المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: التمذهب من القرن الرابع الهجري إلى نهاية القرن السابع الهجري - التمذهب – دراسة نظرية نقدية - جـ ٢

[خالد الرويتع]

فهرس الكتاب

- ‌الفرع الرابع عشر: الضعيف

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للضعيف:

- ‌الفرع الخامس عشر: المنكر

- ‌الفرع السادس عشر: الشاذ

- ‌الفرع السابع عشر: الطرق

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للطرق:

- ‌ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للطرق:

- ‌الفرع الثامن عشر: الإجراء

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للإجراء:

- ‌ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للإجراء:

- ‌الفرع التاسع عشر: التوجيه

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للتوجيه:

- ‌ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للتوجيه:

- ‌المسألة السادسة: تفضيل مذهب من المذاهب

- ‌المبحث الرابع: أقسام التمذهب

- ‌الفصل الثاني: نشأة التمذهب، وتاريخه

- ‌المبحث الأول: نشأة التمذهب

- ‌المطلب الأول: حالة الناس قبل نشوء المذاهب

- ‌المطلب الثاني: نشأة المذاهب الفقهية

- ‌المطلب الثالث: أسباب نشوء المذاهب الفقهية

- ‌المطلب الرابع: أسباب بقاء المذاهب الفقهية الأربعة

- ‌المبحث الثاني: تاريخ التمذهب

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: التمذهب من نشأته إلى نهاية القرن الثالث الهجري

- ‌المطلب الثاني: التمذهب من القرن الرابع الهجري إلى نهاية القرن السابع الهجري

- ‌المطلب الثالث: التمذهب من القرن الثامن الهجري إلى منتصف القرن الرابع عشر الهجري

- ‌المطلب الرابع: التمذهب من منتصف القرن الرابع عشر الهجري إلى العصر الحاضر

- ‌الفصل الثالث: حكم التمذهب

- ‌تمهيد: في تقليد الميت

- ‌المبحث الأول: التمذهب بمذهب الصحابي(1)، والتابعي

- ‌المبحث الثاني: التمذهب بأحد المذاهب الأربعة الفقهية المشهورة

- ‌المبحث الثالث: التمذهب بغير المذاهب الأربعة

- ‌الفصل الرابع الأحكام المترتبة على التمذهب

- ‌المبحث الأول: طبقات المتمذهبين

- ‌المطلب الأول أبرز مناهج المتقدمين في تقسيم طبقات المتمذهبين

- ‌تمهيد

- ‌توطئة

- ‌المسألة الأولى: تقسيم ابن الصلاح

- ‌المسألة الثانية: تقسيم ابن حمدان

- ‌المسألة الثالثة: تقسيم ابن القيم

- ‌المسألة الرابعة: تقسيم ابنه كمال باشا

- ‌المطلب الثاني: أبرز مناهج المتأخرين في تقسيم طبقات المتمذهبين

- ‌توطئة

- ‌المسألة الأولى: تقسيم شاه ولي الله الدهلوي

- ‌المسألة الثانية: تقسيم محمد أبو زهرة

- ‌المسألة الثالثة: تقديم الدكتور محمد الفرفور

- ‌القسم الأول: المجتهدون اجتهادًا مطلقًا في الشرع

- ‌القسم الثاني: المجتهدون المقيَّدون بالمذهبِ

- ‌المطلب الثالث: الموازنة بين التقسيمات

- ‌المبحث الثاني: الانتقال عن المذهب

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: الانتقال عن المذهب إلى الاجتهاد

- ‌توطئة

- ‌المسألة الأولى: الانتقال عن التمذهب إلى الاجتهاد المستقل

- ‌المسألة الثانية: الانتقال عن التمذهب إلى الاجتهاد المنتسب

- ‌المطلب الثاني: الانتقال عن التمذهب بمذهب معين إلى التمذهب بمذهب آخر

- ‌المطلب الثالث: الخروج عن المذهب في بعض المسائل

- ‌المبحث الثالث: تتبع الرخص

- ‌توطئة

- ‌المطلب الأول: تعريف التتبع

- ‌المطلب الثاني: تعريف الرخصة في: اللغة، والاصطلاح

- ‌أولًا: تعريف الرخصة في اللغة:

- ‌ثانيًا: تعريف الرخصة في الاصطلاح:

- ‌المطلب الثالث: تعريف تتبع الرخص

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين الرخصة من العالم، وزلة العالم

- ‌المطلب الخامس: حكم تتبع الرخص

- ‌المبحث الرابع: التلفيق بين المذاهب

- ‌المطلب الأول: تعريف التلفيق في اللغة، والاصطلاح

- ‌توطئة

- ‌المسألة الأولى: تعريف التلفيق في اللغة

- ‌المسألة الثانية: تعريف التلفيق في الاصطلاح

- ‌المطلب الثاني: صور التلفيق

- ‌توطئة

- ‌المسألة الأولى: التلفيق بين قولين في مسألة وفروعها

- ‌المسألة الثانية: التلفيق بين أثر القول وقول آخر في مسألة وفروعها

- ‌المطلب الثالث: أقسام التلفيق، وحكم كل قسم

- ‌تمهيد

- ‌المسألة الأولى: التلفيق في الاجتهاد

- ‌المسألة الثانية: التلفيق في التقليد

- ‌المسألة الثالثة: التلفيق في التقنين

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين التلفيق وتتبع الرخص

- ‌الفصل الخامس: أحكام المتمذهب

- ‌المبحث الأول: عمل المتمذهب إذا خالف مذهبه الدليل

الفصل: ‌المطلب الثاني: التمذهب من القرن الرابع الهجري إلى نهاية القرن السابع الهجري

‌المطلب الثاني: التمذهب من القرن الرابع الهجري إلى نهاية القرن السابع الهجري

لقد ظَهَرَ التمذهبُ للأئمةِ في القرنِ الرابع الهجري، وفيما بعده من القرونِ بصورةٍ أوضح مما كانتْ عليه مِنْ قبلُ، ويمكنُ القولُ: إنَّ التمذهبَ قد حلَّ مكانَ الاجتهادِ الذي كان موجودًا في القرونِ السابقةِ.

لقد سرتْ في نهايةِ القرنِ الرابعِ الهجري وفيما بعده مِن القرونِ روحُ التمذهبِ للأئمةِ، وظَهَرَ في صفوفِ العلماءِ الانتسابُ إليهم، والأخذ بمناهجِهم

(1)

.

يقول الشيخُ محمدٌ الخضري: "بعد أنْ كان مُرِيدُ الفقهِ يشتغلُ أولًا بدراسةِ الكتاب، وروايةِ السُنَّة - اللذينِ هما أساسُ الاستنباطِ - صار في هذا الدورِ يتلقَّى كُتُبَ إمامٍ معيَّنٍ، ويدرسُ طريقتَه التي استنبطَ بها ما دوّنه مِن الأحكامِ، فإذا أتمَّ ذلك صارَ مِن العلماءِ الفقهاءِ"

(2)

.

وانتشرتْ في هذه القرونِ الكتابةُ في فقهِ إمامِ المذهبِ وأصولِه - إمَّا بالتأليفِ ابتداءً، وإمَّا بالاختصارِ لكتاب مؤلِّفٍ سابقٍ، وإمَّا بالشرحِ لمختصرٍ - واتَّسَمَ التأليفُ بالتنظيمِ والترتيبِ والتحقيقِ للمذهبِ

(3)

.

(1)

انظر: الفكر السامي لمحمد الحجوي (3/ 44)، وتاريخ الفقه الإسلامي لإلياس دردور (1/ 639).

(2)

تاريخ التشريع الإسلامي (ص/ 323 - 324). وانظر: تاريخ الفقه الإسلامي للدكتور بدران أبو العينين (ص/ 94)، وتاريخ الفقه الإسلامي لمحمد السايس (ص/ 174).

(3)

انظر: تاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري (ص/ 324)، وأسباب اختلاف الفقهاء =

ص: 675

يقول الشيخُ مصطفى الزرقا

(1)

عن علماءِ هذه القرون: "تخرَّج في كلِّ مذهبٍ فقهاءُ عظام تناولوا المذهبَ بالتدوينِ والتنقيحِ والترتيبِ"

(2)

.

وقد نبغ في هذه الحقبةِ الزمنية علماءُ محققون في مختلف المذاهب الفقهية

(3)

، مِنْ هؤلاءِ: أبو جعفر الطحاوي (ت: 321 هـ)، وأبو القاسمِ الخرقي (ت: 334 هـ)، وأبو الحسنِ الكرخي (ت: 340 هـ)، وأبو بكرٍ القفال الكبير (ت: 365 هـ)

(4)

، وأبو بكرٍ الجصاص (ت: 370 هـ)، وأبو بكرٍ الأبهري

= للدكتور مصطفى الزلمي (ص/ 31)، وتاريخ الفقه الإسلامي لمحمد السايس (ص/ 174)، والاجتهاد والتقليد للدكتور محمد الدسوقي (ص/ 183 - 184)، وتخريج الفروع على الأصول لعثمان شوشان (1/ 155)، وتاريخ التشريع للدكتور عبد الله الطريقي (ص/ 300)، والفقه الإسلامي للدكتور سليمان العطوي (1/ 115)، ومقدمة المحقق الدكتور عبد العزيز القايدي لتهذيب الأجوبة (1/ 48)، والفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد للدكتور عبد الله الجبوري (ص/ 44)، والمدخل لدراسة الفقه الإسلامي للدكتور شوقي الساهي (ص/ 105)، وتاريخ الفقه الإسلامي لإلياس دردور (2/ 786).

(1)

هو: مصطفى بن أحمد بن محمد الزرقا، ولد في حلب سنة 1325 هـ (الموافق 1907 م) حفظ القرآن في الكتاب، والتحق بالمدرسة الفرنسية، ثم التحق بالمدرسة الخسروية الشرعية، تفقه على والده - وكان كثير النقاش معه في المسائل الفقهية - وعلى الشيخ محمد أبو زهرة، والشيخ محمد الخضر حسين، طالع كتب الأدب، وعُني بحل المشكلات اللغوية، كان من كبار الفقهاء المعاصرين، علامة فقيهًا حنفيًا، شاعرًا ضليعًا في اللغة والأدب، من مؤلفاته: المدخل الفقهي العام، وشرح القانون المدني السوري، وديوان قوس قزح، وقد جمعت فتاواه، توفي سنة 1420 هـ. انظر ترجمته في: مقدمة فتاوى الزرقا (ص/ 21)، وعلماء ومفكرون عرفتهم للمجذوب (2/ 343)، وذيل الأعلام لأحمد العلاونة (2/ 190)، وعلماء دمشق للدكتور أباظة (ص/ 407).

(2)

المدخل الفقهي العام (1/ 203). وانظر: المدخل للفقه الإسلامي للدكتور محمد مدكور (ص/ 97).

(3)

انظر: تاريخ التشريع لمحمد الخضري (ص/ 346)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور بدران أبو العينين (ص/ 96)، والمدخل للفقه الإسلامي للدكتور محمد مدكور (ص/ 95)، وتاريخ التشريع للدكتور عبد الله الطريقي (ص/ 321).

(4)

هو: محمد بن علي بن إسماعيل، أبو بكر القفال الشاشي الكبير، ولد سنة 291 هـ كان علامةً إمام عصره بلا مدافع، فقهيًا أصوليًا مفسرًا محدثًا لغويًا شاعرًا، متمكنًا من العلوم، من كبار علماء المذهب الشافعي، وهو أول من صنف في الجدل الحسن من الفقهاء، قال عنه الحاكم:"كان أعلم أهل ما وراء النهر بالأصول، وأكثرهم رحلةً في طلب الحديث"، =

ص: 676

(ت: 375 هـ)

(1)

، وابن بطة الحنبلي (ت: 387 هـ)

(2)

، وأبو سليمان الخطابي (ت: 388 هـ)

(3)

، وأبو الحسن بن القصار (ت: 398 هـ)، والحسن بن حامد الحنبلي (ت: 403 هـ)، وأبو زيد الدبوسي (ت: 430 هـ)، وأبو عبد الله الصيمري

= من مؤلفاته: محاسن الشريعة، وشرح الرسالة للإمام الشافعي، وكتاب في أصول الفقه، والتقريب، ودلائل النبوة، توفي بالشاش سنة: 365 هـ وقيل: سنة 336 هـ. انظر ترجمته في: طبقات الفقهاء للشيرازي (ص/ 108)، ووفيات الأعيان لابن خلكان (4/ 200)، وسير أعلام النبلاء (16/ 283)، والوافي بالوفيات للصفدي (3/ 112)، وطبقات الشافعية للإسنوي (2/ 4)، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 148)، وطبقات الشافعية لابن هداية الله (ص/ 89).

(1)

هو: محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح الأبهري التميمي، أبو بكر، ولد قبل سنة 289 هـ من علماء المذهب المالكي، وقد انتهت إليه رئاسة مذهبه في بغداد، كان عالمًا فقهيًا مقرئًا عارفًا بوجوه القراءات والتجويد، محدثًا ثقةً مأمونًا صالحًا خيّرًا ورعًا، عاقلًا نبيلًا، معظمًا عند سائر علماء وقته، من مؤلفاته: الرد على المزني، وإثبات حكم القافة، والأصول، وإجماع أهل المدينة، توفي ببغداد سنة 375 هـ. انظر ترجمته في: تاريخ مدينة السلام للخطيب (3/ 492)، وطبقات الفقهاء للشيرازي (ص/ 156)، وترتيب المدارك للقاضي عياض (6/ 183)، وسير أعلام النبلاء (16/ 332)، والوافي بالوفيات للصفدي (3/ 308)، والمقفى الكبير للمقريزي (6/ 107)، والديباج المذهب لابن فرحون (2/ 206)، وشجرة النور الزكية لمخلوف (1/ 91).

(2)

هو: عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان، أبو عبد الله العكبري، المعروف بابن بطة، ولد سنة 304 هـ كان من أعيان الحنابلة في عصره، إمامًا قدوةً محدثًا فقيهًا أصوليًا شيخًا صالحًا مستجاب الدعوة، أمّارًا بالمعروف، لكنه مع فضله له أوهام وأغلاط في الحديث، يقول شمس الدين الذهبي:"ومع قلة إتقان ابن بطة في الرواية، كان إمامًا في السنة، إمامًا في الفقه"، من مؤلفاته: الإبانة الكبرى، والإبانة الصغرى، وإبطال الحيل، توفي بعكبرا سنة 387 هـ. انظر ترجمته في: تاريخ مدينة السلام للخطيب (12/ 100)، وطبقات الحنابلة لابن أبي يعلى (3/ 256)، وسير أعلام النبلاء (16/ 529)، وميزان الاعتدال للذهبي (3/ 15)، والوافي بالوفيات للصفدي (19/ 411)، ولسان الميزان لابن حجر (5/ 342)، والمنهج الأحمد للعليمي (2/ 291)، والدر المنضد له (1/ 179).

