الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأشار حسان في قصيدة له في الجاهلية إلى ما كان يصنعه ولائد النصارى من نظم الأكلة في عيد الفصح بقوله:
قد دنا الفصح والولائد (1) ينظـ .... ـنَ سراعاً أكلَّة (2) المرجان
*
الموحدون من العرب:
في العرب أفراد كانوا قبل البعثة على عقيدة التوحيد:
منهم: زيد (3) بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى، فقد اعتزل الأوثان، واجتنب أكل ما يذبح على الأنصاب. روى البخاري في "الجامع الصحيح": أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح (4) قبل أن يُنْزَلَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحيُ، فقدمت إلى النبي صلى الله عليه وسلم سفرة لحم، فأبى أن يأكل منها، ثم قال زيد: إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلا ما ذكر اسم الله عليه (5).
ومنهم: أبو قيس صرمة بن أبي أنس صرمة بن مالك من بني النجار، كان ترهب في الجاهلية، ولبس المسوح، وفارق الأوثان، وهمَّ بالنصرانية،
= {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء: 157].
(1)
جمع وليدة، وهي الصبية.
(2)
جمع إكليل، وهو عصابة تزين بالجواهر.
(3)
هو ابن عم عمر بن الخطاب بن نفيل، وهو أبو سعيد بن زيد أحد المبشرين بالجنة.
(4)
واد بظاهر مكة في طريق التنعيم.
(5)
لم يرد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من هذه السفرة، وقال الخطابي: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل مما يذبحون على النصب للأصنام. ويأكل ما عدا ذلك، وإن لم يذكر اسم الله؛ لأن الشرع لم يكن نزل بعد.
ثم أمسك عنها، ودخل بيتاً له، فاتخذه مسجداً، وقال: أعبد رب إبراهيم، حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم، فاسلم، وحسن إسلامه (1)، أورد له ابن هشام أشعاراً في تعظيم الله تعالى، قالها في عهد الجاهلية.
ومنهم: قُس بن ساعدة الإيادي، نجد خبره في بعض كتب التاريخ والأدب. روى بعض المحدثين عن ابن عباس: أنه قال: قدم وفد عبد القيس على رسول الله محك صلى الله عليه وسلم، فقال:"أيكم يعرف القس بن ساعدة الإيادي؟ "، فقالوا: كلنا يا رسول الله نعرفه، قال:"ما فعل؟ "، قالوا: هلك، قال: "ما أنساه بعكاظ في الشهر الحرام، وهو على جمل أحمر، وهو يخطب الناس وهو يقول: يا أيها الناس! اجتمعوا واسمعوا، وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت، إن في السماء لخبراً، وإن في الأرض لعبراً، مهاد موضوع، وسقف مرفوع، ونجوم تمور، وبحار تغور.
أقسم قس بالله قسماً حقاً، لئن كان في الأرض رضا، ليكونن بعده سخط. إن لله ديناً هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه، مالي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون، أرضوا بالمقام فاقاموا، أم تركوا فناموا؟ ". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أفيكم من يروي شعره؟ "، فأنشده بعضهم:
في الذاهبين الأولين
…
من القرون لنا بصائر
لما رأيت موارداً
…
للموت ليس لها مصادر
لا يرجع الماضي إليـ
…
ـك ولا من الباقين غابر
أيقنت أني لا محا
…
لة حيث صار القوم صائر
(1)"سيرة ابن هشام"، و"مروج الذهب".
وروى هذا الحديث الطبراني، والبزار، وفي إسناده محمد بن الحجاج اللخمي، وهو ممن لا يوثق بخبره، بل يعده النقاد في جملة الكذابين. وروى هذا الخبر ابن سيد الناس في "سيرت" على وجه يخالف روايته السابقة؛ إذ جاء في روايته: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فلست أنساه بسوق عكاظ على جمل أورق، وهو يتكلم بكلام ما أظن أني أحفظه"، فقال أبو بكر: يا رسول الله! فإني أحفظه، كنت حاضراً ذلك اليوم بسوق عكاظ، فقال في خطبته: أيها الناس
…
إلخ الخطبة، والأبيات. على أن في سند هذه الرواية من يتهم بوضع الأحاديث؛ كما قال ابن كثير. فخبر قس هذا ورد من طرق كلها ضعيفة، وقصارى ما يؤخذ منها: أن أصل القصة ثابت، وأن قساً كان على شيء من التوحيد.
ويذكر المؤرخون من الموحدين: خالد بن سنان العبسي، وقد وردت آثار تتضمن أنه كان نبياً، وأن ابنه أو ابنته جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه عليه الصلاة والسلام قال:"ذاك نبي ضيعه أهله". وهذه الروايات كلها ضعيفة، لم تقم على سند يعتد به، ومما يساعد على ردها: قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه سعيد بن جبير مرسلاً: "أنا أولى الناس بعيسى بن مريم، وليس بيني وبينه نبي".
وأذكر بهذه المناسبة أن ببلاد الجزائر قبراً عليه بناء يقال: إنه قبر خالد ابن سنان، ويجتمع الناس لزيارته في اليوم السادس والعشرين من شهر رمضان، وشهدت الاجتماع به في بعض السنين، ورأيت هنالك بدعاً تقام حول القبر، وعسى أن يكون أهل العلم قد قاوموها، وليس لهم من أثر على أن هذا قبر خالد بن سنان سوى ما شاع هناك من أن بعض الصالحين أخبر بذلك.