الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع السادس عشر: الشاذ
أولًا: التعريف اللغوي للشاذة
الشاذُّ: اسمُ فاعلٍ مِن الفعلِ شَذَّ، يُقالُ: شَذَّ يَشِذُّ ويشُذُّ شَذًّا وشُذُوذًا
(1)
، فهو شَاذٌّ.
ومعنى شَذَّ: نَدَرَ عن الجمهورِ
(2)
، وانفردَ عن غيرِه
(3)
.
يقولُ ابنُ فارسٍ: "الشينُ والذالُ يدلُّ على الانفرادِ والمفارقةِ"
(4)
.
يُقالُ: أَشَذَّ فلانٌ، وأَشْذَذَ، إذا جاء بقولٍ شاذٍّ
(5)
، وشُذَّاذُ الناسِ: الذين ليسوا في قبائلِهم، ولا منازلِهم
(6)
.
ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للشاذ:
وَرَدَ مصطلحُ: (الشاذّ) في عددِ مِن العلومِ، فهناك الشاذُّ عند المحدثين، والشاذُّ عند علماءِ القراءات، والشاذُّ عند الفقهاء.
ومرادي بالشاذِّ هنا، الشاذُّ الذي يُوصفُ به ما في المذهبِ مِنْ الآراءِ.
عرَّفَ المالكيةُ مصطلحَ: (الشاذ)، وعرَّفَ الشافعيةُ مصطلحَ:(الوجه الشاذ)، في حين أغفلتْ بقيةُ المذاهبِ تعريف المصطلح، مع استعمالِهم له في مدوناتِهم المذهبيةِ.
(1)
انظر: الصحاح، مادة:(شذذ)، (2/ 565)، والمصباح المنير للفيومي، مادة:(شذذ)، (ص/ 252)، والقاموس المحيط، مادة:(شذذ)، (ص/ 427).
(2)
انظر: لسان العرب، مادة:(شذذ)، (3/ 494)، والقاموس المحيط، مادة:(شذذ)، (ص/ 427).
(3)
انظر: تهذيب اللغة، مادة:(شذ)، (11/ 271)، والمصباح المنير للفيومي، مادة:(شذذ)، (ص/252).
(4)
مقاييس اللغة، مادة:(شذّ)، (3/ 180).
(5)
انظر: تهذيب اللغة، مادة:(شذ)، (11/ 271)، ولسان العرب، مادة:(شذذ)، (3/ 494)، والقاموس المحيط، مادة:(شذذ)، (ص/ 427).
(6)
انظر: تهذيب اللغة، مادة:(شذ)، (11/ 271)، والصحاح، مادة:(شذذ)، (2/ 565).
ويظهرُ لي أنَّ معنى الشاذّ عند الحنفيةِ والشافعيةِ والحنابلةِ: هو ما ينفردُ به أحدُ أتباعِ المذهبِ عن بقيةِ علماءِ مذهبِه، مع مخالفتِه لهم
(1)
.
فلا بُدَّ مِن الانفرادِ، ومِن المخالفةِ؛ ليوصفَ القول بالشذوذِ.
وقد يكون وصفُ القولِ بأنَّه شاذٌّ في مذهبِ، غيرَ أنَّه ليس بشاذٍّ في مذهبٍ آخر.
أولًا: الشاذ عند المالكية:
الشاذُّ عند المالكية هو: القولُ الذي يقابلُ المشهورُ
(2)
.
ويُعرَّفُ الشاذ - بناءً على الخلافِ في تعريفِ المشهور - بأنَّه: ما ضعفَ دليلُه
(3)
.
أو: القولُ الذي لم يصدرْ عن جماعةٍ
(4)
.
أو: القولُ الذي لم يكثرْ قائلوه
(5)
.
وقد فرَّق بعضُ المالكيةِ بين مصطلحي: (الضعيف)، و (الشاذ)، بأنَّ الضعيفَ يُعتبرُ مرجوحًا حين موازنةِ الأدلةِ، أمَّا الشاذُّ فقد يكون دليلُه قويًا، إلا أنَّ صفةَ التفردِ لم تقوَ أمامَ مقابلِه، وهو المشهورُ
(6)
.
أمثلة الشاذ عند المالكية:
المثال الأول: يقولُ الدسوقيُّ: "يُكْرَه لشخصٍ أنْ يؤجرَ نفسَه في عملِ طاعةٍ مِن الطاعاتِ، سواء كان حجًا، أو غيره
…
والقولُ الشاذُ: جوازُ ذلك"
(7)
.
(1)
انظر: المغرب في ترتيب المعرب للمطرزي، مادة:(شذذ)، (ص/ 246)، والمصباح المنير للفيومي، مادة:(شذذ)، (ص/ 252).
(2)
انظر: التوضيح على جامع الأمهات لخليل (ص/ 58)، ورفع العتاب والملام للفاسي (ص/ 20).
(3)
انظر: كشف النقاب الحاجب (ص/ 74)
(4)
انظر: رفع العتاب والملام للفاسي (ص/ 20)، والبهجة في شرح التحفة للتسولي (1/ 20).
(5)
انظر: أصول الفتوى والقضاء في المذهب المالكي للدكتور محمد رياض (ص/543).
