الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال آخر فيه:
وورد أسود خلناه لمّا
…
تنشّق نشره ملك الزّمان
مداهن عنبر غضّ وفيها
…
بقايا من سحيق الزعفران
وأما ما جاء فيه نثرا
- فقال أبو حفص عمر بن برد الأصغر رسالة قدّم فيها الورد على سائر الرّياحين، وهى رقعة خاطب بها ابن جهور: أمّا بعد يا سيّدى ومن أنا أفديه، فإنّه ذكر بعض أهل الأدب المتقدّمين فيه، وذوى الظّرف المعتنين بملح معانيه؛ أنّ صنوفا من الرّياحين، وأجناسا من نوار البساتين، جمعها فى بعض الأزمنة خاطر خطر بنفوسها، وهاجس هجس فى ضمائرها، لم يكن لها «1» بدّ من التفاوض فيه والتّحاور، والتحاكم من أجله والتناصف؛ وأجمعت على أنّ ما ثبت فى ذلك من العهد، ونفذ من الحلف؛ ماض على من غاب شخصه، ولم يئن «2» منها «3» وقته؛ فقام قائمها فقال: يا معشر الشّجر، وعامّة الزّهر؛ إن اللّطيف الخبير الّذى خلق المخلوقات، وذرأ «4» البريّات؛ باين بين أشكالها وصفاتها، وباعد بين منحها وأعطياتها، فجعل عبدا وملكا، وخلق قبيحا وحسنا؛ فضّل على بعض بعضا حتى اعتدل بعدله الكلّ، واتّسق على لطف قدرته الجميع؛ وانّ لكلّ واحد منها جمالا فى صورته، ورقّة فى محاسنه، واعتدالا فى قدّه، وعبقا فى نسيمه، ومائيّة فى ديباجته؛ قد عطفت علينا الأعين، وثنيت إلينا الأنفس، وزهت بمحاضرتنا المجالس؛ حتّى سفرنا بين الأحبّة، ووصلنا أسباب القلوب، وتحمّلنا لطائف
الرّسائل، وصيغ فينا القريض، وركّبت فى محاسننا الأعاريض، فطمح بنا العجب، وازدهانا الكبر، وحملنا تفضيل من فضّلنا، وإيثار من آثرنا، على أن نسينا الفكر فى أمرنا، والتمهيد لعواقبنا، والتّطييب لأخبارنا؛ وادّعينا الفضل بأسره، والكمال بأجمعه؛ ولم نعلم أنّ فينا من له المزيّة علينا، ومن هو أولى بالرآسة منّا؛ وهو الورد الذى إن بذلنا الإنصاف من أنفسنا، ولم نسبح فى بحر عمانا، ولم نمل مع هوانا؛ دنّا له، ودعونا اليه؛ فمن لقيه منّا حيّاه بالملك؛ ومن لم يدرك زمن سلطانه، ودولة أوانه؛ اعتقد ما عقد عليه، ولبّى الى مادعى اليه؛ فهو الأكرم حسبا، والأشرف زمنا؛ إن فقد عينه لم يفقد أثره، أو غاب شخصه لم يغب عرفه؛ وهو أحمر والحمرة لون الدّم، والدّم صديق الرّوح؛ وهو كالياقوت المنضّد، فى أطباق الزّبرجد، عليها فريد العسجد؛ وأمّا الأشعار فبمحاسنه حسنت، وباعتدال زمانه وزنت.