(3)

هو: حمْد - وفي بعض المصادر: أحمد - بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي، أبو سليمان الخطابي، يرجع نسبه إلى زيد بن الخطاب، ولد سنة 319 هـ تفقه على مذهب الإمام الشافعي، وأخذه عن أبي بكر القفال الشاشي، وأصبح من كبار العلماء في وقته، إمامًا علامةً حجة حافظًا محدثًا صدوقًا، ولغويًا، وأحد الزهاد والورعين، من مؤلفاته: معالم السنن، وأعلام الحديث، وشأن الدعاء، والعزلة، توفي ببست سنة 388 هـ. انظر ترجمته في: إرشاد الأريب لياقوت (2/ 486)، وإنباه الرواة للقفطي (1/ 125)، ووفيات الأعيان لابن خلكان =

ص: 677

الحنفي (ت: 436 هـ)، والقاضي أبو الحسن الماوردي (ت: 450 هـ)، والقاضي أبو يعلى الفراء (ت: 458 هـ)، وأبو الوليد الباجي (ت: 474 هـ)، وأبو إسحاقَ الشيرازي (ت: 476 هـ)، وإمام الحرمين الجويني (ت: 478 هـ)، وأبو المظفرِ السمعاني (ت: 489 هـ)، وأبو بكرٍ السرخسي (ت: 490 هـ)، وأبو حامد الغزالى (ت: 505 هـ)، وأبو الخطاب الكلوذاني (ت: 510 هـ)، وأبو محمدٍ البغوي (ت: 516 هـ)

(1)

، وأبو بكرٍ بن العربي (ت: 543 هـ)، وأبو القاسم الرافعي (ت: 624 هـ)، وابن الصلاح (ت: 643 هـ)، وابن الحاجب (ت: 646 هـ)، ومجد الدين أبو البركات بن تيمية (ت: 652 هـ)

(2)

، ومحيي الدين النووي (ت: 676 هـ)، وشهاب الدين القرافي (ت: 684 هـ).

= (2/ 214)، وسير أعلام النبلاء (17/ 23)، وطبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (3/ 282)، وطبقات الشافعية للإسنوي (1/ 467).

(1)

هو: الحسين بن مسعود بن محمد الفراء البغوي، أبو محمد محيي السنة وركن الدين، ولد في حدود منة 436 هـ ببغشور، وقيل: بمدينة بغ، كان أحد العلماء الربانيين، وأحد أئمة الحديث والفقه والتفسير، ذا قدرٍ عالٍ في الدين والعلم، متسع الدائرة نقلًا وتحقيقًا، بحرًا في العلوم، إمامًا علامة حافظًا، زاهدًا قانعًا باليسير ورعًا، شافعي المذهب، رُزِقَ القبول في مصنفاته، من مؤلفاته: شرح السنة، والتهذيب في الفقه، ومعالم التنزيل، ومصابيح السنة، توفي بمرو الروذ - مدينة من مدن خراسان - سنة 516 هـ. انظر ترجمته في: وفيات الأعيان لابن خلكان (2/ 136)، وسير أعلام النبلاء (19/ 439)، وتذكرة الحفاظ للذهبي (4/ 1257)، وطبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (7/ 275)، وطبقات الشافعية للإسنوي (1/ 205).

(2)

هو: عبد السلام بن عبد الله بن الخضر بن تيمية، مجد الدين أبو البركات الحراني، ولد بحران سنة 590 هـ تقريبًا، كان أحد أعلام المذهب الحنبلي، ففيهًا أصوليًا مفسرًا مقرئًا محدثًا حافظًا نحويًا، عديم النظير في زمانه، وقد اشتهر اسمه، وبعد صيته، وانبهر منه علماء بغداد لذكائه وفضائله، قال عنه ابنُ مالك:"أُلين للشيخ المجد الفقه، كما ألين لدواد الحديد"، وقال عنه حفيدُه تقيُّ الدين:"كان جدنا عجبًا في حفظ الأحاديث وسردها بلا كلفةٍ، وحفظ مذاهب الناس"، من مؤلفاته: المحرر في الفقه، والمنتقى في الحديث، والمسودة - التي جمعها وبيضها أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني - توفي سنة 652 هـ. انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (23/ 291)، وفوات الوفيات لابن شاكر (2/ 323)، والوافي بالوفيات للصفدي (18/ 428)، والذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب (4/ 1)، والمقصد الأرشد لابن مفلح (2/ 162)، والمنهج الأحمد للعليمي (4/ 265)، والدر المنضد له (1/ 394)، ومقدمة محيي الدين عبد الحميد للمسودة (ص/ 2).

ص: 678

ومِن الأمورِ المهمّةِ التي برزتْ في هذه الحقبةِ الزمنيةِ: نضوجُ الاتجاهين الرئيسين في الكتابةِ في أصولِ الفقهِ، والاتجاهان هما:

الاتجاه الأول: الكتابةُ الأصوليةُ الخالصةُ التي لم تخالطْ أكثر مسائلها الفروعُ الفقهية.

واشتهرت هذه الطريقة باسم: طريقة المتكلمين، أو طريقة الشافعية

(1)

.

الاتجاه الثاني: الكتابةُ الأصوليةُ المتأثرةُ في أكثر مسائلها بالفروع الفقهية.

واشتهرت هذه الطريقة باسم: طريقة الحنفيةِ

(2)

.

وقد ظَهَرَتْ في هذه القرونِ بعضُ الأعمالِ العلميةِ المذهبيةِ التي قامَ بها كثيرٌ مِنْ متمذهبي المذاهب، ومِنْ أهمِّها:

أولًا: القيامُ ببيانِ عِلَلِ الأحكامِ التي استنبطها إمامُ المذهبِ وإظهارِها

(3)

.

(1)

انظر: مقدمة ابن خَلدون (3/ 1065 - 1066)، والشافعي - حياته وعصره لمحمد أبو زهرة (ص / 306 - 307، 310)، وتخريج الفروع على الأصول لعثمان شوشان (1/ 167)، والمدخل إلى أصول الفقه لموسى الإبراهيم (ص/ 22 - 23).

(2)

انظر: المصادر السابقة.

(3)

انظر: تاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري (ص/ 330)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور بدران أبو العينين (ص/ 97)، وتاريخ الفقه الإسلامي لمحمد السايس (ص/ 177)، والمدخل للفقه الإسلامي للدكتور محمد مدكور (ص/ 96)، والتخريج عند الفقهاء والأصوليين للدكتور يعقوب الباحسين (ص/ 67)، والاجتهاد والتقليد للدكتور محمد الدسوقي (ص/ 183)، والاجتهاد ومقتضيات العصر لمحمد الأيوبي (ص/ 133)، وتاريخ التشريع للدكتور عبد الله الطريقي (ص/ 312)، ومقدمة المحقق محمد بن طاهر للإشراف للقاضي عبد الوهاب (1/ 21)، ومقدمة المحقق الدكتور عبد العزيز القايدي لتهذيب الأجوبة (1/ 48)، وبلوغ الأماني للدكتور الحسن العلمي (ص/ 168)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور أحمد الحصري (ص/ 218)، والمنهج الفقهي العام لعلماء الحنابلة للدكتور عبد الملك بن دهيش (ص/ 23)، وتاريخ الفقه الإسلامي لإلياس دردور (1/ 646).

