الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من رياض من لم يطف بزهرها من قبل أن يحلّق «1» فقد قصّر، ومن غياض من لم يشاهدها فى إبّانها فقد فاته من عمره الأكثر.
وهذه الأربعة الأماكن أجمع جوّابوا الأقطار على تفضيلها على ما عداها، وتمييزها على ما سواها.
وللناس فى وصف الرياض محاسن سنذكر منها النّزر اليسير
،
ونقتصر على لمعة ليس لنضارتها نظير.
فمن ذلك قول الثّعالبىّ فى (سحر البلاغة وسرّ البراعة) : روضة رقّت حواشيها وتأنّق واشيها؛ أشجارها كالعرائس فى حللها وزخارفها، والقيان فى وشيها ومطارفها؛ باسطة زرابيّها «2» وأنماطها، ناشرة حبرها ورياطها؛ كأنّما احتفلت لوفد، أو هى من.
حبيب على وعد.
ومن كلامه «3» أيضا: روضة قد تضوّعت بالأرج الطّيب أرجاؤها، وتبرّجت فى ظلل الغمام صحراؤها؛ وتنافحت بنوافج «4» المسك أنوارها، وتفاوضت «5» بغرائب المنطق أطيارها؛ بها أشجار كأنّ الخرّد أعارتها قدودها، وكستها برودها، وحلّتها عقودها.
ومن كلام الفتح بن خاقان فى (قلائد العقيان) : حتى استقرّوا «1» بالرّوض فحلّوا منه ذرا أيك ربيع مفوّفة بالأزهار، ومطرّزة بالجداول والأنهار؛ والغصون تختال فى أدواحها، وتنثنى فى أكفّ أرواحها.
ومن كلامه أيضا: روض مفترّ المباسم، معطّر الرياح النّواسم؛ قد صقل الربيع حوذانه «2» ، وأنطق بلبله وورشانه «3» ، وألحف غصونه برودا مخضرّه، وجعل إشراقه للشمس ضرّه، وأزاهيره تنير على الكواكب، وتختال فى خلع الغمائم السّواكب.
ومن كلامه: روضة لم يجل فى مثلها ناظر، ولم تدّع حسنها الخدود النّواضر؛ غصون تثنّيها الرياح، ومياه لها انسياح؛ وحدائق تهدى الأرج والعرف، وتبهج النفس وتمتع الطّرف.
ومن كلامه: روضة قد تأرّجت نفحاتها، وتدبّجت ساحاتها، وتفتّحت كمائمها، وأفصحت حمائمها؛ وتجرّدت جداولها كالبواتر، ورمقت أزهارها بعيون الجآذر «4» .
وقد أكثر الشعراء فى وصف الرّياض والغصون- فمن ذلك قول ابن الرّومىّ:
حيّتك عنّا شمال طاف طائفها
…
فى جنّة قد حوت روحا وريحانا
هبّت سحيرا فناجى الغصن صاحبه
…
سرّا بها وتداعى الطير إعلانا
ورق تغنّى على خضر مهدّلة
…
تسمو بها وتشمّ «1» الأرض أحيانا
تخال طائرها نشوان من طرب
…
والغصن من هزّه عطفيه نشوانا
وقال أبو إسحاق إبراهيم بن خفاجة:
سقيا لها من بطاح أنس
…
ودوح حسن بها مطلّ
فما ترى غير وجه شمس
…
أطلّ فيه عذار ظلّ
وقال أيضا من أبيات:
والرّوض محنىّ المعاطف خلته
…
نشوان تعطفه الصّبا فيميل
ريّان فضّضه النّدى ثم انجلى
…
عنه فذهّب صفحتيه أصيل
وقال الأخيطل الأهوازىّ [منشدا] :
الروض ينشر رفرفا «2» وحريرا
…
ومطارفا من سندس وحبيرا
حلّ الربيع نقاب كلّ خميلة
…
فأراك من صور النبات سفورا
غيد القوام اذا النسيم أمالها
…
ألقين عند صدورهنّ نحورا
ينحلّ عنهنّ النّدى فتخال ما
…
ينحلّ عنها لؤلؤا منثورا
كسل النعيم يدبّ فى حركاتها
…
فيريك فى أعطافهنّ فتورا
وقال أبو عبادة البحترىّ:
هذى الرياض بدا لطرفك نورها
