المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الرابعة: تقسيم ابنه كمال باشا - التمذهب – دراسة نظرية نقدية - جـ ٢

[خالد الرويتع]

فهرس الكتاب

- ‌الفرع الرابع عشر: الضعيف

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للضعيف:

- ‌الفرع الخامس عشر: المنكر

- ‌الفرع السادس عشر: الشاذ

- ‌الفرع السابع عشر: الطرق

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للطرق:

- ‌ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للطرق:

- ‌الفرع الثامن عشر: الإجراء

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للإجراء:

- ‌ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للإجراء:

- ‌الفرع التاسع عشر: التوجيه

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للتوجيه:

- ‌ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للتوجيه:

- ‌المسألة السادسة: تفضيل مذهب من المذاهب

- ‌المبحث الرابع: أقسام التمذهب

- ‌الفصل الثاني: نشأة التمذهب، وتاريخه

- ‌المبحث الأول: نشأة التمذهب

- ‌المطلب الأول: حالة الناس قبل نشوء المذاهب

- ‌المطلب الثاني: نشأة المذاهب الفقهية

- ‌المطلب الثالث: أسباب نشوء المذاهب الفقهية

- ‌المطلب الرابع: أسباب بقاء المذاهب الفقهية الأربعة

- ‌المبحث الثاني: تاريخ التمذهب

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: التمذهب من نشأته إلى نهاية القرن الثالث الهجري

- ‌المطلب الثاني: التمذهب من القرن الرابع الهجري إلى نهاية القرن السابع الهجري

- ‌المطلب الثالث: التمذهب من القرن الثامن الهجري إلى منتصف القرن الرابع عشر الهجري

- ‌المطلب الرابع: التمذهب من منتصف القرن الرابع عشر الهجري إلى العصر الحاضر

- ‌الفصل الثالث: حكم التمذهب

- ‌تمهيد: في تقليد الميت

- ‌المبحث الأول: التمذهب بمذهب الصحابي(1)، والتابعي

- ‌المبحث الثاني: التمذهب بأحد المذاهب الأربعة الفقهية المشهورة

- ‌المبحث الثالث: التمذهب بغير المذاهب الأربعة

- ‌الفصل الرابع الأحكام المترتبة على التمذهب

- ‌المبحث الأول: طبقات المتمذهبين

- ‌المطلب الأول أبرز مناهج المتقدمين في تقسيم طبقات المتمذهبين

- ‌تمهيد

- ‌توطئة

- ‌المسألة الأولى: تقسيم ابن الصلاح

- ‌المسألة الثانية: تقسيم ابن حمدان

- ‌المسألة الثالثة: تقسيم ابن القيم

- ‌المسألة الرابعة: تقسيم ابنه كمال باشا

- ‌المطلب الثاني: أبرز مناهج المتأخرين في تقسيم طبقات المتمذهبين

- ‌توطئة

- ‌المسألة الأولى: تقسيم شاه ولي الله الدهلوي

- ‌المسألة الثانية: تقسيم محمد أبو زهرة

- ‌المسألة الثالثة: تقديم الدكتور محمد الفرفور

- ‌القسم الأول: المجتهدون اجتهادًا مطلقًا في الشرع

- ‌القسم الثاني: المجتهدون المقيَّدون بالمذهبِ

- ‌المطلب الثالث: الموازنة بين التقسيمات

- ‌المبحث الثاني: الانتقال عن المذهب

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: الانتقال عن المذهب إلى الاجتهاد

- ‌توطئة

- ‌المسألة الأولى: الانتقال عن التمذهب إلى الاجتهاد المستقل

- ‌المسألة الثانية: الانتقال عن التمذهب إلى الاجتهاد المنتسب

- ‌المطلب الثاني: الانتقال عن التمذهب بمذهب معين إلى التمذهب بمذهب آخر

- ‌المطلب الثالث: الخروج عن المذهب في بعض المسائل

- ‌المبحث الثالث: تتبع الرخص

- ‌توطئة

- ‌المطلب الأول: تعريف التتبع

- ‌المطلب الثاني: تعريف الرخصة في: اللغة، والاصطلاح

- ‌أولًا: تعريف الرخصة في اللغة:

- ‌ثانيًا: تعريف الرخصة في الاصطلاح:

- ‌المطلب الثالث: تعريف تتبع الرخص

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين الرخصة من العالم، وزلة العالم

- ‌المطلب الخامس: حكم تتبع الرخص

- ‌المبحث الرابع: التلفيق بين المذاهب

- ‌المطلب الأول: تعريف التلفيق في اللغة، والاصطلاح

- ‌توطئة

- ‌المسألة الأولى: تعريف التلفيق في اللغة

- ‌المسألة الثانية: تعريف التلفيق في الاصطلاح

- ‌المطلب الثاني: صور التلفيق

- ‌توطئة

- ‌المسألة الأولى: التلفيق بين قولين في مسألة وفروعها

- ‌المسألة الثانية: التلفيق بين أثر القول وقول آخر في مسألة وفروعها

- ‌المطلب الثالث: أقسام التلفيق، وحكم كل قسم

- ‌تمهيد

- ‌المسألة الأولى: التلفيق في الاجتهاد

- ‌المسألة الثانية: التلفيق في التقليد

- ‌المسألة الثالثة: التلفيق في التقنين

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين التلفيق وتتبع الرخص

- ‌الفصل الخامس: أحكام المتمذهب

- ‌المبحث الأول: عمل المتمذهب إذا خالف مذهبه الدليل

الفصل: ‌المسألة الرابعة: تقسيم ابنه كمال باشا

‌المسألة الرابعة: تقسيم ابنه كمال باشا

اشتهرَ تقسيمُ ابنِ كمال باشا

(1)

عند علماءِ الحنفيةِ الذين أتوا بعده، وكان منهم المؤيّدُ، ومنهم المعارضُ، ولا يبعدُ القولُ بأنَّ تقسيمَ ابن كمال أشهرُ التقسيماتِ عند علماءِ الحنفيةِ.

يقولُ الدكتورُ محمد أحمد علي عن تقسيمِ ابنِ كمال: "هذا التقسيمُ أوسعُ انتشارًا، وأكثرُ قبولًا"

(2)

.

وقد جَعَلَ ابنُ كمال باشا الطبقاتِ سبعًا بما في ذلك طبقة المجتهدين، وسأُوردُ الطبقات، ثمَّ أعقبها بما أُورد عليها مِن اعتراضات.

الطبقة الأولى: المجتهدون في الشرع

(3)

.