وفى فصل منها: وكان ممّن حضر هذا المجلس من رؤساء النّوّار والأزهار، النّرجس الأصفر والبنفسج والبهار؛ والخيرىّ- وهو «1» النّمّام- فقال النرجس
الأصفر: والذى مهّد لى فى حجر الثّرى، وأرضعنى ثدى الحيا؛ لقد جئت «1» بها أوضح من لبّة الصّباح، وأسطع من لسان المصباح؛ ولقد كنت أستر «2» من التعبّد له، والشغف به، والأسف على تعاقب «3» الموت دون لقائه؛ ما أنحل جسمى ومكّن سقمى؛ وإذ قد أمكن البوح بالشّكوى، فقد خفّ ثقل البلوى؛ ثمّ قام البنفسج فقال: على الخبير والله [سقطت، أنا والله «4» ] المتعبّد له، والداعى اليه والمشغوف به، وكفى ما بوجهى من ندب «5» ؛ ولكن فى التأسّى بك أنس؛ ثم قام البهار فقال: لا تنظرنّ الى غضارة نبتى «6» ، ونضارة ورقى؛ وانظر إلىّ وقد صرت حدقة باهتة «7» تشير اليه، وعينا شاخصة تندى بكاء عليه.
ولولا كثرة الباكين حولى
…
على إخوانهم لقتلت نفسى
ثمّ قام الخيرىّ فقال: والّذى أعطاه الفضل دونى، ومدّ له بالبيعة يمينى؛ ما اجترأت قطّ إجلالا له، واستحياء منه، على أن أتنفّس «1» نهارا، أو أساعد فى لذّة صديقا أو جارا، فلذلك جعلت اللّيل سترا، واتّخذت جوانحه كنّا. فلمّا استوت آراؤها قالت: إنّ لنا أصحابا، وأشكالا وأترابا؛ لا نلتقى بها فى زمن، ولا نجاورها فى وطن؛ فهلم فلنكتب بذلك عقدا ينفذ على الأقاصى والأدانى؛ فكتبوا رقعة نسختها: هذا ما تحالف عليه أصناف الشجر، وضروب «2» الزّهر؛ وسميّها «3» وشتويّها، وربعيّها وقيظيّها؛ حيث ما نجمت من تلعة «4» أو ربوة، وتفتّحت فى قرارة «5» أو حديقة؛
عند ما راجعت من بصائرها، وألهمت من رشادها، واعترفت بما أسلفت من هفواتها؛ وأعطت للورد قيادها، وملّكته أمرها؛ وعرفت أنّه أميرها المقدّم بخصاله فيها، والمؤمّر بسوابقه «1» عليها؛ واعتقدت له السمع والطاعة، والتزمت له الرّقّ والعبوديّة، وبرئت من كلّ زهر نازعته نفسه المباهاة له، والانتزاء «2» عليه؛ فى كلّ وطن، ومع كلّ زمان؛ فأيّة زهرة قصّ عليها لسان الأيّام هذا الحلف، فلتتعرّف إرشادها منه «3» ، وقوام أمرها به؛ [والله أعلم «4» ] .
ومن رسالة لبعض فضلاء أصبهان ممّن ذكرهم العماد الأصبهانىّ فى الخريدة «5» وصف فيها الرياض والرّياحين، وفضّل الورد على جميعها، وهى رسالة مطوّلة فى هذا النوع وغيره، جاء منها: فى يوم استعار نضارته من عصر الصّبا، واكتسى صحّته من عليل الصّبا؛ ونجمت فيه نجوم الرّبيع، خالية من المقابلة «6» والتّربيع؛
وتقابل «1» إشراق زهره ونهاره، فراق يجرى «2» جداوله وأنهاره؛ وأقبل فيه جيشه بفوارسه وجياده، وعساكره وأجناده، بين رافع لواء زبرجدىّ، وحامل مطرد «3» عسجدىّ، وصاحب رداء لازوردىّ «4» ؛ ومعلم «5» قد أطلق عنانه، ورامح قد خضب سنانه؛ وأخذت الأرض زينتها وزخارفها، ولبست حليتها ومطارفها «6» ؛ ومادت كثبانها
بخمائلها، وماست قضبانها فى غلائلها؛ فبرزت بين جبين متوّج، وخدّ مضرّج؛ وصدغ مخلّق «1» ، وخصر ممنطق؛ ونادت الشمس بلسان الجذل:
يا بعد ما بين برج الجدى «2» والحمل
…
وفصّل فصل الرّبيع الرياض
عقودا ورصّع منها حليّا
…
وفاخر بالأرض أفق السّماء
فحلّى الثّرى بنجوم الثّريّا
ونثر منثوره «3» ياقوتا ودرّا وزمرّذا، وجمع بين ضدّين: من برد برد وتوقّد جذا؛ فشمخ بالمناكب، على الكواكب؛ وتاه بالضّوج «4» ، على الأوج؛ وطاول بالاكام علا الرّكام «5» ؛ فهنالك برز النرجس من بين الرّياحين، وقال: الصمت لا يحمد
فى كلّ حين؛ ومن لم يفصح بتعريف نفسه، وتفضيل يومه على أمسه، فهو مغبون فى جنسه، أنا حدق الحدائق، ونزهة الرّامق؛ أخطر بين جسد زبرجدىّ، وفرع كافورىّ وعسجدىّ؛ إلىّ ينسب حسن العيون، وعندى يوجد ضعف الجفون:
تنافس فىّ نفوس الكرام
…
اذا ما أديرت كئوس المدام
فأسبى الجليس اذا ما حضرت
…
بلحظ الفتاة وقدّ الغلام
فأيقظ لمباهلته الأقحوان، وقال: الآن آن ظهورى وحان؛ ما هذه العجرفة والتّباهى! لقد نطقت بعجائب النّواهى؛ وتالله ما صدقت سنّ بكرك «1» ، ولا امتاز عرفك من نكرك؛ فبم تتيه على أقرانك، وتتكبّر على سجرائك «2» وأخدانك؟! أنسيت تنكيس رأسك بين النّدماء، وإمساك رمقك ببلّة من الماء، وأنّك لا تبيت إلّا موثقا محبوسا، ولا تشمّ إلا صاغرا منكوسا، ولا تستخدم إلّا قائما، ويا سوء يومك اذا أصبحت نائما؟! ألا عطفت علىّ جيد الالتفات، وأشرت إلىّ بأحسن الصّفات، فقلت: لله درّك من زهر كملت محاسنه، وصفا من غديره آسنه، وتبسّم عن مؤشّر «3» الثغور، وجمع فرعه بين لونى التبر والكافور؛ فتتوّج بالتيجان المشرقه
المرصّعة بخلاصة النّضار والرّقه «1» ؛ ألم تعلم أنّى فوز المغانى، ونزهة الرانى، ومباسم الغوانى؟ لا يحكم لشاعر بالإحسان، أو ينسب إلىّ حسن ثغور الحسان.
أنا زهر الرّبا ونور الرياض
…
وعيون ترنو بغير اغتماض
لن ترانى إلّا بشاطى غدير
…
باسما أو مضاحكا لحياض
فشقّ الشقيق عن زفير ووجيب، ولدغه بحمة لسان مجيب، وقال: لقد تجاوزت بنفسك مدى الحدّ، وضربت فى افتخارك بكهام فليل الحدّ؛ أليس ندى الطّلّ يزينك، وإغبابه يشينك؟ ومتى نضب غديرك، بدا تغييرك؛ ما أراك بغير مضاهاة الثغور تفتخر، فهل هى على الحقيقة إلّا عظم نخر؟ بل أنا نزهة الناظر، وبغية الحاضر «2» ؛ جسدى من قضبان الياقوت، وفرعى من المسك المفتوت.
أفوق اذا مست بين الريا
…
ض زهوا على مائسات القدود
وأفضل لونا وحسنا اذا
…
حضرت على حسن لون الخدود
فمالت اليه الخزامى «3» ، وكادت تميل به جذابا والتزاما؛ وقالت:«أسمع جعجعة»
ولا أرى طحنا» وقعقعة «5» ولا أنظر إلّا شنّا، لقد ارتكبت جللا، واستغزرت «6» غللا؛
ما أقبح عاقبة العجل، وأقرب الواثق «1» من الخجل! حتّام تنبض «2» ولا تزمى، وإلام تومض ولا تهمى؟ أبكتمة لونك تفتخر، وبعظم كونك تشمخرّ، ألست الخشن الجلده، الدموىّ البرده، البعيد عن محلّ التقريب والشّمّ، الطريد عن رتبة التقبيل والضّمّ؟ لكن أنا الملبس «3» المشار اليه، والعطر المنصوص عليه، مدحت بالطّيب واللّون، وتخيّرت للتسربل والصّون؛ وجمّعت منّى الحلل، وتوّجت منّى الكلل.
