الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بينكم، ثم لا تجدوني بخيلاً، ولا كذاباً، ولا جباناً".
فهذا الأثر يدلنا على أنه - صلوات الله عليه - لم يكن ليقيم أعواناً يمنعون أمثال هؤلاء الأعراب من الوصول إليه، أو يفرقون جمعهم إذا أحاطوا به، وألحفوا في سؤاله، وتدلنا كلمة رسول الله على أنه لا يغضب غضب من تأخذه العزة بالإثم حين يتهافت عليه جماعة من الأعراب حتى يضطروه إلى شجرة تخطف رداءه.
ونقرأ في الصحيح: أن أنس بن مالك يقول: "كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذه جبذه شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم قد أثرت فيها حاشية الرداء، ثم قال: يا محمد! مر لي من مال الله الذي عندك. فالتفت إليه فضحك، ثم أمر له بعطاء".
يبتسم لقوة أعرابي بسط يده إليه بجفاء، أما الطغاة أو البلغاء الذين يعثون في الأرض فساداً، فإنه يأخذ فيهم بسنة العزم، ويدع المجاملة والتبسم لهم في ناحية.
كان الرئيس العربي يسرف في مصانعة ذوي الزعامة والنفوذ في قومه، ولا يؤاخذهم بما يجرمون؛ مخافة أن يشقوا عصا طاعته، ويزلزلوا أركان رياسته، ثم لا يبالي أن يذيق الضعيف الذي لا يؤبه له عذابا مهيناً. ولكن محمداً - صلوات الله عليه - يضع الأقوياء والضعفاء عند تقاضي الحقوق مكاناً سواء.
*
رفقه بالمرأة:
كان الرجال من قريش يعاشرون أزواجهم في شيء من الغلظة، حتى
إنهم لا يرون للزوجة حقاً في أن تراجع الرجل إذا خاطبها في غيظ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلب هذه الغلظة إلى رفق، ويفسح للمرأة أن تعمل على إرادتها، وتتمتع بحريتها في دائرة الأدب والصيانة.
نقرأ في الصحيح: أن عمر بن الخطاب يقول: "كنا - معشر قريش - نغلب نساعنا، فلما قدمنا الأنصار، إذا هم قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن بأدب نساء الأنصار، فصخبتُ على امرأتي، فراجعتني، فانكرتُ أن تراجعني، قالت: ولم تنكر أن أراجعك؟ فوالله! إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه، وإن إحداهن لتهجره اليوم إلى الليل".
ضرب رسول الله عن عادة قريش جانباً، وكان يتلقى مراجعة الزوجة له بأناة، وهجرَها له اليوم كله باحتمال، يفعل ذلك رفقاً بها، وإرشاداً إلى الأوفق بسنة الاجتماع في معاشرتها، ولتعليم الناس فضيلة العطف على المرأة يقول:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذ جاره، واستوصوا بالنساء خيراً؛ فإنهن خلقن من ضلع أعوج، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه، كسرته، وإن تركته، لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً".
وإذا تقصينا أثر ما يقرره الإسلام للمرأة من حقوق، وما ألقاه عليها من احترام، ازددنا علماً بأنه الدين الذي يسير بحال الاجتماع البشري إلى أقصى ما يرام من السعادة.
فالنساء شطر البشر، وتأثيرهن على الشطر الآخر من حيث التربية الأولى لا يتنازع فيه اثنان، فالإحسان إليهن، ومسايرتهن فيما لا يخرجن به عن حدود الصيانة والعفاف مما يرفع هممهن، ويرقي آدابهن، فإذا نشأ الولد في حجورهن، خرج للناس رفيع الهمة، راقي الآداب.