الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجواب: يَحِلُّ أكْلُها كما أفتى به ابنُ عَدْلان وعُلماءُ عصره؛ لأنَّها من طعام البحر، ولا تعيشُ إلَّا فيه، وقد نصَّ الشَّافعيُّ رضي الله عنه على أنَّ حيوان البحر الذي لا يعيشُ إلَّا فيه يُؤكلُ؛ لعُمُوم الآية والأخبار. قال بعضُهُم: وما نُقِلَ عن ابن عبد السَّلام من أنَّهُ أفتى بتحريمها لم يصحَّ.
[فتاوى الرملي (4/ 71)]
* * *
أَكْلُ لَحْمِ الصَّدَفِ
(126) السؤال: أكلُ لحم الصَّدَف الموجود في «مِلِيبار» هل يَحِلُّ أكلُه أو لا
؟ وفيه الصغير والكبير، والكبير يكون مثل صَدَفِ اللُّؤلؤ، والصغير يكون مُدَوَّراً، وهل هو الدَّنَيْلَسُ
(1)
أو حُكْمُه حُكْمُه؟ وفي لَحْمِهِ الذي يكون فيه السَّرَطانُ الصغيرُ، هل يجوزُ أكلُه معه أو لا؛ إذا طُبِخَ معه؟ وهل يكونُ حكمُه حكمُ الدُّودِ المتوَلِّدِ من المأكول أو لا؟ وفي لَحْمِه سوادٌ يقول بعضُ الناسِ أنَّه خُرْؤُه؛ هل يجوزُ أكلُه معه أو لا؟ وهل السَّرطانُ ممَّا لا نَفْسَ لهُ سائلة أو لا؟
الجواب: الكلام على ذلك يستدعي تحريرَ الحكمِ في حيوانِ البحرِ، والذي في (الرَّوضةِ) وأصلِها أنَّه حلالٌ، إلَّا ما يعيش منه في البَرِّ؛ بأن يكون فيه عَيْشُه غيرَ عَيْشِ مذبوحٍ، وإلَّا الضُّفْدَع والتِّمْساح والسَّرطان والسُّلْحَفاة، وكذا النَّسْناسُ على أحدِ وَجْهَيْنِ رجَّحَهُ غيرُهما. والذي في (المجموع) بعد أن ذكر ذلك: قلت: الصحيحُ المعتمَدُ أنَّ جميعَ ما في البحر تَحِلُّ ميتتُه إلَّا الضُّفْدَع، ويُحْمَلُ ما ذكَرَه الأصحابُ أو بعضُهم من السُّلْحَفاة والحَيَّة والنَّسْناس على
(1)
الدُّنَيْلَس: بفتح الدال وضمِّها، وفتح النون المخفَّفة، وسكون الياء، وفتح اللام؛ وهو نوع من الصَّدَف والحَلَزون، صغيرٌ مثل اللَّوز، في باطنه لحمٌ فيه نقطةٌ سوداء. انظر: الفتاوى الفقهية الكبرى للهيتمي (4/ 261)، إعانة الطالبين للدمياطي (2/ 401)، حياة الحيوان الكبرى للدميري (2/ 367).
غير ما في البحر.
وفي موضع آخر منه: يَحِلُّ عندنا -كجَمْعٍ من الصحابة والتابعين، ومالك، وأحمد رضي الله تبارك وتعالى عنهم- كُلُّ مَيْتات البحر غير الضُّفْدع اهـ.
فعلى ما في (المجموع) في هذين الموضعين يَحِلُّ كُلُّ أنواع الصَّدَف؛ سواء صغيرُه وكبيرُه، وسواء السَّرَطان والدُّنَيْلَس وغيره؛ كالتِّرْسَة والسُّلْحَفاة، إلَّا ما ثبتَ أنَّ فيه سُمِّيةً.
وعلى ما في (الروضة) وأصلِها -وهو المنقولُ المعتمدُ-: يحرُمُ السَّرَطانُ وسائرُ أنواع الصَّدَف ممَّا يعيشُ في البرِّ أيضاً، واختلفوا في الدُّنَيْلَس؛ وهو صَدَفٌ صغيرٌ صورتُه صورةُ اللَّوْزِ، في باطِنِه لحمٌ فيه نقطةٌ سوداء؛ فأفتَى الشمس ابن عَدْلان وعُلماءُ عصره وغيرُهم بحِلِّه؛ قالوا: لأنَّه من طعام البحر، ولا يعيش إلَّا فيه. وأفتى ابنُ عبدِ السَّلامِ بتحريمِه، وقال: هذا ممَّا لا يَرْتابُ فيه سَليمُ العَقْلِ. واختلفَ المتأخِّرون أيضاً؛ فمِمَّن رجَّح ما قاله ابنُ عبد السَّلام: البَدْرُ الزَّرْكَشِيُّ، ووَجَّهَهُ بأنَّه أصْلُ السَّرَطانِ؛ لتولُّدِه منه؛ كما ذَكَرَه أهلُ المعرِفَةِ بالحيوان، وصرَّحوا بأنَّه من أنواع الصَّدَف كالسُّلْحفاة اهـ.
