الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمسلمون لم يَصُوموا فتصبح شهادته لاغية في حَقِّه وحق غيره فلا يصوم. هذا هو الأرجح. والله ولي التوفيق (1) .
- و
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
عن أهل المدينة رأى بعضهم هلال ذي الحجة، ولم يَثْبُت عند حاكم المدينة؛ فهل لهم أن يَصُوموا اليوم الذي في الظَّاهر التاسع
. وإن كان في الباطن العاشر؟
فأجاب: نعم. يَصُومون التَّاسع في الظاهر المعروف عند الجماعة، وإن كان في نفس الأمر يكون عاشرا، ولو قُدِّر ثبوت تلك الرؤية.
فإن في "السنن" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "صَوْمُكُم يوم تَصُومُون، وفِطركم يَوْم تُفْطِرُون، وَأَضْحَاكُم يَوم تُضحُّون" أخرجه أبو داود، وابن ماجة، والترمذي وصححه، وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الفِطْر يَوْم يُفْطِر النَّاس، والأَضْحَى يَوم يُضح النَّاس" رواه الترمذي. وَعَلى هذا العمل عند أئمة المسلمين كلهم، فإنَّ الناس لو وقفوا بعرفة في اليوم العاشر خطأ أجزاهم الوقوف بالاتفاق، وكان ذلك اليوم يوم عرفة في حقهم، ولو وقفوا الثامن خطأ ففي الإجزاء نزاع، والأظهر صحة الوقوف أيضًا، وهو أحد القولين في مذهب مالك، ومذهب أحمد وغيره.
قالت عائشة رضي الله عنها: "إِنما عَرَفة اليوم الّذي يَعرفُه النَّاس". وأصل ذلك: أن الله سبحانه وتعالى عَلَّق الحكم بالهلال والشهر فقال تعالى: (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج)[البقرة: 189] . والهلال اسم لما يستهل به: أي يعلن به، ويجهر به فإذا طلع في السماء ولم يعرفه الناس ويستهلوا لم يكن هلالا.
وكذا الشهر مأخوذ من الشهرة، فإن لم يشتهر بين الناس لم يكن الشهر قد دخل، وإنما يغلط كثير من الناس في مثل هذه المسألة؟ لظنهم أنه إذا طَلَع في السَّماء كان تلك الليلة أَوَّل الشهر، سَواء ظهر ذلك للناس واستهلوا به أو لا. وليس كذلك: بل ظهوره للناس واستهلالهم به لابد منه ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "صَوْمُكُم يَوْم تَصُومُون، وَفِطْرُكم يَوْم تُفْطِرُون وَأَضْحَاكُم يَوْم تُضَحون" أي هذا اليوم الذي تعلمون أنه وقت الصوم، والفطر،
(1)"مجموع فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز"(3/176، 177) .
والأضحى، فإذا لم تعلموه لم يترتب عليه حكم.
وصوم اليوم الذي يشك فيه: هِل هو تاسع ذي الحجة؟ أو عاشر ذي الحجة؟ جائز. -بلا نزاع بين العلماء-؛ لأن الأَصل عدَم العاشر، كما أنهم لو شكوا ليلة الثلاثين من رمضان: هل طلع الهلال؟ أم لم يطلع؟ فإِنهم يَصُومون ذلك اليوم المشكوك فيه باتفاق الأئمة. وإنما يوم الشك -الذي رويت فيه الكراهة- الشك في أول رمضان، لأن الأصل بقاء شعبان.
وإنما الذي يشتبه في هذا الباب مسألتان:
إحْدَاهما: لو رأى هلال شوال وحده، أو أخبره به جماعة يعلم صدقهم هل يفطر؟ أم لا؟
والثانية: لو رأى هلال ذي الحجة، أو أخبره جماعة يعلم صدقهم، هل يكون في حقه يوم عرفة، ويوم النحر هو التاسع، والعاشر بحسب هذه الرؤية التي لم تشتهر عند الناس؟ أو هو التاسع والعاشر الذي اشتهر عند الناس؟
فأما المسألة الأولى: فالمنفرد برؤية هلال شوال، لا يفطر علانية، باتفاق العلماء. إلا أن يكون له عذر يبيح الفطر كمرض وسفر، وهل يفطر سرًا؟ ذلك على قولين للعلماء أصحهما: لا يُفطِر سرا، وهو مذهب مالك، وأحمد في المشهور في مذهبهما.
