الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الرابع عشر: الضعيف
أولًا: التعريف اللغوي للضعيف:
الضَعِيْف: على وزنِ: (فَعِيْل)، وهو مِنْ أوزانِ المبالغةِ
(1)
، يُقال: ضَعُفَ يَضْعُفُ ضُعْفًا، على لغة قريشٍ، مِنْ بابِ: قَرُب قُرْبًا، ويُقالُ: ضَعَفَ يَضْعَفُ ضَعْفًا، على لغةِ تميمٍ، مِنْ بابِ: قَتَل قَتْلًا
(2)
.
وفرّقَ بعضُ اللغويين بين الضمِّ والفتحِ، بأنَّ الضَعفَ في العقلِ والرأي، والضُعفَ في الجسدِ
(3)
. يقولُ أبو منصورٍ الأزهريُّ متعقِّبًا التفريق: "قلتُ: هما عند جماعةِ أهلِ البَصَرِ باللغةِ، لغتانِ جيِّدتانِ مستعملتانِ في ضعفِ البدنِ والرأي"
(4)
.
ولمادة (ضعف) معنيانِ، وهما:
المعنى الأول: خلافُ القوةِ. الضَعْفُ والضُعْفُ: خلافُ القوةِ
(5)
، يُقالُ: فلانٌ ضَعِيفٌ
(6)
، وفَعِيلُ هنا بمعنى فاعل
(7)
، وقومٌ ضِعَافٌ، وضُعَفاء، وضَعَفَةٌ
(8)
.
(1)
انظر: شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك (2/ 107).
(2)
انظر: المصباح المنير للفيومي، مادة:(ضعف)، (ص/ 295).
(3)
انظر: تهذيب اللغة، مادة:(ضعف)، (1/ 482)، والمصباح المنير للفيومي، مادة:(ضعف)، (ص/ 295)، والقاموس المحيط، مادة:(ضعف)، (ص/ 1072).
(4)
تهذيب اللغة، مادة:(ضعف)، (1/ 482). انظر: المصباح المنير للفيومي، مادة:(ضعف)، (ص/295).
(5)
انظر: تهذيب اللغة، مادة:(ضعف)، (1/ 482)، والصحاح، مادة:(ضعف)، (4/ 1390)، ومقاييس اللغة، مادة:(ضعف)، (3/ 362)، والمصباح المنير للفيومي، مادة:(ضعف)، (ص/ 295)، والقاموس المحيط، مادة:(ضعف)، (ص/ 1072).
(6)
انظر: الصحاح، مادة:(ضعف)، (4/ 1390)، ومقاييس اللغة، مادة:(ضعف)، (3/ 362).
(7)
انظر: المصباح الفير للفيومي، مادة:(ضعف)، (ص/ 295).
(8)
انظر: الصحاح، مادة:(ضعف)، (4/ 1390)، ومقايس اللغة، مادة:(ضعف)، (3/ 362).
المعنى الثاني: المِثْل، وما زادَ
(1)
. يُقالُ: هذا ضِعْفُ هذا، أي: مثلُه
(2)
، وأَضْعَفتُ الشيءَ إضْعَافًا، وضَعَّفْتُه تَضْعِيْفًا
(3)
.
ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للضعيف:
تقدّم لنا أنَّ الضعيفَ مقابل للراجحِ، وإذا كان الراجحُ هو القولُ
(4)
الذي قوي دليلُه، فإنَّ الضعيفَ هو القولُ الذي لم يقوَ دليلُه
(5)
.
وقد وَرَدَ مصطلحُ: (الضعيف) في مدوّناتِ المذاهب - كما سيأتي في التمثيلِ له - لكنَّ علماءَ المالكيةِ على وجهِ الخصوصِ قعّدوا للمصطلح، وسأذكرُ اصطلاحَهم، ثم اتْبِعُه بذكرِ أمثلة الضعيفِ عند بقيةِ المذاهبِ.
الضعيفُ عند المالكية:
قسَّمَ علماءُ المالكيةِ الضعيفَ إلى قسمين:
القسم الأول: الضعيف النسبي.
القسم الثاني: ضعيف المدرك.
القسم الأول: الضعيف النسبي.
المرادُ بالضعيفِ النسبي: ما عارضَه ما هو أقوى منه، فيكون ضعيفًا بالنسبةِ لما هو أقوى منه
(6)
.
(1)
انظر: مقاييس اللغة، مادة:(ضعف)، (3/ 362).
(2)
انظر: تهذيب اللغة، مادة:(ضعف)، (1/ 480)، والصحاح، مادة:(ضعف)، (4/ 1390)، والقاموس المحيط، مادة:(ضعف)، (ص/ 1072).
(3)
انظر: مقاييس اللغة، مادة:(ضعف)، (3/ 362).
(4)
ليس المراد بالقول هنا القول المصطلح عليه، بل المراد به الرأي.
(5)
انظر: رفع العتاب والملام للفاسي (ص/ 20)، ونظرية الأخذ بما جرى به العمل في المغرب لعبد السلام العسري (ص/ 44)، ومصطلحات المذاهب الفقهية لمريم الظفيري (ص/ 204).
(6)
انظر: رفع العتاب والملام للفاسي (ص/ 20)، ومنار السالك إلى مذهب الإمام مالك للرجراجي (ص/ 45)، والاختلاف الفقهي في المذهب المالكي لعبد العزيز الخليفي (ص/ 172)، ونظرية الأخذ بما جرى به العمل في المغرب لعبد السلام العسري (ص/ 44)، ومصطلحات المذاهب الفقهية لمريم الظفيري (ص/ 204).