واللّون، وتخيّرت للتسربل والصّون؛ وجمّعت منّى الحلل، وتوّجت منّى الكلل.
فضلت على زهر الربيع برتبة
…
بها صدق الراوون للشعر إذ قالوا
كأنّ الخزامى جمّعت لك حلّة
…
عليك بها فى الطّيب واللّون سربال
فأنهضت لمعارضتها البنفسج، وألجم جواد مناضلتها وأسرج، وقال: يا ساكنة الشّهباء «4» ، لقد جئت بالداهية الدّهياء، أضبح «5» الثعالب، وإرسال «6» الأرانب، ما يغنى عنك وصف الشعراء، وأنت منبوذة بالعراء؛ بعدت عن محاسن أخلاق البريّة وقربت من مراتع البهائم البرّيّة؛ وحرمت برد نسيم العراق؛ وضعفت «7» ساقك عن
حمل ساق؛ إنما أنا نزهة الأمصار، ومسرّة الأبصار؛ وطيب النّفوس، وربيب الكئوس، المحمول على الرءوس، المحبوب الى الرئيس والمرءوس؛ ذو العرق الذكىّ والعرف المسكىّ:
رئيس الرّياحين المضيف بلونه
…
جمالا الى ورد الخدود المضرّج
اذا ما جنان الأرض بالنّور «1» زخرفت
…
فتعريفها من طيب زهر البنفسج
فغضب لذلك جورىّ «2» الورد، ووثب لو استطاع وثبة الورد «3» ؛ ثم قال: أركزا «4» كأحاديث الضّبع «5» . وزمجرة كرمجرة السّبع. ذهب بك الشتاء وبرده. وشغل عنك الرّبيع وورده. أطعت هوى النفس الأمّاره، ونطقت بحضرة الإماره؛ وأنت لا تنقضى ساعتك حتّى تربدّ، ولا ينصرم يومك حتى تذبل وتسودّ؛ ثم تستحيل أوراقك، ويفارقك وراقك «6» . وتشعث قمّتك. وتنزر قيمتك. أتراك لولا قرص الخدود، هل كنت فى الألوان «7» بمعدود؟. أما علمت أنّى مدعوّ بالأمير المقدّم
والميمون المقدام. أنا الزائر فى كلّ عام، القادم بمسرّة الخاصّ والعامّ. لا تشرف الأيّام إلّا باسمى؛ ولا تفتخر الأجسام إلّا بمشابهة جسمى؛ فبى يفتن «1» النظر، وأنا السيّد المنتظر. واذا انقضت مدّتى، وقضيت عدّتى. أقصدتنى حنيّة «2» الفرقة بسهام الفرق، واستولى علىّ والى «3» الحرق. فولّد تلهّبى رشحا من العرق، قام لهم مقامى. وساوى عندهم بين رحلتى ومقامى؛ يعرّض كلّ وقت بذكرى، ويعرّف لديهم نكرى، ويجدّد عندهم شكرى.
