جزيرة في العالم، يبلغ متوسط عرضها سَبعمائة ميل، ومنتهى طولها ألف ومائتا ميل، ومساحتها تبلغ حوالي مليون مربع1.
ويطلق العرب عليها -تجاوزًا- اسم جزيرة العرب2؛ يرون البحار والأنهار تكاد تحيط بها من جميع أقطارها وأطرافها، فالخليج العربي، والبحر العربي، والبحر الأحمر تحدها من الشرق والجنوب والغرب، ويكمل الفرات الحد الشرقي. كما يكمل النيل الحد الغربي؛ ليلتقيا بالحد الشمالي وهو البحر المتوسط. وهذا التحديد الذي يقول به الهمداني يدخل بلاد الشام كلها، والبادية التي بين العراق والشام، وبادية سيناء في جزيرة العرب3، وهو يتفق مع التحديد الذي قال به "هيرودوت" حيث اعتبر النيل الحد الغربي لقارة آسيا وجعل صحراء مصر الشرقية كما هي معروفة الآن جزءًا من الجزيرة العربية4، والفارق بين تحديد الهمداني وهيرودوت أن الأول لم يدخل صحراء مصر الشرقية في جزيرة العرب. وبتحديد الهمداني أخذ بعض الجغرافيين المحدثين5، ويختلف الجغرافيون في الحد الشمالي؛ فمنهم من يجعله صحراء النفود، وبذلك يخرجون بادية الشام من جزيرة العرب، غير أن طبيعة الأرض الجيولوجية تدخل بادية الشام وسيناء فيها، إذ إنها جزء لا يختلف من حيث طبيعته الصحراوية وخواصه عن سائر أنحاء بلاد العرب6.
1 حافظ وهبة: جزيرة العرب في القرن العشرين ص1.
L.D. Stamp. Asia A Renional adn Economic Geogrophy. P. 133.
2 الهمداني: صفة جزيرة العرب 46- 47/ الآلوسي: بلوغ الأرب 1/ 187. ياقوت: معجم البلدان 1/ 100.
3 الهمداني: 47.
4 هيردوت Herodotas، Book 11-16-17
5 Stamp. of cit. p. 133
6 حتى: تاريخ العرب 17 جواد علي: تاريخ العرب قبل الإسلام 1/ 86.
وعلى ذلك فحد جزيرة العرب من الشرق بحر عمان وخليج البصرة -خليج العرب- ونهر الفرات، ومن الجنوب بحر العرب، ومن الغرب البحر الأحمر وبرزخ السويس -قناة السويس حاليًا- ومن الشمال البحر المتوسط.
وتحتل جزيرة العرب موقعًا ممتازًا بين قارات العالم الثلاث القديمة، فهي تقع في الركن الجنوبي الغربي من قارة آسيا، كما تتصل بالقارة الأفريقية في ركنها الشمالي الشرقي حيث برزخ السويس قديمًا وقناة السويس في الوقت الحاضر، كما أنها تشرف بحدها الشمالي على شرق البحر المتوسط الذي يصلها بقارة أوربا. أما من ناحية الخريطة الحضارية للعالم قبيل الإسلام؛ فإنها تقع عند نقطة التقاء الحضارتين السائدتين يومئذ وهما حضارة الفرس وحضارة والروم.
وإذا نظرنا نظرة عامة إلى خريطة بلاد العرب رأينا أنها أرَضون واسعة تنحدر تضاريسها من الغرب نحو الشرق، وهي مرتفعة في الغرب حيث جبال السراة1 الممتدة من سورية وفلسطين إلى اليمن. وهي توازي ساحل البحر الأحمر وتقترب منه في مواضع عديدة. ويتراوح ارتفاع هذه الجبال ما بين عشرة آلاف قدم وثلاثة آلاف قدم. فتبلغ قممها في الشمال -في مدين- وفي الجنوب -في اليمن وعسير- حوالي عشرة آلاف قدم، بينما تكون خلف مكة ثمانية آلاف قدم، وقرب المدينة تبلغ ثلاثة آلاف قدم2، وتحصر بينها وبين ساحل البحر الأحمر أرض سهلية ضيقة تعرف بتهامة، تشرف عليها هذه المرتفعات وتنحدر إليها انحدارًا شديدًا قصيرًا، وسواحلها المهيمنة على البحر يصعب رسو السفن فيها لخلوها من المرافئ الصالحة، ولوجود الشعب المرجانية التي تمتد في بعض المواضع بعيدًا في البحر 3.
