الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجه ما ورد في القرآن أو الحديث (1).
ومن أسباب قلة انتشار اليهودية في العرب: أن "اليهودية هي خلاصة القانون التلمودي (2)، وهذا القانون الذي نشأ في بيئة معينة، وفي مدة معينة، والذي استمد مبادئه وتعاليمه من نصوص التوراة، قد أدخلت عليه تغييرات تلائم الأحوال الجديدة التي طرأت على اليهود، وقد نجم عن ذلك: أن الذين أرادوا أن يقبلوا جوهريات صحف التوراة، دون أن يخضعوا للناموس التلمودي، لم يؤذن لهم باعتناق اليهودية"(3). ثم قال: "وتأثر كثيرون من العرب بتعاليم اليهودية، وأخذوا يخضعون لبعض الأصول الجوهرية من التوراة، دون أن ينقادوا للبعض الآخر، فلم ترض منهم اليهودية ذلك، ولم تقربهم إلى الله، بل لم تفرق بينهم وبين بقية عبدة الأصنام؛ لأنهم لم يقبلوا التمسك بالسبت، ولم يخضعوا لبقية وصايا التوراة والتلمود".
*
النصرانية في العرب:
كانت النصرانية في غسان، وبعض قضاعة، وأتت هؤلاء النصرانية من جهة الروم؛ فقد كانت منازلهم قريبة منها، وكانت في قبائل بالحيرة، يقال لها: العباد، منها: عدي بن حاتم، وكانت في بني تغلب، ومنازلهم بالعراق، ودخل في النصرانية بعض ملوك الحيرة. قيل: كان تنصرهم في
(1) انظر: "نقض كتاب في الشعر الجاهلي" للإمام محمد الخضر حسين في الرد على الدكتور طه حسين.
(2)
التلمود: تفسير المشناة، والمشناة تفسير التوراة. والمتمسكون بالتلمود يقال لهم: ربانيون. أما القراءون، فيتمسكون بالتوراة، ولا يأخذون بالتلمود. ويوجد منهم طائفة في الآستانة، وطائفة في مصر.
(3)
"تاريخ اليهود في بلاد العرب" للدكتور إسرائيل ولفنسون.
عهد امرئ القيس الأول في أوائل القرن الرابع بعد المسيح. وقيل: إن أول من تنصر: النعمان بن المنذر على يد عدي بن زيد، وكان النعمان في أواخر القرن السادس بعد ميلاد المسيح.
وكان أهل نجران في بلاد اليمن نصارى، وهم: بنو الحارث بن كعب ابن مذحج، وجاءتهم النصرانية من جهة الحبشة، ومن جهة الروم؛ فقد ذكر بعض المؤرخين: أن ملوك الدولة الرومانية لما أرادوا ضم أطراف الجزيرة العربية إلى ممالكهم، أرسلوا وفود الرهبان إلى بلاد اليمن لبث الديانة المسيحية.
ومن المعروف في السيرة: أن وفد نجران قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا من نصارى العرب، وهم الذين نزلت فيهم آية المباهلة: قوله تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: 61]. وأبوا أن يباهلو ا، وصالحوا على الجزية، وعادوا إلى بلادهم.
قال الجاحظ: "إن العرب كانت النصرانية فيها فاشية، وعليها غالبة، إلا مضر، فلم يغلب عليها يهودية ولا مجوسية، ولم تفش فيها النصرانية، إلا ما كان من قوم منهم نزلوا الحيرة يسمون: العبادة فإنهم نصارى، وهم مغمورون مع نبذ يسير في بعض، ولم تعرف مضر إلا دين العرب، ثم الإسلام".
وزعم بعض المسيحيين (1): أن الأوس والخزرج كانوا نصارى، واستدل
(1) لويزشيخو.
بقول حسان:
فرحت نصارى يثرب ويهودها
…
مما توارى في الضريح الملحد
وهذا البيت لا يوجد في قصيدة حسان برواية ابن هشام في "السيرة"، ولا يوجد في "ديوانه" الذي كتب عليه البرقوقي تعليقاً (1).
ومن المعروف أن ورقة بن نوفل عم خديجة رضي الله عنها كان على دين النصرانية، وهو قرشي، وجاء في السيرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي في طريقه إلى الطائف عداساً النصراني، فآمن به (2). ووجود فرد أو أفراد معدودين في القبيلة على دين النصرانية لا يدل على انتشار هذا الدين بينهم.
وجاء في بعض الآثار: أن صورة عيسى ومريم عليهما السلام كانت في جملة صورة الأنبياء بالكعبة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر يوم فتح مكة بمحو جميع الصور، إلا صورة عيسى وأمه (3)، واستدل بهذا بعض المسلمين على أن الديانة النصرانية كانت بمكة. ونحن نقول: إن إبقاء النيي صلى الله عليه وسلم لهذه الصورة غير معقول، ولا يظهر له وجه، وفي "صحيح البخاري،: أن رسول الله " أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة، فأمر بها فأخرجت، فأخرج صورة إبراهيم وإسماعيل في أيديهما من الأزلام، فقال:"قاتلهم الله! لقد علموا ما استقسما بها قط"، فهذا الأثر الذي ورد في "تاريخ الأزرقي" باطل قطعاً؛ فإن بقاء الصورة في المسجد منكر، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يقر منكراً.
(1) نسب هذا البيت لديوان حسان في طبعة ليدن.
(2)
"زاد المعاد".
(3)
"تاريخ مكة" للأزرقي.
ومن أثر النصرانية: ما ظهر في شعر؛ كقول امرئ القيس يصف كلاب الصيد وقد أدركت فرسه:
فأدركنه يأخذن بالساق والنسا (1)
…
كما شبرق (2) الولدان ثوب المقدس (3)
يشير إلى ما كان ولدان النصارى يفعلونه بالراهب الذي يقدم من بيت المقدس؛ إذ يأخذون من مسحه (4)، وهو لابسه، خيوطاً للتبرك بها.
ومن هذا الباب قول امرئ القيس يصف بقر الوحش:
فآنست سرباً من بعيد مكانه
…
رواهب عيد في ملاء مهدب (5)
يشير إلى ما كانت الراهبات يلبسنه في الأعياد من الملاء والأنسجة الطويلة الأذيال.
ومما ظهر منه عادة إيقادهم المشاعل في عيد الفصح قول أوس بن حجر:
عليه كمصباح العزيز يشبه
…
بفصح ويحشوه الذبال المفتلا
وصف أوس في هذا البيت رمحه، وشبه سنانه بالمصباح يوقده رئيس النصارى في عيد الفصح (6).
(1) عرق من الورك إلى الكعب.
(2)
شبرق: مزق.
(3)
من قدس الرجل؛ أي: أتى بيت المقدس.
(4)
المسح: ثوب الراهب.
(5)
الملاء - بالضم -: ثياب، واحدة ملاءة. والمهدَّب: ذو أهداب؛ أي: خمل.
(6)
الفصح الكبير للنصارى يزعمون أن المسيح قام فيه بعد الصلب بثلاثة أيام =