وفيهما قول: أنه يُفطِر سرًّا كالمشهور في مذهب أبي حنيفة، والشافعي وقد روي أن رجلين في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأيا هلال شوال، فأفطر أحدهما، ولم يفطر الآخر. فلما بلغ ذلك عمر قال للذي أفطر:"لولا صَاحِبك لأَوجَعْتُك ضَربًا".
والسبب في ذلك أن الفطر يوم يفطر الناس وهو يوم العيد، والذي صامه المنفرد برؤية الهلال ليس هو يوم العيد الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صومه، فإنه نهى عن صوم يوم الفطر، ويوم النحر، وقال: (أَما أَحَدُهما فَيَوم فِطْرِكُم من صَوْمِكمْ، وأَما الآخر فيوم تأكلون فيه من نُسُكِكُم". فالذي نهى عن صومه هو اليوم الذي يفطره المسلمون، وينسك فيه المسلمون.
وهذا يظهر بالمسألة الثانية، فإنه لو انفرد برؤية ذي الحجة لم يكن له أن يقف قبل الناس في اليوم الذي هو في الظاهر الثامن، وإن كان بحسب رؤيته هو التاسع، وهذا لأن
في انفراد الرجل في الوقوف، والذبح، من مخالفة الجماعة ما في إظهاره للفطر.
وأما صوم يوم التاسع في حق من رأى الهلال، أو أخبره ثقتان أنهما رأيا الهلال، وهو العاشر بحسب ذلك، ولم يثبت ذلك عند العامة، وهو العاشر بحسب الرؤية الخفية، فهذا يخرج على ما تقدم.
فمن أمره بالصوم يوم الثلاثين الذي هو بحسب الرؤية الخفية من شوال ولم يأمره بالفطر سرًّا، سوّغ له صوم هذا اليوم، واستحبه لأن هذا هو يوم عرفة، كما أن ذلك من رمضان، وهذا هو الصحيح الذي دَلَّت عليه السنَّة والاعتبار.
ومن أمره بالفِطْر سرًّا لرؤيته، نهاه عن صوم هذا اليوم عند هذا القائل كهلال شوال الذي انفرد برؤيته.
فإن قيل: قد يكون الإمام الذي فوض إليه إثبات الهلال مقصرا، لرده شهادة العدول، إما لتقصيره في البحث عن عدالتهم، وإما رد شهادتهم لعداوة بينه وبينهم، أو غير ذلك من الأسباب، التي ليست بشرعية، أو لاعتماده على قول المنجم الذي زعم أنه لا يرى.
قيل: ما يثبت من الحكم لا يختلف الحال فيه بين الذي يؤتم به في رؤية الهلال، مجتهدا مُصِيبا كان أو مخطئا، أو مُفرطا، فإنه إذا لم يظهر الهلال ويشتهر بحيث يتحرى الناس فيه.
وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الأئمة: "يُصَلون لَكُم فإن أَصَابُوا فَلَكُم وَلَهُم، وِإن أَخْطَأُوا فَلَكُم وَعَلَيهِم".
فخطؤه وتفريطه عليه، لا على المسلمين الذين لم يفرطوا، ولم يخطئوا. ولا ريب أنه ثبت بالسنة الصحيحة واتفاق الصحابة أَنَّه لا يجوز الاعتماد على حساب النجوم، كما ثبت عنه في "الصحيحين" أنَّه قال:"إِنا أُمة أُمية لا نَكْتُب، وَلَا نَحْسِب، صُومُوا لِرُؤْيتهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتهِ".
