الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
توطئة
تقدَّم لنا في تعريفِ التلفيقِ أنّه تركيبُ كيفيةٍ في مسألةٍ واحدةٍ، ذات فروع مترابطة، أو في مسألتين لهما حكمُ المسألةِ الواحدةِ، مِنْ قول مجتهدَيْنِ أو أكثر، بحيثُ لا يقولُ بصحتها أحدٌ من المجتهدين، ولهذا التركيبِ صورتان، سأسوقهما في المسألتين الآتيتين:
المسألة الأولى: التلفيق بين قولين في مسألة وفروعها
يعدُّ التلفيقُ بين قولين أو أكثر في مسألةٍ واحدةٍ وفروعِها مِنْ أشهرِ صورِ التلفيقِ، وقبلَ ذكرِ أمثلةٍ لهذه الصورة أودُّ أنْ أشيرَ إلى أن المرادَ مِنْ قولِ العلماءِ
(1)
: "مسألة واحدة"، أيْ: مسألة واحدة بفروعِها، كشروطِ الفعلِ ومبطلاتِه وأركانِه
(2)
، ونحو ذلك.
يقولُ الشيخُ محمدٌ السنهوري: "إنَّه لا يُوجد حقيقة - أي: للتلفيقِ - إلا إذا اجتمعَ في النازلةِ العمل بالقولين معًا"
(3)
.
ويقولُ الدكتورُ محمدٌ مدكور: "لا بُدَّ لتحققِ التلفيقِ مِنْ أنْ يجتمعَ في النازلةِ الواحدةِ العملُ بالقولين معًا في حادثةٍ واحدةٍ كمَنْ توضأَ متبعًا في
(1)
انظر مثلًا: تعريف عبد الله الشنقطي المتقدم في: (ص/ 1032)، وتعريف الدكتور عياض السلمي المتقدم في:(ص/ 1034)، وتعريف الدكتور محمد مدكور المتقدم في:(ص/ 1037)، وتعريف الدكتور محمد الدويش المتقدم في:(ص/ 1038).
(2)
انظر: أصول الفقه للدكتور وهبة الزحيلي (2/ 1142)، والفقه الإسلامي له (1/ 106)، وأصول الفقه للدكتور عياض السلمي (ص/ 489).
(3)
التلفيق بين أحكام المذاهب، مجلة البحوث الإسلامية بالأزهر (1/ 77).
وضوئِه ونواقضِه اراء بعضِ الأئمةِ في بعضِها، وآراء الآخرين في البعضِ الآخرِ"
(1)
.
وأمثلةُ هذه الصورةِ كثيرةٌ متعددةٌ
(2)
منها:
المثال الأول: إذا توضأَ المسلمُ، فقلَّدَ الإمامَ أبا حنيفة في عدمِ النقضِ بمسِّ الفرجِ، وقلَّدَ الإمامَ الشافعي في عدمِ النقضِ بمسِّ المرأةِ، فصلَّى، فإنَّ صلاتَه لا تصحُّ عند الإمامين كليهما؛ لاتفاقهما على بطلانِ الطهارةِ
(3)
.
المثال الثاني: إذا توضأ المسلمُ، فمَسَحَ بعضَ شعرِ رأسِه؛ مقلِّدًا للإمامِ الشافعي، وبعد الوضوءِ مسَّ أجنبيةً مقلِّدًا للإمامِ أبي حنيفة في عدمِ نقضِ الوضوءِ بمسِّها، فإن وضوءَه على هذه الهيئة حقيقةٌ مركبةٌ لم يقلْ بصحتها كلا الإمامين
(4)
.
المثال الثالث: أنْ يتركَ المغتسلُ التدليكَ؛ أخذًا بمذهبِ الإمامِ الشافعي، ثمَّ يصلي ويترك البسملةَ في الفاتحةِ؛ أخذًا بمذهبٍ الإمامِ مالك، فإنَّ صلاتَه باطلةٌ عند الإمامين؛ فيبطلها المالكيُّ؛ لبطلَانِ طهارته بتركِ التدليكِ، ويبطلها الشافعيُّ؛ لتركِ البسملةِ
(5)
.
المثال الرابع: إذا تزوّجَ الرجلُ امرأةً بلا وليّ؛ تقليدًا للإمامِ أبي حنيفةَ، وبلا شهودٍ؛ تقليدًا للإمامِ مالكٍ؛ وبلا صداقٍ؛ تقليدًا للإمامِ
(1)
مناهج الاجتهاد في الإسلام (ص/ 445). وانظر: الاجتهاد ومدى حاجتنا إليه للدكتور سيد الأفغاني (ص/ 552).
(2)
انظر: عمدة التحقيق للباني (ص/ 92).
(3)
انظر: الفوائد المكية للسقاف (ص/ 85)، ومختصرها (ص/ 42).
(4)
انظر: القول السديد للملا فروخ (ص/ 140)، وحاشية العطار على شرح المحلي على جمع الجوامع (2/ 442)، وعمدة التحقيق للباني (ص/ 92)، ومناهج الاجتهاد للدكتور محمد مدكور (ص/ 444).
(5)
انظر: الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام للقرافي (ص/ 233).