القسم الثاني: ضعيف المدرك.
المرادُ بضعيفِ المدرك: ما خالفَ الإجماعَ، أو النصَّ، أو القواعدَ، أو القياسَ الجلي، فيكونُ ضعيفًا في نفسِه
(1)
.
وهنا سوالٌ، وهو: هل يدخلُ في مصطلحِ: (الضعيف) القولُ الذي ليس له دليلٌ؟
لم أقف على جوابٍ لهذا السؤالِ - فيما رجعت إليه من مصادر - والأمرٌ محتملٌ؛ لأنَّه إذا كان عدُّ القولِ الذي لم يقوَ دليلُه ضعيفًا، فمِنْ بابٍ أَوْلى القول الذي ليس له دليلٌ.
وحين نستقرئُ عددًا مِن الأقوالِ الفقهيةِ التي وُصِفت بالضعفِ، نجدُ أنَّ مِن العلماءِ مَنْ يُبينُ وجهَ ضعفِ القولِ، ومنهم مَنْ يقتصرُ على التضعيفِ، دونَ بيانِ وجهِ الضعفِ.
أمثلة الضعيف عند المالكية:
المثال الأول: يقولُ محمدٌ الدسوقيُّ في مسألةِ: (العفو عن النجاسة وأثرها): "قولُه - أي: الدردير -: "لا ما فوق الدرهم ولو أثَّرَ"، أي: خلافًا للباجي، القائل: إنَّ الأثرَ معفوٌ عنه مطلقًا، ولو فَوْقَ درهمٍ، فهو قولٌ ضعيفٌ"
(2)
.
المثال الثاني: يقولُ الدرديرُ: "قولُ الرسالةِ: وقليلُ الماءِ ينجّسُه قليلُ النجاسةِ، وإنْ لم تُغيِّرْه، ضعيفٌ، وإنْ كانَ هو قول ابنِ القاسمِ"
(3)
.
أمثلة الضعيف عند بقيةِ المذاهبِ الفقهيةِ:
أولًا: أمثلة الضعيف عند الحنفية:
المثال الأول: يقولُ أبو بكرٍ السرخسي: "يقولُ أبو يوسفَ: إذا تقطَّعَ
(1)
انظر: المصادر السابقة.
(2)
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/ 73).
(3)
الشرح الصغير (1/ 38) مع بلغة السالك.
- أيْ: الضفدع والسمك والسرطان - في الماءِ، أفسده؛ بناءً على قولِه: إنَّ دمَه نجسٌ.
وهو ضعيفٌ؛ فإنَّه لا دمَ في السمكِ، إنَّما هو ماءٌ آجنٌ
(1)
"
(2)
.
المثال الثاني: يقولُ أبو بكرٍ السرخسي - أيضًا -: "رُوِيَ عن محمدٍ - رحمه الله تعالى - أنَّ المرأةَ إذا تذكّرت الاحتلامَ والتلذذَ، ولم ترَ شيئًا، فعليها الغُسْل؛ لأنَّ منيَّها يتدفقُ في رحمِها، فلا يظهرُ. وهو، ضعيفٌ"
(3)
.
المثال الثالث: يقولُ ابنُ عابدين: "قوله - أي: الحصكفي -: "ونبيذُ تمرٍ"، أي: على القولِ الضعيفِ بجوازِ الوضوءِ به؛ فهو كالتيمّمِ؛ لأنَّه بدلٌ عن الماءِ"
(4)
.
ثانيًا: أمثلة الضعيف عند الشافعية:
المثال الأول: يقول محيي الدين النووي: "إذا اشتبه لبنُ بقرٍ ولبنُ أتانٍ، وقلنا بالمذهبِ: إنَّه نجسٌ، أو اشتبه خَلٌّ وخمرٌ
…
فالمذهبُ في الجميعِ: منعُ الاجتهادِ، وبه قَطَعَ العراقيون، وللخراسانيين وجه ضعيف أنَّه يجتهدُ"
(5)
.
المثال الثاني: يقولُ المغربي الرشيدي
(6)
: "وسماعُها - أيْ: خطبة
(1)
الآجن: الماء المتغير الطعم واللون. انظر: القاموس المحيط، مادة:(أجن)، (ص/ 1516).
(2)
المبسوط (1/ 57).
(3)
المصدر السابق (1/ 70).
(4)
رد المحتار على الدر المختار (1/ 357).
(5)
المجموع شرح المهذب (1/ 195).
(6)
هو: أحمد بن عبد الرزاق بن محمد بن أحمد، شهاب الدين، المعروف بالمغربي الرشيدي، أصله من المغرب، وولد برشيد بمصر، ولم أقف على تاريخ مولده، كان فقيهًا شافعيًا محررًا نقادًا متفننًا فاضلًا شاعرًا، ذا فصاحة وبراعة في العلوم النقلية والعقلية، أقرَّ له علماء بلده بفضله وعلمه، وصار شيخ الشافعية في رشيد، وقد تولى التدريس وإفادة الطلاب، من مؤلفاته: حاشية على نهاية المحتاج للرملي، ومنظومة تيجان العنوان، وحسن الصفا والابتهاج بذكر من ولي إمارة الحاج، توفي برشيد سنة 1096 هـ. انظر ترجمته في: خلاصة الأثر للمحبي (1/ 265)، والأعلام للزركلي (1/ 145)، ومعجم المؤلفين لكحالة (1/ 169).