…
فأرتك أحسن من رباط السّندس
ينشرن وشيا مذهبا ومدبّجا
…
ومطارفا نسجت لغير الملبس
وأرتك كافورا وتبرا مشرقا
…
فى قائم مثل الزّمرد أملس
متمايل الأعطاف فى حركاته
…
كسل النعيم وفترة المتنفّس
متحلّيا من كلّ حسن مونق
…
متنفّسا بالمسك أىّ تنفّس
وقال التّنوخىّ:
أما ترى الروض قد وافاك مبتسما
…
ومدّ نحو النّدامى للسّلام يدا
فأخضر ناضر فى أبيض يقق
…
وأصفر فاقع فى أحمر نضدا
مثل الرّقيب بدا للعاشقين ضحى
…
فاحمرّ خجلا واصفرّ ذا كمدا
وقال أبو بكر الصّنوبرىّ:
تشبّه الرّوض بالحبائب قد
…
زاد المحبّين فى محبّتها
كم من قدود هناك من قضب
…
تميل من لينها ونعمتها
كم وجنة خالها يلوح لنا
…
سواده فى صفاء حمرتها
وكم ثنايا تسبى بنكهتها
…
وكم عيون تصبى بلحظتها
تسارق «1» الغمز غمز خائفة
…
رقيبها من خفاء نظرتها
وقال أبو طاهر [بن]«2» الخبزأرزىّ:
وروضة راضها النّدى فغدا
…
لها من الزّهر أنجم زهر
تنشر فيها أيدى الرّبيع لنا
…
ثوبا من الوشى حاكه الفطر
وقال منصور بن الحاكم:
روضة غضّة علاها ضباب
…
قد تجلّت خلالها الأنوار
فهى تحكى مجامرا مذكيات
…
قد علاها من البخور بخار
وقال سعيد بن حميد مقسما:
لا وزهر الرياض تجرى عليها
…
باكيات «1» ضواحك النّوّار
صافحتها الرياح فاعتنق الرو
…
ض ومالت طواله للقصار
لائذا بعضه ببعض كقوم
…
فى عتاب مكّرر واعتذار
ما خلفناك بالقبيح ولا الذمّ
…
على البعد واقتراب المزار
وقال أبو هلال العسكرىّ:
وروضة حالية الصدور
…
كاسية البطون والظهور
محمودة المخبور والمنظور
…
مونقة المطوىّ والمنشور
معجبة الظاهر والمستور
…
ضاحكة كالوافد المحبور
باكية كالعاشق المهجور
…
شذّرها الغيث بلا شذور
شقائق كناظر المخمور
…
وأقحوان كثغور الحور
ونرجس كأنجم الدّيجور
…
والطّلّ منثور على المنثور
يرصّع الياقوت بالبلّور
وقال أيضا:
لبس الماء والهواء صفاء
…
واكتسى الروض بهجة وبهاء
فكأنّ النّهاء «2» صرن رياضا
…
وكأنّ الرياض عدن نهاء
وكأنّ الهواء صار رحيقا
…
وكأنّ الرحيق صار هواء
وتخال السماء بالليل أرضا
…
وترى الأرض بالنهار سماء
جلّلتها الأنوار زهرا وصفرا
…
يوم ظلّت تنادم «1» الأنواء
فتراها ما بين نور ونوء
…
تتكافا تبسّما وبكاء
وتظلّ الأشجار تتّخذ الحسن
…
قميصا أو الجمال رداء
وترى السّرو كالمنابر تزهى
…
وترى الطير فوقها خطباء
وقال كشاجم:
أرتك يد الغيث آثارها
…
وأعلنت الأرض أسرارها
وكانت أكنّت لكانونها
…
خبيئا فأعطته آذارها
فما تقع العين إلّا على
…
رياض تصنّف أنوارها
يفتّح فيها نسيم الصّبا
…
خباها ويهتك أستارها
ويسفح فيها دماء الشّقيق
…
ندّى ظلّ يفتضّ أبكارها
ويدنى إلى بعضها بعضها
…
كضمّ الأحبّة زوّارها
كأنّ تفتّحها بالضّحى «2»
…
عذارى تحلّل أزرارها
تغضّ لنرجسها أعينا
…
وطورا تحدّق أبصارها
اذا مزنة سكبت ماءها
…
على بقعة أشعلت نارها
وقال البسّامىّ «3» :
أما ترى الأرض قد أعطتك زهرتها
…
مخضرّة واكتسى بالنّور عاريها
فالسماء بكاء فى جوانبها
…
