الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَدْل كُلُّها، ورحمةٌ كُلُّها، ومصالح كُلُّها وحكمةٌ كُلُّها.
فكلُّ مسألةٍ خرجت عن العَدْل إلى الجَوْر، وعن الرحمة إلى ضِدِّها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة.
فإذا أَمَرَتْ بشيءٍ فإنَّما تأمرُ به لما فيه من المصلحة الرَّاجحة، وإذا نَهَتْ عنه فإنَّما تنهى عنه لما به من المفسدة الرَّاجحة.
فعلى المسلم حينئذٍ أنْ يتَّبع قواعد دِينه؛ فيكون حَكيماً في دعوته إلى الله، وفي أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.
هذا ما ظهر لنا والله سبحانه وتعالى أعلم
[الفتاوى الإسلاميَّة من دار الإفتاء المصرية (4/ 1567 - 1574)]
* * *
مَناطُ تَحْريمِ الخَمْرِ
(272) السؤال: [ما مَناطُ تَحْريم الخَمْر
؟]
الجواب: مَناطُ التحريم في مثل هذه المشروبات وعَدَمُه إذا كانت مُسْكِرةً أو مُفتِّرةً، كانت من الأشياء التي نَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم[عن] تناولها، وكان حُكمُها حُكم الخَمْر في التحريم، ويَحرُم قليلها كما يَحرُم كثيرها، روى أبو داود عن أمِّ سَلَمَة رضي الله عنها قالت:(نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ).
وعن ابن عمر أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ) رواه الجماعة إلَّا البخاري وابن ماجه، وفي رواية:(كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ) وعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ مِنَ الحِنْطَةِ خَمْراً، وَمِنَ الشَّعِيرِ خَمْراً، وَمِنَ العِنَبِ خَمْراً، وَمِنَ التَّمْرِ خَمْراً، وَمِنَ العَسَلِ خَمْراً) رواه الخمسة إلَّا النَّسائي، زاد أحمد وأبو داود:(وَأَنَا أَنْهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ)؛ فالبيرة والبُوظة وما شابهها من المُسْكِرات والمُخَدِّرات جميعها حَرامٌ،
وهي خَمْرٌ وإن اتَّخذ الناس لها أسماء أخرى غير اسم الخَمْر، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحدِّثنا عن ذلك فيقول فيما يرويه عُبادَة بن الصَّامِت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَتَسْتَحِلَّنَّ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي الخَمْرَ بِاسْمٍ يُسَمُّونَهَا إِيَّاهُ)، رواه أحمد وابن ماجه، وعن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا تَذْهَبُ اللَّيَالِي وَالأَيَّامُ حَتَّى تَشْرَبَ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي الخَمْرَ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا).
والقليل في التحريم كالكثير سواء بسواء، فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:(مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ)، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَا أَسْكَرَ الفَرَقُ مِنْهُ، فَمِلْءُ الكَفِّ مِنْه حَرَامٌ)، وفي رواية الإمام أحمد بلفظ:(فَالأُوقِيَّةُ مِنْهُ حَرَامٌ)، وفي رواية:(فَالحَسْوَةُ مِنْهُ حَرَامٌ). والفَرَقُ: بفتح الرَّاء وبسكونها؛ مِكْيالٌ معروفٌ بالمدينة يَسَعُ ستة عشر رِطْلاً، وقيل: هو بفتح الرَّاء ستة عشر رِطْلاً، فإذا سُكِّنت فهو مائة وعشرون رِطْلاً، وليس المراد حقيقة الفَرَق، ولا مِلْءَ الكَفِّ، والأُوقِيَّة، أو الحَسْوة، وإنَّما هو تمثيل للكثير والقليل.
قال الشوكاني في (نيل الأوطار): وذِكْرُه مِلْءَ الكَفِّ، [أو] الأُوقِيَّة في الحديث على سبيل التمثيل؛ فالحُكمُ شاملٌ للقطرة ونحوها.
قال ابن رَسْلان في (شرح السُّنن): المسلمون على وجوب الحَدِّ على شاربها، سواء شرب قليلًا أم كثيراً، ولو قَطْرَةً واحدةً.
أمَّا جزاءُ من يشرب من ذلك إذا مات ولم يَتُب عنها؛ فقد بيَّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد روي عن جابر: (أَنَّ رَجُلًا مِنْ جَيْشَانَ - وَجَيْشَانُ مِنَ اليَمَنِ- سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنْ الذُّرَةِ يُقَالُ لَهُ: المِزْرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَمُسْكِرٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: