الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: الخروج عن المذهب في بعض المسائل
مِنْ المعلومِ أنَّ مبنى التمذهبِ على الالتزامِ بالمذهبِ، وهذا يعني أنَّ الأصلَ فيه عدمُ الخروجِ عنه في أصولِه وفروعِه، لكن قد يخرجُ المتمذهبُ عن مذهبِه في بعضِ المسائلِ لأيّ سببٍ كان، فما حكمُ خروجِه؟
مِنْ خلالِ تأمّلي لهذه المسألةِ، ظَهَرَ لي أنَّ لخروجِ المتمذهبِ عن المذهبِ ثلاثَ صورٍ:
الصورة الأولى: أنْ يأخذَ المتمذهبُ بقولٍ أو أقوالٍ خارجةٍ عن مذهبِه في بابٍ، أو أبوابٍ متفرقة
(1)
.
الصورة الثانية: أنْ يأخذَ المتمذهبُ بقولٍ خارجٍ عن مذهبه في مسألةٍ واحدةٍ ذاتِ أجزاء مترابطة (كوسائل المسالة ومقدماتها وأَحكامها)، كالشافعي إذا توضأَ، فمسحَ بعضَ شعرِه؛ أخذًا بمذهبِه، ثم مسَّ امرأةً دون شهوةٍ، ولم يجعل المسَّ ناقضًا؛ أخذًا بمذهبِ الحنفيةِ، ثم صلّى، فإنَّ صلاتَه غيرُ صحيحةٍ على مذهب الشافعيةِ؛ لانتقاضِ الطهارةِ بمس المرأةِ، وغيرُ صحيحةٍ على مذهبِ الحنفَية؛ لاقتصارِه على مسحِ بعضِ شعرِه
(2)
.
الصورة الثالثة: أنْ يأخذَ المتمذهبُ بقولٍ أو أقوالٍ خارجةٍ عن مذهبِه على سبيلِ تتبعِ الرخصِ.
(1)
انظر: التلفيق في الاجتهاد والتقليد للدكتور ناصر الميمان، مجلة وزارة العدل، العدد: الحادي عشر (ص/ 16).
(2)
انظر: مناهج الاجتهاد للدكتور محمد مدكور (ص/ 444)، والتلفيق في الاجتهاد والتقليد للدكتور ناصر الميمان، مجلة وزارة العدل، العدد: الحادي عشر (ص/ 16).
وسأتحدثُ في هذا المطلبِ عن الصورةِ الأُولى، وسيأتي الحديثُ عن الصورةِ الثانيةِ، والصورة الثالثةِ في مبحثٍ مستقلٍّ لكلٍّ منهما.
وأنبّه إلى أنَّ هناك مَنْ أطلقَ مصطلحَ: (التلفيق) على الصورة الأُولى
(1)
، يقولُ الدكتورُ عياضٌ السلمي:"يُطلقُ التلفيقُ على أعمِّ مِنْ هذا المعنى - أي: الصورة الثانية - عند بعضِ العلماءِ، حيثُ أدخلوا فيه أخذَ المقلِّدِ في مسألةٍ بمذهب إمامٍ، وفي مسألةٍ أخرى بمذهب إمام آخر، حتى لو لم يكن بين المسألتينَ تلازمٌ"
(2)
.
ومع أن حقيقةَ الصورة الأُولى قد تكون داخلةً في التلفيق، إلا أنِّي آثرتُ الفصلَ بينها، وبين الصورةِ الثانيةِ؛ للآتي:
أولًا: أنَّ كثيرًا ممَّنْ تحدّث عن التلفيقِ - من المتأخرين
(3)
، والمعاصرين
(4)
- قَصَرَ الحديثَ على الصورةِ الثانيةِ.
ثانيًا: إقرارُ بعضِ مَنْ أدرجَ الصورةَ الأُولى في التلفيقِ بأنَّ الخلافَ قد اشتدَّ في الصورةِ الثانيةِ، يقولُ الدكتورُ ناصر الميمان: "قد قام النزاعُ
…
واشتد في الصورةِ الثالثة
(5)
"
(6)
.
(1)
انظر: التلفيق وموقف الأصوليين منه للدكتور محمد الدويش (ص/ 150)، والتلفيق في الاجتهاد والتقليد للدكتور ناصر الميمان، مجلة وزارة العدل، العدد: الحادي عشر (ص/ 16).
(2)
أصول الفقه (ص/ 489).
(3)
انظر مثلًا: التحقيق في بطلان التلفيق للسفاريني (ص/ 159 وما بعدها)، وعمدة التحقيق للباني (ص/ 91 وما بعدها).
(4)
انظر مثلًا: مناهج الاجتهاد للدكتور محمد مدكور (ص/ 444)، والأخذ بالرخص الشرعية للدكتور وهبة الزحيلي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد: الثامن (1/ 64)، والأخذ بالرخصة وحكمه للدكتور عبد الله محمد عبد الله، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد: الثامن (1/ 116)، والتلفيق لخليل الميس، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد: الثامن (1/ 161)، والأخذ بالرخص وحكمه لمجاهد القاسمي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد: الثامن (1/ 331)، والأخذ بالرخص وحكمه للدكتور عبد العزيز خياط، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد: الثامن (1/ 366).