ص: 679

لم يكن التمذهبُ عائقًا أمامَ الاستزادة مِن العلمِ، بلْ كان دافعًا إلى النظرِ والتنقيب، ولا سيما في تراثِ إمامِ المذهب، وقد عُني كثيرٌ مِن المتمذهبين بالنظرِ فيما أطلقَ إمامُ المذهبِ الحكَمَ فيه، فأظهروا عللَ المسائلِ التي كَشَفَ إمامُهم عن أحكامِها؛ بُغْيَةَ إلحاقِ الفروع المشابهةِ لها بما نصَّ على حكمِه

(1)

.

وبيانُ العللِ يفتحُ أمامَ المتمذهبين بابَ الفتيا فيما ليس فيه نصٌّ عن إمامِهم متى ما عُرِفتْ علةُ ما نصَّ عليه، وقد سُمِّي مَنْ يعمل ذلك بالمخرِّج، أو بمجتهدِ التَّخْرِيج

(2)

.

ومِن الطبعي أنْ يقعَ بين مخرّجي المذهب الواحدِ اختلافٌ في حكم الحادثةِ

(3)

؛ لاختلافِهم في الفرع المخرَّجِ عليَه، وفي علتِه، وهذا مؤذنٌ باتساعِ دائرةِ الأقوالِ في المذهبِ

(4)

.

وكذلك اهتمَّ بعضُ المتمذهبين، ولا سيما مِنْ أرباب المذهبِ الحنفي ببيانِ أصولِ مذهبِهم مِنْ خلالِ الفروعِ المرويّةِ عن أئمةِ الَمذهب، وتمحيصِ النظرِ فيها؛ طلبًا للأصلِ الذي ساروا عليه

(5)

.

(1)

انظر: تاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري (ص/ 330)، والمدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا (1/ 203، 205)، والمدخل في الفقه الإسلامي للدكتور محمد شلبي (ص/ 139)، والفكر الأصولي للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان (ص/ 106)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور بدران أبو العينين (ص/ 97)، وتاريخ التشريع للدكتور عبد الله الطريقي (ص/ 312)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور عبد الودود السريتي (ص/ 123 - 124)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور أحمد حسين (ص/ 147)، وتاريخ التشريع للدكتور محمود عثمان (ص/ 277)، والفقه الإسلامي للدكتور سليمان العطوى (1/ 112 - 113)، والمدخل لدراسة الفقه الإسلامي للدكتور شوقي الساهي (ص/ 107).

(2)

انظر: المصادر السابقة.

(3)

انظر: المدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا (1/ 209).

(4)

انظر: المصدر السابق.

(5)

انظر: تاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري (ص/ 330)، والمدخل في الفقه الإسلامي للدكتور محمد شلبي (ص/ 139)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور بدران أبو العينين (ص/ 97)، وتاريخ الفقه الإسلامي لمحمد السايس (ص/ 177 - 178)، والمدخل للفقه الإسلامي =

ص: 680

يقولُ الشيخُ محمدٌ الخضري عن علماءِ الحنفيةِ في تلك القرون: "كان كثيرٌ مِن الاحكامِ التي رَوَوْها عن أئمتِهم غيرَ معللةٍ، فاجتهدوا في بيانِ الأصولِ التي جَرَى عليها الأئمةُ في استنباطِهم، وقد يختلف العلماءُ في تخريج هذه العللِ

ووضعوا عند ذلك ما سمَّوه بأصولِ الفقه؛ اجتهادًا منهم أَنَّ هذه أصولُ أئمتِهم التي بنوا عليها استنباطَهم"

(1)

.

ثانيًا: القيامُ بالترجيحِ بين الآراء المختلفةِ في المذهبِ

(2)

.

اهتمتْ طائفةٌ مِن أربابِ المذهبِ بالترجيحِ بين الأقوالِ داخل المذهبِ، فكانتْ لها عنايةٌ بهذا الأمرِ، وقد وَقَعَ الترجيحُ على نوعين:

النوع الأول: الترجيحُ مِنْ جهةِ الرواية.

النوع الثاني: الترجيحُ مِن جهةِ الدراية

(3)

.

= للدكتور محمد مدكور (ص/ 96)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور عبد الودود السريتي (ص/ 124)، والمنهج الفقهي العام لعلماء الحنابلة للدكتور عبد الملك بن دهيش (ص/23).

(1)

تاريخ التشريع الإسلامي (ص/ 330).

(2)

انظر: المصدر السابق (ص/ 331)، والمدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا (1/ 205)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور بدران أبو العينين (ص/ 97)، وتاريخ الفقه الإسلامي لمحمد السايس (ص/ 178)، والمدخل للفقه الإسلامي للدكتور محمد مدكور (ص/ 96)، والفكر الأصولي للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان (ص/ 106)، والتخريج عند الفقهاء والأصوليين للدكتور يعقوب الباحسين (ص/ 67)، والاجتهاد والتقليد للدكتور محمد الدسوقي (ص/ 183)، والاجتهاد ومقتضيات العصر لمحمد الأيوبي (ص/ 137)، وتخريج الفروع على الأصول لعثمان شوشان (1/ 155)، وتاريخ التشريع للدكتور عبد الله الطريقي (ص/ 315)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور عبد الودود السريتي (ص/ 124)، وتاريخ التشريع للدكتور محمود عثمان (ص/ 278)، وبلوغ الأماني للدكتور الحسن العلمي (ص / 168)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور أحمد الحصري (ص/ 218)، والمدخل لدراسة الفقه الإسلامي للدكتور شوقي الساهي (ص/ 107)، وتاريخ الفقه الإسلامي لإلياس دردور (1/ 646).

(3)

انظر: تاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري (ص/ 331)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور بدران أبو العينين (ص/ 97)، وتاريخ الفقه الإسلامي لمحمد السايس (ص/ 187)، والفكر الأصولي للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان (ص/ 106)، والاجتهاد ومقتضيات العصر لمحمد الأيوبي (ص/ 137)، وتاريخ التشريع للدكتور عبد الله الطريقي (ص / 316 - 317)، ومقدمة المحقق الدكتور عبد العزيز القايدي لتهذيب الأجوبة (1/ 48)، وتاريخ الفقه الإسلامي =

ص: 681

النوع الأول: الترجيحُ مِنْ جهةِ الرواية.

قد يختلفُ النقلُ في بعضِ المسائلِ عن أئمةِ المذاهبِ؛ إذ الناقلون عن الأئمة كُثُرٌ، وقد يحصلُ الاختلافُ بينهم - لأيِّ سببٍ: كتجدّدِ الاجتهادِ، وخطأِ الناقلِ، ونحو ذلك - فكان مِنْ عملِ بعضِ علمَاءِ المذهبِ قيامُهم بالترجيح بين الرواياتِ المختلفةِ عن إمامِهم، فرجَّحوا ما اطمأنتْ أنفسُهم إليه، كأنْ يُرَجَّح ما نَقَلَه واحدٌ بعينِه مِنْ علماءِ المذهبِ على غيرِه مِنْ أرباب مذهبِه؛ لمزيَّةٍ فيه، أو يُرَجّح ما نَقَلَه الراوي الأكثر ثقةً على سائرِ الرواة فيمَا لو خالفوه

(1)

.

النوع الثاني: الترجيحُ مِنْ جهةِ الدراية.

