الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
عبادتهم الجنَّ:
من العرب من كانوا يعبدون الجن، قال أبو المنذر في كتاب "الأصنام": كانت بنو مليح من خزاعة يعبدون الجن، وهم المشار إليهم بقوله تعالى:{بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [سبأ: 41]
وقال ابن عطية في تفسير هذه الآية: "يجوز أن يكون في الأمم الكافرة من عبد الجن، وفي القرآن آيات يظهر منها أن الجن عُبدت، في سورة الأنعام، وغيرها، ومن آيات الأنعام الظاهرة في هذا قوله تعالى:{وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ} [الأنعام: 100]، وجاء في سورة الجن:{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن: 6]؛ أي: زاد الرجال العائذون الجن رهقاً؛ أي: تكبراً، أو عتواً، ذلك أن الرجل منهم إذا أمسى في وادٍ قفر، وخاف على نفسه، نادى بأعلى صوته: يا عزيز هذا الوادي! أعوذ بك من السفهاء الذين في طاعتك.
وجاء في هذا من الشعر قول بعضهم:
قد استعذنا بعظيم الوادي .... من شر ما فيه من الأعادي
فلم يجرنا من هزبر عاد
والاستدلال على أن في العرب من كانوا يعبدون الجن بآية: {بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [سبأ: 41]؛ غير ظاهرة فإن سؤال الله تعالى للملائكة عن عبادة الإنس لهم يشعر بأن هناك جماعة من الإنس يتوجهون بعبادتهم إلى الملائكة، فيكون جواب الملائكة بأن هؤلاء إنما كانوا يعبدون الجن، غير مناسب السؤال إلا على أحد الوجوه التي أوردناها في بحث عبادتهم للملائكة.
وقد يلوح للناظر وجه في تاويل الآية يمكن أن تدل به على أن من الإنس من كان يعبد الملائكة، ومنهم من كان يعبد الجن، وهو أن يقال: لما حضر المشركون من عباد الملائكة والجن والأصنام، وأراد الله تعالى إقامة الحجة على أن غيره لا يستحق أن يعبد، وجَّه الخطاب إلى أشرف من توجه المشركون إليه بالعبادة، وهم الملالكة، حتى إذا تبرؤوا، وتبين بإقرارهم أنهم غير أهل لأن يعبدوا، كان قصور غيرهم عن مرتبة العبادة أولى، وكان جواب الملائكة أن تبرؤوا من الإنس الذين كانوا يعبدونهم، فقالوا:{سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ} [سبأ-41]. وبعد هذه البراءة انتقلوا إلى الإخبار بأن أولئك المشركين كانوا يعبدون الجن.
فاسم الإشارة في قوله: {أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} [سبأ: 40]، مشار به إلى جملة المشركين بالنظر إلى أن فريقاً من هذا المجموع كانوا يعبدون الملائكة، والضمير في قوله تعالى:{بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ} [سبأ: 41] يعود إلى مجموع المشركين بالنظر إلى الفريق الذين كانوا يعبدون الجن، وكلمة {بَلْ} تستعمل في عطف الجمل لمجرد الانتقال من خبر إلى آخر، فهي هنا للانتقال من التبرؤ من الإنس إلى وصفهم بعبادة الجن، ولا غرابة في إطلاق اسم يتناول جماعة، ثم يخبر عنه بأمر صدر من بعضهم لأمر يقتضيه المقام، والأمر الذي اقتضى في السؤال تخصيص عبادتهم للملائكة بالذكر: هو ما أشرنا إليه من أن الملائكة أشرف معبوداتهم، والذي اقتضى في جواب الملائكة ذكر عبادتهم للجن: هو أنه كان شأن أكثر المشركين؛ فإن الذين كانوا يعبدون الأصنام يتعلقون مع ذلك باعتقاد أن من ورائها أرواحأ خفية تتصرف في شؤونهم، وكثرهم يسمون هذه الأرواح بالجن.