الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجزء الحادي عشر
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه التوفيق «1» [والإعانة، وصلّى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما «2» ]
الفنّ الرابع «3» فى النّبات
وهذا الفنّ وإن جلّ مقداره، وحسنت آثاره، وأشرقت أنواره، وزها نوّاره؛ وتفيّأت خامات «4» زروعه، ونبتت أصوله تحت فروعه؛ وتدبّجت «5» خمائله، وتأرّجت بكره وطابت أصائله؛ وابتهج إغريضه «6» ، واتّسق نضيده؛ وتسلسلت غدران مائه وزهت «7» أرضه على سمائه؛ وتعدّدت منافعه، وعذبت منابعه؛ وكان منه ما هو للنفس
قوتا، وما حكت ألوانه زمرّدا وياقوتا؛ وما أشبه اللّجين والعقيان، وما غازل بعيونه مقل الحسان؛ وما نسبت إليه الوجنات فى احمرارها، وألوان العشّاق فى اصفرارها؛ وأشبهته القدود عند تمامها، والثغور فى انتظامها؛ والنّهود فى بروزها وارتفاعها والخصور فى هيفها والسّرر فى اتّساعها؛ وما اختلفت ألوانه وطعوم ثماره وإن ائتلفت أراضى مغارسه ومجارى أنهاره؛ وما تضوّع عرفه وفاح نشره، وحسن وصفه ولاح بشره؛ وبقيت آثاره بعد ذبوله أحسن منها يوم زفافه «1» ، وحصل الانتفاع به فى حالتى غضاضته وجفافه؛ ووصفه الطبيب فى دوائه وعلاجه، ونصّ عليه الحكيم فى أقراباذينه «2» ومنهاجه؛ وكان هذا الفنّ أحد شطرى النّامى، وقسيم النوع الحيوانىّ؛ فإنّا «3» لم نقصد بإيراده استيعاب نوعه، واستكمال جنسه، واستيفاء منافعه والإحاطة بمجموعه، ولا تصدّينا لذلك، ولا تعرّضنا لخوض هذه اللّجج وطروق هذه المهالك، لأمور: منها تعذّر الإمكان، وضيق الزّمان؛ ولأنّ هذا الفنّ عجز عن حصره فلاسفة الحكماء، ومشاهير «4» الأطبّاء؛ وسكّان البوادى، ومن جمعتهم الرّحاب
وضمّتهم النّوادى «1» ، ومن لا زموا النبات من حين استهلّت عليه الأنواء وباكرته الغوادى؛ فاطلع كلّ منهم على ما لم يطّلع الآخر عليه، وشاهد ما لم تنته فكرة غيره اليه؛ وعلم التّركمانىّ منه ما لم يعلمه البدوىّ، وعرف الجبلىّ ما لم يعرفه النّبطىّ؛ وصنّف فيه الحكماء الكتب المطوّله، وأظهروا من منافعه ومضارّه كلّ فائدة خفيّة وخاصّيّة مهمله؛ وتعدّدت فيه تصانيفهم، وتواردت واشتهرت تآليفهم؛ ومع ذلك فما قدروا على حصره، ولعلّهم لم يقفوا إلّا على جزء يسير من شطره؛ بل قصدنا بإيراده أن نذكر منه ما عليه وصف للشّعراء، ورسائل للبلغاء والفضلاء؛ لأنّ ذلك ممّا لا يستغنى عنه المحاضر، ويضطرّ اليه الجليس والمسامر؛ وينتفع به الكاتب فى كتابته، ويتّسع به على المنشئ مجال بلاغته؛ فأوردنا منه ما هو بهذه السبيل، واستقصينا ما هو من هذا القبيل؛ وان كنّا زدنا فى بعضه على هذا الشّرط، وخرجنا عن هذا الخطّ؛ وتعدّينا من وصفه الى ذكر منافعه ومضارّه، وانتهينا إلى إيراد بارده وحارّه؛ ورطبه ومعتدله ومحرقه وقابضه ومليّنه ومطلقه؛ ونبّهنا على توليده وأصله، وخساسته وفضله؛ فهذه الزيادة إنّما وردت على سبيل الاستطراد، لا على حكم الالتزام والاستعداد، وهى مما تزيد هذا الفنّ إلى حسنه حسنا، وتبدو بها فضائله فرادى ومثنى؛ ووصلنا فنّ النّبات بالصّموغ والأمنان «2» ، لأنّهما من توابعه وفروعه، وحلبنا ألبان «3» التكملة «4» له بهما من ضروعه؛ وألحقنا