الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدين الأبناسيُّ
(1)
، وجلالُ الدّين السيوطيُّ
(2)
، والدكتور محمد حسن هيتو
(3)
ابنَ الصلاحِ فيما ذكره مِنْ أقسام، وتبعه - أيضًا - جمالُ الدينِ القاسمي
(4)
، إلا أنَّه لم يذكر الطبقتين: الثالثة والرابعة؛ لقلّةِ جدواهما، ولأنَّهما فُرِّعتا لزمنٍ غيرِ هذا الزمنِ الذي يعيش فيه
(5)
.
المسألة الثانية: تقسيم ابن حمدان
كانَ لابنِ حمدان كلامٌ في تقسيمِ المجتهدين - ومن ضمنِهم
(1)
انظر: الفوائد شرح الزوائد (2/ 1242 - 1245). وبرهان الدين الأبناسي هو: أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن أيوب الأبناسي ثم القاهري، ولد سنة 725 هـ أخذ العلم عن جماعة من علماء عصره، منهم: جمال الدين الإسنوي، وزين الدين العراقي، يعد الأبناسي زاهدًا ورعًا، من كبار علماء الشافعية في عصره، تصدى للتدريس والإفتاء دهرًا، يقول عنه السخاوي:"كان أكثر فضلاء الطلبة بالقاهرة من تلاميذه"، وكان على معتقد الأشاعرة، من مؤلفاته: الفوائد شرح الزوائد، وشرح ألفية ابن مالك، والشذا الفياح في مختصر ابن الصلاح، وتوفي سنة 802 هـ. انظر ترجمته في: الضوء اللامع للسخاوي (1/ 172)، والمنهل الصافي (1/ 179)، وإنباء الغمر لابن حجر (4/ 144)، والدليل الشافي لابن تغري بردي (1/ 29)، والأعلام للزركلي (1/ 75).
(2)
انظر: الرد على من أخلد إلى الأرض (ص/ 94 - 98).
(3)
انظر: الاجتهاد وطبقات مجتهدي الشافعية (ص/37 - 51).
(4)
انظر: الفتوى في الإسلام (ص/ 52 - 55). وجمال الدين القاسمي هو: محمد بن محمد سعيد بن قاسم بن صالح بن إسماعيل، جمال الدين أبو الفرج القاسمي، ولد بدمشق سنة 1283 هـ كان علامةً نظارًا مفسرًا فقيهًا أصوليًا شافعيًا، تلقى مبادئ العلوم الشرعية والعربية على والده، وجلس للتدريس في حياة والده، فانتفع به الطلبة، سافر إلى مصر أواخر حياته واجتمع بالأستاذ محمد عبده، من مؤلفاته: الإسراء والمعراج، والفتوى في الإسلام، وإصلاح المساجد من البدع والعوائد، وتاريخ الجهمية والمعتزلة، وقواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث، ومحاسن التأويل، توفي بدمشق سنة 1331 هـ وقيل: 1332 هـ.
انظر ترجمته في: منتخبات التواريخ الدمشقية لمحمد أديب (2/ 716)، وحلية البشر للبيطار (1/ 435)، والأعلام الشرقية لزكي مجاهد (1/ 295)، والأعلام للزركلي (2/ 135)، ومعجم المؤلفين لكحالة (1/ 504)، وتاريخ علماء دمشق لنزار أبظه (1/ 298)، وجمال الدين القاسمي للدكتور نزار أباظة (ص/ 93).
(5)
انظر: الفتوى في الإسلام (ص/ 55).
المتمذهبون - وقد قسّمهم إلى أربعةِ أقسام، ضَمَّنَ القسمَ الثاني أربع طبقات:
القسم الأول: المجتهد المطلق.
القسم الثاني: المجتهد في مذهب إمامه.
القسم الثالث: المجتهد في نوع من العلم.
القسم الرابع: المجتهد في مسألة، أو مسائل
(1)
.
وقبلَ بيانِ الطبقاتِ التي ذكرها ابنُ حمدان أنبّه إلى تأثرِه الواضحِ بمنهجيةِ عرضِ ابنِ الصلاحِ في تقسيمِه لطبقات المفتين، كما لا يخفى على مَنْ قارنَ بينهما، بلْ إنَّ ابنَ حمدان نَقَلَ كثيرًا مِنْ عباراتِ ابنِ الصلاحِ
(2)
.
ومحلُّ حديثي هنا هو القسم الثاني فحسب؛ وسأُعرّجُ على القسمين: الثالث والرابع.
أمَّا القسمُ الأولُ فغيرُ داخلٍ معنا؛ لأنَّ أربابَه غيرُ متمذهبين أصلًا، ولا ينتسب أحدٌ منهم إلى مذهبٍ معيَّنٍ.
يقولُ ابنُ حمدان عن القسمِ الأولِ: "مُنْذُ دهرٍ طويلٍ عُدِم المجتهدُ المطلقُ، مع أنَّه الآن أيسرُ منه في الزمنِ الأولِ
…
"
(3)
.
القسم الثاني: المجتهد في مذهب إمامه.
جَعَلَ ابنُ حمدان القسمَ الثاني أربعَ طبقات:
الطبقة الأولى: يُمثلها مَنْ كان غيرَ مقلِّد لإمامِه في الحكمِ، ولا في الدليلِ، لكنَّه سَلَكَ طريقَه في الاجتهادِ والفتوى، ودعا إلى مذهبِه، وقَرَأَ كثيرًا منه على أهلِه، فوجده صوابًا، وأولى مِنْ غيرِه
(4)
.
(1)
انظر: صفة الفتوى (ص/ 16).
(2)
انظر: التخريج عند الفقهاء والأصوليين للدكتور يعقوب الباحسين (ص/ 315).
(3)
صفة الفتوى (ص/ 16).
(4)
انظر: المصدر السابق.
يقولُ ابنُ حمدان: "وقد ادَّعى هذا منَّا: القاضي أبو علي بن أبي موسى الهاشمي في: (شرح الإرشاد) الذي له، والقاضي أبو يعلى، وغيرُهما، ومِن الشافعيةِ خلقٌ كثيرٌ
…
"
(1)
.
وما قلتُه عن الطبقةِ الأُولى في تقسيمِ ابنِ الصلاحِ مِنْ جهةِ تمذهبِ أهلِ هذه الطبقةِ في الأصولِ، وانتسابهم إلى إمامِ مذهبِهم، يُقالُ هنا.
الطبقة الثانية: يُمثلها مَنْ كان مجتهدًا في مذهبِ إمامِه، مستقلًا بتقريرِه بالدليلِ، لكن لا يتعدّى أصولَ مذهبِه وقواعدَه
(2)
.
وقد ذَكَرَ ابنُ حمدان شروطَ أرباب الطبقة الثانية، وهي:
1 -
أنْ يكونَ متقنًا للفقه.
2 -
أنْ يكونَ متقنًا لأصولِ الفقه
(3)
.
3 -
أنْ يكونَ متقنًا لأدلةِ مسائلِ الفقه.
4 -
أنْ يكون عارفًا بالقياسِ ونحوه
(4)
، تام الرياضةِ.
5 -
أنْ يكونَ قادرًا على التخريجِ والاستنباطِ، وإلحاقِ الفروعِ بالأصولِ والقواعدِ المذهبيةِ
(5)
.
يقولُ ابنُ حمدان: "قيل: وليس مِنْ شرطِه معرفةُ هذا علم الحديثِ، واللغةِ العربيةِ"
(6)
، ثمَّ قالَ بعده بقليلٍ:"والظاهرُ معرفتُه بما يتعلق بذلك - أيْ: بأخذ الأحكام من نصوصِ إمامِه - مِنْ حديثٍ ولغةٍ ونَحْوٍ"
(7)
.
ويجعلُ فقيهُ أهلِ هذه الطبقة نصوصَ إمامِه كنصوصِ الشارع في استنباطِ الأحكامِ
(8)
.
(1)
المصدر السابق.
(2)
انظر: صفة الفتوى (ص/ 18).
(3)
الظاهر لي أنَّ مراده بالفقه وأصوله هنا فقهُ مذهب إمام بعينه وأصوله (الفقه والأصول المذهبية).
(4)
لعل ابن حمدان يقصد بنحو القياس الأدلة القريبة منه، كالاستقراء.