والمعتمد على الحساب في الهلال -كما أنه ضال في الشريعة-، مبتدع في الدين، فهو مخطيء في العقل، وعِلم الحساب، فإِن العلماء بالهيئة يعرفون أن الرُّؤية لا تَنْضَبط بأمر حسابي، وإنما غاية الحساب منهم إذا عدل أن يعرف كم بين الهلال والشَّمس من
درجة وقت الغروب مثلاً: لكن الرؤية ليست مَضْبُوطة بدرجات محدودة، فإنها تختلف باختلاف حدة النظر وكلاله، وارتفاع المكان الذي يتراءى فيه الهلال، وانخفاضه، وباختلاف صفاء الجو وكدره، وقد يراه بعض الناس لثمان درجات، وآخر لا يراه لثنتي عشر درجة.
ولهذا تنَازع أهل الحساب في قوس الرؤية تنازعا مضطربا، وآلمتهم -كبطليموس-، لم يتكلموا في ذلك بحرف، لأن ذلك لا يقوم عليه دَليل حِسَابي، وإنما يتكلم فيه بعض متأخريهم، مثل كوشيار الدّيلمي، وأمثاله.
لما رأوا الشريعة عَلَّقت الأحكام بالهلال، فرأوا الحساب طريقًا تنضبط فيه الرؤية، وليست طريقة مستقيمة، ولا معتدلة، بل خطؤها كثير، وقد جرب، وهم يختلفون كثيرًا: هل يرى؟ أم لا يرى؟
وسَبَبُ ذلك: أنهم ضَبَطُوا بالحساب ما لا يعلم بالحساب، فأخطأوا طريق الصواب، وقد بسطت الكلام على ذلك في غير هذا الموضع، وبينت أن ما جاء به الشَّرع الصَّحيح هو الذي يوافقه العقل الصَّريح، كما تكلمت على حد اليوم أيضًا، وبينت أنه لا ينضبط بالحساب؛ لأن اليوم يظهر بسبب الأبخرة المتَصَاعِدة، فمن أراد أن يأخذ حصة العشاء من حصة الفجر، إنما يَصِحُّ كلامه لو كان الموجب لظهور النُّور وخفائه مجرد محاذاة الأفق التي تُعلَم بِالحساب.
فأما إذا كان للأبخرة في ذلك تأثير، والبخار يكون في الشتاء والأرض الرطبة أكثر مما يكون في الصَّيف والأرض اليابسة، وكان ذلك لا ينضبط بالحساب، فسدت طريقة القياس الحسابي.
ولهذا تُوجد حصة الفجر في زمان الشتاء أطول منها في زمان الصيف.
والآخذ بمجرد القياس الحسابي يشكل عليه ذلك؛ لأن حِصة الفجر عنده تتبع النَّهار، وهذا أيضًا مَبسُوط في موضعه، والله سبحانه أعلم. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم (1) .
(1)"فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية"(25/202-208) .
وسئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
ما حكم الذي لا يصوم في أول رؤية هلال رمضان إذا رؤي حتى يرى بنفسه، ويستدل بالحديث القائل:"صُومُوا لِرُؤْيَته وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَته" وهل صحيح استدلالهم بهذا الحديث؟
فأجابت: الواجب الصيام إذا ثبتت رؤية الهلال ولو بواحد عدل من المسلمين، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصيام عندما شهد الأعرابي برؤيته الهلال، وأما الاستدلال بحديث:"صوموا لرؤيته" على أن كل فرد لا يصوم إلا برؤيته بنفسه فغير صحيح؛ لأن الحديث خطاب عام بالصيام عند تَحقق الرؤية ولو من واحد عَدل من المسلمين (1) .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو
…
عضو
…
نائب رئيس اللجنة
…
الرئيس
عبد الله بن قعود
…
عبد الله بن غديان
…
عبد الرزاق عفيفي
…
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
- وسئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
إنه من غير الممكن رؤية الهلال بالعين المجردة قبل أن يصبح عمره ثلاثين ساعة، وبعد فإنه من غير الممكن رؤيته بسبب حالة الجو، آخذين بعين الاعتبار هذا الوضع، فهل يمكن لسكان انجلترا استعمال المعلومات الفلكية لهذه البلاد في حساب الموعد المحتمل لرؤية القمر الجديد وموعد بدء شهر رمضان، أم يجب علينا رؤية القمر الجديد قبل بدئنا بصوم شهر رمضان المبارك؟
فأجابت: تجوز الاستعانة بآلات الرصد في رؤية الهلال ولا يجوز الاعتماد على العلوم الفلكية في إثبات بدء شهر رمضان المبارك أو الفطر؛ لأن الله لم يشرع لنا ذلك، لا في كتابه ولا في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإنما شرع لنا إثبات بدء شهر رمضان ونهايته برؤية هلال شهر رمضان في بدء الصوم ورؤية هلال شوال في الإفطار والاجتماع لصلاة عيد الفِطْر وجعل الأهلة مواقيت للناس وللحج.
فلا يجوز لمسلم أن يؤقِّت بغيرها شيئًا من العبادات من صوم رمضان والأعياد وحج البيت، والصوم في كفارة القتل خطأ وكفارة الظهار ونحوها.
(1)"فتاوى اللجنة الدائمة" فتوى رقم (7753) .
قال الله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)[البقرة: 185]، وقال تعالى:(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ)[البقرة: 189]، وقال صلى الله عليه وسلم:"صُومُوا لِرُؤْيَته وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَته فَإِن غُمَّ عَلَيكُم فَأكمِلوا العِدَّة ثَلَاثْين".
وعلى ذلك: يجب على من لم ير الهلال في مطلعهم في صحو أو غيم أن يتموا العِدة ثلاثين إن لم يره غيرهم في مطلع آخر فإن ثبت عندهم رؤية الهلال في غير مطلعهم لزمهم أن يتبعوا ما حكم به ولي الأمر العام -المسلم- في بلادهم من الصوم أو الإفطار؛ لأن حكمه في مثل هذه المسألة يرفع الخلاف بين الفقهاء في اعتبار اختلاف المطالع وعدم اعتباره، فإن لم يكن ولي أمرهم الحاكم في بلادهم مسلمًا عملوا بما يحكم به مجلس المركز الإسلامي في بلادهم من الصوم تبعًا لرؤية الهلال في غير مطلعهم أو الإفطار: عملاً باعتبار اختلاف المطالع.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم (1) .
- وسئل العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين رحمه الله:
عن إخبار مخبر، أن أهل بلد رأوا هلال شوال، وعيّدوا؟
فأجاب: أما إخبار مخبر أن أهل البلد الفلانية أفطروا يوم كذا، فلابد من شهادة اثنين: وهذا فيه تفصيل: إن كان البلد فيه قاض، فأخبر رجلان أن أهل البلد أفطروا كلهم وعيدوا.
فالذي نرى: الاعتماد على مثل هذا، وإن كان البلد ليس فيه قاض، ولا يدري سبب فطرهم، فلا أرى الاعتماد على فعلهم (2) .
- وسئل العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين رحمه الله:
عن اختلاف الأهلة بالكبر.. الخ؟
فأجاب: وأما اختلاف الأهلة بالكبر والصغر، وارتفاع المنازل وانخفاضها فلا حكم له؛ لأن ذلك يختلف اختلافًا كثيرًا (3) .
(1) فتاوى اللجنة الدائمة، فتوى رقم (319) .
(2)
"الدرر السنية في الأجوبة النجدية"(5/310) .
(3)
المصدر السابق (5/306)، ولقد بوب الإمام النووى في شرح مسلم: (باب بيان أنه لا اعتبار بكبر الهلال
وصغره) .
- وسئل العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين رحمه الله:
عن هلال شوال، إذا شهد به شاهدان
…
الخ؟
فأجاب: أما مسألة الرؤية لهلال شوال، إذا شهد به شاهدان، ولم يشهدا عند الحاكم، أو شهدا عنده فلم يحكم بشهادتهما، فهل لهما ولمن عرف عدالتهما الفطر، أم لا؟ أما إذا انفرد واحد بالرؤية، فنص أحمد: أنه لا يفطر. وهو قول مالك وأبي حنيفة، وهو مروي عن عائشة رضي الله عنها، لحديث:"صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون" وقيل: يفطر سرًّا وهو قول الشافعي، قال المجد: ولا يجوز إظهاره بالإجماع.
وكذلك الحكم إذ رآه عدلان، ولم يشهدا عند الحاكم، أو شهدا عنده ورُدَّت شهادتهما، لجهله بحالهما، فالمذهب: أنه لا يجوز لهما، ولا لمن عرف عدالتهما الفطر، للحديث السابق، ولما فيه من تشتيت الكلمة وجعل مرتبة الحكم لكل أحد، وهذا القول اختيار الشيخ تقي الدين، واختار الموفق: أنه يجوز له الفطر؛ لحديث "وإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا" رواه أحمد وغيره.
وأجاب أيضًا: ومن رأى هلال شوال وحده بيقين فالمشهور في مذهب أحمد: أنه لا يفطر، وهو قول مالك وأبي حنيفة، وقيل: يفطر، وهو قول الشافعي، وقاله بعض أصحاب أحمد، واستحسنه في الإقناع، وأما إظهار الفطر والحالة هذه، فلا يجوز، حكاه بعضهم إجماعا (1) .
وأجاب أيضًا: ولو انفرد رجل برؤية هلال شوال، لم يجز لغيره الفطر بشهادته، لا أهله ولا غيرهم، عند من لا يجوز له الفطر.
- وسئل العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين رحمه الله:
عن شهادة الأعراب؟
فأجاب: وأما قبول شهادة الأعراب بالهلال، فحكمهم حكم الحضر، لا يحكم شهادة مجهول الحال.
والأعرابي الذي عمل النبي صلى الله عليه وسلم بشهادته، يحتمل أنه يعرف حاله، والعلماء لم يفرقوا في هذه المسألة بين الحاضرة والبادية (2) .
(1)(2)"الدرر السنية في الأبوبة النجدية"(5/315) .
- وسئل العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله:
هل يعمل بالبرقية وأصوات المدافع والبواريد في ثبوت الصوم والفطر؟
فأجاب: لا ريب أن كل أمر مُهم عمومي، يُرَاد إعلانه وإشاعته والإخبار به على وجه السرعة والتعميم، يسلك فيه طريق يحصل به هذا المقصود.
فتارة ينادي فيه على وجه التصريح، أو الإجمال القولي. وتارة يعبر عنه بأصوات عالية كالرمي ونحوه مما له نفوذ وسريان إلى المحال والأماكن البعيدة، وتارة بالبرقيات المتنوعة.
ولم يزل الناس على هذا يُعَبرون ويخبرون عن مثل هذه الأمور بأسرع وسيلة يتعمم ويشيع فيها الخبر، وعلى هذا المعنى مُجْتمعون، وبالعمل به في الأمور الدينية والدنيوية متفقون، وكلما تجدَّد لهم وسيلة أسرع وأنجح مما قبلها، أسرعوا إليها.
وقد أقَرَّهم الشارع على هذا الجنس والنوع، ووردت أدلة وأصول في الشريعة تدل عليه، فكل ما دل على الحق والصدق والخبر الصحيح مما فيه نفع للناس في أمور دينهم ودنياهم، فإن الشارع يقره ويقبله، ويأمر به أحيانًا، ويجزيه أحيانًا، بحسب ما يؤدي إليه من المصلحة.