(5)
الصورة الثالثة عند الدكتور ناصر الميمان هي الصورة الثانية عندي.
(6)
التلفيق في الاجتهاد والتقليد، مجلة وزارة العدل، العدد: الحادي عشر (ص/ 16).
ثالثًا: وجودُ مَنْ ينازعُ في إدراجِ الصورةِ الأُولى تحتَ مصطلح: (التلفيق)، جاء في:(الموسوعة الفقهية الكويتية): "التلفيقُ المقصودُ هنا: هو ما كانَ في المسألةِ الواحدةِ
…
أمَّا الأخذُ بأقوالِ الأئمةِ في مسائل متعددة فليس تلفيقًا، وإنَّما هو تنقّلٌ بين المذاهبِ، أو تخيّرُ منها"
(1)
.
ثم إنَّ المسالةَ اصطلاحيةٌ لفظيةٌ، فالخَطْبُ فيها يسيرٌ.
الصورة الأولى: أنْ يأخذَ المتمذهبُ بقولٍ أو أقوالٍ خارجةٍ عن مذهبه الذي التزمه في بابٍ، أو أبوابٍ متفرقةٍ، كما لو أَخَذَ الحنبليُّ في بابِ الطهارةِ بمذهب الشافعية في نواقضِ الطهارةِ، ولا يكون هناك تأثرٌ بين مسائل البابين، وَكما لو أَخَذَ الحنفيُّ بمذهبِ الحنابلة في أبوابِ المعاملاتِ.
• صورة المسألة:
هلْ للمتمذهب الخروجُ عن مذهبِه في بعضِ المسائلِ، فيخالف مذهبَ إمامِه، ويأخذ بقولِ مجتهدٍ آخر؟
(2)
.
• تحرير محل النزاع:
أولًا: ظَهَرَ لي مِنْ خلالِ بحثِ المسألةِ أنَّه لا يدخلُ في الحديثِ فيها ما إذا ترجَّحَ للمتمذهبِ غيرُ مذهبِه؛ لأنَّ خروجَه عنه لمقتضٍ
(3)
.
ثانيًا: حكى عددٌ مِن العلماءِ الاتفاقَ على أنَّه ليس للمقلِّدِ الخروجُ عن مذهبِه في الأحكامِ التي عملَ بها إلى غيرِه من المذاهبِ، منهم:
(1)
الموسوعة الفقهية الكويتية (13/ 294).
(2)
انظر: الإحكام في أصول الأحكام للآمدي (4/ 238)، والبحر المحيط (6/ 320).
(3)
يقول تقي الدين بن تيمية في جامع الرسائل، المجموعة الثامنة (ص/ 439 - 440):"فالرجل إذا اتبع قول بعض الأئمة في مسألة، وقول آخر في مسالة أخر؛ إما لظهور دليل ذلك له، وإما لترجيح بعض العلماء الذين يسوغ له تقليدهم قول هذا في هذه وقول هذا في هذه: لم يكن فاعل ذلك ملامٌ". وانظر: كشاف القناع للبهوتي (15/ 48).
الآمديّ
(1)
، والشريفُ التلمساني
(2)
، وابنُ الحاجبِ
(3)
، وصفيُّ الدين الهندي
(4)
، وأبو الثناءِ الأصفهاني
(5)
، وتاجُ الدينِ بن السبكي
(6)
، وجمالُ الدين الإسنوي
(7)
، وأبو زكريا الرهوني
(8)
، وابنُ الهمام الحنفي
(9)
.
ونازعَ في حكاية الاتفاقِ تقيُّ الدين السبكي
(10)
، وبدرُ الدين الزركشي
(11)
.
(1)
انظر: الإحكام في أصول الأحكام (4/ 238).
(2)
انظر: فتاوى البرزلي (1/ 81).
(3)
انظر: مختصر منتهى السول (2/ 1264).
(4)
انظر: نهاية الوصول (8/ 3919).
(5)
انظر: بيان المختصر (3/ 369). وأبو الثناء الأصفهاني هو: محمود بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أبي بكر بن علي، شمس الدين أبو الثناء الأصفهاني، ولد في أصبهان سنة 674 هـ كان فقيهًا شافعيًّا، أصوليًّا محققًا، مفسرًا لكتاب الله، إمامًا بارعًا في العقليات، عارفًا بالأصلين، محبًّا لأهل الخير والصلاح، منقادًا لهم، مُطَّرِحًا للتكلف، من مؤلفاته: بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب، وشرح مطالع الأنوار، وشرح منهاج الوصول إلى علم الأصول، وتشييد القواعد في شرح تجريد العقائد، توفي بالقاهرة سنة 749 هـ بمرض الطاعون. انظر ترجمته في: طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (10/ 383)، وطبقات الشافعية للأسنوي (1/ 172)، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (2/ 144)، والدرر الكامنة لابن حجر (4/ 327)، وبغية الوعاة للسيوطي (2/ 278)، وشذرات الذهب لابن العماد (8/ 281)، والبدر الطالع للشوكاني (ص/ 816).
(6)
انظر: رفع الحاجب (4/ 606).
(7)
انظر: نهاية السول (4/ 617).
(8)
انظر: تحفة المسؤول (4/ 303). وأبو زكريا الرهوني هو: يحيى بن موسى - وفي بعض المصادر: ابن عبد الله - الرهوني، أبو زكريا، كان فقهيًا مالكيًّا حافظًا يقظًا متفننًا، إمامًا في أصول الفقه والمنطق وعلم الكلام، أديبًا بليغًا، صدر العلماء في وقته، وقد حاز الرياسة والحظوة عند الخاصة والعامة، ذا دين وورع، ثاقب الذهن، بارع الاستنباط، تولى التدريس في المدرسة المنصورية، من مؤلفاته: تحفة المسؤول في شرح مختصر منتهى السول، وتقييد على تهذيب المدونة للبراذعي، اختلف في سنة وفاته، فقيل: توفي سنة 774 هـ وقيل: توفي سنة 775 هـ. انظر ترجمته في: الديباج المذهب لابن فرحون (2/ 362)، والدرر الكامنة لابن حجر (4/ 421)، وإنباء الغمر له (1/ 36)، ودرة الحجال لابن القاضي (3/ 333)، وشذرات الذهب لابن العماد (8/ 394).
(9)
انظر: التحرير (3/ 350)، مع شرحه التقرير والتحبير.
(10)
انظر: فتاوى تقي الدين السبكي (1/ 148).
(11)
انظر: البحر المحيط (6/ 324).
يقولُ بدرُ الدِّينِ الزركشي: "ادَّعى الآمديُّ، وابنُ الحاجب أنَّه
(1)
يجوزُ قبلَ العملِ، لا
(2)
بعده بالاتفاقِ، وليس كما قالا! ففي كلامِ غيرِهما ما يقتضي جريان الخلافِ بعد العملِ أيضًا"
(3)
.
وحَمَلَ الشيخُ علويّ السقاف الاتفاقَ المحكي آنفًا على ما إذا بَقِيَ مِنْ آثارِ القول ما يلزمُ منه مع الثاني تركيبُ حقيقةٍ واحدةٍ مركبةٍ لا يقولُ بها كلٌّ مِنْ الإمامين
(4)
.
والظاهرُ اختصاصُ الاتفاقِ - على فرضِ التسليمِ به - بالعامي
(5)
؛ لأنَّ المتمذهبَ قد يظهرُ له رجحانُ غيرِ مذهبِه، بخلافِ العامي، فليس لديه أهليةُ معرفةِ الراجحِ
(6)
.
وأيضًا: فمِن الأقوالِ في المسألةِ قولُ مَنْ يجعلُ المتمذهبَ كالعامي، فيجوزُ له الخروج من مذهبِه قبلَ العملِ، لا بعده.
• الأقوال في المسألة:
اختلفَ الأصوليون في خروجِ المتمذهبِ عن مذهبِه على أقوال، أشهرها:
القول الأول: لا يجوزُ للمتمذهبِ أنْ يأخذَ بغيرِ مذهبِه.
نَسَبَ أبو المحاسنِ بنُ تيميةَ هذا القولَ إلى بعضِ الحنابلةِ، وبعضِ الشافعيةِ
(7)
.
(1)
وقع في: المصدر السابق: "أنه لا يجوز"، وإضافة "لا" خطأٌ يخل بالمعنى.
(2)
وقع في: المصدر السابق: "ولا بعده"، وإضافة الواو خطأٌ يخل بالمعنى.
(3)
المصدر السابق. وانظر: الدر الفريد لأحمد الحموي (ص/ 100 - 102).
(4)
انظر: الفوائد المكية (ص/ 85).
(5)
انظر: تشنيف المسامع (4/ 620).
(6)
انظر: البحر المحيط (6/ 324).
(7)
انظر: المسودة (2/ 865). ومن أعجب ما وقفت عليه من القائلين بهذا القول، ما نقله صالح المقبلي في: العَلَم الشامخ (ص/288) عن بعض المفتين من أهل مكة أن المنتقل عن مذهبه بحجة وبرهان يجب تعزيره! فكيف المنتقل بلا حجة وبرهان؟ !
ومنشأ هذا القول التعصب المذهبي الشديد، وينبغي أنْ لا يلتفت إليه.
وجَزَمَ الجيلي
(1)
بهذا القولِ - كما نقله عنه بدرُ الدين الزركشي في كتابِه: (البحر المحيط)
(2)
- واختاره: إمامُ الحرمين الجويني
(3)
، وابنُ حمدان
(4)
، وتقيُّ الدِّينِ بنُ تيميةَ
(5)
، وابنُ أبي القاسم اليماني
(6)
، كما نسبه إليه ابنُ الوزيرِ
(7)
.