(6)
انظر: المصدر السابق.
(7)
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (2/ 18).
المثال الثاني: يقولُ الحطَّابُ: "في كلامِ
…
ابنِ بشيرٍ ما يقتضي أنَّ مَنْ تَرَك الأذانَ عامدًا، لا إعادةَ عليه في الوقتِ، ولا بعده - وهو كذلك - إلا ما وقع في كلامِ ابنِ عبد السلام مِنْ حكايةِ القولِ الشاذِّ بالإعادةِ في الوقتِ"
(1)
.
المثال الثالث: يقولُ الصاوي: "لا خلافَ عندنا أن الصومَ لا يجزئُ إلا إذا تقدمت النيةُ على سائرِ أجزائِه، فإنْ طَلَعَ الفجرُ، ولم ينوه، لم يُجْزِه في سائرِ أنواعِ الصيامِ إلا يوم عاشوراء، ففيه قولانِ: المشهورُ مِن المذهب أنَّه كالأول، والشاذ اختصاصُ يومِ عاشوراء بصحةِ الصومِ"
(2)
.
ثانيًا: الشاذ عند الشافعية:
لم أقفْ على تعريفٍ محددٍ للشاذِّ عند الشافعية - فيما رجعتُ إليه مِنْ مصادرِهم - والذي وجدتُه في مدوناتهم مصطلح: (الوجه الشاذ)، ويطلقونه على الوجهِ الذي خرَّجَه أحدُ الأصحابِ، واستنبطَه باجتهادِه على غيرِ قواعدِ الإمامِ ونصوصِه
(3)
.
أمثلة الشاذ عند الشافعية:
المثال الأول: يقولُ محيي الدين النووي: "أمَّا الكثير - أي: الماء الكثير - فينجسُ بالتغيّرِ بالنجاسةِ؛ للإجماع
…
سواءٌ كانت النجاسةُ الملاقيةُ مخالطةً، أم مجاورةً، وفي المجاورةِ وجهٌ شاذٌّ: أنَّها لا تُنَجّسِه"
(4)
.
المثال الثاني: يقولُ النوويُّ - أيضًا -: "حَكَى الرافعي قولًا شاذًا أنَّ دعاءَ الاستفتاحِ يكونُ بعد هذه التكبيراتِ"
(5)
، أيْ: تكبيراتِ الركعةِ الأُولى مِنْ صلاةِ العيدِ.
(1)
مواهب الجليل (1/ 462).
(2)
بلغة السالك لأقرب المسالك (1/ 521).
(3)
انظر: منهج البحث في الفقه الإسلامي للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان (ص/ 253)، حاشية (2).
(4)
ضحة الطالبين (1/ 20).
(5)
المجموع شرح المهذب (5/ 17).
أمثلة الشاذ عند الحنفية:
المثال الأول: يقولُ أبو بكرٍ السرخسي: "ثمَّ حاصلُ المذهبِ أنَّ الدمَ إذا سألَ بقوةِ نفسِه حتى انحدرَ، انتقضَ به الوضوءُ؛ وإنْ لم ينحدرْ، ولكنَّه علا فصارَ أكثرَ مِنْ رأسِ الجُرْح، لم تنتقضْ به الطهارةُ، إلا في روايةٍ شاذةٍ عن محمدٍ، رحمه الله تعالى"
(1)
.
المثال الثاني: يقولُ أبو بكرٍ السرخسي - أيضًا -: "لو صلَّى - أيْ: التراويح - عشر ركعاتٍ، فهو عن التسليماتِ الخمسِ في روايةٍ شاذَّةٍ عن أبي حنيفةَ - رحمه الله تعالى - إلا أنَّها مكروهةٌ؛ لأنَّها خلافُ الظاهرِ"
(2)
.
أمثلة الشاذ عند الحنابلة:
المثال الأول: نَقَلَ ابنُ مفلحٍ عن بعضِ الحنابلة قولَه: "ولا الإشهاد على أذنِها - أيْ: لا يُشترطُ في النكاحِ الإشهاد على إذن المرأة -
…
وفي المذهبِ خلافٌ شاذٌّ: يُشترطُ الإشهادُ على إذنِها"
(3)
.
المثال الثاني: يقولُ المرداويُّ في الأحكامِ المترتبة عن لعانِ الزوجين: "الثالثُ: التحريمُ المؤبّدُ
…
وعنه: إنْ أَكْذَبَ - أيْ: الزوج - نفسَه حلَّت له
…
قال المصنّفُ والشارحُ: هي روايةٌ شاذةٌ، شَذَّ بها حنبلٌ عن أصحابِه"
(4)
.
المثال الثالث: يقولُ ابنُ اللحام: "إنْ توضأَ، ولم يَنْوِ، فإنَّه لا يصحُّ إلا على وجهٍ شاذٍّ أنَّه لا يعتبرُ لطهارةِ الحدثِ نيةٌ"
(5)
.
(1)
المبسوط (1/ 77).
(2)
المصدر السابق (2/ 147).
(3)
الفروع (8/ 234 - 235).
(4)
الإنصاف (9/ 252).
(5)
القواعد (1/ 136).