وتتألف الأراضي الوسطى من هضبة تسمى نجد، وتختلف في الارتفاع ما بين ستة آلاف قدم إلى أربعة آلاف قدم ما بين عسير والطائف، وإلى ألفين ومائتي قدم عند العلا4. وحد نجد الغرب واضح بجبال السراة. أما حدها الشرقي فهو غير واضح وربما امتد إلى قرب خليج العرب.
1 السراة: أعلى كل شيء. تاج العروس 10/ 174. البلدان 10/ 104- 205.
. Stamp. P. 134 K، S. Twlchell، Saudi Arabia. P 10
3 جورج فضلو: العرب والملاحة في المحيط الهندي ص25.
Twitchell. op. cit. p، 134
وتمتد في الأقسام الجنوبية من شبه الجزيرة سلاسل من الجبال متفاوتة الارتفاع تشرف على المنخفضات الساحلية، وتكثر في الوديان التي تفصل بين هذه السلاسل الجبلية وتأخذ مختلف الاتجاهات، حيث تمثل اتجاهات المياه والسيول. ويبلغ ارتفاع الجبل الأخضر الذي يقع في الجنوب الشرقي من شبه الجزيرة، أي في عمان، زهاء عشرة آلاف قدم1.
وللحِرار أهمية خاصة في التشكيل الجغرافي للجزيرة العربية، وهي تكثر في شبه جزيرة العرب وخاصة في الأقسام الغربية. وتمتد حتى تتصل بالحرار التي في بلاد الشام في حوران ولا سيما في الصفاة2، كما توجد في المناطق الشرقية الجنوبية من نجد، وفي المناطق الجنوبية والجنوبية الغربية، وقد ذكر علماء العرب من المؤرخين والجغرافيين أسماء عدد منها، كما عثر السياح الأجانب على عدد منها3.
والحرة أرض بركانية وجمعها حرار، يقال لها اللابة واللوبة4 وقد تكونت من فعل البراكين، ويشاهد منها نوعان: نوع يتألف من فجوات البراكين نفسها، ونوع يتألف من حممها اللابة Lava التي كانت تقذفها فتسيل على جوانب الفتحة، ثم تبرد وتتفتت بفعل التقلبات الجوية، فتكون ركامًا من الأحجار البركانية التي تغطي الأرض بطبقات قد تكون رقيقة وقد تكون سميكة، وقد وصفها العلماء فقالوا: الحرة أرض ذات حجارة سود نخرة كأنها أحرقت بالنار5، ويكون ما تحتها أرضًا غليظة من قاع ليس بأسود، وإنما سودها كثرة حجارتها وتدانيها. وتكون الحرة مستديرة فإذا كان لها امتداد مستطيل ليس بواسع فذلك الكراع6.
1 جواد على: 1/ 87. Stamp: op. cit. p. 134 C،M. 42-417 vol.P.P.Daughty، Travels in Arabia Deserta.
3 جواد على: 1/ 89 Allics Musil، in The Arabian Dsert
4 البلدان 17/ 2. لسان العرب 2/ 242. الطبراني 3/ 221.
5 البلدان 17/ 3. المصباح المنير "طبع وزارة المعارف عام 1920" 1/ 1771.
6 الحرار: أنواء البراكين. اللابة أو اللوبة: المناطق التي غطتها حمم البراكين وسالت فوقها وجفت. الكراع: أعناق الحرار. انظر لسان العرب 2/ 242، 10/ 182. القاموس 3/ 78 المصباح المنير 2/ 729 "الكراع الأنف السائل من الحمة، وأكارع الأرض أطرافها، والواحد أيضًا كراع ومنه كراع الغميم أي طرفه".