وذَكَرَ هذا القولَ دونَ نسبةٍ إلى أحدٍ كلٌّ مِنْ: ابنِ بَرْهان
(8)
،
(1)
هو: عبد العزيز بن عبد الكريم بن عبد الكافي الهمامي الجيلي، صائن الدين، كان حيًّا في سنة 629 هـ أحد مشاهير المذهب الشافعي، يقول تاج الدين السبكي عنه:"الرجل ممن لا ينبغي الاعتماد على ما تفرد به من النقل، بل تُراجع كتب أصحابنا، فإن وجد ما نقله فيها، والا فيضرب عنه صفحًا"، وقد شرح التنبيه للشيرازي بشرحين أحدهما: الموضح في شرح التنبيه، وحجمه صغير، وهو المشهور عند الشافعية، وهو شرح معروف مفيد، والثاني: كبير الحجم، يقول تاج الدين السبكي عن شرح التنبيه:"كلامه كلام عارفٍ بالمذهب، غير أنَّ في شرحه غرائب، من أجلها شاع بين الطلبة أن في نقله ضعفًا"، ويقول جمال الدين الإسنوي:"سمعت بعض المشايخ الصلحاء يحكي أنَّ الشرح المذكور لما برز، حسده عليه بعضهم، فدسَّ عليه أشياء أفسده به، وهذا هو الظاهر؛ إذ يبعد صدور ذلك عن عالمٍ خصوصًا في تصنيف"، من مؤلفاته: الكتابان السابقان، وشرح الوجيز، وكتاب الإعجاز في الإلغاز، وشرح مشكلات المهذب. انظر ترجمته في: طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (8/ 256)، وطبقات الشافعية للإسنوي (1/ 373)، والمهمات في شرح الروضة له (1/ 127)، والوافي بالوفيات للصفدي (18/ 523)، ولسان الميزان لابن حجر (5/ 212)، والإعلام للزركلي (4/ 21).
(2)
انظر: (6/ 320).
(3)
انظر: البرهان (2/ 885)، ومغيث الخلق (ص/ 16).
(4)
انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام (20/ 222).
(5)
انظر: المصدر السابق.
(6)
هو: علي بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن جعفر بن محمد بن الناصر بن الهادي يحيى بن الحسين، ولد سنة 769 هـ كان علامةً من كبار علماء الزيدية، وكان يقريء الطلبة في جميع علوم الإجتهاد، وسائر كتب التفسير، وقد كتب رسالة إلى تلميذه محمد بن إبراهيم الوزير، كانت سببًا لأن يصنف ابن الوزير كتابه (العواصم والقواصم) في الرد على رسالة شيخه، من مؤلفاته: تجريد الكشاف، وتفسير القرآن، وشرح على كافية ابن الحاجب موسوم بالبرود الصافية والعقود الوافية، توفي سنة 837 هـ. انظر في ترجمته: مطلع البدور لابن أبي الرجال (3/ 310)، والبدر الطالع للشوكاني (ص/ 486)، والأعلام للزركلي (5/ 8)، ومعجم المؤلفين لكحالة (2/ 521).
(7)
انظر: العواصم والقواصم (3/ 128).
(8)
انظر: الوصول إلى الأصول (2/ 370).
والآمديّ
(1)
، وابنِ الحاجبِ
(2)
، وشهابِ الدين القرافيّ
(3)
، وصفيّ الدين الهندي
(4)
، وأبي الثناءِ الأصفهاني
(5)
، وتاجِ الدين بن السبكي
(6)
، وجمالِ الدين الإسنوي
(7)
، وأبي زكريا الرهوني
(8)
، وبدرِ الدّينِ الزركشي في كتابه:(تشنيف المسامع)
(9)
، وابنِ الهمامِ الحنفي
(10)
، وابنِ أمير الحاج
(11)
، وأحمدَ الحموي
(12)
.
ونَسَبَ عبد الله العلوي هذا القول إلى أبي عبدِ الله المازري، وأبي حامدٍ الغزالي
(13)
.
ويمكن أنْ يُلْحَقَ بأرباب هذا القولِ القائلون بوجوبِ التمذهبِ بمذهبِ إمامٍ معيّن دونَ سائرِ الأئمةِ.
القول الثاني: يجوزُ للمتمذهبِ أنْ يأخذَ بغيرِ مذهبِه.
نسب أبو المحاسنِ بن تيمية هذا القولَ إلى جمهورِ الحنابلةِ، وإلى سائرِ العلماءِ
(14)
. ونسبه ابن النجارِ إلى الأكثرِ
(15)
. ونسبه أبو زكريا الرهوني إلى بعضِ المتأخرين مِن المغاربةِ
(16)
.
واختاره جمعٌ مِن العلماءِ، منهم: ابن الحاجبِ
(17)
، والعزُّ ابن
(1)
انظر: الإحكام في أصول الأحكام (4/ 238).
(2)
انظر: مختصر منتهى السول (2/ 1265).
(3)
انظر: نفائس الأصول (9/ 4146).
(4)
انظر: نهاية الوصول (8/ 3921).
(5)
انظر: بيان المختصر (3/ 370).
(6)
انظر: رفع الحاجب (4/ 606).
(7)
انظر: نهاية السول (4/ 626).
(8)
انظر: تحفة المسؤول (4/ 304).
(9)
انظر: (4/ 620).
(10)
انظر: التحرير (3/ 350)، مع شرحه التقرير والتحبير.
(11)
انظر: التقرير والتحبير (3/ 350).
(12)
انظر: الدر الفريد (ص/ 106).
(13)
انظر: نشر البنود (2/ 348)، ووقع فيه:"الحازري"، بدلًا عن:"المازري"، وهو تصحيف.
(14)
انظر: المسودة (2/ 865).
(15)
انظر: شرح الكوكب المنير (4/ 577).
(16)
انظر: تحفة المسؤول (4/ 303).
(17)
انظر: مختصر منتهى السول (2/ 1264).
