الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حديثاً يضاهي أو يداني ما نحدثك به عن هذا الرسول العظيم.
سنحدثك عن خلقه وآدابه، ومثابرته على عبادة الله آناء الليل وأطراف النهار في فصل ياتيك بعد، وضم إلى هذا: أنه قضى نحو عشر سنين في مناهضة خصومه من مشركي قريش وغيرهم، ولم تشغله تلك المناهضة المستمرة وما تستدعيه من تدبير، ولا إقباله على العبادة بمجامع قلبه، أن يتلقى عنه الناس أحكام الوقائع في العبادات والمعاملات والجنايات.
وأضف إلى هذا: نظره في طرق سياسة الأقوام الداخلين تحت لوائه، وفي فصل ما ينشب بينهم من خصومات، وضع بجانب هذا: ما كان ينطق به من الحكم الرائعة، والمواعظ البالغة. واعتبر بعد هذا فيما وهبه الله تعالى من بيان يسترعي الأسماع، ويأخذ بالألباب، فإنك إن تدبرت هذا الذي أومأنا إليه، ورجعت في الوقوف على ما يفصله إلى الروايات الصحيحة، لم تتردد في أن تاييد الله تعالى هو الذي رفع صروح هذه السيرة، وجعلها حافلة بتلك المحامد والمفاخر التي تنقطع دونها كل سيرة.
*
المعجزات المحسوسة:
جرت على يده صلى الله عليه وسلم خوارق عادات شهدها الناس الذين أدركوا عهد البعثة، ورويت لنا بأسانيد ثابتة تتصل بأمة كبيرة من الصحابة رضي الله عنهم، ويرويها عن الصحابة جماعة من أهل العلم والتقوى حتى تصل إلى أئمة أمثال: مالك ابن أنس، وأحمد بن حنبل، والبخاري، ومسلم.
ومن هذه المعجزات ما يبلغ في روايته مبلغ التواتر، ومعظمها ورد بطريق خبر الآحاد، ومجموع أحاديثها يفيد العلم القاطع بأن هذا النوع من الآيات قد جرى على يده عليه الصلاة والسلام، ولم يعتن الصحابة أو
التابعون بروايتها الاعتناء الذي يرفع كل واحد منها إلى مرتبة التواتر المفيد للقطع؛ لعلمهم أن في القرآن الكريم، وحكمة الشريعة، والسيرة النبوية آياتٍ بينات، ودلائل تكفي الناظر، فلا يحتاج إلى غيرها من الآيات التي كانت قد وقعت وشهدها قوم آخرون.
ويدخل في هذا الباب: إخباره عليه الصلاة والسلام بأمور غيبية واقعة؛ كنعيه للنجاشي يوم موته، وقوله للصحابة:"مات اليوم رجل صالح، فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة (1)، وإخباره عن أمور مستقبلة؛ كقوله لعدي بن حاتم: "إن طالت بك الحياة، لترين الظعينة ترحل من الحيرة (2) حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلا الله"، وقوله له: "لئن طالت بك حياة، لمفتحن كنوز كسرى"، قال عدي: قلت: كسرى هرمز؟! قال: "كسرى هرمزدا، قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى (3).
وهذا النوع من المعجزات قد ينفع في هداية الذين يؤخذون بالدلائل المحسوسة أكثر مما يؤخذون بالدلائل المعقولة. وقد يجري بمحضر المؤمنين؛ ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم، أو يجري حيث يكون في المعجرة دفع حاجة لا تدفع إلا بها؛ كتكثير المال القليل في بعض الغزوات ليكفي حاجات الجماعات الكثيرة.
(1)"صحيح الإمام البخاري".
(2)
بلد بجنب الكوفة.
(3)
"صحيح الإمام البخاري".