الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني والعشرون
الصوم ورمضان في واحة الشعر
زاد بزاد وياشتان بينهما
…
من ذاق طعم شراب القوم يشريه
يقول مصطفى الصادق الرافعي - أديب الإسلام:
فديتك زائرًا في كل عام
…
تحيا بالسلامة والسلام
وتقبل كالغمام يفيض حينا
…
ويبقى بعده أثر الغمام
وكم في الناس من كلف مشوق
…
إليك وكم شجيّ مستهام
رمزت له بألحاظ الليالي
…
وقد عيّ الزمان عن الكلام
فَظل يَعَدّ يَوَمًا بْعد يَوَمًا
…
كما اعتادوا لأيام السقام
ومد له رواق الليل ظلا
…
ترف عليه أجنحة الظلام
فبات وملء عينيه منام
…
لتنفض عنهما كسل المنام
ولم أر قبل حبك من حبيب
…
كفى العشاق لوعات الغرام
فلو تدري العوالم ما درينا
…
لحنت للصلاة وللصيام
بني الإسلام هذا خير ضيف
…
إذ غشي الكريم ذرا الكرام (1)
يلمكم على خير السجايا
…
ويجمعكم على الهمم العظام
فشدوا فيه أيديكم بعزم
…
كما شد الكمى على الحسام
وقوموا في لياليه الغوالي
…
فما عاجت عليكم للمقام
وكم نفر تغرهم الليالي
…
وما خلقوا ولا هي للدوام
وخلوا عادة السفهاء عنكم
…
فتلك عوائد القوم اللئام
يحلون الحرام إذا أرادوا
…
وقد بان الحلال من الحرام
وما كل الأنام ذوي عقول
…
إذا عدوا البهائم في الأنام
ومن روّته مرضعة المعاصي
…
فقد جاءته أيام الفطام (2)
(1) الذرا: بفتح الذال: المنزل والستر.
(2)
ديوان مصطفى صادق الرافعي (31) .
رمضان (*)(* *)
الخيرُ باد فيك والإحسانُ
…
والذّكرُ والقرآن يا رمضانُ
والصوم فيك عبادةٌ ورياضة
…
تسموا بها الأرواحُ والأبدانُ
والشرُّ فيك مكبّلٌ ومغلل
…
والبرُّ فيكَ مجلل هتانُ
واللَّيل فيك نسائمٌ هفهافة
…
رَقصت لطيب عبيرها الرهبانُ
والفجرُ فيك عبادةٌ وتلاوةٌ
…
والصبُّح فيك سعاية وأمانٌ
والرُّوح فيكَ طليقة رفرافة
…
أحلامُها الغفرانُ والرِّضوانُ
والجسمُ فيك حبيسةٌ أطماعه
…
لا يستريحُ إذا سما الوجدانُ
والناس فيك تآلفٌ قد ضمَّهم
…
وأظَّلهم ظلُّ الهُدى الفينانُ
فكأنَّهم جسمٌ يئنُّ إذا اشتكَى
…
عضوٌ به وكأنَّه بنيانُ
بالصبر جئت وبالهُدى وكلاهُما
…
زادُ الشهيد إذا خلا الميدانُ
ذكراكَ هذِي والزَّمان زمانٌ
…
والمسلمون تآذر إخوانُ
والحاكمونَ منفَّذون شريعة
…
وضع الإله يحثهم إذعانُ
والعابدون الراكعون تسابقوا
…
يحدو بهم نحو الصلاة أذان
لم يبق فيك اليوم غيرُ مظاهر
…
وموائد بالمشتهى تزدانُ
ومآذنٌ تهفوا البطون لصوتها
…
وتصايح تجري به الصبيانُ
وتكاسلٌ طول النهار وسهرةٌ
…
رقص بها غمزت به الألحانُ
أيريد أهل الشرك هجرة شرعنا
…
لتُمجِّد الأصنامُ والأوثانُ
(*)"الاعتصام" العدد الثالث السنة السادسة والعشرون رمضان (1383 يناير 1964م) .
(* *) للشاعر محمود عواد - دار الوفاء للطباعة والنشر.