عبد السلام
(1)
، ويحيى الزناتي
(2)
، وأمير باد شاه
(3)
، وأحمدُ الحموي
(4)
، وجلالُ الدين السيوطي
(5)
، وعبدُ العلي الأنصاري
(6)
، وقيّدَ السيوطيُّ والأنصاريُّ القولَ بالجوازَ بأنْ لا يتتبع الرخصَ.
وذَكَرَ هذا القول دون نسبةٍ إلى أحدٍ كلٌّ مِن: ابن بَرْهان
(7)
، والآمديّ
(8)
، وشهاب الدّينِ القرافيّ
(9)
، وصفيّ الدِّين الهندي
(10)
، وأبي الثناء الأصفهاني
(11)
، وتاجِ الدين بنِ السبكي
(12)
، وجمالِ الدين الإسنوي
(13)
، وابنِ الهمام الحنفي
(14)
، وابنِ أمير الحاج
(15)
، وإبراهيم
(1)
انظر: قواعد الأحكام (2/ 274).
(2)
انظر: شرح تنقيح الفصول (ص/ 432).
ولم أقف ليحيى الزناتي على ترجمة فيما رجعت إليه من مصادر، وقد مال الدكتور عبد الرحمن الجبرين في تعليقه على كتاب: رفع النقاب للشوشاوي (6/ 49 - 50) إلى أنَّه أبو عمران، موسى بن عمران الزناتي المالكي، صاحب شرح الرسالة (ت: 702 هـ أو 708 هـ)، وبيَّن الدكتور عبد الرحمن أن الإشكال لا يزال قائمًا.
والذي يظهر لي أنَّ هناك عالمًا مالكيًّا اسمه يحيى الزناتي، بدليل: وروده في بعض كتب المالكية، مثل: شرح تنقيح الفصول للقرافي (ص/ 432)، ومواهب الجليل للحطاب (2/ 110)، وفتح العلي المالك لعليش (1/ 135).
ويبقى النظر في ترجمته، فأقول: لم أقف له على ترجمة، وأميل إلى أنَّ يحيى الزناتي قريب من عصر أبي بكر الطرطوشي (ت: 530)، أو معاصر له؛ بدليل: ما جاء من أنهما لم يصليا خلف إمام المالكية بالمسجد الحرام؛ لأنه يصلي المغرب والعشاء في شهر رمضان في وقت واحد، كما جاء في: مواهب الجليل للحطاب (2/ 110)، وفتح العلي المالك لعليش (1/ 134)، وأظن أن زمن وقوع مثل هذه الحادثة قصير، لم يستمر عقودًا أو قرنًا. والله أعلم.
(3)
انظر: تيسير التحرير (4/ 253).
(4)
انظر: الدر الفريد (ص/ 106).
(5)
انظر: الحاوي للفتاوي (2/ 5).
(6)
انظر: فواتح الرحموت (2/ 406).
(7)
انظر: الوصول إلى الأصول (2/ 370).
(8)
انظر: الإحكام في أصول الأحكام (4/ 238).
(9)
انظر: نفائس الأصول (9/ 4146).
(10)
انظر: نهاية الوصول (8/ 3921).
(11)
انظر: بيان المختصر (3/ 370).
(12)
انظر: رفع الحاجب (4/ 606).
(13)
انظر: نهاية السول (4/ 626).
(14)
انظر: التحرير (3/ 351)، مع شرحه التقرير والتحبير.
(15)
انظر: التقرير والتحبير (3/ 350).
اللقاني
(1)
، وعبدِ الله العلوي
(2)
.
وقال عنه بدرُ الدّين الزركشي: "وهو الأصحُّ في الرافعي"
(3)
.
ويلحقُ بأربابِ هذا القول مَنْ فصَّلَ الحكمَ: فأجازَ للمتمذهبِ الخروجَ عن مذهبِه إذا لم تكن المسألةُ الثانيةُ التي سيخالف مذهبَه فيها متصلةً بعملِ المتمذهب بالمسألةِ الأُولى، أمَّا إنْ كانت - المسألةُ الثانيةُ متصلةً بعملِ المتمذهبِ بالمسألةِ الأولى، فليس له الخروج عن مذهبِه.
وقد ذَهَبَ إلى هذا التفصيلِ جمعٌ من العلماءِ، منهم: الآمدي
(4)
، وشهابُ الدين القرافي
(5)
، وأبو زكريا الرهوني
(6)
، وإبراهيمُ اللقاني
(7)
.
القول الثالث: أنَّ المتمذهبَ كالذي لم يلتزم مذهبًا، ليس له الخروجُ عن مذهبِه في الأحكامِ التي عملَ بها إلى غيرِه مِن المذاهبِ، وكلُّ مسألةٍ لم يعملْ فيها بمذهبِه، فلا مانعَ مِن الأخذِ بغيرِه.
اختارَ هذا القولَ تاجُ الدين السبكي
(8)
، وعبدُ الله العلوي
(9)
، ومالَ إليه ابنُ الهمامِ الحنفي
(10)
.
وذَكَرَ القولَ الثالثَ دونَ نسبةٍ إلى أحدٍ: أبو الثناء الأصفهاني
(11)
، وبدرُ الدين الزركشي
(12)
، وأبو القاسم البرزلي
(13)
، وابنُ الهمام الحنفي
(14)
.
(1)
انظر: منار أصول الفتوى (ص/ 209).