وممَّن رجَّح ما قاله ابنُ عَدْلان وأهلُ عصره: الكَمالُ الدَّمِيريُّ؛ فقال مُتَعرِّضاً لردِّ كلام الزَّرْكَشيِّ: لم يأتِ على تحريمِه دليلٌ، وما نُقِلَ عن ابنِ عبد السَّلام من الإفتاء بتحريم أَكْلِه لم يصحَّ، وقد أفتَى بعضُ فقهاء عصرنا بتحريم أكْلِه، وهذه عبارةُ من فَقَدَ نصَّ الشافعيِّ رضي الله تبارك وتعالى عنه على أنَّ حيوان البحر الذي لا يعيش إلَّا فيه يؤكل؛ لعموم الآية، ولقوله:(هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الحِلُّ مَيْتَتُهُ) اهـ. وفيه نظر، وهذا لا يرُدُّ ما قاله الزركشيُّ [وابنُ] عبدِ السَّلام؛ لأنَّ الآية والحديثَ مخصوصان بقوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ
عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]. وقد صرَّح الأصحابُ بأنَّ لحمَ السَّرطان خبيثٌ، وهو متولِّدٌ من الدُّنَيْلَس -كما علِمْتَ نقلَه عن أهل المعرفة بالحيوان-، ويؤيُّدُه قول بعض اللُّغويِّين أنَّ الضُّفْدَع يتولَّدُ من اللَّحم الذي في الدُّنَيْلَس، والضُّفْدَع خبيثٌ أيضاً، فعلى كلٍّ مِنْ قَوْلَيْ تَوَلُّدِ الضُّفْدَع والسَّرَطان منه، هو لا يتولَّد منه إلَّا خبيثٌ؛ فليكُنْ خبيثاً، وإذا ثبت خُبْثُه حَرُمَ بنصِّ الآية؛ فالأَوْلَى لمن أرادَ أَكْلَهُ تقليدَ مالكٍ وأحمدَ رضي الله تبارك وتعالى عنهما؛ فإنَّهما يَرَيانِ حِلَّ جميع مَيْتاتِ البحر -كما مَرَّ نَقْلُه في (المجموع) عنهما، وأهلُ مِصْرَ يأكلون الدُّنَيْلَس ويبيعونه من غير نكيرٍ؛ فلعلَّهم جارون على إفتاء ابن عَدْلان ومَنْ عاصره؛ فالحقُّ أنَّه لا يخلو عن خُبْثٍ، وإنَّ تَجنُّبَ أَكْلِهِ أَوْلَى، وإنْ لم يثبتْ أنَّ ما فيه من السَّوادِ خُرْؤُهُ، على أنَّ ما قيل إنَّه خُرْؤُهُ لا أصل له.
وإلحاقُهُ بالدُّودِ المتولِّدِ من المأكول بعيدٌ جدًّا؛ إذ لا جامع بينهما بوجهٍ؛ فإنَّ عِلَّةَ حِلِّ أَكْلِ الدُّودِ عُسْرُ تمييزِهِ عمَّا خالَطَه، وأمَّا الدُّنَيْلَس ونحوه فالمُحَرِّمون لذلك يحكمون على جميع عَيْنِه بالنجاسَةِ والتَّحريم لما تَقَرَّر مِنْ خُبْثِه؛ فحينئذٍ هو لم يُخالِطْ غيرَه حتَّى يُعْفَى عنه، والسَّرطانُ له نفسٌ سائلةٌ، وألْحَقُوهُ بالضُّفْدَع، ولا ينافيه قولُ الدَّمِيريِّ إنَّه لا يتَخَلَّق بتوالُدٍ ونَتَاجٍ، إنَّما يتَخَلَّق في الصَّدَف، ثمَّ يخرُجُ منه؛ لأنَّه لا يلزم من نفي التوالُدِ والنَّتاجِ عدمُ الدَّمِ، لكنْ جَرَى جماعةٌ من أصحابنا على أنَّ الضُّفْدَع لا نفسَ له سائلةٌ؛ فيجري ذلك في السَّرَطانِ، ومع ذلك ما قاله هؤلاء ضعيفٌ.
[فتاوى ابن حجر الهيتمي (4/ 259)]