(5)
انظر: صفة الفتوى (ص/ 18 - 19).
(6)
المصدر السابق (ص/ 19).
(7)
المصدر السابق.
(8)
انظر: المصدر السابق.
وقد نَعَتَ ابنُ حمدان أهلَ هذه الطبقةِ بأصحابِ الأوجهِ والطرقِ في المذهبِ
(1)
.
وإذا رأى الفقيهُ مِنْ أهلِ هذه الطبقةِ حُكْمًا ذَكَرَه إمامُه بدليلٍ، فإنَّه يكتفي بذلك، ولا يبحثُ عن معارضٍ أو غيرِه، يقولُ ابنُ حمدان بعدَما قرّر هذا:"وهو بعيدٌ"
(2)
.
ولعل سبب البُعْدِ هو اجتماع شروطِ الاجتهادِ الرئيسةِ لأهلِ هذه الطبقةِ التي تؤهِلُهم للنظرِ في الأدلةِ، وما يعارضها.
الطبقة الثالثة: يُمثلها مَنْ كان فقيهَ النفسِ، حافظًا لمذهبِ إمامِه، عارفًا بأدلتِه، قائمًا بتقريرِ مذهبِه ونصرتِه، يصوّرُ ويحررُ
(3)
، ويقررُ ويزيّفُ، ويرجّحُ
(4)
، لكنَّه قَصُرَ عن رتبةِ أهلِ الطبقةِ الثانيةِ:(أصحاب الوجوه والطرق)؛ إمَّا لأنَّه لم يبلغْ في حفظِ المذهب مبلغهم، وإمَّا لعدمِ تبحّرِه في أصولِ الفقهِ ونحوه - غير أن الفقيه في هَذه الطبقة لا يخلو مِنْ معرفةِ القواعدِ الأصولية في ضمن ما يحفظه مِن الفقهِ، ويعرفُه مِنْ أدلتِه - وإمَّا لتقصيرِه في العلومِ المشترطةِ في أصحابِ الوجوهِ والطرقِ
(5)
.
ويقولُ ابنُ حمدان عن أهلِ هذه الطبقةِ: "وهذه صفةُ كثيرٍ مِن المتأخرين الذين رتَّبوا المذاهبَ، وحرروها، وصنفوا فيها تصانيف بها يشتغلُ الناسُ اليومَ غالبًا"
(6)
.
وفتاوى أهلِ هذه الطبقةِ مقبولةٌ، لكنَّها لا تبلغُ درجةَ فتاوى أصحابِ الوجوه
(7)
، ورُبَّما تطرّق أهلُ هذه الطبقةِ إلى تخريجِ قولٍ، أو استنباطِ وجهٍ واحتمالٍ
(8)
.
(1)
انظر: المصدر السابق.
(2)
المصدر السابق.
(3)
في: المصدر السابق (ص/ 22): "يجوز"، وهو تصحيف، والمثبت من الطبعة التي حققها الدكتور أحمد حسون (ص/ 284) ضمن مجموع: الموسوعة في آداب الفتوى.
(4)
انظر: صفة الفتوى (ص/ 22).
(5)
انظر: المصدر السابق.
(6)
المصدر السابق.
(7)
انظر: المصدر السابق.
(8)
انظر: المصدر السابق.
ويمكنُ جعلُ ما ذكره ابنُ حمدان في صدرِ الطبقةِ شروطًا مستقلةً لأهلِها.
الطبقة الرابعة: يمثلها مَنْ يقومُ بحفظِ المذهبِ وفهمِه ونقلِه
(1)
.
وهل لأهلِ هذه الطبقةِ أن يخرِّجوا حكمَ ما لم ينصَّ عليه إمامُهم؟
يجيبُ ابنُ حمدان عن السؤالِ، فيقول: "وأمَّا ما
(2)
يجده منقولًا في مذهبِه: فإنْ وَجَدَ في المنقولِ ما هذا في معناه، بحيثُ يدركُ مِنْ غيرِ فَضْلِ فكرٍ وتأمّلٍ أنَّه لا فارقَ بينهما - كما في الأَمةِ بالنسبة إلى العبدِ المنصوصِ عليه في إعتاقِ الشريكِ
(3)
-: جازَ له إلحاقُه به، والفتوى به، وكذلك ما يُعلم اندراجُه تحتَ ضابطٍ و
(4)
منقولٍ وممهدٍ في المذهبِ.
وما لم يكنْ كذلك فعليه الإمساكُ عن الفتيا به"
(5)
.
ولا يكون الشخصُ في هذه الطبقةِ إلا فقيهَ النفسِ؛ لأنَّ تصويرَ المسائلِ على وجهِها، ونَقْلَ أحكامِها لا يقومُ به إلا فقيهُ النفس.
ويكفي استحضارُ أكثرِ المذهبِ، مع قدرتِه على مطالعةِ بقيتِه
(6)
.
وهنا سؤال، وهو: ما وجّه عدّ أرباب الطبقة الرابعةِ ضمن القسم الثاني: (المجتهدين في مذهب الإمام)؟
يمكن الجواب: بأنَّ إدراجَ أهلِ هذه الطبقة ضمن القسم الثاني: (المجتهدين في مذهب إمام المذهب): إمّا على سبيلِ المسامحةِ، وإمَّا لقيامِهم بالتخريجِ على فروعِ مذهبِهم في أحوال معينة.
(1)
انظر: المصدر السابق (ص/ 23).
(2)
هكذا في: المصدر السابق، والصواب:"ما لا يجده".
(3)
في كلام ابن حمدان إشارةٌ إلى حديث: (من أعتق شِرْكًا له
…
)، وقد تقدم تخريجه في المسألة الأولى.
(4)
هكذا لإضافة الواو في: صفة الفتوى (ص/ 23)، والأقرب حذفها.
(5)
المصدر السابق.
(6)
انظر: المصدر السابق.
هذه هي الطبقاتُ الأربع التي ذكرها ابنُ حمدان تحت القسم الثاني، وسأُعرجُ على ذكرِ القسمين: الثالث والرابع.
القسم الثالث: المجتهد في نوعٍ من العلم
(1)
.
مَنْ عَرَفَ القياسَ وما يتصلُ به، جازَ له أنْ يُفتي في مسألةٍ قياسيةٍ، لا تتعلقُ بالحديثِ، ومَنْ عَرَفَ الفرائضَ، فله أنْ يُفتي فيها، وإنْ جَهلَ أحاديثَ النكاحِ مثلًا
(2)
.
القسم الرابع: المجتهد في مسألة، أو مسائل
(3)
.
مَنْ كان مجتهدًا في مسألةٍ أو مسائل، فليس له الفتوى في غيرِ ما اجتهدَ فيه.
أمَّا فتواه في المسألةِ التي اجتهدَ فيها، فالأظهرُ عند ابنِ حمدان: جوازُ إفتائِه
(4)
، وقالَ بعده:"ويحتملُ المنعُ؛ لأنَّه مظنّةُ القصورِ والتقصيرِ"
(5)
.
وما أورده ابنُ حمدان في القسمين: الثالث، والرابع يمكنُ دخولُه في الطبقاتِ المندرجةِ تحتَ القسمِ الثاني
(6)
؛ بدليلِ: ما قال ابنُ حمدان نفسُه عن الطبقةِ الثانيةِ: "يُوجَد مِن المجتهدِ المقيّد استقلالٌ بالاجتهادِ والفتوى في مسألةٍ خاصةٍ، أو بابٍ خاص، فيجوزُ له أنْ يفتي فيما لم يجدْه مِنْ أحكامِ الوقائعِ منصوصًا عليها عن إمامِه لما يخرّجه على مذهبِه، وعلى هذا العملُ"
(7)
.
وقد تَبعَ المرداويُّ
(8)
،
(1)
انظر: المصدر السابق.
(2)
انظر: المصدر السابق.
(3)
انظر: المصدر السابق.
(4)
انظر: المصدر السابق.
(5)
المصدر السابق.
(6)
انظر: التخريج عند الفقهاء والأصوليين للدكتور يعقوب الباحسين (ص/ 316).
(7)
صفة الفتوى (ص/ 19).
(8)
انظر: التحبير (8/ 3881 - 3884)، والإنصاف (12/ 258 - 264).