فالشارع لا يرد خبرًا صحيحًا بأي طريق وَصَل، ولا ينفي حقًّا وصدقًا بأي وسيلة ودلالة اتصال، وخصوصًا إذا استفاض ذلك واحتفت به القرائن المتنوعة، فاستمسك بهذا الأصل الكبير، فإنه نافع في مسائل كثيرة ويمكنك إذا فهمته أن تطبق عليه كثيرًا من الأفراد والجزئيات الواقعة، والتي لا تزال تقع، ولا يقصر فهمك عنه فيفوتك خير كثير، وربما ظننت كثيرًا من الأشياء بدعًا محرمة إذا كانت حادثة ولم تجد لها تصريحًا في كلام الشارع فتخالف بذلك الشرع والعقل وما فطر عليه الناس.
فصل
فإذا فهمت هذا الأصل، فقد عُلِم وتَقَرر: أن الناس في كل قطر وبلد يجرون في أمورهم على الأحكام الشرعية في صومهم وفطرهم وعباداتهم وعندهم حاكم شرعي.
فإنه متى ثبت عنده بالطريق الشرعي وجوب الصوم والفطر، فإنه في الغالب لا يطلع على مستند هذا الحاكم الشرعي إلا من باشره من قاض ومباشر للقصة، ومن حضرها.
وأما من سواهم من أهل البلد، فضلاً عن أهل القطر، فضلاً عن بقية الأقطار، فإنما يصل إليهم الخبر بما يثبت به ذلك الخبر ويشاع من قالةٍ يتناقلونه أو نداء في الأمكنة المرتفعة وغيرها، أو رمي بمدافع ونحوها، أو ببرقيات ليصل الخبر إلى القريب والبعيد، فهذا عمل متصل جنسه في جميع قرون الأمة من غير نكير، وإن كان بعض أفراده لم تحدث إلا من قريب، كالبرقيات ونحوها، فعلم أن الأمة مجمعة على العمل بهذا النوع من الأدلة المعتادة.
ومما يدل على ذلك أن الاستفاضة في الأخبار من جملة الطرق الشرعية التي تفيد صدق مخبرها، حتى إن الفقهاء رحمهم الله جعلوا شهادة الشهود تارة تستند إلى ما يراه الشاهد ويسمعه من المشهود عليه، وتارة على ما يسمعه من أخبار الاستفاضة، فيشهد بما استفاض مستندًا على الاستفاضة، وقد ذكروا لذلك أمثلة كثيرة.
ومن المعلوم أن الاستفاضة الحاصلة من رمي المدفع ونحوه والبرقيات ونحوها، أبلغ بكثير من الاستفاضات المفيدة للعلم، خصوصًا وقد أيد ذلك شاهد الحال، واحتفت به القرائن الكثيرة التي تدل دلالة يقينية على ثبوت ذلك الخبر، وكذلك العادة المطردة، والعرف المستقر الذي جرى عليه الناس في بث هذه الأخبار مع قرينة تشوف الناس، والاشتباه في الوقت مع أن الإخبار بالرمي والبرق ونحوها من الأمور الرسمية التي لا يجرؤ عليها أحد من العامة، إلا عن طريق أمر الحكام وأولياء الأمور وإذنهم، فمتى عرفت الواقع، لم يبق عندك في ذلك الخبر شك، وعرفت أنه خبر يفيد العلم، وإذا كانت أخبار الآحاد إذا احتفت بها القرائن، أفادت العلم فكيف بمثل هذه الأخبار المستفيضة المؤيدة من الحكام الشرعيين؟!!
ومما يدل على ذلك من الأصول الشرعية: أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما قدم المدينة وتشاور المسلمون في تعيين أمر يعرفون به الوقت والحضور للصلوات الخمس في أوقاتها، فمنهم من أشار بالبوق، ومنهم من أشار بالناقوس، ومنهم من أشار بإيقاد النار، ومنهم من أشار ببعث من ينادي للصلاة والحضور إليها، فاختار الله سبحانه وتعالى هذا الأذان المبارك
الذي لا تعدُّ خيراته ومصالحه -ولله الحمد- والمقصود أنهم اتفقوا على أن هذه الأشياء التي ذكروها متى اتفق الناس على واحدٍ منها، أفادتهم العلم بدخول الوقت، وبعضها أصوات تسمع، وبعضها نار تشاهد، فعلم أنه قد تقرر عندهم حصول المقصود بها، ولكنهم يبحثون أيها أنسب، ومثل هذا لا يخفى على النبي صلى الله عليه وسلم، فلو كانت هذه الأمور ونحوها لا يحصل بها العلم المطلوب الإعلام به، لأخبرهم بذلك، ولَما أقرهم على هذا البحث.
ونفس الأذان الذي اختاره الله للمسلمين لمعرفة دخول الوقت، هو من هذا القبيل، فإن المؤذنين ينادون في أوقات الصلاة بألفاظ الأذان وهي ثناء على الله، وشهادة له بالتوحيد، ودعاء مطلق للصلاة والفلاح، فيكون هذا كالتصريح بقولهم: دخل الوقت، ومسألة رمي المدافع، وإرسال البرقيات المعتمدة في الخبر عن ثبوت الأشهر، من هذا الجنس، وهي بسبب تحريرها والعناية التامة بها أقرب إلى الصواب؛ لأنها لا تكون إلا بعد الثبوت والتروي من الخبر الذي لا تردد فيه، وبعد أن يعتمد عليها ولاة الأمر وحكام الشرع، فالتحقيق بها أتم والغلط فيها أبعد.
يؤيد هذا: أن من قواعد الشريعة، أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وما يحصل المأمور أو لا يتم إلا به فهو مأمور، وهذه الأمور متى ثبتت عند أولياء الأمر، تعين عليهم أن يخبروا بها الناس ويبثوها بينهم، بحسب قدرتهم بأسرع وقت يمكن ليصوموا، ويفطروا، ويصلوا ويقيموا الأمور الشرعية.
ومن المعلوم أن الرمي، وإِرسال البرقيات، أبلغ من مجرد نداء المصوتين بثبوت الشهر، ويشيع الخبر بها بأسرع وقت، فأقل الحالات فيها أنها مستحبة، والقاعدة الشرعية تقتضي وجوبها مع القدرة عليها، إذا تباعدت الأقطار ولم يحصل المقصود إِلا بها.
هذا من جهتها في نفسها، وأما المبُلِّغُون المخبَرُون بها، فإنه يتعينَّ عليهم العمل بمضمون ما دلت عليه، من الصيام، والفطر، ودخول الأوقات وغيرها. ومما يدل على ذلك أن مقصود الإخبار بالرمي والإبراق ونحوه هو ترجمة وتعبير عما تقرر عليه الأمر عند أهل الحكم الشرعي، وهي ترجمة يفهمها كل أحد، لأنها تعبير عن أمر يتفق عليه
أولو الأمر والحكام على الناس ويَعْرِفُه الناس معرفة لا يشكون فيها وفي المراد منها، وما كان هكذا فالشريعة لا ترده، بل تقبله، وتأمر به عند تيسره، والترجمة التي يحصل بها العلم، لم يزل العمل بها على أي طريقة وصفة كانت.
ويَدُلُّ على هذا أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بالتبليغ عنه وتبليغ شرعه وحث على ذلك بكل وسيلة وطريقة.
والتبليغ أنواع متعددة:
فتارةً تبليغ ألفاظ الكتاب والسنة.
- وتارة تبليغ معانيها.
- وتارة تبليغ الأحكام الثابتة شرعًا: لِيَصِل علمها إلى الناس، فيتمكنون من العمل بما شَرَعَهُ الله.
والإخبار بالرمي والإبراق من هذا النوع، فإنه إذا ثبت بالطُّرق الشرعية وجوب الصيام والفطر على الناس، أو وجوب شريعة من الشرائع، تعين على ولاة الأمر تبليغ الناس بأسرع ما يقدرون عليه، ليقوم الناس بما أمر الله به ورسوله في الصيام، والفطر، والصلاة وغيرهما.