ممَّا هو واقعٌ في أغلب المذاهبِ - إنْ لم يكن في جميعِها - أنْ يُنْقَلَ عن إمامِ المذهب في مسألةٍ وَاحدةٍ أكثرُ مِنْ قولٍ، أو أنْ يختلفَ قولُ الإمامِ مع قولِ بعضِ أرَبابِ مذهبِه، ففي مثلِ هذه الأحوالِ تقومُ طائفةٌ مِنْ علماءِ المذهب العارفين بأصولِه، وطرقِ الاستنباطِ فيه، بالترجيحِ بين هذه الاختلافَاتِ في ضوءِ ما يتفق وأصولَ مذهبِهم

(2)

.

وقد ظَهَرَ نتيجةَ للترجيحِ بين الأقوالِ رواياتٌ وأقوالٌ وأوجهٌ ضعيفةٌ،

= للدكتور عبد الودود السريتي (ص/ 124 - 125)، والفقه الإسلامي للدكتور سليمان العطوي (1/ 113).

(1)

انظر: المصادر السابقة، ومعالم السنن للخطابي (1/ 8)، والمدخل في الفقه الإسلامي للدكتور محمد شلبي (ص/ 139)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور أحمد حسين (ص/ 148)، وتاريخ التشريع للدكتور محمود عثمان (ص/ 278)، والمنهج الفقهي العام لعلماء الحنابلة للدكتور عبد الملك بن دهيش (ص/ 23).

(2)

انظر: تاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري (ص/ 332)، والمدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا (1/ 209)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور بدران أبو العينين (ص/ 98)، وتاريخ الفقه الإسلامي لمحمد السايس (ص/ 179)، وتاريخ التشريع للدكتور عبد الله الطريقي (ص/ 317)، وتاريخ التشريع للدكتور محمود عثمان (ص/ 279)، والفقه الإسلامي للدكتور سليمان العطوي (1/ 114).

ص: 682

وأخرى قويةٌ يُعْتَمد عليها

(1)

.

ومِن المتوقّعِ أنْ يحصلَ الاختلافُ بين المرجِّحين في القولِ الذي يتفقُ وأصولَ المذهب

(2)

، وكان في هذا مدعاةٌ إلى تشعّبِ الآراءِ في المذهبِ، واتساعِ دائرتِه

(3)

.

ثالثًا: القيامُ بالانتصارِ للمذهبِ.

حَرَصَ جمعٌ مِن المتمذهبين على الانتصارِ لمذهبِهم، وبيانِ أدلتِه، وقوةِ أصولِه، وكان ذلك على صورتين:

الصورة الأُولى: الانتصارُ للمذهبِ ونصرتُه جُمْلَةً، وذلك ببيانِ مناقبِ إمامِ المذهبِ، ولا سيما سعة علمِه، واتباعه للكتابِ والسنةِ، وجودة استنباطِه، ومزيد ورعِه وزهدِه، والحثّ على التمذهبِ بمذهبِه

(4)

.

وقد يُوغِلُ بعضُ المتمذهبين فيتعصبُ لمذهبِه، ويقدحُ في أئمةِ

(1)

انظر: المدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا (1/ 209).

(2)

انظر: تاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري (ص/ 332)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور بدران أبو العينين (ص/ 98)، وتاريخ الفقه الإسلامي لمحمد السايس (ص/ 179)، وتاريخ التشريع للدكتور عبد الله الطريقي (ص/ 317).

(3)

انظر: المدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا (1/ 209).

(4)

انظر: تاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري (ص/ 333)، والفكر السامي لمحمد الحجوي (4/ 178)، والمدخل في الفقه الإسلامي للدكتور محمد شلبي (ص/ 136)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور بدران أبو الجنين (ص/ 98)، وتاريخ الفقه الإسلامي لمحمد السايس (ص/ 179)، والفكر الأصولي للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان (ص/ 106)، والتخريج عند الفقهاء والأصوليين للدكتور يعقوب الباحسين (ص/ 67)، وفقه إمام الحرمين للدكتور عبد العظيم الديب (ص/ 37)، وتخريج الفروع على الأصول لعثمان شوشان (1/ 155)، وتاريخ التشريع للدكتور عبد الله الطريقي (ص/ 308)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور عبد الودود السريتي (ص/ 121)، وتاريخ التشريع للدكتور محمود عثمان (ص/ 280)، وبلوغ الأماني للدكتور الحسن العلمي (ص/ 169)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور أحمد الحصري (ص/ 220)، والفقه الإسلامي للدكتور سليمان العطوي (1/ 114)، والمدخل لدراسة الفقه الإسلامي للدكتور شوقي الساهي (ص/ 109)، وتاريخ الفقه الإسلامي لإلياس دردور (1/ 648).

ص: 683

المذاهبِ الأخرى، ويحطُّ مِنْ شَأنِهم

(1)

.

الصورة الثانية: الانتصارُ للمذهبِ على سبيلِ التفصيلِ، وذلك بذِكرِ حُجَجِ الإمامِ وأصحابِه في المسائلِ الخلافيةِ بين الأئمةِ، وتفنيدِ أدلةِ معارضيه، وقد صنّفَ المتمذهبون في ذلك كُتُبًا، عُرِفَت بكُتُب الخلاف

(2)

.

ولم تخلُ بعضُ هذه الانتصاراتِ مِنْ بعضِ الممارساتِ السلبيةِ، كالتكلّفِ في الاستدلالِ للمذهبِ، وفي المناقشةِ لأدلةِ المخالفين

(3)

، وكتركِ أدلةِ المخالفين القويّةِ وإغفالِ ذكرِها.

لقد اتسمتْ تلك القرون وخاصةً القرن السادس والقرن السابع بكثرةِ العلمِ، فقد كانت المعلوماتُ كثيرةً جدًّا، وقد اهتمَّ بها الدارسون، فعَكَفوا عليها، لكنَّ هذه الكثرةَ لم يأتِ ما يناسبها من جودةِ النقدِ والترجيحِ لدى طائفةٍ كبيرةٍ من المتمذهبين؛ لإصرارِهم على الالتزام بالمذهب، وتعصّبِهم له

(4)

.

وممَّا بَرَزَ في القرون: الرابع الهجري وما بعده إلى القرن السابعِ الهجري:

الأمر الأول: انتشارُ ظاهرةِ التمذهبِ للأئمةِ، بحيثُ أصبحتْ هي

(1)

انظر: تاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري (ص/ 333)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور بدران أبو العينين (ص/ 98).

(2)

انظر: المصدرين السابقين، والإنصاف في بيان سبب الاختلاف للدهلوي (ص/ 38)، والاجتهاد والتقليد للدكتور محمد الدسوقي (ص/ 183)، وتاريخ الفقه الإسلامي لمحمد السايس (ص/ 180)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور عبد الودود السريتي (ص/ 126)، وتاريخ التشريع للدكتور محمود عثمان (ص/ 280)، وبلوغ الأماني للدكتور الحسن العلمي (ص/ 169)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور أحمد الحصري (ص/ 220)، والفقه الإسلامي للدكتور سليمان العطوي (1/ 114)، وتاريخ الفقه الإسلامي لإلياس دردور (1/ 649).

(3)

انظر: تاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري (ص/ 333)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور بدران أبو العينين (ص/ 98)، وتاريخ الفقه الإسلامي لمحمد السايس (ص/ 180).

(4)

انظر: ابن حزم - حياته وعصره لمحمد أبو زهرة (ص/ 127).

ص: 684

السّمةَ الباوؤةَ للحياةِ العلميةِ

(1)

.

وتضاعفُ الأمرُ عند بعضِ المتمذهبين، فقرروا المنعَ مِن الخروجِ من المذهب؛ لئلا يقعَ الناسُ في تتبّعِ الرخصِ

(2)

.

وحلَّ الاجتهادُ المذهبي محلَّ الاجتهادِ المطلقِ

(3)

، فكان كثيرٌ مِنْ محققي المذاهبِ في تلك القرونِ يقومون ببيانِ حكمِ النوازلِ عن طريقِ الاجتهادِ المذهبي المقيَّدِ

(4)

.

يقولُ الشيخُ محمدٌ الحجوي: "لم يبقَ في جُلِّ الرابعِ مجتهدٌ مطلقٌ

وإنْ ادَّعاه أحدٌ أنكرَ عليه، ونُوزع فيه"

(5)

.

(1)

انظر: إعلام الموقعين (2/ 11)، والفكر السامي لمحمد الحجوي (3/ 48)، و (4/ 178)، والاجتهاد ومدى حاجتنا إليه للدكتور سيد الأفغاني (ص/ 93)، وأسباب اختلاف الفقهاء للدكتور مصطفى الزلمي (ص/ 31)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور بدران أبو العينين (ص/ 94)، وتاريخ الفقه الإسلامي لمحمد السايس (ص/ 174)، والفقه الإسلامي للدكتور سليمان العطوي (1/ 109)، والمدخل للفقه الإسلامي للدكتور محمد مدكور (ص/ 95)، وتاريخ التشريع للدكتور عبد الله الطريقي (ص/ 298)، وبلوغ الأماني للدكتور الحسن العلمي (ص/ 164)، والمدخل لدراسة الفقه الإسلامي للدكتور شوقي الساهي (ص/ 106)، وعلم أصول الفقه من التدوين إلى نهاية القرن الرابع الهجري للدكتور أحمد الضويحي (2/ 698).

(2)

انظر: جامع مسائل الأحكام للبُرزلي (1/ 86).

(3)

انظر: إمام الكلام للكنوي (ص/ 36)، والمدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا (1/ 208)، ومضات فكر لمحمد الفاضل بن عاشور (ص/ 144)، ومناهج الاجتهاد في الإسلام للدكتور محمد مدكور (ص/ 414)، والاجتهاد في الشريعة الإسلامية للدكتور وهبة الزحيلي (ص/ 174) ضمن بحوث الاجتهاد في الشريعة، ومقدمة المحقق محمد بن طاهر للإشراف للقاضي عبد الوهاب (1/ 21)، والفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد للدكتور عبد الله الجبوري (ص/ 45)، ومعالم تجديد المنهج الفقهي لحليمة بوكروشة (ص/ 36).

(4)

انظر: أدب المفتي والمستفتي (ص/ 95)، والمجموع شرح المهذب للنووي (1/ 43)، والشافعي - حياته وعصره لمحمد أبو زهرة (ص/ 328 - 329)، والمدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا (1/ 209).

(5)

الفكر السامي (3/ 141). وانظر: الاجتهاد في الشريعة الإسلامية لعلي الخفيف (ص/ 226) ضمن بحوث الاجتهاد في الشريعة.

ص: 685

وتَبعَ شيوع التمذهبِ للأئمةِ:

- تمركزُ بعضِ المذاهب في عددٍ من الأقاليم والأقطارِ الإسلاميةِ بصورةٍ أوضح ممَّا كانت عليه

(1)

.

- وجودُ المدارٍ التي تُعْنَى بالعلمِ الشرعي، وكان منها: المدارسُ المذهبيةُ التي تقومُ على نشْرِ علومِ المذهبِ ورعايتها

(2)

.

يقولُ شمسُ الدينِ الذهبي (ت: 748 هـ) بعدما ذَكَرَ عددًا مِنْ مجتهدي أوائل القرن الرابع: "ثمَّ بعدَ هذا النَمَطِ تَنَاقَصَ الاجتهادُ، ووُضِعَتْ المختصراتُ، وأخلدَ الفقهاءُ إلى التقليدِ، مِنْ غيرِ نظير في الأعلمِ، بلْ بحسبِ الاتفاقِ والتشهي والتعظيمِ والعادةِ والبلدِ"

(3)

.

ويقول الشيخُ مصطفى الزرقا عن الحالةِ العلميةِ في تلك الحقبةِ الزمنيةِ: "ركدتْ حركةُ الاجتهادِ، وأخلدَ الراغبونَ في الفقهِ إلى العكوتِ على مذاهبِ أولئك المجتهدين السابقين، وخاصةً منهم الأربعة"

(4)

.

وكانتْ جهودُ كثيرٍ من الفقهاءِ في هذه القرونِ محصورةً في دائرةِ مذهبِ إمامِهم، فلا يكادون يحيدون عنه

(5)

.

الأمر الثاني: القولُ بإقفالِ بابِ الاجتهادِ المطلقِ في الشريعةِ

(1)

انظر: المدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا (1/ 203)، والمدخل لدراسة الفقه الإسلامي للدكتور شوقي الساهي (ص/ 105).

وقد نقل تاج الدين السبكي (ت: 771 هـ) في: طبقات الشافعية الكبرى (8/ 320) كلامًا غير علمي في هذا الصدد، لكنه يدلُّ على ظاهرةِ تمركز المذاهب، فيقول:"قال أهل التجربة: إنَّ هذه الأقاليم: المصرية والشامية والحجازية، متى كان البلدُ فيها لغير الشافعية خَرِبَت، ومتى قدَّم سلطانُها غيرَ أصحاب الشافعي زالتْ دولتُه سريعًا، وكأنَّ هذا السرَّ جعله الله في هذه البلاد، كما جعل مثله لمالكٍ في بلاد المغرب، ولأبي حنيفة فيما وراء النهر".

(2)

انظر: ابن تيمية - حياته وعصره لمحمد أبو زهرة (ص/ 127 - 128).

(3)

سير أعلام النبلاء (8/ 91).

(4)

المدخل الفقهي العام (1/ 203).

(5)

انظر: المدخل للفقه الإسلامي للدكتور محمد مدكور (ص/ 95).

ص: 686

الإسلاميةِ

(1)

.

دعا بعضُ المتمذهبين في أواخرِ القرنِ الرابعِ الهجري تقريبًا إلى القولِ بإقفالِ بابِ الاجتهادِ في الشريعةِ

(2)

.

وكانت هناك عدةُ بواعث للقولِ بإقفالِ باب الاجتهادِ، وسيأتي في البابِ الثاني إنْ شاءَ الله مزيدُ حديثٍ عن هذه المسأَلة.

الأمر الثالث: خدمةُ المذهب بالتأليفِ فيه، وقد سبقت الإشارة إلى هذا الأمرِ عند حديثي عن أعمالِ المتمذهبين في هذه القرونِ

(3)

.

الأمر الرابع: اتّساعُ علمِ أصولِ الفقهِ على أيدي كبارِ رجالِ المذاهبِ الأربعةِ، وتحريرُ مسائلِه، والعنايةُ به

(4)

.

(1)

انظر: سير أعلام النبلاء (8/ 90)، والعواصم والقواصم لمحمد الوزير (2/ 124)، والمدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا (1/ 203)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور بدران أبو العينين (ص/ 95)، ومناهج الاجتهاد في الإسلام للدكتور محمد مدكور (ص/ 415)، والمدخل للفقه الإسلامي له (ص/ 96)، والاجتهاد في الشريعة الإسلامية لعلي الخفيف (ص/ 227) ضمن بحوث الاجتهاد في الشريعة، والفكر الأصولي للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان (ص/ 106)، ودراسة تحليلية مؤصلة لتخريج الفروع على الأصول لجبريل ميغا (ص/ 353)، والفتوى - نشأتها وتطورها للدكتور حسين الملاح (ص/ 338، 340)، ومقدمة المحقق محمد بن طاهر للإشراف للقاضي عبد الوهاب (1/ 21)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور عبد الودود السريتي (ص/ 122)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور أحمد الحصري (ص/ 216)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور ناصر الطريفي (ص/ 148)، والفقه الإسلامي للدكتور سليمان العطوي (1/ 116).