(2)
انظر: نشر البنود (2/ 348).
(3)
تشنيف المسامع (4/ 620). وانظر: العزيز شرح الوجيز للرافعي (12/ 427)، والتقرير والتحبير (3/ 350).
(4)
انظر: الإحكام في أصول الأحكام (4/ 238).
(5)
انظر: نفائس الأصول (9/ 4147).
(6)
انظر: تحفة المسؤول (4/ 304).
(7)
انظر: منار أصول الفتوى (ص/ 209).
(8)
انظر: رفع الحاجب (4/ 606).
(9)
انظر: نشر البنود (2/ 348).
(10)
انظر: التحرير (3/ 351)، مع شرحه التقرير والتحبير.
(11)
انظر: بيان المختصر (3/ 370).
(12)
انظر: تشنيف المسامع (4/ 620).
(13)
انظر: فتاوى البرزلي (1/ 81).
(14)
انظر: التحرير (3/ 351)، مع شرحه التقرير والتحبير.
القول الرابع: يجوزُ للتمذهبِ أنْ يخرجَ عن مذهبِه في بعضِ المسائل، إنْ غَلَبَ على ظنِّه أن غيرَ مذهبِه هو الأقوى.
نَسَبَ بدرُ الدين الزركشي هذا القولَ إلى أبي الحسين القدوري
(1)
.
ويظهرُ لي أنَّ هذا القولَ لا يخرجُ في مجملِه عن القولِ الثاني؛ لأن مَنْ يجوّزُ الخروجَ عن المذهبِ، فإنَّه يجوّز الخروجَ إنْ غَلَبَ على ظنِّ المتمذهبِ رجحانُ غيرِ مذهبِ إمامِه؛ من بابٍ أولى.
• أدلةُ الأقوال:
أدلةُ أصحابِ القولِ الأول: استدلَّ أصحابُ القولِ الأولِ بأدلةٍ، منها:
الدليل الأول: انعقدَ الإجماعُ على عدمِ جوازِ التنقلِ بين المذاهبِ؛ إذ لم يُعلمْ أنَّ أحدًا مِن المقلِّدين يترددُ بين مذاهبِ علماءِ الإسلامِ المتقدمين منهم والمتأخرين، فلم يُوجدْ مَنْ يقلِّدُ أبا بكرٍ رضي الله عنه في مسألةٍ، ويقلِّدُ في أخرى عمر رضي الله عنه، ولا مَنْ كان حنفيًا في مسألةٍ، شافعيًا في أخرى.
وقد حكى الإجماعَ ابنُ أبي القاسم اليماني، كما نقله عنه محمد الوزير
(2)
.
مناقشة الدليل الأول: نوقش الدليل من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: لا نُسلِّم صحةَ الإجماعِ المذكورِ في الدليلِ، بلْ قد انعقد الإجماعُ على خلافِ ما ذُكِرَ في الدليلِ
(3)
، كما سيأتي الاستدلالُ به بعدَ قليلٍ.
الوجه الثاني: أنَّ المستدلَّ بالإجماعِ عوَّل في انعقادِه على المقلِّدين
(1)
انظر: البحر المحيط (6/ 321).
(2)
انظر: العواصم والقواصم (3/ 128)، والروض الباسم (1/ 220).
(3)
انظر: المصدرين السابقين.
العوام، ومِن المعلومِ أنَّه لا عبرةَ بهم مع المجتهدين، فكيفَ بهم وحدهم؟ !
(1)
.
الوجه الثالث: لو سُلِّمُ انعقادُ الإجماعِ لما كانَ فيه دلالةٌ على وجوبِ الالتزامِ بالمذهبِ في جميعِ المسائلِ، وتحريمِ الخروجِ عنه؛ لأنَّه فعلٌ، وليس بقولٍ، وفعلُ الأُمَّة دليلٌ على الجوازِ، لا على الوجوبِ؛ لأنَّها عُصِمَت عن الحرامِ، لا عن المباحِ
(2)
.
الدليل الثاني: أن المتمذهبَ التزمَ مذهبَه كلَّه، فليس له أنْ يأخذَ بخلافِه
(3)
.
الدليل الثالث: قياسُ حالِ المتمذهب في هذه الصورة على مَنْ أَخَذَ بقولِ إمامِه وعَمِلَ به، فليس له الرجوعُ عنه
(4)
.
الدليل الرابع: لو لم نقلْ بمنعِ الخروجِ عن المذهب، لأدَّى ذلك إلى أنْ يأخذَ المتمذهبُ مِنْ أقوالِ العلماءِ ما هو أيسرُ عليه، وفي هذا مفسدةٌ ظاهرةٌ، فقلنا بالمنعِ؛ سدًّا للذريعةِ
(5)
، وحفظًا على مصلحةِ التدين
(6)
.
الدليل الخامس: أنَّ المتمذهبَ اعتقدَ أنَّ مذهبَه هو الصواب، فعليه الوفاءُ بموجَبِ اعتقادِه
(7)
.
(1)
انظر: العواصم والقواصم (3/ 131)، والروض الباسم (1/ 224).
(2)
انظر: العواصم والقواصم (3/ 132)، والروض الباسم (1/ 225).
