الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كالاستقسام بالأزلام، والتشاؤم بكثير من الأشياء، وتعليق عظام الموتى على من يريدون وقايتهم من تعرض الأرواح الخبيثة.
وأما العادات المستهجنة، والأعمال المنكرة، فكطوافهم بالبيت عراة، ودسهم البنات في التراب وهن أحياء، وتعاطي الميسر والخمور، وارتكاب الفاحشة، وسفك الدماء بغير حق.
ولكن كان لهم مع هذا الجهل والضلال مزايا ومفاخر لا يستهان بها؛ كالكرم، والشجاعة، وإباء الضيم، والوفاء بالعهد، والطموح إلى العزة. وإذا أضفت إلى هذا بلاغة القول، وحسن البيان، بدا لك جانب من حكمة اختيار الله تعالى لأن يكون العرب أول من ينهض لنصرة هذا الدين العام، وإبلاغه إلى غيرهم من الأمم.
وفي هذه البيئة البعيدة من العلم والرشد ولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشب على أكمل خلق، وأقوم سبيل.
*
نشأته عليه الصلاة والسلام وسيرته الطاهرة قبل البعثة:
سبق في مشيئة الله تعالى أن يكون رسوله إلى الناس كافة هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فتولاه منذ ولد برعايته، وجعل العصمة غدوته وروحته، فكانت صحيفة حياته منذ ولد إلى أن توفي متلألئة تلألؤ القمر الزاهر في سماء مصحية.
ولد صلى الله عليه وسلم في أشرف بيوت العرب نسباً، وأرفعها حسباً، وهو بيت هاشم ابن عبد مناف. وشبَّ على توحيد الله تعالى، والتحلي بمكارم الأخلاق؛ من نحو: العفاف، والأمانة، والصدق، وكبر الهمة، والصبر على الشدائد، والوفاء بالعهد. وقد وصفته خديجة- رضي الله عنها حين رجع إليها يرجف
فؤاده مما فاجأه به ملك الوحي لأول مرة، فقالت له:
"كلا والله؛ ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، وتصدق الحديث".
فقد ساقت في هذا الخطاب جملة من الخصال التي كان صلى الله عليه وسلم متحليا بها قبل البعثة، فنبهت على أنه كان يحسن إلى الأقارب وغير الأقارب، ويقوم بحق الضيف، ويعين على نوائب الحق، وهذه كلمة جامعة تتناول كل ما تكون به الإعانة على النوائب؛ من نحو: المال والبدن والجاه. وفي قولها: "تصدق الحديث" شاهد على أنه كان يتحرى الصدق في جميع أحواله، وأنه لم يكن ينطق حتى قبل النبوة إلا بما هو حق.
وانظروا في حديث هرقل ملك الروم، إذ كان يسال أبا سفيان عن حال النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو سفيان لم يزل على جاهليته؛ قال هرقل لأبي سفيان:"فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ "، فقال أبو سفيان:"لا". فدل هذا الجواب الصادر من أشد الناس عداوة للرسول عليه الصلاة والسلام وقت السؤال على أنه صلى الله عليه وسلم معروف عند قومه بصدق اللهجة. وقد أخذ هرقل من هذا الجواب شاهداً على صدقه في دعوى الوحي، وقال:"فقد أعرف أنه لم يكن ليذرَ الكذب على الناس ويكذب على الله"(1).
وما زال صلى الله عليه وسلم محفوفاً بالرعاية والعصمة، حتى رفعه الله تعالى إلى مقام الرسالة العظمى، ونزل عليه الروح الأمين بالقرآن الحكيم.
(1)"صحيح الإمام البخاري".