وللربيع ابتسام فى نواحيها
وقال آخر:
قهقه زهر الربيع فاستبشر
…
واكتست الأرض مطرفا أخضر
ترى ربيعا نوّاره ذهب
…
ماء لجين حصباؤه جوهر
عطّل صبّاغه الخدود بما
…
ورّد من صبغها وما عصفر
لابس قمص من العقيق على
…
غلائل من زبرجد أخضر
وقال المعوّج:
حقاق من النّوّار مزرورة العرا
…
على قطع الياقوت واللؤلؤ الغضّ
فهنّ على الأغصان أحقاق فضّة
…
وبالأمس كانت مطبقات على الغمض
وقال ابن الساعاتىّ:
لله ما شقّ من جيب الرياض بها «1»
…
وحبّذا من ذيول السّحب ما سحبا
يا ضاحك الومض والأنواء باكية
…
أشبهت لمياء إلّا الظّلم «2» والشّنبا
وقال أيضا:
يا حبّذا زمن الربيع ودوحه
…
قيد النواظر بل عقال الأنفس
وافاك يبسم والغمام معبّس
…
فاعجب لطلعة باسم ومعبّس
جليت عرائسه فهمّ قلوبنا
…
واللهو بين مقوّض ومعرّس «3»
أنفاسه من عنبر وسماؤه
…
من لؤلؤ وبساطه من سندس
وقال أبو عبادة البحترىّ:
ولا زال مخضرّ من الروض يانع
…
عليه بمحمرّ من النّور جاسد
يذكّرنى ريّا الأحبّة كلّما
…
تنفّس فى جنح من الليل بارد
وقال السّروىّ «1» :
غدونا على الرّوض الّذى طلّه النّدى
…
سحيرا وأوداج الأباريق تسفك
فلم أر شيئا كان أحسن منظرا
…
من النّور يجرى دمعه وهو يضحك
وقال آخر:
حظّ عين وحظّ سمع ربيعا
…
ن وتغريد بلبل وهزار
فى جلاء من الزمان ووجه الأرض
…
يكسى وشائع النّوّار
بابيضاض محدّق «2» باخضرار
…
واصفرار مبطّن باحمرار
كلّما أشرقت شموس الأقاحى
…
خلت إحدى الشّموس شمس النهار
وقال كشاجم:
وروض عن صنيع الغيث راض
…
كما رضى الصديق عن الصديق
اذا ما القطر أسعده صبوحا
…
أتمّ له الصنيعة فى الغبوق
يعير الرّيح بالنفحات ريحا
…
كأنّ ثراه من مسك سحيق
كأنّ الطّلّ منتثرا عليه
…
بقايا الدّمع فى خدّ المشوق
كأنّ غصونه سقيت رحيقا
…
فماست ميس شرّاب الرحيق
كأنّ شقائق النّعمان فيه
…
محضّرة كئوسا من عقيق
كأنّ النرجس البرّىّ فيه
…
مداهن من لجين للخلوق
يذكّرنى بنفسجه بقايا
…
صنيع اللّطم فى الخدّ الرقيق
وقال ابن سكّرة الهاشمىّ:
أما ترى الروضة قد نوّرت
…
وظاهر الرّوضة قد أعشبا
كأنّما الأرض سماء لنا
…
نقطف منها كوكبا كوكبا
وقال علىّ بن عطيّة البلنسىّ:
أديراها على الزّهر المندّى
…
فحكم الصّبح فى الظّلماء ماضى
وكأس الراح تنظر عن حباب
…
ينوب لنا عن الحدق المراض
وما غربت نجوم اللّيل لكن
…
نقلن من السّماء الى الرياض
وقال شاعر أندلسىّ:
وفتيان صدق عرّسوا تحت دوحة
…
وما لهم غير النبات فراش
كأنّهم والنّور يسقط فوقهم
…
مصابيح تهوى نحوهنّ فراش
وقال أبو محمد الحسن بن علىّ بن وكيع التّنّيسىّ:
أسفر عن بهجته الدهر الأغر
…
وابتسم الروض لنا عن الزّهر
أبدى لنا فصل الربيع منظرا
…
بمثله تفتن ألباب البشر
وشيا ولكن حاكه صانعه
…
لا لابتذال اللّبس لكن للنظر
عاينه طرف السماء فانثنت
…
عشقا له تبكى بأجفان المطر
فالأرض فى زىّ عروس فوقها
…
من أدمع القطر نثار من درر
وشى طواه فى الثّرى صيانة
…
حتّى اذا ملّ من الطّىّ نشر