ومثَّلَ ابنُ كمال لهذه الطبقة بالأئمةِ الأربعةِ، ومَنْ سَلَكَ مسلكَهم في تأسيسِ قواعدِ الأصولِ، واستنباطِ أحكامِ الفروعِ عن الأدلةِ الأربعةِ: الكتاب والسنة والإجماع والقياس على حسبِ تلك القواعدِ، مِنْ غيرِ تقليدٍ لأحدٍ في الفروعِ، ولا في الأصولِ

(4)

.

(1)

هو: أحمد بن سليمان بن كمال باشا التركي، شمس الدين، المشهور بابن كمال باشا، كان إمامًا عالمًا علامةً رُحلةً فهامةً، فقيهًا أصوليًا، دقيق النظر، أحد أعيان المذهب الحنفي في زمنه، اشتغل بالعلم وهو شاب، وتفنن في عدد من العلوم، كالتفسير والحديث والنحو والصرف والبلاغة والمنطق، درّس في عدة مدارس، ثم ولي القضاء مدينة أدرنة، وصار في آخر عهده مفتيًا في القسطنطينية، من مؤلفاته: تفسير القرآن العزيز - لم يكمل - وتجريد التجريد في علم الكلام، وحواشٍ على التلويح، وتغيير التنقيح في الأصول، توفي سنة 940 هـ. انظر ترجمته في: الطبقات السنية للغزي (1/ 355)، وشذرات الذهب لابن العماد (10/ 335)، والكواكب السائرة للغزي (2/ 107)، والأعلام للزركلي (1/ 133).

(2)

المذهب عند الحنفية (ص/58).

(3)

انظر: طبقات المجتهدين لابن كمال باشا (ص/277)، وطبقات الفقهاء لطاش زاده (ص/ 8)، والطبقات السنية للتميمي (1/ 33)، ورد المحتار على الدر المختار لابن عابدين (1/ 253)، وشرح عقود رسم المفتي له (ص/38).

(4)

انظر: المصادر السابقة.

ص: 915

وأهلُ هذه الطبقة غيرُ داخلين في طبقاتِ المتمذهبين؛ للقطعِ بانتفاءِ وصفِ التمذهبِ عنهم.

الطبقة الثانية: طبقةُ المجتهدين في المذهبِ

(1)

.

ومثَّل ابنُ كمال للطبقةِ الثانيةِ بأبي يوسفَ ومحمدِ بنِ الحسن وسائر أصحابِ أبي حنيفةَ القادرين على استخراج الأحكامِ عن الأدلةِ على مقتضى القواعدِ التي قررها إمامُهم أبو حنيفةَ، وإنْ خالفوه في بعضِ أحكامِ الفروعِ، لكنهم يقلِّدونه في قواعدِ الأصولِ

(2)

.

وبتمذهب أهلِ هذه الطبقة في الأصولِ فارقوا أئمةَ المذاهبِ الأخرى، كالإمامِ مالكٍ والإمامِ الشافعي والإمامِ أحمدَ المخالفين لأبي حنيفةَ في الأصولِ والفروعِ

(3)

.

وأهلُ هذه الطبقة، بناءً على ما قرره ابنُ كمال باشا - بغضِّ النظرِ عمَّنْ مثّلَ بهم - متمذهبون في الأصولِ دونَ الفروع، وتمذهبُهم في الفروعِ تمذهبٌ بالاسمِ فقط.

الطبقة الثالثة: المجتهدون في المسائلِ التي لا روايةَ فيها عن أصحابِ المذهبِ

(4)

.

ومثل ابنُ كمال لهذه الطبقة بالخصَّافِ

(5)

وأبي جعفرٍ الطحاوي وأبي

(1)

انظر: المصادر السابقة.

(2)

انظر: المصادر السابقة.

(3)

انظر: طبقات المجتهدين لابن كمال باشا (ص/278)، وطبقات الفقهاء لطاش زاده (ص/ 8)، والطبقات السنية للتميمي (1/ 33)، ورد المحتار على الدر المختار لابن عابدين (1/ 254)، وشرح عقود رسم المفتي له (ص/38).

(4)

انظر: المصادر السابقة.

(5)

هو: أحمد بن عمرو - وقيل: ابن مهر - بن مهير، أبو بكر الشيباني، المعروف بالخصاف، كان علامةً فقيهًا فرضيًا كبيرًا في العلم، فاضلًا صالحًا، زاهدًا ورعًا، يأكل من كسب يده، من علماء الحنفية المبرزين في وقته، ، مقدمًا عند الخليفة المهتدي، من مؤلفاته: الخراج، والحيل والمخارج على مذهب أبي حنيفة، وأدب القاضي، وأحكام الوقوف، والرضاع، توفي ببغداد سنة 261 هـ وقد قارب الثمانين سنة. انظر ترجمته في: طبقات الفقهاء للشيرازي =

ص: 916

الحسنِ الكرخي وشمسِ الأئمةِ الحلواني

(1)

وأبي بكرِ السرخسي وفخرِ الدين البزدوي وفخرِ الدّينِ قاضي خان

(2)

، وأمثالِهم؛ فإنَّهم لا يقدرونَ على المخالفةِ لشيخٍ لا في الأصولِ، ولا في الفروعِ، ولكنَّهم يستنبطون الأحكامَ في المسائلِ التي لا نصَّ عنه فيها، حسب أصولِ قررها، ومقتضى قواعد بَسَطَها

(3)

.

يقولُ الشيخُ محمد أبو زهرة معلِّقًا على أهلِ هذه الطبقةِ: "هذه الطبقةُ هي التي خَدَمت الفقهَ الحنفي؛ إذ هي التي وَضَعَت الأسسَ لنموِه، والتخريج عليه، والبناء على أقوالِه، وهي التي وَضَعَتْ أُسسَ الترجيحِ فيه، والمقايسة بين الآراء، وتصحيح بعضِها وتضْعِيف الآخر، وهي التي ميزت الكيانَ الفقهي للمذهبِ الحنفي"

(4)

.

= (ص/ 132)، وسير أعلام النبلاء (13/ 123)، والوافي بالوفيات للصفدي (7/ 266)، والجواهر المضية للقرشي (1/ 230)، وتاج التراجم لقطلوبغا (ص/ 97)، والطبقات السنية للغزي (1/ 418)، والفوائد البهية للكنوي (ص/ 39).

(1)

هو: عبد العزيز بن أحمد بن نصر بن صالح، أبو محمد شمس الأئمة الحلواني، كان علامةً إمام الحنفية في وقته ببخارى، عالمًا بأنواع العلوم، معظِّمًا للحديث، غير متساهل في روايته، وقد أخذ العلم عن جماعة من علماء عصره، وحدّث عن أبي عبد الله غنجار، من مؤلفاته: المبسوط، والنوادر، توفي ببخارى سنة 448 هـ وقيل: سنة 449 هـ. انظر ترجمته في: الأنساب للسمعاني (4/ 194)، وسير أعلام النبلاء (18/ 177)، والجواهر المضية للقرشي (2/ 429)، وتاج التراجم لقطلوبغا (ص/ 189)، والطبقات السنية للغزي (4/ 345)، والفوائد البهية للكنوي (ص/ 122).

(2)

هو: الحسن بن منصور بن أبي القاسم محمود بن عبد العزيز الفرغاني، فخر الدين أبو المحاسن المعروف بقاضي خان، كان إمامًا كبيرًا، علامةً بحرًا في العلوم، فهامةً غواصًا في المعاني الدفيقة، حنفي المذهب، أخذ العلم عن جماعة من أهل العلم، منهم: ظهير الدين المرغيناني، وله مصنفات عديدة، منها: الفتاوى، وشرح الجامع الصغير، وشرح أدب القضاء للخصاف، توفي سنة 592 هـ. انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (21/ 231)، والجواهر المضية للقرشي (2/ 93)، وتاج التراجم لقطلوبغا (ص/ 151)، والطبقات السنية للغزي (3/ 116)، والفوائد البهية للكنوي (ص/ 84).

(3)

انظر: طبقات المجتهدين لابن كمال باشا (ص/ 278)، وطبقات الفقهاء لطاش زاده (ص/ 8)، والطبقات السنية للتميمي (1/ 33)، ورد المحتار على الدر المختار لابن عابدين (1/ 254)، وشرح عقود رسم المفتي له (ص/ 38).

(4)

أبو حنيفة - حياته وعصره (ص/ 386).

ص: 917

الطبقة الرابعة: أصحابُ التخريجِ من المقلِّدين

(1)

.

ومثَّلَ ابنُ كمال لهذه الطبقة بالرازي وأمثالِه؛ فإنَّهم لا يقدرون على الاجتهادِ أصلًا، لكنَّهم؛ لإحاطتِهم بالأصولِ، وضبطهم للمآخذِ يقدرون على تفصيلِ قولٍ مجملٍ ذي وجهين، وحُكمٍ مُبْهَم

(2)

محتملٍ لأمرين، منقولٍ عن صاحبِ المذهب، أو عن واحدٍ مِنْ أصحابِه المجتهدين، برأيهم ونَظَرِهم في الأصولِ وَالمقايسة على أمثالِه ونظرائه مِن الفروعِ، وقولُ بعضِ الحنفيةِ:"كذا في تخريجِ الكرخي، وتخريجِ الرازي"، مِنْ هذا القبيلِ

(3)

.

الطبقة الخامسة: أصحابُ الترجيحِ مِن المقلِّدين

(4)

.

ومثَّلَ ابنُ كمال لهذه الطبقةِ بأبي الحسين القدوري وصاحب الهداية

(5)

، وأمثالِهما، وشَأْنُهم تفضيلُ بعضِ الرواياتِ على بعضٍ، بقولِهم: هذا أولى

(6)

، وهذا أصحُّ روايةً، وهذا أرفق للناسِ

(7)

.

الطبقة السادسة: المقلِّدون القادرون على التمييزِ بين الأقوى والقوي

(1)

انظر: طبقات المجتهدين لابن كمال باشا (ص/ 278)، وطبقات الفقهاء لطاش زاده (ص/ 9)، والطبقات السنية للتميمي (1/ 34)، ورد المحتار على الدر المختار لابن عابدين (1/ 254)، وشرح عقود رسم المفتي له (ص/ 40 - 41).

(2)

وقع في: الطبقات السنية للتميمي (1/ 33): "مهم"، وهو تصحيف.

(3)

انظر: طبقات المجتهدين لابن كمال باشا (ص/278)، وطبقات الفقهاء لطاش زاده (ص/ 9)، والطبقات السنية للتميمي (1/ 34)، ورد المحتار على الدر المختار لابن عابدين (1/ 254)، وشرح عقود رسم المفتي له (ص/ 40 - 41).

(4)

انظر: طبقات المجتهدين لابن كمال باشا (ص/278 - 279)، وطبقات الفقهاء لطاش زاده (ص/ 9)، والطبقات السنية للتميمي (1/ 34)، ورد المحتار على الدر المختار (1/ 256)، وشرح عقود رسم المفتي (ص/ 42 - 43).

(5)

مؤلف الهداية هو المرغيناني.

(6)

جاء في: طبقات المجتهدين لابن كمال باشا (ص/ 279): "أدنى"، وهو تصحيف.

(7)

انظر: المصدر السابق (ص/ 278 - 279)، وطبقات الفقهاء لطاش زاده (ص/ 9)، والطبقات السنية للتميمي (1/ 34)، ورد المحتار على الدر المختار لابن عابدين (1/ 256)، وشرح عقود رسم المفتي له (ص/ 42 - 43).

ص: 918

والضعيف، وظاهرِ المذهبِ وظاهرِ الروايةِ والروايةِ النادرةِ

(1)

.

ومثَّلَ ابنُ كمال لهذه الطبقةِ بأصحاب المتونِ المعتبرةِ مِن المتأخرين، مثل: صاحب الكنزِ

(2)

وصاحبِ المختارِ

(3)

وصاحب الوقايةِ

(4)

وصاحبِ المجمعِ

(5)

، وشَأْنُهم أنْ لا ينقلوا في كتبِهم الأقوالَ المردودةَ، والرواياتِ الضعيفةَ

(6)

.

الطبقة السابعة: المقلِّدون الذين لا يقدرون على ما ذُكِرَ، ولا يُفرّقون بين الغثِّ

(7)

والسمين، ولا يميّزون بين الشمالِ واليمينِ، بلْ يجمعونَ ما يجدون، كحاطبِ ليلٍ، فالويلُ لهم، ولمنْ قلَّدهم كلّ الويلِ

(8)

.

(1)

انظر: المصادر السابقة.

(2)

مؤلف كنز الدقائق هو: أبو البركات النسفي.

(3)

مؤلف المختار للفتوى: هو عبد الله الموصلي، وهو: عبد الله بن محمود بن مودود بن محمود الموصلي، أبو الفضل مجد الدين، ولد بالموصل سنة 599 هـ كان فقيهًا عالمًا فاضلًا حنفيًا عارفًا بمذهبه، من أفراد الدهر في معرفة الفروع، ولي قضاء الكوفة، ثم عزل، وذهب إلى بغداد ودرَّس بها، تولى إفتاء الناس، من مؤلفاته: المختار للفتوى، والاختيار لتعليل المختار، والمشتمل على مسائل المختصر، توفي ببغداد سنة 683 هـ. انظر ترجمته في: الجواهر المضية للقرشي (2/ 349)، وتاج التراجم لقطلوبغا (ص/ 176)، والطبقات السنية للغزي (4/ 239)، والفوائد البهية للكنوي (ص/ 137).