أخلّف نفسى عندهم بعد رحلتى
…
فسيّان قربى ان تأمّلت والبعد
وقد فضّل الكندىّ «4» بى عند قوله
…
فإنّك «5» ماء الورد إن ذهب الورد
ومن انشاء المولى الفاضل تاج الدين عبد الباقى بن عبد المجيد اليمانىّ فى شهور سنة ستّ وسبعمائة، رسالة ترجمها (بأنوار السعد، ونوّار المجد، فى المفاخرة بين النّرجس والورد)، قال: الحمد لله الذى أضحك ثغور الأزهار، بكاء عيون الأمطار، وأنطق خطباء الأطيار، على منابر الاشجار؛ وعقد عليها من النّوّار إكليلا، وأمر الغزالة أن تسلّ عليها عند بروزها من الإبريز سيفا صقيلا؛ حمى حدائقها بأحداق نرجسها، فنمّ لسان النسيم بطيب نفسها؛ أبدع فى تركيب حلّها وعقدها، فثغور
الأقحوان تقبّل خدود وردها؛ خلخلت سوقها فضلات الجداول، واطّردت أنهارها كالأيم «1» وقد حثّ بأطراف العوامل «2» ، فحكت المبارد متونا، والحيّات بطونا؛ أحمده على نعمه التى تأرّج نشرها، وبدا على جبين الدهر بشرها؛ حمدا تخضلّ من ترادف سيبها «3» أغصانه، وتثمر بأنواع السعادة أفنانه؛ وأصلّى على سيّدنا محمد الذى عطّر الكون مسكىّ رسالته، ووطّد القواعد الشرعيّة مرهف بسالته؛ صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما توّجت الغمائم رءوس الرّبا، وسحب ذيل الصّبا على أزهار روضها مهبّ الصّبا؛ وبعد، فإنّ أولى ما وقعت المفاخرة بين غصنين نشآ فى جنّه، وبارقتين تألّقتا فى دجنّه؛ وزهرتين تفتّحتا فى كمامه، وقطرتين صدرتا من غمامه؛ ولمّا كان النرجس والورد قريعى هذه الصّفات، وقارعى هذه الصّفاة، تطاول كلّ منهما الى انه النديم، والخلّ الّذى لا يملّه الحميم؛ طالما عطّر بنشره الأكوان، وغازل بعيونه الغزلان؛ وأنارت شموس سعوده، وقبّلت حمرة خدوده؛ أحببت أن أقيمهما فى موقف المناضلة، وأشخّصهما «4» فى معرض المفاضلة؛ ليبرهن كلّ منهما على ما ادّعى أنّه فى وطابه، ويبدى شعائر ما تقلّده وتحلّى به؛ فبالامتحان يظهر الزّيف، ولا يقبل الحيف؛ فعندها حدّق النرجس بأحداقه، وقام على قصبة ساقه؛ وتهيأ لمناضلة خصمه، وشرع يبدى شرائع حكمه؛ وقال: أشبهت العيون وأشبهت الخدود فلا فرق، ولقد علمت ما بينهما مثل ما بين القدم والفرق «5» ؛ فأنا حارس مجلس
الشراب، والنديم المعوّل عليه بين الأحباب؛ تسمّيت بأحسن الأسامى، فلست لى بمسامى؛ تسمّت بى الحسان، ومست فى حلل مصبّغات الألوان؛ ولو اعتبرت بحمرة خجلك، وتشقيق جيوب حللك؛ ما قمت فى موقف المفاخر، ولا فهت ببنت شفة فى معرض المفاخر؛ فتضرّج خدّ الورد حمره، وأوقد من الغيظ لمناضلته جمره؛ وقال: مت بداء الحسد فقد علاك اصفراره، وأين منك الطّرف كما ادّعيت ولم يبد عليك احوراره؛ صدقت، ولكن أنت أشبه بالعين المخصوصة باليرقان والصفرة المنوطة بالأيهقان «1» ؛ فلقد عشت عيونك السقيمة من أشعّة شموسى ووقفت على