الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعاد إبراهيم عليه السلام إلى مكة، وبنى بها البيت الحرام، يعينه على ذلك ابنه إسماعيل عليه السلام، وبعث الله إسماعيل بشريعة إبراهيم إلى جرهم والعماليق. وذكر بعضهم أنه أرسل إلى جرهم والعماليق وقبائل من اليمن في زمن إبراهيم عليه السلام (1).
وإذا أرسل إسماعيل بشريعة إبراهيم؛ فإن إبراهيم كان يدعو إلى التوحيد الخالص، ومكارم الأخلاق، ومحاسن الآداب؛ كما يدعو سائر الأنبياء، ومن شريعته: إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، قال الله تعالى في قصة إسماعيل:{وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم: 55]. ومن شريعته: حج البيت: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27]. ومنها: الاختتان، كما ورد في الصحيح.
*
بعثة شعيب عليه السلام إلى مَدْيَن:
من العرب الذين كانوا يعبدون غير الله: مدين، وكانت منازلهم تجاور أرض معان بأطراف الشام، ومما عرفوا به من الفساد في الأرض: أنهم كانوا يبخسون المكيال والميزان؛ أي: يأخذون لأنفسهم بالزائد، ويدفعون لغيرهم بالناقص.
فبعث الله إليهم شعيباً عليه السلام داعياً إلى التوحيد والإصلاح، وبعثته كانت بعد بعثة إبراهيم عليه السلام يدل على هذا: قوله لقومه كما جاء في الآية: {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} [هود: 89]، وقال تعالى في قصة إبراهيم:{فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} [العنكبوت: 26]. والقرآن الكريم يسمي من
(1)"السيرة الحلبية".
أرسل إليهم شعيب بمدين تارة، وبأصحاب الأيكة (1) مرة أخرى، فقال:{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} [الأعراف: 85]، وقال:{كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ} [الشعراء: 176 - 177]. وقد اختلف أهل العلم في بيان هذا، فقال قوم: إن شعيباً أرسل إلى أمتين: مدين، وهم الذين عُذبوا بالصيحة، وأصحاب الأيكة، وهم الذين أخذهم الله بعذاب يوم الظلة (2). وقال آخرون: إن شعيباً أرسل إلى أمة واحدة تسمى: مدين، وهم أنفسهم أصحاب الأيكة، وهذا هو المختار.
قال ابن كثير في "تاريخ": ومن المفسرين من قال: إن أصحاب الأيكة أمة أخرى غير أهل مدين، وقوله ضعيف، لم يوافقوا عليه، وإنما عمدتهم شيئان:
أحدهما: أن الله تعالى قال: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ. ولم يقل: أخوهم كما قال: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} [الأعراف: 85].
ثانيهما: أنه ذكر أنه عذب أصحاب الأيكة بعذاب يوم الظلة، وذكر في مدين أنه عذبهم بالرجفة والصيحة.
والجواب عن الأول: أنه تعالى لم يقل: أخاهم بعد ذكر الأيكة؛ لأن ذكره غير مناسب بعد وصفهم بعبادة الأيكة، ولما نسبهم إلى العبيد، ساغ ذكر الأخوة؛ كما قال تعالى:{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف: 65] وقال:
(1) سموا أصحاب الأيكة؛ لأنهم كانوا يسكنون أيكة؛ أي: غيضة تنبت ناعم الشجر، وقيل: الأيكة: اسم للبلد الذي كانوا يسكنونه. والأظهر ما قاله ابن كثير من أنهم كانوا يعبدون أيكة.
(2)
يعزى هذا إلى السدي، وعكرمة.
{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [الأعراف: 73].
والجواب عن الثاني: أنه جمع عليهم الثلاثة أنواع من العذاب: الصيحة، والرجفة، وعذاب الظلة (1).
دعا شعيب عليه السلام قومه إلى نبذ ما كانوا يعبدون من دون الله، والإقلأع عن الفساد، {قَالُوا يَاشُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} [هود: 87]، وأتاهم بآية بينة على صدق رسالته، أشار إليها القرآن الكريم بقوله تعالى فيما يقصه من قول شعيب:{قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [الأعراف: 85]، والآية ما يجريه على الرسول من المعجزة. وسلك في دعايتهم كل طريق حكيم من التبشير؛ كقوله:{وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} [هود: 90].
أو الإنذار؛ كقوله: {وَيَاقَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} [هود: 89](2).
وقوله: {إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ} [هود: 84].
ولم ينتفع القوم بالآيات والمواعظ، فأصروا على كفرهم وفجورهم،
(1) لم يبين القرآن الكريم حقيقة هذا العذاب، والذي يذكره الرواة: أن الله تعالى بعث عليهم ريحاً حارة شديدة، فأخذت بأنفاسهم، وبعث عليهم سحابة، فأظلتهم من الشمس، وهي الظلة، حتى إذا اجتمعوا تحتها، أسقطها الله عليهم ناراً، ورجفت بهم الأرض، وجاءتهم الصيحة من فوقهم.
(2)
قوم لوط لم يكونوا ببعيد من قوم شعيب، لا في الزمان، ولا في المكان، ولا في الصفات والأفعال القبيحة.