(4)

مؤلف الوقاية: هو محمود المحبوبي، وهو: محمود بن عبيد بن محمود - وقيل: اسمه: محمود بن أحمد بن عبيد الله بن إبراهيم - المحبوبي، تاج الشريعة، كان عالمًا فاضلًا حبرًا زاخرًا تحريرًا، من أعيان الحنفية، من مؤلفاته: الكفاية شرح الهداية، والوقاية مختصر الهداية، ولم أقف في ترجمته على أكثر من هذا، والذي يمكن أن يقال: إنه عاش بعد القرن السادس؛ لأنه شرح الهداية للمرغيناني (المتوفى سنة 593 هـ). انظر ترجمته في: الجواهر المضية للقرشي (4/ 369)، وتاج التراجم لقطلوبغا (ص/ 291)، والفوائد البهية للكنوي (ص/ 272).

(5)

مؤلف مجمع البحرين هو: أحمد بن علي بن تغلب الساعاتي.

(6)

انظر: طبقات المجتهدين لابن كمال باشا (ص/278 - 279)، وطبقات الفقهاء لطاش زاده (ص/ 9)، والطبقات السنية للتميمي (1/ 34)، ورد المحتار على الدر المختار لابن عابدين (1/ 256)، وشرح عقود رسم المفتي له (ص/ 42 - 43).

(7)

الغثُّ هو: المهزول. انظر: القاموس المحيط، مادة:(غثث)، (ص/ 221).

(8)

انظر: طبقات المجتهدين لابن كمال باشا (ص/ 279)، وطبقات الفقهاء لطاش زاده =

ص: 919

يقولُ الشيخُ محمد أبو زهرة عن الطبقةِ السابعةِ: "إنَّ هذا الصنفَ

قد كَثُرَ في العصورِ الأخيرةِ، فهم يتعبَّدون بعبارةِ الكتبِ لا يتجاوزن ما فيها، ولا يميزون بين الأدلةِ، ولا الأقوالِ والراوياتِ"

(1)

.

هذه هي طبقاتُ الفقهاءِ التي أوردها ابنُ كمال باشا، وقد تباينت مواقفُ العلماءِ - وخاصةً علماء الحنفية - تجاه هذا التقسيمِ، فكان هناك موقفان:

الموقف الأول: موقفُ المؤيدين - أو المعتمدين - لتقسيم ابن كمال باشا.

الموقف الثاني: موقف المنتقدين لتقسيم ابن كمال باشا.

الموقف الأول: موقفُ المؤيدين - أو المعتمدين - لتقسيم ابن كمال باشا.

أيّدَ بعضُ العلماءِ تقسيمَ ابنِ كمال باشا، بلْ نصَّ بعضُهم على استحسانِه، وأورده آخرون دونَ اعتراضٍ عليه، وذكره آخرون دونَ إشارةٍ إلى نسبتِه إلى ابنِ كمال باشا.

فممّنْ ذَكَرَ تقسيمَ ابنِ كمال باشا: طاش كبري زاده

(2)

، والكفويُّ

(3)

-

= (ص/ 10)، والطبقات السنية للتميمي (1/ 34)، ورد المحتار على الدر المختار لابن عابدين (1/ 256)، وشرح عقود رسم المفتي له (ص/ 43).

(1)

أصول الفقه (ص/ 398).

(2)

انظر: طبقات الفقهاء (ص/ 7 - 10).

(3)

نقل تقسيمَ الكفويِّ اللكنويُّ في: عمدة الرعاية (1/ 7 - 9)، لكنَّ الكفويَّ اقتصر على خمس طبقات من هذه السبع، فلم يذكر الطبقة الأولى، والطبقة السابعة.

والكفوي هو: أيوب بن موسى الحسيني القريمي، أبو البقاء الكفوي، ولد في كفا بالقرم سنة 1028 هـ كان عالمًا ثقة دينًا ورعًا، من قضاة المذهب الحنفي، ولي القضاء في تركيا والقدس وبغداد، من مؤلفاته: الكليات، وشرح بردة البوصيري، توفي باسطنبول سنة 1094 هـ. انظر ترجمته في: إيضاح المكنون للبغدادي (2/ 380)، والأعلام للزركلي (2/ 38)، ومعجم المؤلفين لكحالة (1/ 418)، ومقدمة تحقيق الكليات للكفوي (ص/ 7).

ص: 920

دونَ إشارةٍ منهما إلى ابن كمال باشا - وتقيُّ الدّينِ التميمي

(1)

، وقالَ عنه:"تقسيمٌ حسنٌ جدًّا"

(2)

، وابنُ عابدين

(3)

، وعلوي بن أحمد السقاف

(4)

، ومحمدٌ حسنين مخلوف المالكي

(5)

، والدكتورُ محمد شلبي

(6)

، والدكتورُ بدران أبو العينين - ونسب التقسيمَ إلى ابن عابدين

(7)

- والدكتورُ محمد أحمد علي

(8)

، ومحمدٌ تقي العثماني

(9)

، والدكتورُ محمد محروس المدرس، دون إشارة منه إلى ابن كمال باشا

(10)

.

يقولُ الشيخُ محمد تقي العثماني بعدما ذَكَرَ طبقاتِ ابنِ كمال باشا: "إنَّ بعضَ الناسِ يزعمون أنَّ هذه الطبقات السبعة أقسامٌ متباينةٌ لا تجتمعُ في شخصٍ واحدٍ، فمَنْ كان مِنْ أهلِ الترجيحِ لا يكون مِنْ أهلِ التخريجِ، ومَنْ كان مِنْ أهلِ التخريجِ لا يكون مجتهدًا في المسائل.

لكن الذي ظَهَرَ لهذا العبدِ الضعيفِ - عفا اللهُ عنه - هو أنَّ هذه الأقسامَ للوظائفِ، لا للأشخاصِ، والمراد أنَّ وظائفَ الفقهاءِ تنقسم إلى

(1)

هو: تقي الدين بن عبد القادر التميمي الغزي المصري، ولد سنة 950 هـ كان حنفي المذهب عالمًا عاملًا فاضلًا، مقبلًا على التعبد والتزهد، أديبًا مؤرخًا، وقد جال في البلاد، ودخل بلاد الروم، واشتغل بالقضاء في مصر، من مؤلفاته: الطبقات السنية في تراجم الحنفية، وحاشية على شرح الألفية لابن مالك، والسيف البراق في عنق الولد العاق، ومختصر يتيمة الدهر للثعالبي، توفي بمصر سنة 1005 هـ وقيل: سنة 1010 هـ. انظر ترجمته في: خلاصة الأثر للمحبي (1/ 527)، ومعجم المؤلفين لكحالة (1/ 457)، ومقدمة تحقيق الطبقات السنية للغزي (1/ ح).

(2)

الطبقات السنية (1/ 34).

(3)

انظر: رد المحتار على الدر المختار (1/ 253 - 256)، وشرح عقود رسم المفتي (ص/ 39 - 44).

(4)

انظر: الفوائد المكية (ص/ 68 - 69).

(5)

انظر: بلوغ السول (ص/ 180).

(6)

انظر: المدخل في الفقه الإسلامي (ص/ 144 - 146).

(7)

انظر: تاريخ الفقه الإسلامي (ص/ 105 - 106)، والشريعة الإسلامية - تاريخها (ص/ 159 - 160).

(8)

انظر: المذهب عند الحنفية (ص/ 58 - 59).

(9)

انظر: أصول الإفتاء (ص/ 242)، مع المصباح في رسم المفتي.

(10)

انظر: مشايخ بلخ من الحنفية (1/ 175 - 176).

ص: 921

هذه الأقسام السبعة، ولا يستلزمُ مِنْ ذلك أنْ لا يكون الرجلُ يتولى جميع هذه الوظائف، أو بعضها في وقتٍ واحدٍ

لذا ذكروا أبا جعفر الطحاوي رحمه الله أهل

(1)

الاجتهاد في المسائل، ثم عدّه بعضُهم مِنْ أصحابِ التخريجِ"

(2)

.

ومع وجاهة ما قاله الشيخ محمد العثماني، إلا أنَّ بعضَ النقدِ - كما سيأتي بعد قليل - موجَّه إلى تداخلِ بعضِ الطبقاتِ، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى: فإنَّ ابنَ كمال باشا قد نَعَتَ جملةً مِن الفقهاءِ بأنّ مِنْ شأنِهم كذا، ولا يقدرون على كذا (كما في الطبقةِ السابعة) ممَّا يعني أنَّهم عنده مِنْ أهلِ تلك الطبقةِ، دونَ غيرِها مِن الطبقاتِ

(3)

.

الموقف الثاني: موقف المنتقدين لتقسيم ابن كمال باشا.

انتقدَ جمعٌ مِنْ علماءِ المذهبِ الحنفي تقسيمَ ابنِ كمال، ومِنْ هؤلاءِ: شهابُ الدّينِ المرجاني

(4)

، فقد جَرَحَ التقسيمَ، وعلَّق على ثناءِ تقيّ الدين التميمي على التقسيم بأنَّه "تقسيمٌ حسنٌ جدًّا"

(5)

، فقالَ: "بلْ هو بعيدٌ عن الصحةِ بمراحل، فضلًا عن حسنِه جدًّا، فإنَّه تحكماتٌ باردةٌ، وخيالاتٌ

(1)

هكذا وردت العبارة في: أصول الإفتاء (ص/ 242)، مع المصباح في رسم المفتي، ولعل الأقرب:"مِنْ أهل".

(2)

المصدر السابق (ص/ 241 - 242).

(3)

انظر: المذهب الحنفي لأحمد نقيب (1/ 185).

(4)

هو: هارون بن بهاء الدين المرجاني، شهاب الدين، ولد في مرجان من قرى قازان بروسيا سنة 1233 هـ كان فقيهًا أصوليًا حنفي المذهب، مشاركًا في بعض العلوم، تلقَّى العلم على والده، ثم رحل إلى سمرقند وبخارى، جاء في ترجمته أنه "كانت له صولات وجولات في العلم، وبعض الشذوذ في الفهم، ولا يتقيد في اللغة بالمسموع، بل كان يطلق عنان قلمه كما يشاء"، من مؤلفاته: ناظورة الحق في فرضية العشاء وإن لم يغب الشفق، وحزمة الحواشي لإزالة الغواشي - وهي حاشية على التوضيح لصدر الشريعة - توفي في مرجان سنة 1306 هـ.

انظر ترجمته في: الأعلام الشرقية لزكي مجاهد (1/ 421)، والأعلام للزركلي (8/ 59)، ومعجم المؤلفين لكحالة (4/ 49).

(5)

الطبقات السنية (1/ 34).

ص: 922

فارغةٌ، وكلماتٌ لا روحَ لها، وألفاظٌ غيرُ محصِّلةِ المعنى، ولا سلفَ له في ذلك المدَّعى، ولا سبيل له في تلك الدعوى"

(1)

.

وانتقد تقسيمَ ابنِ كمال أيضًا: عبدُ الحي اللكنوي

(2)

، ومحمد بخيت المطيعي

(3)

، ومحمد الكوثري

(4)

، ومحمد أبو زهرة

(5)

، والدكتور يعقوب الباحسين

(6)

.

والنقدُ الموجه إلى طبقاتِ ابن كمالِ باشا يسير في اتجاهين:

الاتجاه الأول: النقدُ الموجّه إلى تقسيمِ الطبقاتِ، وترتيبِها.

الاتجاه الثاني: النقدُ الموجّه إلى توزيعِ الفقهاءِ على الطبقات

(7)

.

الاتجاه الأول: النقدُ الموجّه إلى تقسيمِ الطبقاتِ، وترتيبِها.

وجّه عددٌ مِن علماءِ الحنفيةِ نقدَهم إلى تقسيمِ طبقاتِ ابن كمال باشا، فذكروا الآتي:

(1)

ناظورة الحق (ص/ 104)، ملحق بكتاب حسن التقاضي للكوثري. وانظر: إرشاد أهل الملة لمحمد المطيعي (ص/249)، ورسالة في بيان الكتب التي يعول عليها له (ص/88).

ويتعقب الدكتور يعقوب الباحسين في: التخريج عند الفقهاء والأصوليين (ص/ 307) العبارات التي استخدمت في نقد طبقات ابن كمال باشا، فيقول:"لكنَّ الأسلوب الذي اتبع، والعبارات التي استخدمت لا تليق بالنقد العلمي".

(2)

انظر: الفوائد البهية (ص/ 10)، وعمدة الرعاية (1/ 7 وما بعدها).

(3)

انظر: إرشاد أهل الملة (ص/ 249).

(4)

انظر: حُسْن التقاضي (ص/ 29).

(5)

انظر: أبو حنيفة - حياته وعصره (ص/ 388)، وتاريخ المذاهب الإسلامية (ص / 331 وما بعدها).

(6)

انظر: التخريج عند الفقهاء والأصوليين (ص/ 306 - 307).

(7)

انظر: حسن التقاضي للكوثري (ص/ 29)، والوجيز في أصول الاستنباط للدكتور محمد الفرفور (2/ 597)، والتخريج عند الفقهاء والأصوليين للدكتور يعقوب الباحسين (ص/ 306)، والمذهب الحنفي لأحمد نقيب (1/ 170).

وقولُ الدكتور محمد أحمد علي في كتابه: المذهب عند الحنفية (ص/ 59) عن تقسيم ابن كمال باشا: "فالتقسيم في حدِّ ذاته، كقاعدة عامة مقبولٌ لدى الفقهاء الحنفية، والاعتراض منصبٌ على انطباق القاعدة والتقسيمات على الأفراد المدرجين في كل طبقة، أو عدم انطباقها": قولٌ غيرُ دقيقٍ.

ص: 923

أولًا: يرى الشيخُ محمدٌ أبو زهرة أنَّ عدَّ أبي يوسفَ، ومحمد بن الحسن، وزفر مِنْ أهلِ الطبقةِ الثانيةِ، محلُّ نظرٍ - كما سيأتي بعد قليلٍ - وبناءً عليه، فإذا كان لا يُوجَد في الطبقة الثانيةِ إلا هم وأمثالهم، فليس لهذه الطبقةِ وجودٌ في المذهبِ الحنفي؛ لأنَّ أبا يوسف ومحمدًا، وأمثالهما مجتهدون مستقلون كلّ الاستقلالِ، ولهم مِثْلُ ما لشيخهم أبي حنيفةَ مِنْ آراء، وإنْ كان له فضلُ السبقِ والتعليمِ

(1)

.

ثانيًا: انتقدَ الشيخُ محمدٌ أبو زهرة - أيضًا - الفَصْلَ بين الطبقتين: الثالثة والرابعة، وعلّلَ لذلك، فقالَ:"إنَّ الفرقَ بين الطبقةِ الرابعةِ، وسابقتها دقيقٌ لا يكادُ يستبين، ومَنْ عدَّهما طبقةً واحدةً لا يعدو الحقيقة؛ لأنَّ الترجيحَ بين الآراءِ على مقتضى الأصولِ لا يقل وزنًا عن استنباطِ أحكامِ فروعٍ لم تُؤْثَر لها أحكامٌ عن الأئمةِ"

(2)

.

فأصحابُ التخريجِ الذين عدّهم ابنُ كمال باشا الطبقة الرابعة، هم المجتهدون في المسائل التي لا روايةَ فيها عن إمام المذهب الذين عدّهم طبقةً ثالثةً.

ثالثًا: لمَّا ذَكَرَ ابنُ كمال الطبقةَ الرابعةَ: (أصحاب التخريج)، جَعَلَ عملَهم تفصيلَ قولٍ مجملٍ ذي وجهين، وحُكمٍ مُبْهَم محتمل لأمرين

وانتقد جمعٌ مِن العلماءِ صنيعَه؛ لأنَّ عملَ أهلِ الطبقةِ الرابعة على هذا الوصفِ، لا يتضحُ معه الفرقُ بينهم، وبين عملِ أهلِ الطبقةِ الخامسةِ:(أصحاب الترجيح)؛ لأنَّ عملَ أهلِ الطبقةِ الرابعةِ مِنْ قبيلِ الترجيحِ

(3)

.

يقولُ الشيخُ محمدٌ أبو زهرة: "إنَّه لكي تكون الأقسامُ متميزةً غيرَ متداخلة، يجب حذفُ طبقةٍ مِنْ هذه الطبقات الثلاث، وهي: الثالثةُ والرابعةُ

(1)

انظر: أبو حنيفة - حياته وعصره (ص/ 386).

(2)

المصدر السابق (ص/ 387).

(3)

انظر: أبو حنيفة - حياته وعصره (ص/ 387)، والوجيز في أصول الاستنباط للدكتور محمد الفرفور (2/ 597)، والتخريج عند الفقهاء والأصوليين للدكتور يعقوب الباحسين (ص/ 306).

ص: 924

والخامسةُ، واعتبارهما طبقتين اثنتين: إحداهما: طبقة المخرِّجين

والثانية: طبقة المرجِّحين

"

(1)

.

لكنْ يمكنُ التفريقُ بين الطبقتين: الرابعةِ والخامسةِ، وبيانُ ذلك: أنَّ وظيفةَ أرباب الطبقةِ الرابعةِ هي توضيح قولٍ واحدٍ فقط، أمَّا الطبقة الخامسة، فوظَيفةُ أهلِها هي الترجيحُ بين عدّةِ أقوال.

رابعًا: لا يتضحُ فرقٌ ظاهرٌ بين الطبقةِ الخامسةِ، والطبقةِ السادسةِ؛ لأنَّ أصحابَ الطبقةِ السادسةِ إذا كانوا قادرين على التمييزِ بين الأقوى والقوي والضعيفِ، وظاهرِ المذهب والروايةِ النادرةِ، فهم مِنْ أهل الترجيحِ الذين عدَّهم ابنُ كمال باشا في الطَبقةِ الخامسةِ

(2)

.

لكنَّ الشيخَ محمدًا أبو زهرة قرّر الفرقَ بين الطبقتين - فلا يَرِدُ الإشكالُ بناءً على تفريقِه بينهما - إذ جَعَلَ أهلَ الطبقةِ السادسةِ: (الذين لا يرجحون بين الأقوالِ والرواياتِ) على علمٍ بما رجّحَه السابقون، واختاروه، وبيّنوا أنَّه الأقوى، ومعرفةُ ما رجَّحه العلماءُ، والموازنة بين ترجيحِ المرجِّحين مِنْ حيثُ قوةُ الدليلِ، أو كثرةُ العددِ أمرٌ سهلٌ، فعملُ الطبقةِ السادسةِ ليس الترجيحِ، ولكنْ معرفةُ ما رُجِّحَ، وترتيب درجاتِ الترجيحِ

(3)

.

خامسًا: عقّبَ الشيخُ محمدٌ أبو زهرة على وصفِ أهلِ الطبقةِ السابعةِ بأنَّهم لا يُفرّقون بين الغثِّ والسمين، ولا يميزون بين الشمالِ واليمين

بقولِه: "لستُ أدري إذا كان هؤلاءِ على ذلك الوصفِ، فكيفَ يُعدون مِن الفقهاء؟ ! إنَّهم نقلة، إنْ أردنا أنْ نرفقَ بهم في الاسمِ"

(4)

.

(1)

أبو حنيفة - حياته وعصره (ص/ 387).

(2)

انظر: ناظورة الحق للمرجاني (ص/ 112)، ملحق بكتاب حسن التقاضي للكوثري، وإرشاد أهل الملة لمحمد المطيعي (ص/ 251)، والتخريج عند الفقهاء والأصوليين للدكتور يعقوب الباحسين (ص/ 306).

(3)

انظر: أبو حنيفة - حياته وعصره (ص/ 388).

(4)

المصدر السابق. وانظر: تاريخ المذاهب الإسلامية لمحمد أبو زهرة (ص/ 338).

ص: 925

ويمكنُ القول بأنَّ مرادَ ابن كمال باشا بالفقهاءِ ما يشملُ كلَّ مِن انتسبَ إلى الفقهِ؛ وأهلُ الطبقةِ السابعة ممَّنْ ينتسبُ إلى الفقهِ.

الاتجاه الثاني: النقدُ الموجه إلى توزيعِ الفقهاءِ على الطبقاتِ.

لمَّا ذَكَرَ ابنُ كمال باشا طبقاتِ الفقهاءِ أَرْدَفَ أغلبَها بذكرِ أمثلةٍ لها مِنْ علماءِ المذهبِ الحنفي، ورأى بعضُ علماءِ الحنفيةِ أنَّ بعضَ علمائهم أُنزِلوا في طبقةٍ دونَ التي يستحقونها.

وسأوجزُ الحديثَ هنا؛ لأنَّه لا يعدو أنْ يكونَ اختلافًا في وجهاتِ النظرِ إلى بعضِ العلماءِ، إضافةً إلى قلِّةِ الثمرةِ المرجوةِ وراءه.

أولًا: عدَّ ابنُ كمال باشا أبا يوسفَ ومحمدًا وسائرَ أصحاب أبي حنيفة مقلِّدين للإمامِ أبي حنيفةَ في أصولِه.

ولم يُسلِّمْ لابنِ كمال جمعٌ مِنْ علماءِ الحنفيةِ؛ لأنَّ لبعضِ أصحابِ الإمامِ أبي حنيفةَ أصولًا مختصة بهم، تفردوا بها عن الإمامِ أبي حنيفة، وخالفوه فيها

(1)

، ومَنْ يدرسُ حياتهم العلميةَ سيجدُ أنَّه يبعدُ وصفُهم بالتقليدِ لإمامِهم في أصولِه، فبعضُهم لم يكتفِ بالإمامِ أبي حنيفة، بلْ دَرَسَ على غيرِه مِن الأئمةِ

(2)

، مع العلمِ أن الأصولَ لم تحرّرْ تحريرًا كاملًا في عهدِ الإمامِ أبي حنيفة، حتى يُقال: إنَّ أصحابَه تلقوها عنه، واتَّبعوه فيها، وإنَّما كانت الأصولُ تراعى عند الاستنباطِ، ولا تُلقى إلقاءً

(3)

.

يقولُ الشيخُ محمدٌ أبو زهرة: "إنَّ أبا يوسف ومحمدًا وزفرَ - وغيرَهم

(1)

انظر: ناظورة الحق للمرجاني (ص/ 105)، ملحق بكتاب حسن التقاضي للكوثري، والتعليقات السنية على الفوائد البهية للكنوي (ص/ 41)، وعمدة الرعاية له (1/ 8)، وإرشاد أهل الملة لمحمد المطيعي (ص/ 250 وما بعدها)، والتخريج عند الفقهاء والأصوليين للدكتور يعقوب الباحسين (ص/ 306)، وأصول الإفتاء للعثماني (ص/ 218 وما بعدها)، مع المصباح في رسم المفتي.

(2)

انظر: تاريخ المذاهب الإسلامية لمحمد أبو زهرة (ص/ 331 - 332).

(3)

انظر: المصدر السابق (ص/ 332).

ص: 926

من الأصحاب - كانوا مستقلين في تفكيرِهم الفقهي كلّ الاستقلالِ، وما كانوا مقلِّدينَ لشيخِهم بأيّ نحوٍ مِن نواحي التقليدِ.

وكونهم درسوا آراءَه، أو تلقوها عليه، وتثقفوا في أُوْلى دراساتِهم عليه، لا يمنعُ استقلالَ تفكيرِهم، وحريةَ اجتهادِهم؛ وإلا لكانَ مَنْ يتلقى على شخصٍ لا بُدَّ أنْ يكونَ مقلِّدًا له، وتنتهي القضيةُ لا محالةَ إلى أنْ تنزلَ بأبي حنيفةَ نفسِه عن مرتبةِ المجتهدين المستقلين؛ فإنَّه ابتدأَ دراساته بتلقي فقه إبراهيمَ النخعي على شيخِه حماد بنِ أبي سليمان

(1)

، وكانَ كثيرَ التخريجِ عليه

وإذا كانت الأصولُ التي بُنِيَ عليها الاستنباطُ عند هؤلاءِ التلاميذِ وشيخِهم متحدةً في أكثرِها، فليستْ متحدةً في كلِّها، وحسبهم تلك المخالفة؛ لتَثْبُتَ لهم صفةُ الاستقلالِ"

(2)

.

ثانيًا: جعل ابنُ كمال الخصَّافَ، والطحاويَّ، والكرخيَّ مِنْ أهلِ الطبقةِ الثالثةِ.

ولم يؤيّدْ هذا التوزيع بعضُ علماءِ الحنفيةِ، وعدّوه بخسًا لقدرِ هؤلاءِ الفقهاءِ

(3)

؛ إذ لهم اختياراتٌ في الأصولِ والفروعِ خالفوا فيها إمامَهم أبا حنيفةَ

(4)

.

(1)

هو: حماد بن أبي سليمان مسلم، أبو إسماعيل، أصله من أصبهان، مولى إبراهيم بن أبي موسى الأشعري، تتلمذ لإبراهيم النخعي، واختص به، فكان أنبل أصحابه، كان علامة من فقهاء الكوفة، بل فقيه العراق، صادق اللهجة ثقة ذكيًا كريمًا، ذا لسانٍ سؤول، وقلب عقول، وقد رُمي بالإرجاء، قال معمر: ما رأيت مثل حماد، توفي سنة 120 هـ وقيل: 119 هـ. انظر ترجمته في: التاريخ الكبير للبخاري (3/ 18)، وطبقات الفقهاء للشيرازي (ص/ 80)، وتهذيب الكمال للمزي (7/ 269)، وسير أعلام النبلاء (5/ 231)، والجواهر المضية للقرشي (2/ 150)، والطبقات السنية للغزي للتميمي (3/ 186)، وشذرات الذهب لابن العماد (2/ 89).

(2)

أبو حنيفة - حياته وعصره (ص/ 384 - 385). وانظر: رسالة في بيان الكتب التي يعول عليها لمحمد المطيعي (ص/ 88 وما بعدها)، وأصول الفقه لمحمد أبو زهرة (ص/ 390)، وتاريخ المذاهب الإسلامية له (ص/ 331).

(3)

انظر: ناظورة الحق للمرجاني (ص/ 109)، ملحق بكتاب حسن التقاضي للكوثري، وإرشاد أهل الملة لمحمد المطيعي (ص/ 254).

(4)

انظر: المصدرين السابقين، والتخريج عند الفقهاء والأصوليين للدكتور يعقوب الباحسين (ص/307).

ص: 927

يقولُ شهابُ الدّينِ المرجاني: "إنَّ قولَه - أي: ابن كمال باشا - في الخصَّافِ والطحاويّ والكرخيّ: إنَّهم لا يقدرون على مخالفةِ أبي حنيفةَ لا في الأصولِ، ولا في الفروعِ: ليس بشيءٍ؛ فإنَّ ما خالفوه فيه مِن المسائل لا يعدُّ ولا يحصى، ولهم اختياراتٌ في الأصولِ والفروعِ، وأقوالٌ مستنبطةٌ بالقياسِ"

(1)

.

ويقولُ عبد الحي اللكنوي: "عدَّه - أي: الطحاوي - ابنُ كمال باشا، وغيرُه مِن طبقةِ مَنْ يقدرُ على الاجتهادِ في المسائلِ التي لا روايةَ فيها، ولا يقدرُ على مخالفةِ المذهبِ لا في الفروعِ ولا في الأصولِ، وهو منظورٌ فيه؛ فإنَّ له درجةً عاليةً، ورتبةً شامخةً، قد خالفَ بها صاحبَ المذهبِ في كثيرٍ مِنْ الأصولِ والفروعِ، ومَنْ طَالعَ: (شرحَ معاني الآثار)، وغيرَه مِنْ مصنفاتِه، يجدْه يختارُ خلافَ ما اختاره صاحبُ المذهب كثيرًا، إذا كان الدليلُ عليه قويًّا، فالحقُّ أنَّه مِن المجتهدين المنتسبين"

(2)

.

ثالثًا: اعتيرَ بعضُ الحنفيةِ عدَّ ابن كمال باشا الجصاص الرازيَّ مِن المقلِّدين الذين لا يقدرون على الاجتهادِ أصلًا، تنزيلًا له عن مكانتِه الرفيعةِ، فإنَّ باعَه ممتدةٌ في الفقهِ وأصولِه، ومؤلفاتُه الفقهيةُ والأصوليةُ شاهدةٌ على هذه المكانةِ

(3)

.

وقد التمسَ شهابُ الدّينِ المرجاني عذرًا لابنِ كمال في ذلك؛ بأنَّه

(1)

ناظورة الحق للمرجاني (ص/ 109)، ملحق بكتاب حسن التقاضي للكوثري. وانظر: رسالة في بيان الكتب التي يعول عليها لمحمد المطيعي (ص/93).

(2)

التعليقات السنية على الفوائد البهية (ص/ 41 - 42). وانظر: المصدر السابق (ص/ 140)، وعمدة الرعاية للكنوي (1/ 9).

(3)

انظر: ناظورة الحق للمرجاني (ص/ 110)، ملحق بكتاب حسن التقاضي للكوثري، والتعليقات السنية على الفوائد البهية للكنوي (ص/ 36)، وعمدة الرعاية له (1/ 9)، وإرشاد أهل الملة لمحمد المطيعي (ص/ 254 - 255)، ورسالة في بيان الكتب التي يعول عليها له (ص/ 94)، وأبو حنيفة - حياته وعصره لمحمد أبو زهرة (ص/ 387)، والوجيز في أصول الاستنباط للدكتور محمد الفرفور (2/ 597).

ص: 928

وَجَدَ في مؤلفاتِ الحنفيةِ قولَهم: "كذا في تخريجِ الرازي"، فَفَهِمَ مِنْه ابنُ كمال أنَّ وظيفةَ الرازي هي التخريجُ فقط

(1)

.

رابعًا: جَعَلَ ابنُ كمال باشا أبا الحسين القدوري، والمرغيناني (صاحب الهداية) مِن الطبقةِ الخامسةِ:(طبقة أصحاب الترجيح من المقلِّدين).

وتُعُقِّب ذلك، بأنَّ أبا الحسين القدوري أعلى كعبًا في الفقهِ، وأطول باعًا مِنْ بعضِ مَنْ ذكرهم ابنُ كمال في الطبقةِ الثالثةِ - كالسرخسي والبزدوي وقاضي خان - فكيفَ يُعدّ هؤلاءِ مِن المجتهدين في المسائلِ، ولا يعدُّ القدوري منهم؟ !

(2)

.

وكذلك المرغيناني (صاحب الهداية) كيفَ تنزلُ مرتبته عن مرتبةِ قاضي خان؟ ! مع أنَّ المرغينانيَّ أقدرُ على الاجتهادِ منه

(3)

.

يقولُ عبدُ الحي اللكنوي عن المرغيناني: "له في نقدِ الدلائلِ، واستخراجِ المسائل شأنٌ أفي شأنٍ، فهو أحقُّ بالاجتهادِ في المذهبِ، وعدُّه من المجتهدين في المذهبِ إلى العقلِ السليمِ أقربُ"

(4)

.

خامسًا عدَّ ابنُ كمال أبا البركات النسفي (صاحب الكنز) من الطبقةِ السادسةِ (المقلِّدين القادرين على التمييز بين الأقوى والقوي والضعيفِ، وظاهرِ المذهبِ وظاهرِ الروايةِ والروايةِ النادرةِ

).

(1)

انظر: ناظورة الحق للمرجاني (ص/ 111)، ملحق بكتاب حسن التقاضي للكوثري، وإرشاد أهل الملة لمحمد المطيعي (ص/ 256)، ورسالة في بيان الكتب التي يعول عليها له (ص/ 96).

(2)

انظر: المصادر السابقة، والتعليقات السنية على الفوائد البهية للكنوي (ص/ 40).

(3)

انظر: ناظورة الحق للمرجاني (ص/ 112)، ملحق بكتاب حسن التقاضي للكوثري، وإرشاد اهل الملة لمحمد المطيعي (ص/256 - 257).

(4)

التعليقات السنية على الفوائد البهية (ص/ 182).

ص: 929

وقد تُعُقِّب في هذا، فدرجةُ أبي البركات مِن المجتهدين في المذهبِ

(1)

.

تلك هي أبرز الانتقادات التي وُجِّهَتْ إلى تقسيم ابن كمال باشا لطبقات الفقهاء، وبعضُ من انتقد ابن كمال اقترح تقسيمًا آخر سيأتي ذكره، إن شاء الله تعالى.

(1)

انظر: المصدر السابق (ص/ 130).

ص: 930