قصب ساقك حيث استقرّ كرسىّ جلوسى؛ فأنا دائرة الجمال، المشتملة على قطب الكمال، ربّتنى الدرارىّ «2» بدرّها، وقلّدتنى نفيس درّها؛ فنشرت أعلامى العقيانيّة على زهرتها، وأشبهت شكلها وحسن زهرتها؛ فهزّ النرجس رماحه الزبرجديّه، فتلقّاها الورد بحجفته «3» الذهبيّة، وقال «4» : اردد هذه العقود النفيسة الى هواديها، فقد علم كذبك حاضرها وباديها؛ والطم خدودك حزنا على فوات مقامى وقصورك عن بلوغ مرامى؛ من أين لك مداهن درّ حشوهنّ عسجد؛ لست أبالى
بنفسك تصوّب أم تصعّد؛ أما ترانى قد نشرت على رماح من زبرجد طالما حرست حمى الرياض، ولبست أحسن اللّباس وهو البياض، وقمت خطيبا على منبر الصّين «1» حمى الرياض، ولبست أحسن اللّباس وهو البياض، وقمت خطيبا على منبر الصّين وقلّدت إمرة الرياحين؟ فأنا ناطر «2» هذا الفضل، وناظر هذا الفصل؛ سبقتك الى الوجود مكانا «3» أعدم مكانك، ولم يرض زمانى يجاور زمانك، لبثك «4» على وجه البسيطة قليل، وحالك- كما علمت- ليس بالجليل؛ تتلوّن كما يتلوّن الغول، من أحمرك وأصفرك وأبيضك المملول «5» ؛ فلقد رماك ابن الرومىّ بسهام هجائه، وجعلك عرضة لنوائب الدهر ولأوائه «6» ؛ حيث قال:
كأنه سرم بغل حين يخرجه
…
الى البراز وباقى الرّوث فى وسطه
وحيث مدحنى وقال:
أين العيون من الخدود نفاسة
…
ورآسة لولا القياس الفاسد
فمثل هذه المسبّة لا يضمحلّ أثرها، ولا ينقطع خبرها؛ ولله درّ القائل:
النرجس الغضّ له رتبة
…
أشبه شىء بالعيون المراض
قام على قضبانه مبديا
…
فخاره المشهود بين الرياض
ولو لم أغمض عن مساويك عينى، وأترك للصلح [موضعا «1» ] بينك وبينى، لكنت أبديت أضعاف مساويك، لأننى فى الرتبة غير مساويك؛ فعندها اشتعل الورد من كلامه، وظهر على جسده أثر كلامه؛ وقال: لقد تعدّيت طورك وستعرف جورك وكورك «2» ؛ لكن قحة العيون مخصوصة بالأنذال، والتجرّى على الملوك من شعائر الجهّال؛ فأنا سلطان الرياحين، وبذلك وقّع لى فى سائر الدواوين؛ كأننى وجنة حبّ وقد نقّطت بدينار، أو أنامل خود عندميّة ضمّت على قراضة نضار؛ أشبهت الشموس شكلا، وفقت البدور مثلا؛ أنظم كما تنظم العقود، وأصل كما يصل الحبيب بعد الصدود، وأمّا افتخارك بالحراسة فهى محلّ الأسقاط، والوظيفة المنوطة بالأنباط؛ وأمّا كونك سبقتنى فهو على حكم الحجبه، والمبشّر بوصولى وإن كان أضمر بغضه لا حبّه؛ فلمّا علم أوان حطّ رحالى حثّ رحاله، وأشاع فى أصحابه ارتحاله؛ وقال: قد أظلّنا وصول ملك لا يجارى، ورئيس لا يبارى؛ وأين زمانك من زمانى، ومكانك من مكانى؟ لا أظهر إلا والثّرى قد اكتسى سندسىّ أديمه وفاح مسكىّ نسيمه؛ وخطبت أطياره، واخضلّت أزهاره؛ وصدحت بلابله، وتأرّجت خمائله؛ واطّردت أنهاره، وتعانقت أغصانه وأشجاره؛ بزغت شموسى فى فلك غياضه، وتكلّل خدّى عرقا من أنداء رياضه؛ فأنا بينها الطّراز المذهّب، والملك المعظّم المهذّب؛ اذا برزت فى لياليك المعتمه، وظهرت فى أراضيك المقتمه؛ وسهرت عيونك فى ليل شتائك «3» ، وقاسيت برد مائك وطول عنائك؛ ولكم بين الشتاء والربيع، كما بين الرئيس والوضيع؛ يا جبلىّ الطباع، لقد صرّتك «4» رياحى، وصفّرت