(2)

انظر: المدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا (1/ 203)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور بدران أبو العينين (ص/ 95)، وتاريخ الفقه الإسلامي لمحمد السايس (ص/ 175)، وبلوغ الأماني للدكتور الحسن العلمي (ص/ 169).

(3)

انظر: المدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا (1/ 208 - 209)، وسيأتي مزيد حديث عن بيان خدمة المذهب في الباب الثاني حين أتحدث عن ازدهار النشاط التأليفي.

(4)

انظر: المصدر السابق (1/ 209)، والفكر الأصولي للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان (ص/ 107)، والاجتهاد والتقليد للدكتور محمد الدسوقي (ص/ 183)، وتاريخ التشريع للدكتور عبد الله الطريقي (ص/ 291، 314)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور أحمد حسين (ص/ 149)، والإمام الشهاب القرافي للصغير الوكيلي (2/ 251)، علم أصول الفقه من التدوين إلى نهاية القرن الرابع الهجري للدكتور أحمد الضويحي (2/ 700).

ص: 687

يقولُ الشيخُ مصطفى الزرقا معلِّلًا توسّعَ العلماءِ في أصولِ الفقهِ: "كان اتساعُه؛ نتيجةً لازمةً لتلك التوسعاتِ المذهبيةِ التي يجبُ أنْ تستندَ إليه"

(1)

.

ويُبيّنُ الشيخُ محمدٌ أبو زهرة عنايةَ العلماءِ بأصولِ الفقهِ في القرونِ التي قيل: إنَّ بابَ الاجتهاد قد أُقْفِلَ فيها، فيقول:"وَجَدَت العقولُ القويّةُ المتجهةُ إلى الفحصِ والبحثِ والدراسةِ في أصولِ الفقهِ بابًا لرياضةِ فقهيّةٍ، مِنْ غيرِ أنْ تتورطَ في استنباطِ أحكامٍ تُخالفُ ما قرره المذهبُ الذي ينتمون إليه، وإنَّ المتعصبين لمذاهبِهم وجدوا في بحوثِ علمِ الأصولِ والاستفاضةِ فيها ما يمكن أنْ يؤيدوا به مذهبَهم، ويوثقوا الاستدلالَ له"

(2)

.

الأمر الخامس: استمرارُ انتشارِ المناظراتِ بين أتباعِ المذاهب، وتَبعَ هذا الأمر اهتمامُ بعض المتمذهبين بتقعيدِ علمِ الجدلِ وتأصيلِه

(3)

.

فقد شاعَت المناظراتُ بين أرباب المذاهب أكثر ممَّا سَبَقَ، فخاضوا مَعَامِعَهَا، وجالوا في مَيَادِينِها، وكان الدافعُ في كثيرٍ منها الانتصارَ للمذهب، وترجيحَ التمذهبِ به على سائرِ المذاهب

(4)

.

(1)

المدخل الفقهي العام (1/ 209).

(2)

أصول الفقه (ص/ 18). وانظر: الفكر الأصولي للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان (ص/ 108 - 109).

(3)

انظر: الإنصاف في بيان سبب الاختلاف للدهلوي (ص/ 38)، وتاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري (ص/ 333)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور بدران أبو العينين (ص/ 98)، وتاريخ الفقه الإسلامي لمحمد السايس (ص/ 176، 180)، والمدخل للفقه الأصلامي للدكتور محمد مدكور (ص/ 96)، والاجتهاد في الشريعة الإسلامية لعلي الخفيف (ص/ 226) ضمن بحوث الاجتهاد في الشريعة، وتخريج الفروع على الأصول لعثمان شوشان (1/ 154)، والفقه الإسلامي للدكتور سليمان العطوي (1/ 114)، وعلم أصول الفقه من التدوين إلى نهاية القرن الرابع الهجري للدكتور أحمد الضويحي (2/ 698).

(4)

انظر: مقدمة ابن خَلدون (3/ 1052 - 1053)، وتاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري (ص/ 334)، والمدخل في الفقه الإسلامي للدكتور محمد شلبي (ص/ 140)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور بدران أبو العينين (ص/ 99)، وتاريخ الفقه الإسلامي لمحمد السايس =

ص: 688

يقولُ الشيخُ مصطفى الزرقا: "كانتْ هناك منافساتٌ ومناقشاتٌ ومناظراتٌ واسعةٌ بين رجالِ المذاهب

تسودها صبغةُ العصبيةِ المذهبيةِ أكثر مِن الغَرَضِ العلمي"

(1)

.

الأمر السادس: شيوعُ التعصبِ للمذاهبِ، وقيامُ الصراعاتِ بينها

(2)

.

لقد قصرتْ نظرةُ بعضِ أربابِ المذاهبِ في فَهْمِ التمذهب، فأوغلوا في الدفاعِ عن مذهبِهم، وعن آثارِ إمامِهم، فتعصّبوا له، وادّعَوا صوابَ مذهبِهم كلِّه، وحاربوا غيرَهم مِنْ أرباب المذاهب

(3)

، ولم يجعلوا مِنْ الاختلافاتِ القائمةِ بين المذاهبِ رحمة وعذرًا للمخالفِ، بلْ جعلوها مدخلًا للوقوعِ في التعصبِ بشتَّى ألوانِه وصورِه، فسمَّوا المخالفَ

= (ص/ 180)، والفكر الأصولي للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان (ص/ 106)، وتاريخ التشريع للدكتور عبد الله الطريقي (ص/ 305)، ومقدمة المحقق الدكتور عبد العزيز القايدي لتهذيب الأجوبة (1/ 52 وما بعدها)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور أحمد حسين (ص/ 149 - 148)، وتاريخ التشريع للدكتور محمود عثمان (ص/ 374)، وبلوغ الأماني للدكتور الحسن العلمي (ص/ 165)، والمدخل لدراسة الفقه الإسلامي للدكتور شوقي الساهي (ص/111).

(1)

المدخل الفقهي العام (1/ 209).

(2)

انظر: إعلام الموقعين (2/ 11)، وتاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري (ص/ 343)، وأسباب اختلاف الفقهاء للدكتور مصطفى الزلمي (ص/ 31)، والمدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا (1/ 205، 209)، والفكر الأصولي للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان (ص/ 105)، والمدخل للفقه الإسلامي للدكتور محمد مدكور (ص/ 95، 414)، وتاريخ الفقه الإسلامي لمحمد السايس (ص/ 174)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور أحمد الحصري (ص/ 216)، والاجتهاد والتقليد للدكتور محمد الدسوقي (ص/ 183)، وفقه إمام الحرمين للدكتور عبد العظيم الديب (ص/ 40)، وتاريخ التشريع للدكتور عبد الله الطريقي (ص/ 305)، ومقدمة المحقق الدكتور عبد العزيز القايدي لتهذيب الأجوبة (1/ 50)، ودراسة تحليلية مؤصلة لتخريج الفروع على الأصول لجبريل ميغا (ص/ 353)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور عبد الودود السريتي (ص/ 119)، وتاريخ التشريع للدكتور محمود عثمان (ص/ 273)، وبلوغ الأماني للدكتور الحسن العلمي (ص/ 164)، وعلم أصول الفقه من التدوين إلى نهاية القرن الرابع الهجري للدكتور أحمد الضويحي (2/ 699).

