الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عُدِمَت منها لم تُسَمَّ خمراً.
ولا يصحُّ أن يقال: إنَّها مُحرَّمة لعَيْنِها، إذ لو كانت مُحرَّمة لعَيْنِها، لما صحَّ أنْ تَحِلَّ إذا تَخلَّلت؛ لبقاء عَيْنِها.
فالإجماع على أنَّها تَحِلُّ إذا تخلَّلت يُبطِلُ أنْ تكون عَيْنُها عِلَّةً في تحريمها، وإنَّما الذي يصِحُّ أنْ يقال فيه: إنَّه مُحرَّم لعَينِه: مسفوح الدَّم، ولحمُ الخنزير، وشبهه. وبالله التوفيق، لا شريك له.
[مسائل أبي الوليد ابن رشد (2/ 635 - 639)]
* * *
تناولُ شَرابِ الذُّرَةِ إذا لم يُسْكِر
(277) السؤال: من هَشَّ الذُّرة فأخذ يَغْلي في قِدْرِه، ثُمَّ يُنْزِلُه ويَعمل عليه قَمْحاً، ويُخلِّيه إلى بُكْرَةٍ ويُصفِّيه؛ فيكونُ ممَّا لا يُسْكِرُ في ذلك اليوم، ثُمَّ يُخلِّيه يومين أو ثَلاثةً بعد ذلك، فيَبْقَى يُسْكِرُ؛ هل يجوز أنْ يَشرَب منه في
أوَّل يومٍ أم لا؟
الجواب: يجوزُ شُرْبُهُ ما لم يُسْكِر إلى ثلاثة أيَّامٍ. فأمَّا إذا أَسْكَرَ فإنَّهُ حَرامٌ بنصِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ سواءٌ أَسْكَرَ بعد الثَّلاثة أو قبل الثَّلاثة، ومتى أَسْكَرَ حَرُمَ؛ فإنَّه ثبت عنه في الصَّحيح أنَّه قال:(كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ).
[مجموع فتاوى ابن تيمية (34/ 219 - 220)]
* * *
شُرْبُ قَليلِ مَا أَسْكَرَ كَثيرُهُ
(278) السؤال: قلتُ لأحمد: ما أسْكَرَ كثيرُهُ، فقليلُهُ حرامٌ
؟
الجواب: نعم.
سمعتُهُ غير مرَّةٍ ينهى عن قليل ما أسْكَرَ كثيرُهُ.
[مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود (ص 346)]
* * *
شُرْبُ قَليلِ ما أَسْكَرَ كَثيرُهُ مِنْ غير خَمْرِ العِنَبِ
(279)
السؤال: هل يجوزُ شُربُ
قليل ما أسْكَر كثيرُهُ من غير خَمْر العِنَبِ؛ كالصِّرْماء
(1)
، والقُمْز
(2)
، والمِزْر
(3)
؟ أو لا يَحرُمُ إلَّا القَدَحُ الأخيرُ؟
الجواب: الحمد لله. قد ثبت في الصَّحيحين عن أبي موسى قال: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَفْتِنَا في شَرَابَيْنِ كُنَّا نَصْنَعُهُمَا بِاليَمَنِ؛ البِتْعُ: وَهُوَ العَسَلُ يُنْبَذُ حَتَّى يَشْتَدَّ، وَالمِزْرُ: وَهُوَ مِنَ الذُّرَةِ يُنْبَذُ حَتَّى يَشْتَدَّ، قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أُعْطِيَ جَوَامِعَ الكَلِمِ؛ فَقَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ).
وعن عائشة قالت: (سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ البِتْعِ؛ وَهُوَ نَبِيذُ العَسَلِ، وَكانَ أَهْلُ اليَمَنِ يَشْرَبُونَهُ، فَقَالَ: كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ).
وفي صحيح مسلمٍ عن جابرٍ (أَنَّ رَجُلًا مِنَ اليَمَنِ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنَ الذُّرَةِ يُقَالُ لَهُ: المِزْرُ، فقال: أَمُسْكِرٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ عَلَى اللهِ عَهْداً لِمَنْ يَشْرَبُ المُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الخَبَالِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ؛ وَمَا طِينَةُ الخَبَالِ؟ قَالَ: عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ).