(3)
انظر: الوصول إلى الأصول لابن برهان (2/ 370)، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي (4/ 238)، ونهاية الوصول للهندي (8/ 3921)، والتقرير والتحبير (3/ 355)، ونشر البنود (2/ 348)، ونثر الورود للشنقيطي (2/ 682).
(4)
انظر: المصادر السابقة، وتحفة المسؤول للرهوني (4/ 304)، وتشنيف المسامع (4/ 620)، وتيسير التحرير (4/ 253).
(5)
انظر: مغيث الخلق للجويني (ص/ 16)، ونهاية الوصول للهندي (8/ 3919)، والبحر المحيط (6/ 320)، وسلم الوصول لمحمد المطيعي (4/ 619).
(6)
انظر: العزيز شرح الوجيز للرافعي (12/ 427).
(7)
انظر: التقرير والتحبير (3/ 350)، وتيسير التحرير (4/ 253)، والدر الفريد لأحمد الحموي (ص/ 106)، وفواتح الرحموت (2/ 406).
مناقشة الدليل الخامس: لم ينشأ الاعتقادُ المذكورُ في دليلِكم عن دليلٍ شرعي، حتى يُلزم المتمذهب بالاستمرار عليه
(1)
.
الدليل السادس: أن مَنْ خَرَجَ عن مذهبِه مِنْ غيرِ مسوّغٍ، ولا استدلالٍ يقتضي خلافَ مذهبِه، ولا عذرٍ يبيحُ له ما فعله، فإنَّه يكونُ متبعًا لهواه، واتباعُ الهوى غيرُ جائزٍ
(2)
.
أدلةُ أصحابِ القولِ الثاني: استدلَّ أصحابُ القولِ الثاني بأدلةٍ، منها:
الدليل الأول: لا فرقَ بين أقوالِ أئمةِ المذاهبِ بالنظرِ إلى اعتبارِها شرعًا، فليس هناك فرقٌ بينهم، وإذا لم يكن ثمّةَ فرقٌ، جازَ للمتمذهبِ بمذهبِ إمامٍ معيّنٍ أنْ يخرجَ عن مذهبِه إلى مذهب غيرِه مِن الأئمةِ، والتزامُ المتمذهبِ بمذهبِ إمامِه لا يُخْرِجُ أقوال الأَئمةِ الآخرين عن كونِها معتبرةً
(3)
.
الدليل الثاني: أنَّ التزامَ المتمذهبِ بمذهبِ إمامِه غيرُ ملزمٍ له أنْ لا يفارقَه، فلا يحرمُ عليه الخروجُ عنه
(4)
.
الدليل الثالث: لم يَزَل الناسُ منذُ عهدِ الصحابةِ رضي الله عنهم إلى ظهورِ المذاهبِ الأربعةِ يأخذون بقولِ مَنْ اتفق مِن العلماءِ، ولم يُنْكِرْ عليهم أحدٌ، فكان هذا إجماعًا، ولو كانَ الواجبُ التزامَ أقوال عالمٍ بعينِه، لأنكرَ العلماءُ فعلَ الناسِ، وإذا أَخَذَ الشخصُ بمذهبٍ معيّنٍ وَجَبَ أنْ يبقى هذا التخييرُ
(1)
انظر: فواتح الرحموت (2/ 406)، وسلم الوصول لمحمد المطيعي (4/ 618).
(2)
انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام (20/ 222).
(3)
انظر: الوصول إلى الأصول لابن برهان (2/ 370)، والبحر المحيط (6/ 320).
(4)
انظر: الوصول إلى الأصول لابن برهان (2/ 370)، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي (4/ 238)، ونهاية الوصول للهندي (8/ 3921)، وتشنيف المسامع (4/ 620)، وتيسير التحرير (4/ 253)، والدر الفريد لأحمد الحموي (ص/ 106)، ومنار أصول الفتوى للقاني (ص / 209)، ونشر البنود (2/ 348)، ونثر الورود للشنقيطي (2/ 682).
المجمعُ عليه، حتى يحصل دليلٌ على رفعِه
(1)
.
الدليل الرابع: لم يُوجب الله تعالى ولا رسولُه صلى الله عليه وسلم على الناسِ أنْ يأخذوا بمذهب أحدٍ في جميعِ أمورِهم، ولم يحرِّم الله تعالى ولا رسولُه صلى الله عليه وسلم على الناسِ الخَروجَ عن مذاهبِهم
(2)
.
أدلةُ أصحابِ القولِ الثالثِ: استدلَّ أصحابُ القولِ الثالثِ بأدلةٍ، منها:
الدليل الأول: انتفاءُ الدليل الشرعي الموجِبِ والملزِمِ على المتمذهب اتباع مذهبِه فيما لم يعملْ به
(3)
، وما لم يوجبْه الشرعُ فهو باطلٌ؛ لأنَّ التشريعَ بالرأي حرام
(4)
.
مناقشة الدليل الأول: لا يشملُ دليلُكم حالةَ ما إذا عَمِلَ المتمذهبُ بمذهبِه، فهو مقتصرٌ على بعضِ قولِكم
(5)
.
الدليل الثاني: إذا لم يجرْ للعامي الرجوعُ فيما عمل اتفاقًا، فالمتمذهبُ الملتزمُ مذهبًا معيّنًا أولى بعدمِ الجوازِ
(6)
.