وكلما كان الطريق للتبليغ به أقوى وأسرع أو أشمل، كان أولى من غيره وكان داخلا في تبليغ الأحكام الشرعية. فدخل في هذا: تبليغهم بجميع المقربات. وبذلك يعلم حكمِ إيصال أصوات المبُلِّغين عن الشارع من الخُطَباء والوعاظ وغيرهم بالآلات الموُصلة للأصوات إلى مَسَامع الخلق.
وهذه المسألة أوضح من أن يحتج لها، لكن لما حصل الاشتباه فيها على كثير من الناس احتيج إلى بيان الأصول الشرعية التي أخذت منها.
* ومما يؤيد ذلك، ويوضحه: أن الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر من أكبر واجبات الدين، ومن أعظم ما يدخل في ذلك أنه إذا ثبتت الأحكام الشرعية التي يتوقف عمل الناس بها على بلوغ الخبر، فإنه يتعين على القادرين إيصالها إلى الناس بأسرع طريق وأَحْسَن وسيلة يتمكنون بها من أداء الواجبات، وتوقي المحرمات، ولا يشك أحد أن
إِشاعة الأحكام وتعميمها إِذا ثبتت بالأصوات والرمي، وما هو أبعد مدى منه وأبلغ انتشارا مما يدخل في هذا الأصل الكبير.
* ومما يدل على ذلك: أن صُدُور هذه الأخبار بالإِبراق ونحوه، تقع محررة منقحة يندر جدا وقُوع الخَطَأ والغلط فيها، فضلا عن التعمد ومخالفة ما ثبت عند ولاة الأمر، والناس قد عرفوا واصطلحوا أنها إذا حصلت فإنها لا تصدر إلا بعد عرضها على الحكَّام الشرعيين وتنقيحها وثبوتها ثبوتا لا تردد فيه، وأنها أبلغ من شهادة الشهود التي تحتمل السَّهو والغلط أكثر من هذا، وهذه الأشياء لا يمكن التقول أو الافتئات فيها على ولاة الأمر وإذا كان الناس يعتمدونها في أمور دينهم ودنياهم، كالولايات والوكالات في النكاح، والعقود، والمواريث، وموت الأزواج، ويثبتون مقتضى ذلك من العدة، والإحداد، والميراث وغير ذلك، وكإخراج الزكاة والكفارات، وكالحوالات والتنقل من محل إلى محل، ونحو ذلك مما لا يحصى، فما المانع من قبولها في ثبوت الأشهر، والصَّيام، والفطر ونحوه، وهي في هذه الحال قد احتف بها من القرائن المحققات والضبط والتحرير ما لا يوجد في غيرها، خصوصا الصادر في مقر الحاكم الشرعي.
وهذا واضح -ولله الحمد- فالشارع لا يرد خبرا صادقا ولا يَنْفي طريقا يحصل به الثبوت، ولا يفرق بين المتماثلات، وإنما يتوقف في خبر المجهول ومن لا يوثَق بخبره، أو من محل لا حاكم فيه، فهذا النوع يجب التَّثبت في خبره.
والحاصل: أن إِيصال الأخبار بالرمي والبرقيات ونحوها مما يوصل الخبر إلى الأماكن البعيدة، هو عبارة وتعبير عما اتَّفق عليه ولاة الأمر، وثبت عندهم مُقْتَضَاه، وهو من الطُّرق التي لا يرتاب الناس فيها، ولا يَحْصُل لهم أدنى شك في ثبوت خبرها، ومن توقَّف فيها في بعض اَلأمور الشرعية فلم يتوقف لشكه في أنها أفادت العلم، وإنما ذلك لظنه أن هذا الطريق المعين لم يكن من الطرق المعتادة في الزمان الأول وهذا لا يوجب التوقف، فكم من أمور حدثت لم يكن لها في الزمان الأول وُجُود، وصارت أَولى وأحق بالدخول من كثير من الأمور الموجودة قبل ذلك والله أعلم" (1) .
(1)"الفتاوى السعدية" للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ص 218-226) .