وقد اشتهر كثير من مناطق الحرار بالخصب والنماء، وبكثرة المياه فيها؛ ولا سيما حرار المدينة التي استغلت استغلالًا جيدًا، ومنها خبير فكثرت قراها وكثر سكانها. حتى قيل إنها خير قرى عربية، غير أن ظهور العيون فيها بكثرة، جعلها موطنًا من مواطن الحمى. اشتهر أمرها في الحجاز، حتى قيل حمى خيبر1.
أما من الناحية الهدروجرافية فإن بلاد العرب في الوقت الحاضر في جملة البلاد التي تكاد تنعدم فيها الأنهار والبحيرات، ويندر سقوط الأمطار عليها؛ ولذلك صارت أكثر بقاعها صحراوية قليلة السكان. غير أنها كثيرة الأودية التي تسيل في بعضها المياه عند سقوط الأمطار، وبعضها طويل يسير في اتجاه ميل الأرض. كما أن بعضها الآخر وبخاصة التي تصب في البحر الأحمر قصير عميق المجرى شديد الانحدار، تنحدر فيه السيول بشدة إلى البحر فتضيع فيه، وربما كانت في بعض الأحيان خطرًا يهدد القوافل والمدن والأملاك، ويأتي على الناس بأفدح الخسائر 2.
وليس في شبه جزيرة العرب نهر واحد بالمعنى المعروف من الأنهار 3، وما فيها من جداول غير صالح للملاحة4، فهي إما قصيرة سريعة الجريان شديدة الانحدار، أو ضحلة تجف في بعض المواسم. غير أن العلماء يستنتجون من اتجاه الأودية ومن وجود العاديات والخرائب وآثار السكنى على أطرافها، والترسبات التي تمثل قيعان الأنهار، أن هذه الأودية كانت في الحقيقة أنهارًا في يوم من الأيام، وأن جوانبها كانت مأهولة بالسكان زاخرة بالحياة، ويؤيد هذا الاستنتاج ما ورد في كتب اليونان والرومان من وجود أنهار طويلة في بلاد العرب، فقد ذكر هيرودوت اسم نهر دعاه كورس قال عنه: إنه من الأنهار العظيمة، وإنه يصب في البحر الأريتري 5. ويقصد به البحر الأحمر.
1 البلدان 8/ 410.
كأن به إذ جئته خيبرية
…
يعود عليه وردها وملالها
قلت لحمى خيبر استعدي
…
هالك عيالي فاجهدي وجدي
وباكري بصالب وورد
…
أعانك الله على ذا الجند
2 حتى ص 20 البتنوني الرحلة الحجازية ص 259 "عن السيول انظر البلاذري فتوح البلدان والطبري، والأزرقي في أخبار السيول".
3 الإصطخري: المسالك والممالك ص21.
4 حتى 31. جورج فضلو. العرب والملاحة ص 25.
5 جواد علي 1/ 18. Hcrodotus: vol. l. p. 214
ويرى بعض العلماء أن المكان الذي ذكره هيرودوت هو وادي الحمض المار بشمالي قرح1. -على مسافة 43 كيلو مترًا من الحجر-. وقد كانت عامرة فيما مضى بالزروع والبساتين وهي المعروفة ببساتين قرح، ويوجد بالقرب منها سقيا يزيد، أو قصر عنتر، كما تسمى في الوقت الحاضر على بعد 98 ميلًا من شمال المدينة2. كما ذكر بطليموس اسم نهر عظيم سماه lar زعم أنه ينبع من منطقة نجران، أي من الجانب الشرقي من السلسلة الجبلية، ثم يسير نحو الجهة الشمالية الشرقية مخترقًا بلاد العرب حتى يصب في الخليج العربي3. ويرى بعض العلماء أن هذا النهر الذي يشير إليه بطليموس هو وادي الدواسر، والذي تمده بعض الأودية المتجهة من سلاسل جبال اليمن بمياه السيول4.
ومن آثار السدود والنواظم التي ترجع إلى ما قبل الإسلام يمكن الاستدلال على أن العرب كانوا على علم واسع بتنظيم أمور الإرواء، والاستفادة من مياه الأمطار والسيول والأنهار، كما تدل كثرة المصطلحات في اللهجات العربية الشمالية والجنوبية على معرفة العرب بأنواع الآبار، والسدود، والمساك، والنحايت وغير ذلك من الوسائل التي استخدمت للحصول على الماء 5.
