الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الإمام محمد الخضر حسين
الحمد لله الذي أمتعنا بنعمة الإسلام، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة لجميع الأنام، وعلى آله النبلاء الكرام، وأصحابه الهداة الأعلام، وكل من دعا إلى الحق بالحكمة والموعظة الحسنة إلى يوم القيام.
أمّا بعد:
فقد كَثُرَ ما وقع في أيدينا من صحف يضعها أولئك الذين سمّوا أنفسهم: "المبشرين"، ويتعرضون فيها لدين الإسلام بكلمات خبيثات، يبتغون بها إخراج أبنائنا وبناتنا من نور الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال؟!.
ما أراه في تلك الصحف من زور وبهتان، ثم ما أذاعته الصحف السيّارة في العهد القريب من قصص محاولة تلك الطائفة لتنصير بعض الفتيان أو الفتيات، قد دعياني إلى تحرير رسالة في سيرة رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، ودلائل نبوته السنية. وغير خفيّ على من يقمّر هذا الرسول الأعظم قدره: أن ليس في طوق كاتب- ولو ألقت إليه البلاغة أعنَّتها - تقضي المعاني التي في هذه السيرة العظيمة، أو تساق في دلائل هذه النبوة المباركة، إنما القصد من تأليف هذه الرسالة: أن أصوغ من تلك السيرة النبوية، ودلائل النبوة المحمدية فصولاً وجيزة، ثم أعرضها عليك في صفحات يمكنك أن تأتي عليها في زمن قليل.
خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وأمتعه بنعمة العقل، وهي من أجل ما ينعم به الخالق الحكيم. أمتعه بنعمة العقل؛ ليهتدي به إلى الحياة الطيبة، وما الحياة الطيبة إلا أن تعرف النفوس مُنشئها ومصيرها حق اليقين. تعرف منشئها؛ لتقوم بما يستحقه من التعظيم والإجلال، وتعرف مصيرها؛ لتعدّ له ما تستطيع من صالح الأعمال. ولكن المشاهدات الصائبة، والتجارب الصادقة، والأخبار المتواترة، دلت على أن للعقول حدوداً لا تتعداها، ونظرات قد تنحرف عن قصد السبيل، فتخطئ مرماها، فاقتضت حكمة الله تعالى ورحمته بالخليقة: أن يرشد العقول إلى حقائق لا تصل إليها بنفسها، ويريها قصد السبيل؛ حتى لا تزيغ نظراتها، فبعث الرسل عليهم السلام مؤيدين بالآيات البينات، داعين إلى سبيل الحق بابلغ الحِكَم وأحسن العظات.
وما زال الرسل - عليهم الصلاة والسلام - يُبعثون إلى الأقوام الطاغية، فيحاجّونهم، ويعظونهم، ويبشرونهم وينذرون، يهتدي بهديهم أولو الألباب، ويكفر بهم من حقت عليه كلمة العذاب، حتى جاء الزمن الذي خصه الله تعالى بأن يكون مطلع هداية عامة، وشريعة خالدة، ذلك هو الزمن الذي بُعث فيه أفضل الخليقة سيدنا محمد العربي القرشي صلى الله عليه وسلم.
محمد الخضر حسين
1352 هـ - 1933 م