الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أديان العرب قبل الإسلام
(1)
قصَّ الله تعالى علينا في القرآن المجيد: أن العرب كانوا يتخبطون في ضلالة الشرك، ويتخذون من دون الله آلهة، فيبعث إليهم أنبياء ليهدوهم السبيل، ويدعوهم إلى العقائد السليمة، والأخلاق الكريمة.
*
بعثة هود عليه السلام
-:
أقدم قوم من العرب قصَّ الله علينا أنهم كانوا يعبدون الأصنام، فأرسل إليهم رسولاً: قوم عاد، وكانت منازلهم بالأحقاف، قال الله تعالى:{وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ} [الأحقاف: ا 2]. والأحقاف: جمع حِقْفِ، وهو الرمل المستطيل فيه اعوجاج وانحناء. فالآية ظاهرة في أن منازلهم كانت ببلاد فيها رمال كثيرة. وذكر ابن قتيبة أنهم كانوا ثلاث عشرة قبيلة ينزلون الرمل: بالدوّ، والدّهناء، وعالج، ووَبَار، وعُمان، إلى حَضْرَ موت.
وهذا لا يخالف ما جاء في سورة الفجر من قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ
(1) مجلة "الهداية الإسلامية" الأجزاءالتالية: الجزء التاسع من المجلد الحادي عشر، ربيع الأول سنة 1358 - أبريل 1939 - والجزء الثاني عشر من المجلد الحادي عشر، جمادى الثانية 1358 - يولية 1939 - والجزء الأول من المجلد الثاني عشر، رجب 1358. والجزء الثالث من المجلد الثاني عشر، رمضان 1358 هـ.
فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ (1) ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} [الفجر: 7 - 8]؛ لصحة أن تُحمل العماد على عماد الأخبية. ثم إن نزولهم بالأحقاف لا يمنع من أن تكون لهم مبانِ ضخمة. والقرآن الكريم يشير إلى هذا فيما قصَّه الله تعالى علينا من مواعظ هود عليه السلام إذ قال: [أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [الشعراء: 128 - 129](2).
وكان هؤلاء القوم يعبدون آلهة غير الله، ولم يصرح القرآن الكريم بما كانوا يتوجهون إليه بالعبادة على وجه التعيين، ويروى أنهم كانوا يعبدون الأصنام (3). وجَمْعُ الآلهة في قوله:{بِتَارِكِي آلِهَتِنَا} [هود: 53]، وجَمْعُ الأسماء في قوله:{أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [الأعراف: 71] يدل على أن عاداً كانت تعبد آلهة متعددة.
ويقال: إن عاداً أول من عبد الأصنام بعد الطوفان، والقرآن الكريم إنما يدل على أن بعثة هود كانت بعد بعثة نوح عليه السلام، قال تعالى فيما يقصه من قول هود لقومه:[واذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} [الأعراف: 69]؛ أي: خلفاء من بعدهم؛ لتعتبروا بما كان من عاقبتهم، وتشكروا الله على ما أعطاكم من قوة، ووهبه لكم من نعمة.
(1) هو إرم بن سام الذي هو أحد جدود عاد، فإرم بدل من عاد؛ لأن أولئك القوم
يطلق عليهم اسم جدهم عاد، واسم جدهم إرم.
(2)
الريع: الجبل، أو المكان المرتفع، والآية: القصر، والمصانع: ما كان من نحو الحصون ومجاري المياه.
(3)
قال المسعودي في "مروج الذهب": كانوا يعبدون ثلاثة أصنام، وهي: صمود، وصداء، والهباء، وقال المسعودي أيضاً: إن عاداً كان يعبد القمر.
بعث الله هوداً عليه السلام إلى هؤلاء القوم، فدعاهم إلى نبذ عبادة غير الله، وأمرهم بإخلاص العبادة لله وحده، قال تعالى:{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 65]. وذكر في وعده لهم على إجابة دعوته أن لهم قبل خير الآخرة خير الدنيا، فقال:{وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود: 52]. وهذا ما يناسب دعوة القوم الذين غرقت قلويهم في الحرص على الدنيا: أن يبشروا بأن الاستقامة على هدى الله أعظم وسائل السعادة في هذه الحياة.
وتوعَّدهم بعقوبة الدنيا والآخرة إذا هُم تمادَوا في غيِّهم، فقال:{أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ} [هود: 26]. وقال: {فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ} [هود: 57].
ولم يكن من قومه إلا أن كذَّبوه، وتنقَّصوه، وجحدوا ما جاء به من الآيات، وأصروا على ما وجدوا عليه آباءهم من عبادة غير الله، فقالوا فيما قصه الله تعالى من إجابتهم لهود:{إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [الأعراف: 66]، وقالوا:{جِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الأعراف: 70]، وقال تعالى:{وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [هود: 59].
ووقف هود عليه السلام موقف من لا يهاب أهل الباطل، ولا يبالي بهم، ولا بما هم فيه من قوة وطغيان، ولا بما طبعوا عليه من الحرص على إذاية الداعين إلى الحق، والمبادرة إلى البطش بهم، فقال: {نِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي