المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ رجوعه عن اجتهاد باجتهاد: - موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين - ٣/ ١

[محمد الخضر حسين]

فهرس الكتاب

- ‌(4)«مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ صلى الله عليه وسلم

- ‌المقدمة

- ‌مقدمة الإمام محمد الخضر حسين

- ‌أديان العرب قبل الإسلام

- ‌ بعثة هود عليه السلام

- ‌ بعثة صالح عليه السلام لثمود:

- ‌ دعوة صالح لثمود:

- ‌ آية نبوته:

- ‌ بعثة إسماعيل عليه السلام للعرب:

- ‌ بعثة شعيب عليه السلام إلى مَدْيَن:

- ‌ الشرك في بلاد العرب:

- ‌ عبادتهم الأصنام:

- ‌ مظاهر تعظيمهم للأصنام:

- ‌ عبادتهم لبعض الأشجار:

- ‌ عبادتهم بعض الحيوان:

- ‌ عبادتهم الكواكب:

- ‌ عبادتهم للملائكة:

- ‌ عبادتهم الجنَّ:

- ‌ عبادتهم للكواكب:

- ‌ البرهمية في العرب:

- ‌ دين الصابئة في العرب:

- ‌ المجوسية في العرب:

- ‌ الدهرية في العرب:

- ‌ اليهودية في جزيرة العرب:

- ‌ أثر اليهودية في العرب:

- ‌ النصرانية في العرب:

- ‌ الموحدون من العرب:

- ‌محمد رسول الله وخاتم النبيين

- ‌ حال العرب قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام

- ‌ نشأته عليه الصلاة والسلام وسيرته الطاهرة قبل البعثة:

- ‌ دلائل نبوته:

- ‌ القرآن الكريم

- ‌ بشارات الأنبياء والرسل به قبل مجيئه:

- ‌ سيرته:

- ‌ المعجزات المحسوسة:

- ‌ عموم بعثته عليه الصلاة والسلام

- ‌ دوام شريعته وختمه للنبوة:

- ‌ خلقه عليه الصلاة والسلام وآدابه:

- ‌ اجتهاده عليه الصلاة والسلام في عبادة ربه:

- ‌ أثر دعوته في إصلاح العالم:

- ‌صبر محمد عليه السلام ومتانة عزمه

- ‌الهجرة النبوية

- ‌ لماذا جعلت الهجرة النبوية مبدأ التاريخ في الإسلام

- ‌رفقه وحكمته البالغة في السياسة

- ‌ رفقه بمن يسيئون إليه على جهالة:

- ‌ رفقه بالمرأة:

- ‌ حكمته البالغة في السياسة:

- ‌نظرة في دلائل النبوة

- ‌ القرآن الكريم:

- ‌ بلاغته:

- ‌ السيرة النبوية:

- ‌ المعجزات المحسوسة:

- ‌عظمة رسول لله صلى الله عليه وسلم وهدايته

- ‌شجاعته عليه الصلاة والسلام

- ‌منقذ العالم من الظلمات

- ‌آداب الدعوة وحكمة أساليبها

- ‌رجاحة عقله صلى الله عليه وسلم وحكمة رأيه

- ‌هجرة الصحابة إلى الحبشة وأثرها في ظهور الإسلام

- ‌ الهجرة الأولى إلى الحبشة:

- ‌ كيف سافر المهاجرون الأولون من مكة

- ‌ اغتباط المسلمين بهجرتهم:

- ‌ خروج أبي بكر بقصد الهجرة إلى الحبشة:

- ‌ سعي قريش في رجوع أولئك المهاجرين:

- ‌ دعوة النجاشي الصحابة وسؤالهم:

- ‌ نصب عمرو لهم مكيدة عند النجاشي:

- ‌ رجوع المهاجرين إلى مكة:

- ‌ الهجرة الثانية إلى الحبشة:

- ‌ هجرة الأشعريين إلى الحبشة:

- ‌ رجوع فريق من مهاجري الحبشة إلى المدينة:

- ‌ وفد الحبشة:

- ‌ إسلام عمرو بن العاص على يد النجاشي:

- ‌ تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بأم حبيبة وهي بأرض الحبشة:

- ‌ قدوم بقية المهاجرين من الحبشة:

- ‌ من ولد من المسلمين بأرض الحبشة

- ‌ فضل المهاجرين إلى الحبشة:

- ‌ إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بوفاة النجاشي، وصلاته عليه:

- ‌ دعوة النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي إلى الإسلام:

- ‌ أثر الهجرة في ظهور الإسلام:

- ‌إبادته للأصنام صلى الله عليه وسلم

- ‌حياة الدعوة الإِسلامية كجزيرة العرب

- ‌ حكمة ظهورها في العرب:

- ‌ حياتها بمكة:

- ‌ حياتها بالمدينة:

- ‌ انتشار الإسلام بالجزيرة:

- ‌قضاء البعثة المحمدية على المزاعم الباطلة

- ‌البلاغة النبوية

- ‌الاحتفال بذكرى الهجرة النبوية

- ‌لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة

- ‌الهجرة مبدأ التأريخ العام في الإسلام

- ‌المعجزات الكونية

- ‌من آداب خطب النبي عليه الصلاة والسلام

- ‌في الهجرة بركة

- ‌العظمة

- ‌الهجرة وشخصيات الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌ اتجاه الوحي بمكة:

- ‌ اتجاه الوحي بالمدينة:

- ‌ نزول الوحي بخلاف اجتهاده:

- ‌ رجوعه عن اجتهاد باجتهاد:

- ‌ قضاؤه عليه الصلاة والسلام

- ‌ شخصياته الأربع:

- ‌ رسالته:

- ‌ إمامته:

- ‌ تصرفه بالفتوى:

- ‌ تصرفه بالقضاء:

- ‌ ماذا يترتب على الشخصيات الأربع

- ‌ملاحظات على مولد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تحية المقام النبوي ومناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكرى المولد

- ‌ذكرى المولد النبوي

- ‌مشاهداتي في الحجاز

الفصل: ‌ رجوعه عن اجتهاد باجتهاد:

حتى لا يبلغ في دعوتهم أن يشتغل بها عن مجاملة ضعفاء المسلمين، وحفظ قلوبهم من أن تعبث بها أصابع الشيطان.

ومن حكمة هذه الآية: الدلالة على أن الخطأ في الاجتهاد معفو عنه.

*‌

‌ رجوعه عن اجتهاد باجتهاد:

قال كاتب المقال: (ورجع هو عن اجتهاد باجتهاد بمجرد النظر والتجربة، فقال: "هممت أن أنهى عن الغِيلة، فنظرت في الروم وفارس، فإذا هم يغيلون أولادهم، فلا يضر أولادهم شيئاً"، وقال: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لما سقت الهدي").

أورد الكاتب حديثين مستشهداً بهما على أن النبي صلى الله عليه وسلم يرجع عن اجتهاد باجتهاد.

أما حديث الغيلة، فقد ورد في الصحيح على نحو ما ذكره الكاتب، غير أنه فسر الغيلة بإرضاع المرأة ولدها وهي حامل، وهو تفسير ابن السِّكيت، أما الإمام مالك، فقد فسرها بوطء المرأة وهي مرضع، وتابع مالكًا على هذا التفسير الأصمعيُّ وغيره من أهل اللغة، ومالك أدرى بتفسير الحديث من ابن السكيت، ولا سيما تفسيراً وافقه عليه علماء اللغة، ويؤيده ما جاء في الصحيح: أن رجلاً قال للنبي- صلى الله عليه وسلم: إني أعزل عن امرأتي، فقال:"لم تفعل ذلك؟ "، فقال: إني أشفق على ولدها، فقال عليه الصلاة والسلام:"لو كان ذلك ضارًا، ضر فارس والروم (1) ". ومما يزيدنا ثقة بضعف حمل الغيلة في هذا الحديث على إرضاع المرأة وهي حامل: أن الأطباء ما زالوا يقولون:

(1)"صحيح مسلم".

ص: 269

إن لبن المرأة يتغير أيام الحمل تغيراً يؤثر في صحة الرضيع، أما وطء المرأة وهي مرضع، فقد سألنا عنه بعض الأطباء في هذا العصر، فكانوا يجيبون بأنهم لا يعرفون لضرره وجهًا، وحملُ كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم على معنى لا شبهة فيه، أرجحُ من حمله على معنى تحوم عليه شبهة.