مناقشة الدليل الثاني: لا نُسلّم الاتفاق على أنَّه ليسَ للعاميّ الرجوعُ فيما عمل، وقد تقدمَ بيانُ هذا في صدرِ المسألةِ.
(1)
انظر: العزيز شرح الوجيز للرافعي (12/ 427)، وقواعد الأحكام للعز بن عبد السلام (2/ 274)، ونفائس الأصول (9/ 4146، 4148)، ونهاية الوصول للهندي (8/ 3920)، وبيان المختصر للأصبهاني (3/ 370)، والبحر المحيط (6/ 320)، ورفع النقاب للشوشاوي (6/ 67).
(2)
انظر: التقرير والتحبير (3/ 350)، وتيسير التحرير (4/ 253)، والدر الفريد لأحمد الحموي (ص/ 106)، وفواتح الرحموت (2/ 406).
(3)
انظر: التقرير والتحبير (3/ 351)، وتيسير التحرير (4/ 254).
(4)
انظر: فواتح الرحموت (2/ 406).
(5)
انظر: المصدر السابق، وسلم الوصول لمحمد المطيعي (4/ 618).
(6)
انظر: نشر البنود (2/ 348).
• الموازنة والترجيح:
يرتبطُ الترجيحُ في هذه المسألةِ - مِنْ وجهةِ نظري - بالترجيحِ في مسألةِ: (حكم التمذهبِ بأحدِ المذاهبِ الأربعة)
(1)
المتقدّم بحثُها، ولأنِّي رجّحتُ جوازَ التمذهب في الجملةِ، فالذي يظهرُ لي في مسألتنا بعدَ النظرِ في الأقوالِ وأدلتها، رَجحانُ القولِ الثاني المجوِّز للمتمذهبِ الخروج عن مذهبه، إذا اطمأنتْ نفسُ المتمذهب إلى القولِ الذي ذَهَبَ إليه، وخلا الخروجُ عن قصدِ التلهي والتشهي؛ وذَلك سدًّا لذريعةِ الخروجِ مِنْ تكليفاتِ الشرعِ.
ويتأكدُ الجوازُ إنْ كانَ خروجُ المتمذهب عن مذهبِه لمسوِّغ أو للاحتياطِ
(2)
، أمَّا إنْ ظَهَرَ له رجحانُ مذهبِه، فليسَ له الخروجُ عنه
(3)
.
وقد رجّحتُ ما سبق؛ للآتي:
أولًا: سلامةُ الإجماعِ الذي استدلَّ به أصحابُ القولِ الثاني، والذي يدلُّ على أنَّ الأصلَ عدمُ لزومِ الاستمرارِ على مذهبِ مجتهدٍ واحدٍ.
ثانيًا: لا فرقَ بين المذاهب الفقهيةِ مِنْ جهةِ جوازِ التمذهبِ بها، وبناءً عليه، فإن الأصلَ في الانتقالَ عنها والخروجِ منها هو الجوازُ.
ثالثًا: أنَّ التزامَ المتمذهبِ بمذهبِه غيرُ ملزِمٍ له؛ لانتفاءِ الدليلِ الشرعي الذي يُلْزِم المتمذهب بالبقاءِ على مذهبِه والاستمرارِ عليه.
رابعًا: لا يبعدُ أنْ يكونَ القولُ بمنعِ المتمذهبِ من الخروجِ عن مذهبِه عند بعضِ القائلين به ناشئًا من التعصبِ المذهبي.
يقولُ الدكتورُ عياض السلمي عن حكمِ المسألةِ: "هذا لا يمكنُ منعه،
(1)
انظر: المعيار المعرب للونشريسي (12/ 45).
(2)
انظر: صفة الفتوى (ص/ 39)، وسير أعلام النبلاء (8/ 90).
(3)
انظر: فتاوى تقي الدين السبكي (1/ 147).
إلا على قولِ مَنْ يُوجِبُ على المقلّدِ الالتزام بمذهبٍ واحدٍ في جميعِ ما يفعلُ أو يترك، وهو قولٌ فاسدٌ لا دليلَ عليه، أوقعَ فيه الإفراطُ في التقليدِ"
(1)
.
خامسًا: أن اتباعَ الراجحِ هو الأصل، فإذا خَرَجَ المتمذهبُ عن مذهبِه؛ لظهورِ رجحانِ غيرِه، فقد أدَّى ما عليه.
سادسًا: أنَّ الأدلةَ التي استدلَّ بها أصحابُ القولِ الأول لا تقوى على القولِ بمنعِ المتمذهب من الخروجِ عن مذهبِه، وهي معَارَضةٌ بما هو أقوى منها.
• أثر الخلاف:
الخلافُ بين الأقوالِ خلافٌ معنوي، وقد ذَكَرَ جمالُ الدين الإسنوي أثرًا له في مسألة: إذا تولَّى مقلِّدٌ القضاءَ؛ للضرورةِ، فحَكَمَ بمذهب غيرِ مقلَّده: فإنْ قلنا: لا يجوزُ له الخروجُ عن مذهبِه، نُقِض حكمُه.
وإنْ قلنا: يجوزُ له الخروجُ عن مذهبِه، لم يُنْقَضْ حكمُه
(2)
.
* * *
(1)
أصول الفقه (ص/ 489).
(2)
انظر: التمهيد في تخريج الفروع على الأصول (ص/528).