الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع مع الإمكان، ونظَّره صاحب الفروع، بقوله: كذا قال، والذي يظهر لي: أن تنظيره إنما هو لاعتبار لقبول شهادة الفرع، مع عدم إمكان شهادة الأصل، وكما قدمنا: أن المسلمين يعتمدون على ذلك مع الإمكان وعدمه، ولعلك وقفت على قول شارح الإقناع، عند قول الماتن، في حكم كتاب القاضي: لا يقبل في حد لله تعالى: كزنا ونحوه قال الشارح: وكالعبادات، ووجه ذلك: أنه لا مدخل لحكمه في عبادة، فكذا كتابه.
قال الشيخ تقي الدين: أمور الدين والعبادات المشتركة، لا يحكم فيها إلَاّ الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم إجماعًا، قال في الفروع عقيبه: فدل على أن إثبات سبب الحكم، كرؤية الهلال، والزوال، ليس بحكم
…
الخ: فدل ذلك: أن كتاب القاضي بإثبات رؤية الهلال، ليس حكمًا في عبادة، ولا إثباتا لها وإنما هو لإثبات سببها، فلا ينافي كونه لا يقبل في عبادة، وكونه لا يحكم فيها: وقد صرحوا بأنه لا مدخل لحكمه في عبادة ووقت، وإنما هو فتوى، فدل كلامهم على أن إثباته لرؤية الهلال مثلاً فتوى، والفتوى يعمل فيها بالحظ، وإن كان كتابه: شهد عندي فلان وفلان مثلاً برؤية الهلال، ففرع على الأصل، لا فتوى (1) .
الصيام برؤية واحدة
- وسئل فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين -حفظه الله- (2) :
هل يلزم المسلمين جميعًا في كل الدول الصيام برؤية واحدة؟
و
كيف يصوم المسلمون في بعض بلاد الكفار التي ليس فيها رؤية شرعية
؟!
فأجاب: هذه المسألة اختلف فيها أَهْلُ العلم أي إذا رُؤي الهلال في بلد من بلاد المسلمين وثَبتَت رؤيته شرعًا فهل يَلْزَم بقية المسلمين أن يعملوا بمقتضى هذه الرؤية فمن أهل العلم من قال إنه يلزمهم أن يعملوا بمقتضى هذه الرؤية واستدلوا بعموم قوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)[البقرة: 185] وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا رَأَيْتُمُوه فَصومُوا" قالوا والخطاب عام لجميع المسلمين.
(1)"الدرر السنية في الأجوبة النجدية"(5/310-312) .
(2)
"الفتاوى لابن عثيمين - كتاب الدعوة"(1/152-156) .
ومن المعلوم أنه لا يراد به رؤية كل إنسان بنفسه لأن هذا متعذر وإنما المراد بذلك إذا رآه من يثبت برؤيته دخول الشهر.
وهذا عام في كل مكان، وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنه إذا اختلفت المطالع فلكل مكان رؤيته. وإذا لم تختلف المطالع، فإنه يجب على من لم يروه إذا ثبتت رؤيته بمكان يوافقهم في المطالع أن يعملوا بمقتضى هذه الرؤية.
واستدل هؤلاء بنفس ما استدل به الأولون فقالوا: إن الله تعالى يقول (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) .
ومن المعلوم أنه لا يراد بذلك رؤية كل إنسان بمفرده، فيعمل به في المكان الذي رؤي فيه، وفي كل مكان يوافقهم في مطالع الهلال أما من لم يوافقهم في مطلع الهلال فإنه لم يره لا حقيقة ولا حكما..
قالوا: وكذلك نقول في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا" فإن من كان في مكان لا يوافق مكان الرائي في مطالع الهلال لم يكن رآه لا حقيقة ولا حكما.
قالوا: والتوقيت الشهري كالتوقيت اليومي، فكما أن البلاد تختلف في الإمساك والإفطار اليومي فكذلك يجب أن تختلف في الإمساك والإفطار الشهري، ومن المعلوم أن الاختلاف اليومي له أثره، باتفاق المسلمين.
فمن كانوا في الشرق فإنهم يمسكون قبل من كانوا في الغرب ويفطرون قبلهم أيضًا.
فإذا حكمنا باختلاف المطالع في التوقيت اليومي، فإن مثله تماما في التوقيت الشهري.
ولا يمكن أن يقول قائل أن قوله تعالى: (فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)[البقرة: 187] .
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَقْبَلَ الَّليل مِن هَاهُنا وأَدْبَر النَّهار من هَاهُنا وَغَرَبَت الشَّمْس فَقَد أَفْطَر الصَّائم" لا يمكن لأحد أن يقول: إن هذا عام لجميع المسلمين في كل الأقطار.