عرضت واقعة الغيلة للنبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينزل فيها وحي خاص، ولكن أمامه قواعد شرعية، منها: قاعدة: "الضرر يزال"، والشأن في تقرير حكم هذه الواقعة الرجوع إلى ما يقوله أهل التجارب من نحو الأطباء؛ لأن الضرر في مثلها لا يدرك بقوة الفكر ووفور العقل، وكان شائعًا عند العرب أن في الغيلة ضررا على الرضيع، ولهذا جرت عادة المستطيعين منهم أن يتخذوا لأولادهم مراضع، وسبق إلى ظن النبي صلى الله عليه وسلم أن ما شاع عند العرب من ضرر الغيلة قد يكون واقعاً، وبدا له أن ينهى عنها، إشفاقًا على الرضعاء، ثم نظر عليه الصلاة والسلام إلى أمتين من غير العرب، وهما الفرس والروم يصنعون الغيلة، ولا تضر أولادهم؛ إذ لو ظهر منها ضرر، لتنبه له أطباؤهم، وعرفه أهل التجارب منهم، وشاع أمره فيما بينهم، وهذا ما عدل بالنبي صلى الله عليه وسلم عن النهي عنها إلى العود بها إلى أصل الإباحة، وقد دلّ عليه الصلاة والسلام على أنه لم يتكلم في الغيلة عن وحي، وإنما تكلم فيها على رعاية المضار والمصالح التي يؤخذ فيها بأقوال أهل التجارب؛ إذ قال:"ثم ذكرت أو نظرت أن فارس والروم يغيلون أولادهم، فلا يضر أولادهم شيئاً".

وقد أريناك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد يفعل شيئاً يظنه الأَولى، ثم يتبين له أنه خلاف الأَولى، وقد يقول قولًا يبنيه على ظن، ثم يتبين له أن الواقع على خلاف ما ظنه، ووقوع أشياء معدودة من هذا النوع لا تمس الرسالة بشيء، فإنها - على

ص: 270

قلتها - معروفة عند علماء الشريعة، ولا يبنون عليها شيئاً أكثر من أنها تزيد الناس تذكرة ببشرية الرسول، وتحميهم من أن يتجاوزوا به مقام الرسالة إلى مقام الربوبية.

وإذا استدل بها بعضهم على أنه يجتهد في تقرير الأحكام، فقد أريناك أن القائلين باجتهاده مجمعون على أن اجتهاده هو والوحي على سواء.

وأما حديث: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت"، فأصله أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم بحج، أو بحج وعمرة، وساق الهدي، وأصحابه أحرموا كذلك، ولم يسوقوا هدايا، فلما قدموا مكة، وطافوا بالبيت، وسعوا بين الصفا والمروة، أمر النبي صلى الله عليه وسلم عليه الصلاة والسلام الصحابة أن يحلوا من إحرامهم بعمل العمرة، وقال لهم: أقيموا حلالًا، حتى إذا كان يوم التروية، فأهلّوا بالحج، ولكنه عليه الصلاة والسلام بقي محرمًا، وقال لهم:"فلولا أني سقت الهدي، لفعلت مثل الذي أمرتكم، ولكن لا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدي محله".

وشق على الصحابة أن يحلوا وهو محرم، وترددوا في الإحلال، فقال عليه الصلاة والسلام تطييبًا لخواطرهم:"لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لما سقت الهدي".

أورد كاتب المقال هذا الحديث شاهداً على أنه عليه الصلاة والسلام يرجع عن اجتهاده باجتهاد، ولم يبين ما هو الاجتهاد الذي رجع عنه، وليس في الحديث ما يدعو إلى فهمه على هذا المعنى، ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان مخيراً بين أن يسوق الهدي، وأن لا يسوق، فسوقه الهدي كان من قبيل الأخذ بأحد أمرين جائزين، واختيار أحد أمرين جائزين لا يعد اجتهاداً في تقرير حكم شرعي، فقد يفعله من لم يبلغ رتبة الاجتهاد في الأحكام الشرعية، ولهذا نرى المنكرين

ص: 271