لا غير شرع الله يجمعُ شملنا
…
مهما أشار بحقِّه المجَّانُ
ما وحد الأوطان غير محمدٍ
…
ما ضمَّهما عدنانُ أو قطحانُ
جمع الشَّتيت فكان أكرم أمةٍ
…
فخرت بمجد رقِّيها الأزمانُ
أنسيت دنيا العزِّ يوم تجمَّعت
…
فيك الرَّجالُ وكلُّهم ألوانُ
فصهيبٌ ابن الروم جنب محمد
…
والفارسُّ المهتدي سلمانُ
وبلالُ فوق البيت يهتف للورى
…
في الحقِّ لا أسياد أو عبدانُ
يومًا غَزانا الكُفر تحت صليبه
…
أجنادُه الأسبانُ والطليانُ
فالدِّين جمَّعها لأكبر نجدة
…
لا الحربُ جمعها ولا الطُّغيانُ
إن تسأل الآثارَ فهي مجيبةٌ
…
أو تسأل الأخبارَ فهي لسانُ
مناجاة (*)
قِفي ها هُنا في رحابِ الهُدَى
…
ولله يا نفسُ فاسْتَسْلِمي
أطَل عَلى النّاسِ شَهْرُ الصَّيام
…
فبُشْراكِ بالوافِدِ المُكْرم
هَلُمّي هَلُمّي بهِ نَحْتَفي
…
ونُعْلِنُ عَنْ فرحَةِ المَقْدَم
أعيذُكِ مِنْ نَزَغاتِ الهوَى
…
وفي مَوْسِم الخِصْبِ أنْ تُحرَمي
على عَتَباتِ الرّضا والسّلام
…
أَطيلي الوُقوفَ ولا تَسْأَمي
فإنْ جادَ بالعَفْوِ رَبُّ السمَّاءِ
…
فحسْبُكِ ذلكَ مِنْ مَغْنَم
وحسبُكِ أَنّا عَفَرْنا الجَبينَ
…
لدَيهِ وفي حِصْنِهِ نَحْتَمِي
***
(*) من ديوان "نداء الحق" للشاعر أحمد محمد الصديق.
أيا نفسُ إنا نشُقُّ الطريقَ
…
على شَوْكِ مِحْنَتِنا المُوْلِم
نُريدُ لأمتنا أنْ تَسيرَ
…
على المَنْهَج الواضحِ القيِّم
نُريدُ الحَياةَ التي تَرْتَقِي
…
وتَسمو بها همةُ المُسْلِم
فنَجْهَرُ بالأمرِ بينَ الأنام
…
ونصدعُ بالحق مِلءَ الفَم
ونَخْلَعُ قَيْدَ الهَوانِ الثّقِيلِ
…
ونَنْهَضُ مِنْ كَهفِنا المُظلِم
ونَكتُبُ بالنُورِ "فتحا" جديدا
…
و"بَدْرا" نُسَطرها بالدم
وتِلكَ الأمانيُّ مَرْهُونة
…
بأقدارها في الغَدِ المُلهَم
***
صِيامُكِ يا نفسُ فيهِ الخَلاصُ
…
مِنَ الضعْفِ والعَجْزِ والمأثَم
ومِعْراجُكَ الفَذ تَقْوى الإِله
…
فَرَكْضا إلى الله لا تُحْجِمي
في رحاب رمضان
نَبّهْتَ فينا أنفُسا وَعُقُولا
…
وحَلَلْتَ للخَيْرِ العَميم رَسولاً
رَمَضانُ يا رَوْضَ القُلوبِ تَحِيّةً
…
خَطَرَتْ تَجُر إلى حماكَ ذُيُولا
قدْ جِئْتَ مَرْجُوا لأكرم نَفْحَةٍ
…
تَذَرُ الفُؤادَ بسِحْرِها مَتْبولا
رَمَضانُ حسبُكَ ما شَرُفْتَ بِهِ فقَدْ
…
فُضلت مِنْ رَبِّ السَّماء تفْضيلا
غَصَّتْ رِحابُكَ بالتُّقاة وَهَوَّمَتْ
…
فيكَ المَلائِكُ صعدا ونُزُولا
وتتبابَعَتْ رَحَماتُ ربكَ شُرعًا
…
كالغَيْثِ فاضَ مُبارَكا مَقْبُولا
أَيامُكَ الغَرّاءُ طاهِرَةُ الرُّؤى
…
مِثلُ الحَمائِم تَسْتَحِتمُّ أَصِيلاً
وَجْهُ الحَياةِ على ضِفافِكَ مُشرقٌ
…
وأريجُكَ الذّاكي يَهُب عَليلا