وإذا كانت البحار تحيط بجزيرة العرب؛ فإن الجو البحري لم يستطع أن يخفف من حدة الحرارة فيها أو يتغلب على جفافها، فإن الأبخرة المتصاعدة من البحر لا تكاد تصل إلى أواسط الجزيرة العربية، إذ إن الرياح السمائم الشديدة الحر تقاومها مقاومة شديدة، وتمنعها في الغالب من الوصول إلى أواسط شبه الجزيرة 6، على أن الأقسام
1 البلدان 15/.32- 321 "وكانت من أسواق العرب في الجاهلية وزعم بعضهم أن بها كان هلاك عاد قوم هود، ما يدل على أنها من المواضع القديمة في بلاد العرب".
2 "إصطبل عنتر" وهبة: 2- البلدان 10/ 228.
3 جواد علي 1/ 98.
4 وهبة 54.
5 بئر سك= ضيقة الخرق وقيل الضيقة المحفر من أولها إلى آخرها (لسان 40/ 44 والمسك، والمساك الموضع الذي يمسك الماء)(اللسان 12/ 378) . جواد علي: 1/ 101.
6 حتى 9. جواد علي 1/ 86.
الجنوبية كثيرة المطر، تجلبه إليها الرياح الموسمية. ولأهل اليمن عناية بتصريف المياه والانتفاع بها منذ زمن بعيد، وقد أشار القرآن الكريم إلى ما كان في اليمن من حضارة وعمران وخصب ورخاء فقال:{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ] . أما بقية بلاد العرب فتتكون من صحار، وسهول تغلب عليها الطبيعة الصحراوية.
وتدل البحوث والدراسات التي قام بها السياح والعلماء عن بلاد العرب. على أن تغييرًا كبيرًا طرأ على جوها، وأن هذا الجفاف الذي نعهده الآن في هذه البلاد لم يكن على النحو الذي كانت عليه في العصور التي سبقت الإسلام، وأن ذلك الجفاف أثر تأثيرًا كبيرًا في شبه جزيرة العرب. فجعل أكثر بقاعها صحاري جرداء؛ كما أثر في حالة سكانها، فقاوم نشوء المجتمعات الكبرى وأثر تأثيرًا خطيرًا في تاريخ الأمة العربية، وفي حدوث الهجرات1.
ويرى العلماء أن الرياح الغربية الباردة المشبعة بالرطوبة كانت تصل إلى أرض شبه الجزيرة العربية وتنزل المطر عليها، وأن هذه البقاع الصحراوية كانت خضراء آهلة بالسكان، فمثلًا المنطقة الواقعة بين العلا، ومُعان من المناطق الصحراوية الآن، وقد كانت من مناطق الغابات المكتظة بالأشجار المملوءة بالحيوانات المفترسة2.
وكانت جبال الطائف تمون مكة بالأخشاب الصالحة للبناء والوقود؛ كذلك المنطقة الواقعة بين مكة وعرفة كانت حتى القرن السادس عشر الميلادي مغطاة بالأشجار وبالعوسج والسلم، وهي من الشجيرات الصحراوية، وقد عرف وادي القرى -الذي لا بد أن يكون قد سمي بذلك لكثرة القرى فيه -بكثرة بساتينه ومياهه وقراه، وهو طريق عالمي قديم تسلكه القوافل في طريقها بين الشام واليمن، أما اليوم فقد جفت ينابيعه وفقد أكثر قراه، واضطر أهله إلى الهجرة أو إلى المعيشة المتنقلة كما يفعل الأعراب3. كما أن المسافة بين اليمن والشام كانت عامرة بالقرى زاخرة بالحياة، حتى إن المسافر لم يكن في حاجة إلى التزود 4، وقد عبر القرآن الكريم عن ذلك في حديثه
1 جواد علي 1/ 97 وانظر عن تغيير المناخ 1.
Hnzayyin، Aradia and the far East. P.P2-4
2 Op. Cit. P.5
3 البلدان 15/ 338.
4 الإصطخري 21.