ففي هذه الأحاديث الصَّحيحة أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِل عن أشربةٍ من غير العِنَبِ؛ كالمِزْر وغيره، فأجابَهُم بكلمةٍ جامعةٍ، وقاعدةٍ عامَّةٍ:(إنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ)، وهذا يُبيِّنُ أنَّه أراد كُلَّ شَرابٍ كان جِنْسُهُ مُسْكِراً حَرامٌ؛ سواءٌ سَكِرَ منه أو لم يَسْكَرْ؛ كما في خَمْر العِنَب. ولو أراد بالمُسْكِر القَدَحَ الأخير فقط لم يَكُن الشَّرابُ كُلُّهُ حَراماً، ولكان بيَّن لهم؛ فيقول: اشربوا منه ولا تَسْكَروا، ولأنَّه سألهم عن المِزْر:(أَمُسْكِرٌ هُوَ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. فَقَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ)، فلمَّا سألهم:(أَمُسْكِرٌ هُوَ؟) إِنَّما
(1)
الصِّرْماء: من الصِّرْمة -بالكسر-، وهي القطعة من النخل. انظر: المعجم الوسيط (1/ 514).
(2)
القُمْزَة: الكُتْلَة من التَّمْر. انظر: لسان العرب (5/ 397).
(3)
المِزْرُ: نبيذ يُتَّخذ من الذرة، وقيل: من الشعير أو الحنطة. النهاية في غريب الحديث (4/ 688).
أراد يُسْكِرُ كثيرُه؛ كما يُقال: الخُبز يُشبِعُ، والماء يَرْوي، وإنَّما يَحصلُ الرِّيُّ والشِّبَعُ بالكثير منه لا بالقليل. كذلك المُسْكِرُ إنَّما يَحصلُ السُّكْرُ بالكثير منه، فلمَّا قالوا له: هو مُسْكِرٌ، قال:(كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ)؛ فبيَّن أنَّه أراد بالمُسْكِر كما يُرادُ بالمُشْبِع والمُرْوِي ونحوهما، ولم يُرِد آخرَ قَدَحٍ.
وفي (صحيح مسلم) عن عبد الله بن عُمَرَ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ)، وفي لفظٍ:(كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ)، ومن تأوَّلَهُ على القَدَحِ الأخير لا يقول: إِنَّه خَمْرٌ. والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم جعل كُلَّ مُسْكِرٍ حَراماً.
وفي السُّنن عن النُّعمان بن بشيرٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ مِنَ الحِنْطَةِ خَمْراً، وَمِنَ الشَّعِيرِ خَمْراً، وَمِنَ الزَّبِيبِ خَمْراً، وَمِنَ العَسَلِ خَمْراً).
وفي الصَّحيح أنَّ عُمَرَ بن الخطَّاب قال على منبر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: (أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ؛ إِنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ، وَهِيَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: مِنَ العِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالعَسَلِ، وَالحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ؛ وَالخَمْرُ مَا خَامَرَ العَقْلَ).
والأحاديث في هذا الباب كثيرةٌ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم تُبيِّنُ أنَّ الخَمْرَ التي حَرَّمها اسمٌ لكُلِّ مُسْكِرٍ؛ سواءٌ كان من العَسَل، أو التَّمْر، أو الحِنْطَة، أو الشَّعير، أو لَبَنِ الخَيْل، أو غير ذلك.
وفي السُّنن عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَا أَسْكَرَ الفَرَقُ مِنْهُ فَمِلءُ الكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ)، قال التِّرمذيُّ: حديثٌ حَسَنٌ.
وقد روى أهلُ السُّنن عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: (مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ)؛ من حديث جابرٍ، وابن عُمرَ، وعَمْرو بن شُعَيبٍ عن أبيه عن جَدِّه، وغيره، وصحَّحهُ الدَّارقُطْنيُّ وغيرُهُ.
وهذا الذي عليه جماهير أئمَّة المسلمين؛ من الصَّحابة والتَّابعين، وأئمَّة الأمصار والآثار.
ولكن بعض عُلماء المسلمين سَمِعوا