عينك حمرة خمرة ارتياحى؛ وأمّا ثلبك بقصر مدّتى، وسرعة بلى جدّتى؛ فدليل على عدم عقلك؛ وسقوط معقولك ونقلك؛ أما علمت أنّ المكثر للزيارة مملول، وعقد ودّه محلول؛ لو بقيت الشمس على الدوام، لملّتها أنفس الأنام؛ ولك بذلك عبره، وأنت فى هذا الموطن من أهل الخبره؛ لمّا أقمت ملّك الناشق، ولم يعرّج عليك العاشق؛ ولقد عجبت من رقاعة عصّبت رأسك بالحماقه، وادّعيت شبه العيون وأنت أشبه شىء بصفرة بيض على رقاقه؛ إن ذهبت عينك لم يبق لك أثر، كلّا ولا يوجد لمجدك خبر؛ لكن أنا ان ذهبت عينى فأثرى على أردان الأماجد يفوح، وعلى ممرّ الأعصر يغدو ويروح؛ فأنا أثر بعد عين، فدع عنك التحلّى بالمين؛ ولله درّ القائل:
يا حبّذا الورد مذ حيّا بطلعته
…
وعطّر الأفق منه نشره العبق
كالشمس شكلا ونشر المسك رائحة
…
واللؤلؤ الرّطب فى تضريجه عرق
فعميت عيون النرجس من بزوغ أنواره، ونكّست أعلامه الزبرجديّة لنضارة نوّاره؛ فعندها قال الورد: هذه الشقراء «1» والميدان، ان كانت لك خبرة بمبارزة الأقران؛ فلمّا أورده لظى الحرب، ولم يكن من رجال الطّعن والضرب، وألزمه الحجّة، وعرّفه المحجّه؛ وبان بهرجه من إبريزه، وتحقّق موادّ تبريزه؛ دمعت عينه أسفا، على ما أبداه من الجفا؛ ثم قال: ما أنا أوّل من بحث بظلفه عن حتفه وجدع مارن أنفه بكفّه؛ لقد قيل: عادات السادات، سادات العادات؛ وعادة الملك- أدام الله انهمار السّحب على خمائله الذهبيه، وأطلع فى فلك الاعتلاء أنواره الشمسية- الصفح عمّن كثر ندمه، وزلّت قدمه؛ ومن نشر أعلام
الاستغفار، خليق أن يقبل منه ما يبديه من الاعتذار؛ وما أنا أوّل من هفا ولا أنت أوّل من عفا؛ ليت شعرى، أين حياؤه من وقاحتى، وأين رشاقته من كثافتى؛ الخفارة لائحة عليه، وأمور الرياحين تساق اليه؛ فعندها قال الورد: من شأننا الصفح عما أتيته، فقد جنيت ثمار الندم بما جنيته؛ فكن قرير العين، ولا تعد لمثلها فالمؤمن لا يلدغ «1» من جحر مرتين؛ واحذر أن تطاول من هو أعلى منك محلّه وأبهج فى ارتداء السيادة حلّه؛ والآن فقد تولّد من بياضك وحمرتى اجتماع «2» ، والتأم شعث أمرنا بعد أن طار شعاع «3» ؛ أما علمت أنّ الامتحان، يظهر رتبة الإنسان؛ ومن سعادة جدّك، وقوفك عند حدّك؛ فكن لما قلته بالمرصاد، وان عدت لمثلها فترقّب أوّل «4» النحل وآخر صاد؛ ونسأل الله تعالى أن يهدينا الى الرّشد، وأن يذهب عنا ضغائن الحسد؛ بمنّه وكرمه؛ [انه على ما يشاء قدير، وبالإجابة «5» جدير] .