(3)

انظر: المدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا (1/ 209 - 210).

ص: 689

خصمًا

(1)

، مع العلمِ أنَّ جُلَّ المسائلِ الخلافيةِ بين أرباب المذاهبِ مسائلُ اجتهادية، وقد كان أئمةُ المذاهب أنفسُهم وسائرُ المجتهدين يعذرون المخالفَ فيها

(2)

.

يقولُ ابنُ حزمٍ (ت: 456 هـ) عن مالكيةِ الأندلسِ: "وأمَّا أهلُ بلدِنا، فليسوا ممَّنْ يتعنَّى بطلب دليلٍ على مسائلِهم

فيَعْرِضُون كلامَ الله تعالى، وكلامَ الرسول صلى الله عليه وسلم عَلى قولِ صاحبهم

فإنْ وافقَ قولُ الله وقولُ رسولِه عليه السلام قولَ صاحبِهم أخذوه، وإنْ خالفاه تركوا قولَ الله تعالى جانبًا، وقولَه عليه السلام ظهريًا"

(3)

.

ويقولُ ابنُ الجوزي (ت: 597 هـ): "رأيتُ جماعةً مِن المنتسبين إلى العلمِ، يعملون عَمَلَ العوامِّ، فإذا صلَّى الحنبليُّ في مسجدٍ شافعي، ولم يجهرْ، غَضَبَت الشافعيةُ، وإذا صلَّى شافعيُّ في مسجدٍ حنبلي، وجَهَرَ، غَضَبَت الحنابلةُ، وهذه مسألةٌ اجتهاديةٌ، والعصبيةُ مجرّدُ هوى يمنعُ منه العلمُ"

(4)

.

وقرّرَ بعضُ المتمذهبين عدمَ صحةِ الصلاةِ خلفَ المخالف في الفروع

(5)

، بلْ تعدّى الأمرُ في أوائلِ المائةِ السادسةِ إلى وجودِ أربعةِ

(1)

انظر: الإنصاف في بيان سبب الاختلاف للدهلوي (ص/ 41 - 42)، وتاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري (ص/ 344)، والمدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد (1/ 106 - 107).

(2)

انظر: الإنصاف في بيان سبب الاختلاف للدهلوي (ص/ 42).

(3)

الإحكام في أصول الأحكام (6/ 117 - 118). وانظر: خطبة الكتاب المؤمل للرد إلى الأمر الأول لأبي شامة (ص/ 99 - 100، 140)، وإعلام الموقعين (4/ 12).

(4)

نقل كلامَ ابن الجوزي ابنُ مفلحٍ في: الفروع (3/ 22)، ومصطفى الرحيباني في: مطالب أولي النهى (1/ 663).

(5)

انظر: الفروع لابن مفلح (3/ 21)، والقول السديد للمُلّا فرُّوخ (ص/ 170)، وتاريخ الجدل لمحمد أبو زهرة (ص/ 299)، وتاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري (ص/ 344)، وتاريخ الفقه الإسلامي للدكتور بدران أبو العينين (ص/ 99)، وبين متبع ومقلد أعمى للدكتور عامر الزيباري (ص/ 77، 78).=

ص: 690

مقاماتٍ للمذاهبِ الأربعةِ في المسجدِ الحرامِ؛ ليؤدي أربابُ كلِّ مذهبٍ صلاتهم على حدة

(1)

.

ولتصورِ مدى التعصب المذهبي واستفحالِ أمرِه في تلك القرون، أذكرُ ما جرى لأبي المظفرِ السمَعاني (ت: 489 هـ) لمَّا انتقلَ إلى المذهبِ الشافعي وترك المذهبَ الحنفي، إذ اضطربَ الناسُ في إقليمِه، وماجت العوامُّ، وقَامَت الحربُ على ساقٍ! وظَهَرَتْ بوادرُ فتنةٍ بين أرباب المذهبين: الحنفي والشافعي، ووَرَدَ كتابٌ مِن السلطان إلى أبي المظفر يُشَدّدُ عليه بالرجوعِ إلى المذهبِ الحنفي، لكنَّ أبا المظفرِ لم يرجعْ إلى المذهبِ الحنفي، وانتقلْ إلى بلدٍ آخر

(2)

.

بلْ بَلَغَ التعصبُ المذهبي مِنْ بعضِ المنتسبين إلى المذاهبِ في تلك القرون أنْ يقول أحدُ أرباب المذهب الحنفي

(3)

: "لو كان لي أمرٌ لأخذتُ الجزيةَ مِن الشافعيةِ"!

(4)

.

وللتعصبِ صورٌ سآتي عليها في البابِ الثاني، إنْ شاءَ الله تعالى.

= يقول محيي الدين النووي في: روضة الطالبين (1/ 341): "ولو كان بقربه مسجدٌ قليل الجمع، وبالبعد مسجد كثير الجمع، فالبعيد أفضل، إلا في حالتين:

والثاني: أنْ يكون إمام البعيد مبتدعًا - كالمعتزلي وغيره - قال المحاملي وغيرُه: وكذا لو كان الإمام حنفيًا؛ لأنه لا يعتقد وجوب بعض الأركان، بلْ قال أبو إسحاق: الصلاة منفردًا أفضل من الصلاة خلف الحنفي.

وهذا تفريع على صحة الصلاة خلف الحنفي

".

وانظر: جامع المسائل لابن تيمية (المجموعة الثامنة/ 434 وما بعدها، و 443 وما بعدها) فهو مهم.

(1)

انظر: المعيار المعرب للونشريسي (1/ 200)، والاتباع لابن أبي العز الحنفي (ص/ 92)، والنوازل الجديدة الكبرى للوزاني (2/ 262).

(2)

انظر هذه الحادثة في: سير أعلام النبلاء (19/ 116)، وطبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (5/ 340)، وطبقات الشافعية للإسنوي (2/ 29 - 35)، وطبقات الففهاء الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 257 - 258).

(3)

هو: محمد بن موسى البلاساغوني الحنفي، قاضي دمشق.

(4)

انظر: ميزان الاعتدال للذهبى (4/ 52)، ولسان الميزان لابن حجر (7/ 541).

ص: 691

الأمر السابع: وجودُ عددٍ مِن العلماءِ الذين بيّنوا خطرَ التقليدِ المذهبي.

لمَّا استفحلَ أمرُ التمذهبِ عند بعضِ المتمذهبين، ورَكَنُوا إلى التقليدِ المذهبي، وأَعْرَضُوا عن النظرِ في الأدلةِ، قامَ بعضُ العلماءِ بالتحذيرِ مِنْ هذا الفعلِ، والنصيحةِ لمَنْ وَقَعَ فيه، وبيانِ أنَّ الواجبَ هو النظرُ في الأدلةِ، ويأتي على رأس هؤلاء العلماء: ابنُ حزمٍ الأندلسي (ت: 456 ص)

(1)

- وموقفه من المتمذهبين مشهورٌ - وابن عبد البر المالكي (ت: 463 هـ) - وسيأتي بيانُ قولهما في الفصلِ الثالثِ، إن شاءَ الله تعالى - وأبو شامةَ المقدسي (ت: 665 هـ).

* * *

(1)

انظر: تاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري (ص/ 345).

ص: 692