تَسْمو بهِ الأرْواحُ فَهْيَ طَلِيقَة
…
رَغِبَتْ إلى كَنَفِ الخُلودِ رَحِيلاً
حَنَّتْ لمغْناها القَديم فلمْ تجدْ
…
إلا سَبيلَكَ للخُلودِ سَبيلا
نِبْراسُكَ الوَضاءُ يُعْلِنُ للورَى
…
شَرع السمَاءِ مُنَزَّلا تَنْزِيلا
آياتُهُ الزّهْراءُ فيدكَ تَلألأتْ
…
وَحْيًا يُقيمُ إلى الفلاح دليلا
سادَتْ بِهِ حينَ استَقامَتْ أمةٌ
…
واعْتَزَّ مَنْ في النيرِ كانَ ذَليلاً
قدْ كانَ مَدْرَسَةٌ تُعد أئمّةً
…
نَشأوا على النَّهْجِ القَويم عُدولا
وكأنهمْ في اللهِ قلب واحِدٌ
…
يَحْيا بنِعْمَةِ ربِّهِ مَوْصولا
***
رَمَضانُ هلْ لي وَقْفة أستَرْوِحُ الذ
…
كْرَى وَأشُفُ طَلها العْسُولا
إنا لنَسْبَحُ في الهَجيرِ فَهَبْ لنَا
…
مِنْ ماءِ كَوْثَرِكَ العَزيزِ قَليلاً
إنّا لَفِي زَمَن مَسيخٍ وجهُهُ
…
قَدْ مَرغوهُ سُبَّةً وَوحُولا
الصّالحونَ أولُو النهي في أهْلِهِ
…
غُرَباءُ سيمُوا الخَسفَ والتنّكيلا
أَتَخالُ عَصْرَ الجاهِلِيةِ قدْ مَضى؟!
…
لا لَمْ يَزَلْ عهدُ الظلام طَولا!
كمْ مِنْ أبي جَهْلٍ تَراهُ مكابِرًا
…
وتَراهُ يُوقِعَ في المفاسِدِ جِيلاً!
أدْهى عُصورِ الجاهِليةِ عَصْرُنا
…
فاعْجَبْ لهُ بالعِلم صارَ جَهُولا!
العِلمُ بينَ يَدَيْهِ سَطوَةُ غاشِمٍ
…
جَحَدَ الإِلهَ.. وَأَخْطأ التّأويلا
وغَدا سِلاحُ العِلم فوقَ رِقابِنا
…
شبَحًا يُخِيفُ مَصِيرَنا المجْهُولا
لَيْل ونْ طالَتْ غَياهِبُ ظُلمِهِ
…
فلَسَوفَ يَتْلوهُ الصباحُ جَميلا
***
رَمَضانُ!.. هلْ لي وَقْفَة أَسْتَرْجِعُ الـ
…
ـماضِي
…
وأرْتَعُ في حِماهُ جَذُولا؟
يَستَعْذِبُ الأملُ المعَذَّبُ رِحلَةً
…
تَخِذَتْ مِنَ المجْدِ التليدِ مَقيلا
أَبطالَ "بَدْرٍ" يا جِباهًا شُرِّعَتْ
…
للشمسِ تَحْكي وجْهَهَا المصْقُولا
كنتُمْ على تاجِ الزَّمانِ لآلئًا
…
لعَتْ
…
وكنْتُمْ فَجْرَهُ المأمُولا
حَطَّمْتُمُ الشِّرْكَ المُصَعِّرَ خَدَّهُ
…
فَارْتَدَّ مَشْلولَ الخُطى مَخْذولا
غَنَّيْتُ يومَ "الفَتْح" مُصْحَفَ مَجدِكُمْ
…
طَرِبًا
…
أُرَتِّلُ آيَهُ تَرْتِيلا
ولمَحْتُ مَكَّةَ في الخَيالِ وقدْ عَنَتْ
…
لِلحَقِّ
…
زائِغَةَْ العُيونِ ذُهولا
وطَلائعُ الجُنْدِ البَواسِلِ أَتْرَعَتْ
…
طُرقاتِها بَحْرا يَفِيضُ سُيُولا
وأَكادَ أَنْظُرُ للنَّبِي مُطأطئًا
…
متواضعًا
…
جَمَّ الوَقِارِ.. جَليلا
وَيَصيحُ "جاءَ الحقُّ" وهوَ يُبيدُآ
…
لِهَةَ الضلالِ
…
ويمْحَقُ التّضْليلاً
أَينَ الطغاةُ الآثِمونَ؟ لقد عَفا
…
عنهمْ
…
فَكانُوا للرّسُولِ قَبِيلاً
أَتَرى لَهُمْ سَنَدًا مِنَ الصنَم الذي
…
يَهّوي كَثِيبًا في الرُّغَام مَهِيلا؟!
لا يَسْتَوِي رَب السَّماءِ وربُّهم
…
لكن عِبْءَ الحَقَّ كانَ ثقِيلا
***
يا إِخْوةَ الإسْلام.. إِنَّ سبيلَنا
…
للنّصْرِ يَسْتَدْعي الفَتَى المسْئولا
يُعْلي على الحَقِّ المُبينِ لِواءَنا
…
حُرِّا.. ويَطْرُدُ غاصِبًا ودَخِيلا
هِيَ ذي أفاعي الغَدْرِ تَنْفُثُ سُمَّها
…
أَفَلا نُحطمُ نابَها المهزُولا؟!
لوْ سادَ حُكُم اللهِ فينا لمْ تَهُنْ
…
في القُدْسِ قبْلَةُ مُصْطَفانا الأولى
كَلا
…
ولا كانَ الجِهادُ تَظاهُرا
…
وَالدِّ-ينُ في أَو-طانِنا مَغْلولا
***
رَمَضانُ هذي مِنْ فُيوضِكَ رَشْفَةٌ
…
بَلَّتْ لأحْشاءِ الشَّجِيِّ غَليلا
جِئْنا لنَنْعَمَ في لِقاكَ.. ونحتَفي
…
بكَ فِتْيةً عَرَفُوا الهُدَى وكُهولا
ولَكَ الجَوانِحُ رائحًا أَو غادِيًا
…
مَثْويً تَحِل به رِضًا وقَبُولا
تأملات في رمضان (*)
أَطِليّ عَلَيْنا مِنْ سَمائِكِ كالبَدْرِ
…
فلَيْلُ السُّرَى مِنْ حَوْلِنا تائِهُ الفَجْرِ
أَطِليّ
…
فَفِي طَياتِكِ النورُ والهُدى
…
هُوَ البَلسَمُ الشّافي لأدْوائِنا الكُثْرِ
ويا ذِكْرَياتِ المجْدِ سِفْرُك حافِلٌ
…
تُطَالِعُنا آياتُهُ مِنْ حِمى "بَدْرِ"
وتَنْفَحُنا مِنْ رَوْعةِ "الفَتْحِ" نفْحَةٌ
…
تَموجُ لها الأحْلَامُ ضاحِكَةَ الثغْرِ
رَأَيْنا فُلولَ الشِّرْكِ كيفَ تَحطمَتْ
…
على صخْرَةِ الإيمانِ في وَقْعَةِ الدّهْرِ
وكيفَ تَحَدّى الفَجْرُ جَيشَ ظَلامِهمْ
…
وخَطَّ سَبيلَ المؤمِنينَ إلى النّصْرِ
وأَعْلَنَ أَنَّ الحَق لابُدَّ ظافِرٌ
…
ولوْ بعْدَ حِينٍ فانَتظِرْ ساعَةَ الصفْر
رَسُولُ الهُدى قدْ كانَ للناسِ رَحْمَةً
…
تَشِعُّ بأنْوارِ الهِدايةِ والبِرّ
أَقامَ بعَيْنِ الله دَوْلتَهُ الّتي
…
هِيَ العَدْلُ في أَعْلى مَراتِبهِ الغُرِّ
وَكنّآ بِه خيرَ الأنام.. فما لَنا
…
نُخالِفُهُ نَحْوَ الضلالَةِ والخُسْرِ؟!
بَواتِرُنا كانَتْ إذا التمعت ضحى
…
يَبِيتُ لَها كسْرى وقَيْصَرُ في ذُعْرِ
حضارتنا كانت هي العلم والتقى
…
ولكنَّ هذا العَصْرَ يَفْخَرُ بالعُهْرِ
تَدورُ بِنا الأيامُ.. والكُلُّ غافلٌ
…
وها نحنُ في التيّهِ البَعيدِ.. ولا نَدْري
(*) أحمد محمد الصديق من ديوان "نداء الحق".
ولولا انْتِفاضُ الروح يَدْفَعُ رَكبَنا
…
ويَبْعَثُ ما في مَعْدِنِ التُرْبِ مِنْ تِبْرِ
ولولا كِتابُ الله يَنْسابُ نورُهُ
…
حياة.. لباتَ الكونُ أَشْبَهَ بالقَبْرِ
وأمْسَتْ بُيُوتُ الظّاعِنينَ مَلاعِبًا
…
لِريح البِلى والقَصْرُ يَنْعَى على القَصْرِ
فيا إِخْوةَ الإسلام عُودُوا لِربكُمْ
…
لَقَدْ ضَل مِنا الرّكبُ في المَهْمَهِ القَفْرِ
وَقَدْ رانَ لَيْلُ الجاهليةِ ضارِبًا
…
سُرادِقَهُ.. لا يَستَقيمُ على أَمْرِ
رَحيمُ بِنا رَبّ السماءِ
…
وإنهُ
…
لَيُمْهلُ.. والإنْسانُ يُمْعِنُ في الكُفْرِ
أَلا أيها الإنسانُ إنكَ كادِحٌ
…
ولابُدَّ أنْ تَلقي غَدًا حاصِلَ العُمْرِ
فَإِمّا نَعيما كنتَ تَرْجوهُ مُوقِنا
…
وإما جَحيمًا -كنتَ تَغْدُوهُ -بالشَّر
***
دَعَا رَمضانُ الخَيْرِ كل مُرابِطٍ
…
لَدَيْه.. فَلَبى المؤمنونَ على الإثْرِ
وطافَتْ بهم ريحُ الجِنانِ عَليلةً
…
تَهُب مِنَ الرحَمنِ.. ذائِعَةَ النشْرِ
تَنَفسَ فيها الخُلدُ حينَ تفتحَتْ
…
أزاهيرُهُ البَيْضاءُ في "ليلةِ القَدْرِ"
فَطُوبى لِمَنْ يَحْظى بِشَمَ عَبيرِها
…
فَيَسْجُدُ مَغْشيًا عَلَيْهِ مِنَ البِشْرِ
ويَضرعُ في حُب ويَبكي من الجَوَى
…
ويَكْتُمُ أشواقًا تَأجحُ كالجَمْر
ويُصْغِي إلى صَوْتِ السماءِ كأنَهُ
…
صَدى خَفَقاتِ القَلبِ يَنْبِض في الصَدرِ
صيامُكَ مِفْتاح لِكُل فَضيلَة
…
يُزودُكَ التقوى. ويُغْريكَ بالطُّهْرِ
فقلْ مُخلِصًا: آمَنْتُ باللهِ واستَقِمْ
…
وأحْسِنْ لَهُ الأعْمَالَ في السِّر والجَهْرِ
هنا مَصْنَعُ الأبطالِ.. يَصْنَعُ أمَّةً
…
وينفُخُ فيها قوةَ الرّوح والفِكْرِ..
ويَخلَعُ عنها كل قَيْد يَعوقُها
…
ويُعْلي منارَ الحَق.. والصدْقِ والصبْرِ
تَصومُ إذا صامَتْ عَنِ الفُحْشِ والخَنا
…
وتُفطِرُ في مَنْأي عَنِ الرِّجْسِ والجَوْرِ
لَها العِيدُ بُشْرى في الحَياةِ.. ومثلُهُ
…
وأفضَلُ منْهُ يَوْمَ تُبْعَثُ في الحَشْرِ
ربيع الروح (*)
"رمضانُ""أقبلَ قُمْ بنا يا صاح"
…
هذا أوانُ تَبَتُّلِ وصَلاح!
الكونُ معطارٌ بطيبِ قُدُومِهِ!
…
روْحٌ وريحانٌ ونفحُ أَقَاحِي!
"صفْوٌ أتيحَ فخذْ لنفسكَ قِسْطَهَا
…
فالصفوُ ليْسَ على المَدَىَ بمتَاح"!
واغنم ثواب صيامِه وقيامِه
…
تسعدْ بخيرٍ دائِمٍ وفَلاح!
***
كم مؤمنٍ لم تُلهِهِ الدُّنْيَا فَلَمْ
…
يستبدل الأتْراحَ بالأفْراح (1) !
قَوّام ليلٍ نائمٌ عنه الكَرَى
…
الصَوَّامُ واع صَاحِ!
وحلفِ شيطان غوىَ لم يزلْ
…
عبدا لبنتِ الكرِمْ والأقْدَاح!
في لَيْلَة زُمرُ المعاصي تنْتشِي
…
ونهاره في غفلة ومزاح!
"رمَضانُ" لا يَثْنِيه عنْ آثَامِه!
…
واهي العقيدة في إهَابِ وَقاح (2) !
***
الصَّومُ يُعْلِي مَنْ وَضيع غرائز
…
وطبائع سُودِ الوجُوهِ قِبَاح
تلك الغرائز كمْ لها مِنْ صوْلة
…
مسْعُورَةِ الأنيَابِ ذاتِ نُبَاح!
(*) ديوان شعر السيد الصديق حافظ.
(1)
الباء تدخل على المتروك في هذا التعبير قال تعالى: (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) .
(2)
واهي: ضعيف. إهاب: جلد.
والنَفْسُ إنْ سَقَّتْ وهِيض جَنَاحُها (1)
…
فالصَّوْمُ معْراج بِغيرِ جَنَاح!
الصّوْمُ يمنحنا مشاعرَ رَحْمَة
…
وتعاونٍ، وتعفُّف، وسَمَاح!
"رمضانُ" فيه ليلةٌ خير لَنَا
…
مِنْ ألفِ شهْرِ في الزَّمَانِ صِباحِ!
فيها تَنَزَّلُ بالسَّلام مَلائِك (2)
…
والرَوحُ حتى مطلع الإصْباح!
قد أنزِل القرآن فيها جامعًا
…
لمراشِدِ التهذيب والإصْلاحِ!
ومصدِّقًا للرُّسْلِ فيما بَلّغُوا
…
عن مُنْزِلِ الأسْفَارِ والألوَاح!
هذا كتاب الله زادُ مُسَافر
…
وبرودُ ماءٍ في الهَجِير قَرَاح (3) !
أقبلْ عليه فإن من نفحاته
…
تقوى القلوبِ، وبهجةَ الأرواح!
يا ليلةَ القدْر امنَحِي أيامَنا
…
فضلَ الكريم المنعْم الفَتَّاحِ!
رباه إنّي فِي ضَلَالٍ حائر
…
عان أنوءُ بحِمْلِي الفَدَّاح!
هَذِ خُطايَ على الطريق ضريرة
…
يكْبُو غُدُوِّي باكِيًا ورَوَاحِي!
ثارتْ بِيَ الشهوَاتُ فاصرفْ شَرَّهَا
…
عنِّي وكَفْكِفْ ثَوْرَتِي وجِمَاحي!
يا نُور هذا الكونِ هَبْ لبَصِيَرتِي
…
قبسا من المِشْكَاةِ والمِصْبَاحِ!
إني لِمَا أنْزَلتَ مِنْ خير فَقير
…
فاغْنِنِي واملأ بعفْوِكَ سَاحي!
وامُدد يَديْك أبي إني هَالِك
…
وامنُنْ عَلَيَّ بتوبْة وَصَلاح!
واجعَلْ صِيَامَيَ راحةً لمتَاعِبِي
…
واجعل قِيَامِي بَلسَما لجِرَاحِي (4) !
(1) سقت: دنت من الخطايا، المعنى: إن تدنت النفس في الخطيئة فإن الصوم يعرج بها، وينأى بها عن الرذائل.
(2)
تنزل: أي نتنزل حذفت تاء تخفيفًا قال تعالى: (تنزل الملائكة والروح فيها) .
(3)
إن كتاب الله زاد المؤمن في رحلة الحياة، والماء البارد الذي يدفع عنه لهب هجيرها اللافح.
(4)
مجلة الأزهر الجزء التاسع، السنة الخامسة والستون.
ذلك هو الصوم (*)
يا عظيم البَطنِ.. حاذِرْ
…
قد أتى.. شهر الصيام
فُقْتَ في الإنفاق حدَّ الطَّوْقِ.. في صُنْع الطعام
حَسْبك الإسرافُ والتبذير
…
شهرًا.. كل عام
وتقشفْ بعد عيد الفطر، وامْسِكْ بالزمام
يا إلهي!.. ضاع في الشهوات.. مفهومُ التسامِي!
***
كيف تصفو رُوح مَرْءٍ
…
نفسُهُ للطُّعْم وَلهَى
فيقضِّي يومَ صوم
…
في شُرُودٍ
…
يتشهَّى
فكرُه عن ذِكْرِ رب الصَّوْم.. ناءٍ.. يتلهَّى!
والذي مِنْ (فِيِهِ) يُؤذي السمع والإحساس
…
أدْهَى!
***
ما الصيِّامُ الحقُّ إلاْ
…
مَرْتَع للرُّوح خِصْب
فيه أثْمار ونهر
…
ناقعُ الإرْوَاء عذْب
لذة الأرواح فيه
…
عن طعام الجسم.. تربو
يَطعَمُ الصُّوَّامُ من جُوع
…
من الزراق
…
قربُ
كيف يظمى أو يُعاني
…
الجوع.. مَنْ يرعِاه رب؟
***
(*) ديوان للشاعر/ محمد عبد الرحمن صان الدين.
أيها الراجي ثِمار الصوم
…
أعْط الصومَ حقَه
من خشوع واصطبار
…
والتذِاذ بالمشَقَّه
وانطلاق في سبيل العيش.. في رِفَّق ورقه
طارحا عن روحك المغلول.. بالشهوات رِبْقه
إن في هذا لِعَبْد الجسم طول العام عِتْقه
***
في صيام الشهر طبُّ
…
ليس يدريه طبيبُ
فيه أسرار يعيها
…
صائم حقًا أريب
فيه غيث من صفاء
…
ترتوي منه القلوب
فيه للأرواح سَبْحٌ
…
دونه الكون الرحيب
صائم في دِرعْ تقوى
…
تنْجَلي عنه الكروب (1)
إرهاف للإحساس (*)
أطلِقِ الأرواح من أصْفَادها
…
في بهيج من رياض الأتقياءْ (2)
غاديات رائحات كالسنا
…
سابحات بين آفاق الضياءْ (3)
إنها يا شهر ظمأى فاسقها
…
مشتهاها من ينابيع الصفاءْ
شهوة الأجساد قد ألقت بها
…
في قفار، ليس فيها من رَوَاءْ
ما غذاء الجسم في ألوانه
…
فيه للأرواح شيء من حِبَاءْ (4)
(1) مجلة الأزهر الجزء التاسع - السنة السادسة والستون.
(*) ديوان شعر محمد عبد الرحمن صان الدين.
(2)
أصفادها: قيودها.
(3)
السنا: الضوء.
(4)
حباء: عطاء.
إنما الأرواح تحيا بالذي
…
في صيام الجسم تُزجيه السماءْ (1)
يا ربيع الروح أقل، واعطها
…
صولجان الحكم في دنيا الشقاء
كي يعيش الناس من آلائها
…
في رفاء، وازدهار، وارتقاء (2)
هل درى أهل الحجا أن الذي
…
شيطن الإنسان في الأرض اشتهاء؟ (3)
زورق الشيطان في وجدانه
…
طُعْمَة فيها مع الإفراط داء
ما ارتقت إلا بزهد أنفس
…
في طعام عنه عاشت في غَنَاء
واطمأنت في حياة الروح لا
…
تبتغي إلا لُقَيمات، وماء
إنما سلطانها من دونه
…
كل سلطان به الإنسان باءْ (4)
حَسْبُهُ أن أخضع النفس التي
…
تَسترِقُّ الناس حتي الأقوياء (5)
أي سلطان يكف النفس عن
…
موبقات غير قيد كالوجاء (6)
إنه الصوم الذي أوحى به
…
-رحمة بالناس- رب الحكماء
فيه ترويض لطبع جامح
…
فِيه رَوْح، فيه للمرضى شفاء (7)
فيه للإحساس إرهاف فلا
…
يأخذ الدنيا بعين الأغبياء
ليت من قد أفطروا فيه وَعَوْا
…
ما به قد جاء خير الأنبياء!
في كتاب مُنْزَل أو سنَّة
…
من بيان ليس فيه من خفاء
من تَعَامَى عن هُدَاه عامدًا
…
فَليسِرْ في غَيه أنى يشاء
(1) تزجيه: ترسله.
(2)
آلائها: نعمها.
(3)
الحجا: العقل.
(4)
باء: رجع.
(5)
تسترق: تستعبد.
(6)
موبقات: مهلكات، والوجاء: قطع مصدر الشهوة.
(7)
روح: راحة وترويح.