الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إحداثَ مذهبٍ زائدٍ بحيث يكونُ لفروعِه أصولٌ وقواعد مباينة لسائرِ قواعد المتقدمين، متعذرُ الوجودِ؛ لاستيعابِ المتقدمين سائر الأساليبِ"
(1)
.
ويقول الشيخُ محمدٌ بخيت المطيعي: "المجتهدُ المطلقُ الذي يُنْشِئُ مذهبًا خارجًا عن جميعِ مذاهبِ مَنْ تقدمه مِنْ المجتهدين في الأصولِ والفروعِ، وذلك متعذرٌ، بلا شبهةٍ"
(2)
.
ولهذا نصَّ غيرُ واحدٍ على طيِّ بساطِ الاجتهادِ المستقلِّ، كما تقدمت الإشارةُ قبلَ قليلٍ.
الصورة الثانية: أنْ لا يكوِّن لنفسِه أصولًا وقواعد مخالفةً لما استقرتْ عليه أصول المذاهب، بلْ يسيرُ على الأصولِ المدوّنة، لكنّه يأخذ بما ترجَّحَ عنده منها، دونَ التزامِ أصولِ مذهبٍ معيَّنٍ.
الذي يظهرُ لي في هذه الصورة هو الجواز، بشرطِ: أنْ لا يدَّعي لنفسِه مذهبًا قائمًا بأصولِه وقواعده الخاصةِ؛ وذلك لانتفاءِ المحذورِ، وهو الإتيانُ بأصول جديدةٍ غيرِ مسبوقٍ إليها.
وأمَّا اشتراط أنْ لا يدَّعي لنفسِه مذهبًا قائمًا؛ فلخلوِّ هذه الدعوى عن حقيقتِها، وهي الإتيان بمذهبٍ جديدٍ.
المسألة الثانية: الانتقال عن التمذهب إلى الاجتهاد المنتسب
مِنْ المعلومِ أنَّ حقيقةَ التمذهبِ، وهي الالتزامُ، تنافي الاجتهادَ؛ إذ مبنى الاجتهادِ على بذلِ الجهدِ للوصولِ إلى الحكمِ الشرعي عنِ طريقِ الأدلةِ، وكما ذكرتُ مِنْ قبلُ أنَّ التمذهبَ قد يصلُ بالمتمذهبِ إلى درجةِ الاجتهادِ المطلق المنتسبِ، فما حكم انتقالِ المتمذهبِ إلى هذه الدرجةِ؟
(1)
نقل كلامَ ابن المنيِّر الزركشيُّ في: البحر المحيط (6/ 285)، والسيوطي في: الرد على من أخلد إلى الأرض (ص/ 93 - 94).
(2)
إرشاد أهل الملة (ص/ 220).
سأُبيّنُ الحكمَ هنا في النقاطِ الآتيةِ:
الأولى: المتمذهب الذي لم تجتمع فيه شروطُ الاجتهاد، ليس له ادّعاء مرتبته؛ لفقدِه شروطه.
الثانية: إذا اجتمعتْ شروطُ الاجتهادِ في الشخصِ المتمذهب، فإنَّ الواجبَ عليه تركُ التمذهبِ، والانتقالُ إلى الاجتهادِ، وعلى هذا الأمَر كثيرٌ مِن المتمذهبين الذين بلغوا رتبةَ الاجتهادِ المطلق
(1)
.
ولعل مِنْ أبرز مَنْ ادَّعى بلوغ رتبة الاجتهادِ المطلقِ المنتسب إلى مذهب معيّنٍ، ونَفَى عن نفسِه بلوغَ درجةِ الاجتهادِ المستقلِّ: جلالُ الدينَ السيوطي، إذ يقولُ: "وإنَّما جاءَ الغلطُ لأهلِ عصرنا مِنْ ظنّهم ترادف المطلق والمستقل، وليس كذلك
…
والذي ادعيناه هو الاجتهاد المطلق، لا الاستقلال، بلْ نحنُ تابعون للإمامِ الشافعي رضي الله عنه، وسالكون طريقَه في الاجتهادِ؛ امتثالًا لأمرِه، ومعدودون مِنْ أصحابِه، وكيفَ يُظَنُّ أنَّ اجتهادَنا مقيّدٌ؟ ! والمجتهدُ المقيّدُ إنَّما ينقصُ عن المطلقِ بإخلالِه بالحديثِ والعربيةِ، وليس على وجهِ الأرضِ مِنْ مشرقِها إلى مغربِها أعلم بالحديثِ والعربيةِ منّي! "
(2)
.
الثالثة: لو قيل: إنَّ الأَولى بالمتمذهب الذي لديه القدرةُ على تحصيلِ شروطِ الاجتهادِ، أنْ يكون قصدُه في سلوكِ التمذهبِ بلوغَ درجةِ الاجتهادِ في الشريعةِ، لكان قولًا جيّدًا.
الرابعة: لا يعني ما تقدم آنفًا أنَّ الاجتهادَ ميسورٌ لكلّ شخصٍ أراد بلوغه، بل له شروطٌ متعددةٌ، يتعين اتصافُ الشخصِ بها؛ ليوصفَ بالاجتهاد
(3)
.
(1)
انظر: العزيز شرح الوجيز للرافعي (12/ 433)، وأدب المفتي والمستفتي (ص/ 92).
(2)
الرد على من أخلد إلى الأرض (ص/ 98)، وفي النصِّ تصحيفات صححتها من طبعة دار الكتب العلمية التي حققها الشيخ خليل الميس (ص/16).
(3)
انظر: شرح الكوكب الساطع للسيوطي (4/ 123). وقارن بالعواصم والقواصم لابن الوزير (1/ 272 وما بعدها).